صلاح شعيب

طلب مني الفنان المخضرم التاج مكي المشاركة برأيي في الجدل الدائر حول تلحين الفنان محمد عبده رائعة شاعرنا إدريس جماع مؤخراً. باديء ذي بدء أقول إنها لفتة بارعة أن يلتفت فنان عربي كبير مثل محمد عبده إلى حديقة الشعر السوداني ليلتقط من ثمارها اليانعة. ذلك بعد ما يقارب أكثر من خمسين عاماً منذ أن انتبهت أم كلثوم للشعر السوداني والتقطت قبلاً “أغداً ألقاك” للشاعر الهادي آدم، وقدمتها في مشروعها للتغني بأعمال لشعراء غير مصريين.

والأستاذ محمد عبده رقم فني كبير ليس على مستوى الأغنية السعودية، فحسب وإنما أيضاً يعد من أبدع الموسيقيين العرب الذين لديهم جماهيرية كبيرة على امتداد الوطن العربي. وشخصياً كثيراً ما ألوذ إليه لاستمتع بخياله الموسيقي، وصوته الحجازي الطروب.

وعندئذ أجد – عبره – نفسي وقد دخلت في أجواء الأغنية الخليجية فيقودني الغرام بالسباعي إلى أعمال طلال مداح، ود. عبد الرب إدريس، وعبادي الجوهر، وأبو بكر سالم بلفقيه، وأحمد الجميري، وعبدالله الرويشد، وعبدالله بالخير، هذا الرجل الفنان المرح الذي لا استغنى من الاستماع بين فترة وفترة إلى أغنيته الفلكورية الطابع زنجبار.

يُشكر الفنان محمد عبده لتلحين رائعة شاعرنا إدريس جماع بلحن يتناسب مع إحساس بيئته الحجازية، ورؤيته للنص. وجاء التوزيع الموسيقي مضبوطاً، وهذا يدل على اهتمامه، واحترامه للنص الشعري، واللحن، والجمهور كذلك. وقد استمعت للنص اللحني، وفي ذهني الموازير الخماسية للحن الفنان سيد خليفة الذي قارب نفسية جماع الولهى، والملتاعة، وهو يغازل بهاء الجميلة بروحه المعنى. ولكني ربما احتاج مرة أخرى للعودة للاستماع للحن الفنان محمد عبده بكثير من الانتباه، لأعايشه هذه المرة بعيداً عن تأثير استماعي الأول للحنه فيما كنت آنذاك مسكوناً بلحن سيد خليفة الرائع.

ومع ذلك تمنيت لو أن رغبة الأستاذ محمد عبده للتغني بشعر سوداني شملت نصاً غير ملحن لأحد أعمال جماع، أو أعمال شعراء سودانيين أماجد، كما فعلت أم كلثوم، خصوصاً أن هناك أشعارا جميلة غير مغناة كان من السهل العثور عليها لو استعان بدواوين لشعراء أمثال المجذوب، أو محمد المكي إبراهيم، أو تاج السر الحسن، أو صلاح أحمد إبراهيم، وغيرهم كثير.

