الشارقة- خاص

 

تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي سفيرة ملف الترشيح الدولي "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية" ورئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) -في العاصمة الإيطالية؛ روما- معرضًا أثريًا عالميًا بعنوان "من الشارقة إلى روما عبر طريق البهارات"، الذي يعد أول معرض عربي يقام في مبنى مجلس الشيوخ الروماني "كوريا يوليا" ضمن "حديقة الكولوسيوم الأثرية".

ويتضمن المعرض، 110 قطع أثرية نادرة، تم اكتشافها في مراكز تجارية قديمة بإمارة الشارقة، تشمل منطقة مليحة ودبا الحصن، تؤكد الدور المركزي الذي لعبته الشارقة في شبكة الطرق التجارية التاريخية بين الشرق والغرب خلال العصرين الهلنستي والروماني، من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادي.

ويحتفي المعرض المشترك بين الشارقة وروما، والذي تنظمه "هيئة الشارقة للآثار" حتى 4 مايو المقبل، بالروابط والعلاقات التاريخية والثقافية العريقة بين الحضارتين العربية والرومانية في الخليج العربي وروما، والتي تعود لآلاف السنين، مقدمًا نظرة متعمقة على التبادل الثقافي والاقتصادي الذي شكل ملامح العالم القديم.

وشهد حفل افتتاح المعرض حضور نخبة من الشخصيات الحكومية والثقافية البارزة من دولة الإمارات وإيطاليا، منهم الشيخ فاهم القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية بالشارقة، وسعادة عيسى يوسف، مدير عام هيئة الشارقة للآثار، وألفونسو روسو، مدير "حديقة الكولوسيوم الأثرية"؛ حيث أكدوا أهمية المعرض ودوره في تعزيز الحوار الثقافي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيطاليا.

الاكتشافات الأثرية تثبت التبادل الثقافي والاقتصادي

وتتضمن القطع المعروضة قوارير زجاجية رومانية وتمثال فينوس البرونزي، وقطعًا نقدية من حقبة الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية، وتكشف هذه الكنوز الأثرية الرحلات التجارية الطويلة التي ربطت الشارقة بروما، وتوضح التبادل الثقافي والاقتصادي العميق بينهما، حيث كانت مليحة في تلك الحقبة مركزًا حضريًا واقتصاديًا مزدهرًا يعكس دورها في شبكة التجارة العالمية.

ويُسلِّط المعرض الضوء على الروابط الوثيقة بين الحضارتين العربية والرومانية والتبادل التجاري والثقافي من خلال طريق البهارات، الذي شكل وريدًا للتجارة والمعرفة والتقدم التقني بين آسيا وأوروبا، كما يضيء المعرض على دور طريق البهارات كجسر لحركة البضائع والسلع والأفكار والحرف بين القارات، وإرساء أسس الشبكات التجارية العالمية.

إبراز الدور التاريخي لإمارة الشارقة

وقال سعادة عيسى يوسف مدير عام هيئة الشارقة للآثار: "يُمثل هذا المعرض محطة بارزة ضمن جهودنا المستمرة بالهيئة لتعريف العالم بالإرث التاريخي العريق للإمارة وفق رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة في إبراز الدور التاريخي للإمارة وتعزيز الحوار بين الثقافات من خلال المعارض والفعاليات الأثرية الدولية، وإبراز دورها كمكون أساسي في شبكة التجارة العالمية القديمة، كما يشكل فرصة لتعزيز التعاون البحثي بين علماء الآثار في الشارقة ونظرائهم في روما، مما يسهم في إثراء الأبحاث العلمية حول شبكات التجارة القديمة والعلاقات بين الحضارات، فمن خلال هذه الاكتشافات الأثرية، لا نكتفي بتوثيق الماضي، بل نعيد رسم ملامحه، ونمنح الباحثين والجمهور نافذة فريدة لفهم الروابط الحضارية العميقة بين الشرق والغرب. وستواصل الهيئة مساعيها في مجال البحث والتنقيب، لاكتشاف المزيد من الكنوز الأثرية التي تؤكد المكانة الريادية للشارقة كمركز عالمي للتراث والثقافة".

