محمد عبده وجماع بين الدهشة والإبداع
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
صلاح شعيب
طلب مني الفنان المخضرم التاج مكي المشاركة برأيي في الجدل الدائر حول تلحين الفنان محمد عبده رائعة شاعرنا إدريس جماع مؤخراً. باديء ذي بدء أقول إنها لفتة بارعة أن يلتفت فنان عربي كبير مثل محمد عبده إلى حديقة الشعر السوداني ليلتقط من ثمارها اليانعة. ذلك بعد ما يقارب أكثر من خمسين عاماً منذ أن انتبهت أم كلثوم للشعر السوداني والتقطت قبلاً “أغداً ألقاك” للشاعر الهادي آدم، وقدمتها في مشروعها للتغني بأعمال لشعراء غير مصريين.
والأستاذ محمد عبده رقم فني كبير ليس على مستوى الأغنية السعودية، فحسب وإنما أيضاً يعد من أبدع الموسيقيين العرب الذين لديهم جماهيرية كبيرة على امتداد الوطن العربي. وشخصياً كثيراً ما ألوذ إليه لاستمتع بخياله الموسيقي، وصوته الحجازي الطروب.
وعندئذ أجد – عبره – نفسي وقد دخلت في أجواء الأغنية الخليجية فيقودني الغرام بالسباعي إلى أعمال طلال مداح، ود. عبد الرب إدريس، وعبادي الجوهر، وأبو بكر سالم بلفقيه، وأحمد الجميري، وعبدالله الرويشد، وعبدالله بالخير، هذا الرجل الفنان المرح الذي لا استغنى من الاستماع بين فترة وفترة إلى أغنيته الفلكورية الطابع زنجبار.
يُشكر الفنان محمد عبده لتلحين رائعة شاعرنا إدريس جماع بلحن يتناسب مع إحساس بيئته الحجازية، ورؤيته للنص. وجاء التوزيع الموسيقي مضبوطاً، وهذا يدل على اهتمامه، واحترامه للنص الشعري، واللحن، والجمهور كذلك. وقد استمعت للنص اللحني، وفي ذهني الموازير الخماسية للحن الفنان سيد خليفة الذي قارب نفسية جماع الولهى، والملتاعة، وهو يغازل بهاء الجميلة بروحه المعنى. ولكني ربما احتاج مرة أخرى للعودة للاستماع للحن الفنان محمد عبده بكثير من الانتباه، لأعايشه هذه المرة بعيداً عن تأثير استماعي الأول للحنه فيما كنت آنذاك مسكوناً بلحن سيد خليفة الرائع.
ومع ذلك تمنيت لو أن رغبة الأستاذ محمد عبده للتغني بشعر سوداني شملت نصاً غير ملحن لأحد أعمال جماع، أو أعمال شعراء سودانيين أماجد، كما فعلت أم كلثوم، خصوصاً أن هناك أشعارا جميلة غير مغناة كان من السهل العثور عليها لو استعان بدواوين لشعراء أمثال المجذوب، أو محمد المكي إبراهيم، أو تاج السر الحسن، أو صلاح أحمد إبراهيم، وغيرهم كثير.
ولو فعل الفنان محمد عبده ذلك لتحرر استماع السودانيين للحنه من الأيقونة اللحنية التي قدمها سيد خليفة فجذبتهم ردحاً من الزمان. ومن ناحية أخرى يكون الفنان السعودي قد نبهنا كسودانيين، وناطقين بلغة الضاد، لقصيدة فصيحة لم يلتفت إليها مبدعونا، وبالتالي يُشكر أكثر لكونه نفض الغبار عنها، وقدمها في حلية نغمية سباعية.
-٢-
عموماً تُصعب المقاربة الذوقية، والعلمية، بين نص لحني خماسي وبين آخر سباعي. ولو كان لحن الأستاذ محمد عبده خماسياً لأيقنا الفارق، أو التعادل، بين قدرة العبقريتين الموسيقيتين السعودية والسودانية في تمثل روح نص جماع. ذلك لأن هناك نصوصاً سودانية عامية لُحنت بأكثر من لحن. ويمكن للموسيقيين عمل مقاربة بشأنها. والحال كذلك هناك نصوص فصيحة لُحنت بالسباعي عبر أكثر من فنان عربي، ومثالا لذلك قصيدة “أراك عصي الدمع” لأبي فراس الحمداني التي لحنها رياض السنباطي ثم غنتها أم كلثوم، وكذلك فعل محمد عبده، ولا شك أن الكابلي قدمها بالخماسي. ومحمد عبده نفسه لحن نص “صلوات في هيكل الحب” أو “عذبة أنت كالطفولة كالاحلام” للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي كما لحنها الفنان السوداني حسن سليمان ثم قلده فيها الفنان سيف الجامعة بالسلم الخماسي.
ومع ذلك نكرر شكرنا للأستاذ محمد عبده لكونه يضع الشعر السوداني في اعتباره. واتمنى أن يحذو حذوه فنانون خليجيون ليجدوا في سحارة الشعر السوداني الفصيح فرصة للإبداع.
الشيء الآخر الذي خرجت به من متابعة التنفيذ الموسيقي الذي قدم به الفنان محمد عبده للحن قصيدة جماع هو أن التوزيع الاوركسترالي السعودي قد طفر بشكل كبير، نظراً للإمكانيات المادية في تمويل جوقة موسيقية لا تقل عن خمسين عازفاً. واعتقد أن ملحنينا، وفنانينا السودانيين الكبار لم يكونوا محظوظين بوجود إمكانيات مادية لتنظيم النوتة علميا، ومسارح مهيأة لأداء هذه الأعمال الكبيرة.
-٣-
أتذكر أن الصديق السوماني نزار غانم تطرق في حوار له مع قناة عربية إلى ضرورة تجديد الموسيقى العربية بأطر لحنية من خارج منظومتها الثقافية. وأشار إلى إمكانية اقتحام الفنانين العرب مجال السلم الخماسي، ذلك بحسب أنه قد يساعد كثيراً في تجديد أساليب الأغنية العربية، ويخرجها من التكرار، خصوصا أن هذا السلم الموسيقي يعد بالمعنى الثقافي جزءً من تراث الوطن العربي. فالسلم الخماسي بخلاف وجوده في السودان فإنك تجده في أجزاء من مصر، وليبيا، والجزائر، والمغرب، وتونس، واليمن، وكذلك لدى قبائل الحزام السوداني العربية الممتدة في الصحراء، والتي استطاعت بأنغامها الجيتارستية أن تعبر عن لقيا الذائقة العربية بالإفريقية. وقد أثبت الدكتور نزار غانم التواشج التاريخي بين غناء وإيقاع الموسيقى اليمنية والعمانية، وموسيقى الساحل الشرقي لأفريقيا منذ زمان دولة زنجبار. ولهذا ساهم التبادل الثقافي بين المنطقتين في ازدواجية التراث الغناء الحضرمي بأنغام السباعي وإيقاعات خماسي منطقة القرن الأفريقي.
والفنان محمد عبده، وهو نفسه يمتلك رباطات إثنية يمنية، شأنه شأن طلال مداح، وبلفقيه، وعبد الرب إدريس، وكلهم حضارمة متأثرون بمرجعيتهم المتثاقفة مع شرق أفريقيا. وقد تشجع صنيعة من سمي فنان العرب لخوض غمار التلحين بالخماسي كما فعل فنانون عرب آخرون، على قلتهم.