وأضاف سعادته: "لقد أثبتت الاكتشافات الأثرية الحديثة أن الموانئ والمراكز التجارية في الشارقة لم تكن مجرد نقاط عبور، بل كانت محاور اقتصادية مزدهرة أسهمت في تدفق المنتجات الرومانية إلى شبه الجزيرة العربية، وشكّلت جسورًا حيوية للتجارة العالمية آنذاك. واليوم، من خلال هذه المعارض الدولية والجهود البحثية المستمرة، يمكننا أن نعيد تصور المشهد التجاري والثقافي للمدن القديمة في منطقتنا، وإبراز كيف أسهمت هذه الروابط في صياغة ملامح تاريخنا المشترك".

دور مركزي للشارقة

ويكشف المعرض كانت موانئ الشارقة، مثل ميناء دبا، مراكز استراتيجية ومحطات رئيسية لعبور السفن المحملة بالبضائع القادمة من روما، والتي كانت ذات قيمة كبيرة لدى السكان المحليين، وشكلت هذه الموانئ نقاط التقاء عالمية، حيث تبادلت الشعوب البضائع والمعرفة والثقافات، وأسهم هذا التفاعل الحيوي في تأسيس شبكة طرق التجارة العالمية الأولى، وتعزيز التكامل الاقتصادي والثقافي بين الحضارات.

مليحة: مركز اقتصادي مزدهر في قلب الصحراء

وكشفت التنقيبات الأثرية في منطقة مليحة عن عملات رومانية ويونانية تم تداولها جنبًا إلى جنب مع عملات محلية تم سكها بتصاميم مستوحاة من النقود الأجنبية، إذ يؤكد تداول العملات وتبادلها الدور المحوري لمنطقة مليحة في الطرق التجارية القديمة، كما يضيء تدفق الذهب والفضة والبرونز عبر مليحة على الأنشطة الاقتصادية المزدهرة في المنطقة، والثروات التي جناها التجار؛ مما يرسخ مكانتها كمدينة تجارية رائدة.

وسهلت التجارة بين الشارقة وروما تبادل التأثيرات الفنية والثقافية والفكرية، وهو ما تؤكده القطع الأثرية المكتشفة في الشارقة والتي تحمل بصمات واضحة من الفن الروماني؛ إذ تشير إلى أن السكان المحليين في مليحة لم يقتصروا على استيراد العملات والبضائع الرومانية؛ بل قاموا بدمجها في ثقافتهم اليومية، وأسهم هذا التبادل في وضع أسس روابط وحوار ثقافي شكل ملامح الحضارتين العربية والرومانية، وعزز ثراءهما في مجالات الحرف اليدوية والفنون والتجارة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: التجارة العالمیة هیئة الشارقة من خلال فی شبکة

إقرأ أيضاً:

التعددية القطبية الحضارية في عالم ما بعد أمريكا

في عام 2016، سئل وزير دفاع سنغافورة آنذاك (نج إنج هين) في البرلمان عن الكيفية التي سوف تأتي عليها استجابة سنغافورة إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من التزاماتها الأمنية في آسيا. وفي ذلك الوقت كان السؤال افتراضيا.

واليوم، مع تولي دونالد ترامب ولايته الثانية، وتنحِّي (نج إنج هين) بعد أربعة عشر عاما صار بها أطول وزراء الدفاع خدمة في سنغافورة، أصبح السؤال الافتراضي واقعا. فها هي مظلة الأمن الأمريكية -التي اعتبرها حلفاء الولايات المتحدة طويلا أمرا مفروغا منه- قد أخذت في الاهتراء.

لم يعد نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، المكفول بالهيمنة العسكرية والمركزية المالية الأمريكية، مضمونا، وفي انتظار عالم ما بعد أمريكا، تتهيأ دول العالم وتتكيف مع النظام الجديد.

يتمثل خط الصدع الأول في الردع، لقد رضي حلفاء الولايات المتحدة على مدى قرون بالحماية الأمريكية بدلا من بناء قواتها المسلحة الخاصة بها. وانتهى هذا الزمن. فالتزمت ألمانيا بـ107 مليار دولار لتحديث دفاعها. وتنفق بولندا الآن 4% من إجمالي ناتجها المحلي على الجيش، وذلك أكثر من أي عضو آخر في الناتو.

وفي آسيا تروى قصة مماثلة. فاليابان تضاعف ميزانيتها العسكرية بحلول عام 2027، منقلبة بذلك على تراثها السلمي الراسخ، وفي كوريا الجنوبية، 76% من المواطنين الآن يدعمون تصنيع أسلحة نووية، وهي فكرة لم تكن واردة في ظل المظلة النووية الأمريكية. في كلتا المنطقتين، يتحسب حلفاء الولايات المتحدة لإمكانية تخليها عنهم.

الصدع الثاني مالي. لقد ظل نفوذ الجيش الأمريكي مدعوما منذ أمد بعيد بالطلب العالمي على سندات الخزانة الأمريكية. لكن أسس ذلك النظام آخذة في الوهن. ففي السنة المالية لعام 2023، واجهت الولايات المتحدة عجزا في الموازنة بلغ 1.7 تريليون دولار، منها 1.1 تريليون دولار للإنفاق الدفاعي ومصاريف المحاربين القدامى.

في الوقت نفسه تتقلص الرغبة في الدين الأمريكي. إذ انخفضت الملكية الخارجية لسندات الخزانة الأمريكية من 42% سنة 2013 إلى 31% سنة 2023. والصين وحدها قللت ممتلكاتها من هذه السندات بأكثر من 330 مليار دولار. ونصيب الدولار في الاحتياطي الأجنبي العالمي انخفض إلى 58% بعد أن كان قد بلغ 70% سنة 1999.

الأدهى من ذلك هو أن تسليح الدولار -من خلال العقوبات، وقيود التصدير والقيود المالية- دفع إلى إجراءات مضادة. فكتلة بريكس توسع التبادل التجاري غير الدولاري وتستكشف بدائل من قبيل عملات البنوك المركزية الرقمية. ويطلق عالم الاقتصاد يانيس فاروفاكيس على هذا الصعود مصطلح «رأس المال السحابي»، وهو هيكل مالي عالمي ينفك ببطء عن السيطرة الأمريكية.

خط الصدع الثالث مؤسسي. فشرعية القيادة الأمريكية كانت تتجذر ذات يوم في التزامها بالتعددية، لكن هذا الالتزام اليوم يبدو انتقائيا.

من الانسحاب من الشراكة العابرة للمحيط الهادئ ومن اتفاقية باريس للمناخ إلى الخروج الفوضوي من أفغانستان، بات حضور واشنطن العالمي أميل إلى طبيعة المعاملات والصفقات. فالدعم المشروط لأوكرانيا وتغير نبرة الخطاب في ما يتعلق بالناتو، قد عمَّقا الشكوك في إمكانية الاعتماد على أمريكا في دورها الجديد كقوة توازن خارجية.

وقد كشف الصراع الهندي الباكستاني الأخير -الذي أسفر عن مصرع خمسين مدنيا وخسائر اقتصادية بلغت تسعين مليار دولار وفق بعض التقديرات- عن مدى السرعة التي يمكن أن تتفاقم بها مواجهة بين قوات نووية دونما تدخل أمريكي في الوقت المناسب.

قد لا يتمثل التحدي الأكبر مع ذلك في انسحاب المظلة الأمريكية في ذاتها وإنما في ما ينشأ في غيابها، وهو التحول الذي أطلق عليه «التعددية القطبية الحضارية».

إن ما يميز هذه اللحظة عن غيرها في التاريخ لا يتمثل فقط في إعادة توزيع السلطة، وإنما في طبيعة الفاعلين الذين يؤكدون هذه السلطة الآن. فللمرة الأولى، تنهض دول حضارية متعددة -هي الصين والهند وروسيا وإيران- ضمن نظام عالمي مشترك.

وهذا ما يطلق عليه المؤرخ الأستاذ وانج جونج مصطلح عودة «الوعي الحضاري»، وهي ديناميكية تستمد فيها الدول شرعيتها لا من أعراف مطلقة وإنما من هياكل عميقة تخص اللغة والدين والذاكرة المؤسسية.

والصين نموذج لهذا التحول. فحسبما قال الباحث الدكتور مارتين جاك، ترى الصين نفسها لا بوصفها محض دولة قومية ولكن بوصفها «دولة حضارية» ذات تراث سياسي وفلسفة أخلاقية عمرهما خمسة آلاف عام. واضطلاع الحزب الشيوعي بالسلطة لا يقوم فقط على أعراف ليبرالية وإنما على استرداد ما يراه حقا طبيعيا للمملكة الوسطى في التاريخ.

وهذا أمر له عواقبه بعيدة المدى. إذ يحذر الأستاذ جراهام أليسون في «فخ ثوسيديدس» من صراع ينشأ حينما تمثل قوة صاعدة تهديدا لقوة حاكمة. ولكن في السياق الراهن، لا يقتصر التنافس على السلطة، بل يمتد إلى القيم ورؤى النظام العالمي.