لقد سبق لفنانينا السودانيين خوض غمار التجربة التثاقفية ما داموا متذوقين بشكل جيد للأنغام الشرقية. فعزز العاقب، والجابري، وفنانون كثيرون مسيرتهم الفنية باستخدام المقامات العربية لتلحين أعمال شعرية سودانية، وعربية. فضلاً عن ذلك فإن مقامات النهوند، والسيكا، والبياتي العربية التي تضمنتها أعمال موسى أبا، وعبد القادر سالم، قد زادت تجارب الغناء السوداني تنوعاً فريداً. وقد تقبلها المستمع السوداني بكثير من الرضا لكون أن هذه المقامات العربية تعد جزءً من التعدد الغنائي، وتندرج في إطار ثراء الثقافة الموسيقية للبلاد، وعدم اقتصارها على سلم تلحيني محدد.
سيظل تواشج الجوار الثقافي – وفقاً لما قال به د. نزار غانم – مبعثاً للتجديد، والتجريب معاً، ومحاولةً للخروج من سطوة السائد والثابت في التيار الثقافي العام. ولذلك فإن تلحين محمد عبده لخريدة جماع بادرة بحاجة إلى تكرار، سواء من أبو نورة نفسه – كما يكنى – أو من فنانين آخرين ليجارون السودانيين في قدرتهم على التلحين بمقام غير مقامهم. ربما أيام المستقبل حبلى بمغامرات شبيهة لما فعل شادي الخليج في لوحة السودان.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صلاح شعيب الفنان محمد عبده
إقرأ أيضاً:
موعد ومكان عزاء والد الفنان تامر عبد المنعم
يستقبل الفنان تامر عبد المنعم، عزاء والده الكاتب الصحفي محمد عبد المنعم بمسجد عمر مكرم بمنطقة وسط البلد الخميس المقبل، وذلك بعد رحيله عن عالمنا صباح الثلاثاء بعد صراع طويل مع المرض.
وشيعت اليوم الثلاثاء، جنازة الكاتب الصحفي محمد عبد المنعم، والد الفنان تامر عبد المنعم من مسجد عمر مكرم بمنطقة وسط البلد.
وحرص عدد كبير من نجوم والفن والإعلام على مواساة تامر عبد المنعم، الذي سيطرت عليه علامات الحزن عند تشييع جثمان والده إلى مثواه الأخير، في مقدمتهم الإعلامي محمود سعد.
وفاة والد تامر عبد المنعموكان تامر عبد المنعم، أعلن عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عن وفاة والده، قائلا: «مات أبي، توفاك الله تعالى يا والدي الغالي، الكاتب الكبير محمد عبد المنعم، وسوف تُقام صلاة الجنازة عليه بعد صلاة الظهر من مسجد عمر مكرم. إنا لله وإنا إليه راجعون».
يُذكر أن الراحل محمد عبد المنعم شغل مناصب صحفية بارزة، من بينها رئاسة مجلس إدارة مؤسسة روز اليوسف، كما يعد من أبرز الصحفيين المتخصصين في الشؤون العسكرية في تاريخ الصحافة المصرية.
الحالة الصحية لوالد تامر عبد المنعموفي وقت سابق، أثار الفنان والمنتج تامر عبد المنعم حالة من القلق عبر منصات التواصل الاجتماعي خلال الساعات القليلة الماضية، وذلك بعدما أعلن عن تعرض والده لوعكة صحية مفاجئة أسفرت عن دخوله المستشفى.
وفي هذا السياق، كشف تامر عبد المنعم، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عن الحالة الصحية لوالده، قائلا: «أبي بحالة حرجة، ربنا يستر ويعدي منها»، الأمر الذي شهد تفاعل قطاع كبير من محبيه بالدعاء والمساندة.
اقرأ أيضا:
تشييع جنازة والد الفنان تامر عبد المنعم من مسجد عمر مكرم «صور»
الفنانة إيمان السيد تمازح جمهورها بطريقة «مبتكرة» للتعامل مع وهج الصواريخ
الفنان شريف خير الله يشكو تجاهل المنتجين.. ويروج لنفسه: «موهبة جبارة»