ولقد ذهب الأستاذ جون ميرشايمر إلى أنه لا بقاء للأممية الليبرالية في عالم تحكمه القومية والواقعية. وتؤكد التعددية القطبية الحضارية هذا التوقع، إذ تقوم القوى حاليا بتصدير نماذج حكم ذات جذور ضاربة في تراثاتها أكثر مما هي متقاربة حول مجموعة معينة من المعايير.

يفترض الأستاذ صمويل هنتنجتن في «صِدام الحضارات» أن الهويات الثقافية والدينية سوف تفضي حتميا إلى صراع عالمي في حقبة ما بعد الحرب الباردة، إذ تصبح الفوارق الحضارية الجوهرية -ذات الجذور الضاربة في التاريخ والدين والقيم- خطوط صدع عنيدة بين الأمم والكتل.

ولكن لا تزال هناك قدرة كامنة في كيفية استجابة الدول. فالآسيان -رابطة دول جنوب شرق آسيا- على سبيل المثال تقدم نموذجا دالا من خلال مبدأ «التشابك الشامل» وهو نهج يجتنب التحالفات الثنائية ويشجع على التفاعل العابر للخطوط الحضارية.

فبدلا من الانحياز لطرف دون طرف، تنشئ دول الآسيان فضاء للحوار والتعاون، محافظة على الاستقلال الذاتي مع التشارك في الحكم العالمي. وفي حال تبني المجتمع الدولي لهذه الأخلاقيات، فلن يكون من داع للنظر إلى التعددية القطبية الحضارية باعتبارها خطرا، وإنما باعتبارها فرصة وأساسا لنظام أكثر تعددية قطبية ضمن إطار مشترك.

ولقد اقتنص وزير دفاع سنغافورة الجديد تشان تسون سينج هذه الرؤية ببراعة إذ أشار في محاضرة فوليرتون الحادية والأربعين للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في آسيا عام 2021 قائلا إن «القوى المتوسطة والدول الصغيرة يمكن أن تساعد في بناء جسور، وإنشاء منصات للحوار وإقامة النظام التعددي. وبالعمل سويا، يمكننا أن تقدم مسارات بديلة للتعاون، حتى عند اختلاف مع القوى الكبرى».

إذا ما أدير هذا الانتقال إدارة حكيمة، فلن تكون حقبة ما بعد أمريكا بالضرورة حقبة انحلال للنظام العالمي، ولكنها قد تكون بشارة بصعود نظام أكثر احتواء ومرونة وتوازنا، لا يقوم على الهيمنة، ولكن على التعايش السلمي والتفاعل البنّّاء بين الحضارات.

وسيكون ذلك هو المثال الأول في التاريخ البشري، ولعله يكون منجزنا الأكبر.

مراكوس لوه مدير في شركة تيموس، وهي شركة خدمات تحويل رقمي مقرها سنغافورة، حيث يقود الشؤون العامة والتسويق والاتصال الاستراتيجي. كان سابقا رئيسا لمعهد العلاقات العامة في سنغافورة.

عن آسيا تايمز

مقالات مشابهة

  • نائب محافظ بني سويف يتابع خطوات إعداد ملف ترشيح المحافظة للانضمام إلى شبكة اليونسكو العالمية للمدن المتعلمة (GNLC)
  • الاحتلال يقتحم المناطق الأثرية في قراوة بني حسان غرب سلفيت
  • الأمن الثقافي.. حماية أم وصاية؟
  • التعددية القطبية الحضارية في عالم ما بعد أمريكا
  • أذهلت زوّار «معرض الشارقة».. الكشف عن أول سيارة مطلية بالذهب الخالص
  • مقتنيات أثرية| كرسي الشعراوي والقبلة القديمة.. معلومات مذهلة من مسجد السيدة زينب
  • الإرشاد الثقافي.. خطة حوثية لتطييف التعليم في اليمن
  • تدشين كتاب «الشاهد الأول ضد بن لادن» : وثيقة نادرة تكشف أسرار القاعدة وصلتها بالسودان
  • «سيوا» تنفذ مشروعات لتطوير شبكة الكهرباء في 15 موقعاً بالوسطى
  • الصحة العالمية تكشف عن خطورة نكهات التبغ والنيكوتين وتدعو لحظرها