ولو فعل الفنان محمد عبده ذلك لتحرر استماع السودانيين للحنه من الأيقونة اللحنية التي قدمها سيد خليفة فجذبتهم ردحاً من الزمان. ومن ناحية أخرى يكون الفنان السعودي قد نبهنا كسودانيين، وناطقين بلغة الضاد، لقصيدة فصيحة لم يلتفت إليها مبدعونا، وبالتالي يُشكر أكثر لكونه نفض الغبار عنها، وقدمها في حلية نغمية سباعية.
-٢-
عموماً تُصعب المقاربة الذوقية، والعلمية، بين نص لحني خماسي وبين آخر سباعي. ولو كان لحن الأستاذ محمد عبده خماسياً لأيقنا الفارق، أو التعادل، بين قدرة العبقريتين الموسيقيتين السعودية والسودانية في تمثل روح نص جماع. ذلك لأن هناك نصوصاً سودانية عامية لُحنت بأكثر من لحن. ويمكن للموسيقيين عمل مقاربة بشأنها. والحال كذلك هناك نصوص فصيحة لُحنت بالسباعي عبر أكثر من فنان عربي، ومثالا لذلك قصيدة “أراك عصي الدمع” لأبي فراس الحمداني التي لحنها رياض السنباطي ثم غنتها أم كلثوم، وكذلك فعل محمد عبده، ولا شك أن الكابلي قدمها بالخماسي. ومحمد عبده نفسه لحن نص “صلوات في هيكل الحب” أو “عذبة أنت كالطفولة كالاحلام” للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي كما لحنها الفنان السوداني حسن سليمان ثم قلده فيها الفنان سيف الجامعة بالسلم الخماسي.
ومع ذلك نكرر شكرنا للأستاذ محمد عبده لكونه يضع الشعر السوداني في اعتباره. واتمنى أن يحذو حذوه فنانون خليجيون ليجدوا في سحارة الشعر السوداني الفصيح فرصة للإبداع.
الشيء الآخر الذي خرجت به من متابعة التنفيذ الموسيقي الذي قدم به الفنان محمد عبده للحن قصيدة جماع هو أن التوزيع الاوركسترالي السعودي قد طفر بشكل كبير، نظراً للإمكانيات المادية في تمويل جوقة موسيقية لا تقل عن خمسين عازفاً. واعتقد أن ملحنينا، وفنانينا السودانيين الكبار لم يكونوا محظوظين بوجود إمكانيات مادية لتنظيم النوتة علميا، ومسارح مهيأة لأداء هذه الأعمال الكبيرة.
-٣-
أتذكر أن الصديق السوماني نزار غانم تطرق في حوار له مع قناة عربية إلى ضرورة تجديد الموسيقى العربية بأطر لحنية من خارج منظومتها الثقافية. وأشار إلى إمكانية اقتحام الفنانين العرب مجال السلم الخماسي، ذلك بحسب أنه قد يساعد كثيراً في تجديد أساليب الأغنية العربية، ويخرجها من التكرار، خصوصا أن هذا السلم الموسيقي يعد بالمعنى الثقافي جزءً من تراث الوطن العربي. فالسلم الخماسي بخلاف وجوده في السودان فإنك تجده في أجزاء من مصر، وليبيا، والجزائر، والمغرب، وتونس، واليمن، وكذلك لدى قبائل الحزام السوداني العربية الممتدة في الصحراء، والتي استطاعت بأنغامها الجيتارستية أن تعبر عن لقيا الذائقة العربية بالإفريقية. وقد أثبت الدكتور نزار غانم التواشج التاريخي بين غناء وإيقاع الموسيقى اليمنية والعمانية، وموسيقى الساحل الشرقي لأفريقيا منذ زمان دولة زنجبار. ولهذا ساهم التبادل الثقافي بين المنطقتين في ازدواجية التراث الغناء الحضرمي بأنغام السباعي وإيقاعات خماسي منطقة القرن الأفريقي.
والفنان محمد عبده، وهو نفسه يمتلك رباطات إثنية يمنية، شأنه شأن طلال مداح، وبلفقيه، وعبد الرب إدريس، وكلهم حضارمة متأثرون بمرجعيتهم المتثاقفة مع شرق أفريقيا. وقد تشجع صنيعة من سمي فنان العرب لخوض غمار التلحين بالخماسي كما فعل فنانون عرب آخرون، على قلتهم.
لقد سبق لفنانينا السودانيين خوض غمار التجربة التثاقفية ما داموا متذوقين بشكل جيد للأنغام الشرقية. فعزز العاقب، والجابري، وفنانون كثيرون مسيرتهم الفنية باستخدام المقامات العربية لتلحين أعمال شعرية سودانية، وعربية. فضلاً عن ذلك فإن مقامات النهوند، والسيكا، والبياتي العربية التي تضمنتها أعمال موسى أبا، وعبد القادر سالم، قد زادت تجارب الغناء السوداني تنوعاً فريداً. وقد تقبلها المستمع السوداني بكثير من الرضا لكون أن هذه المقامات العربية تعد جزءً من التعدد الغنائي، وتندرج في إطار ثراء الثقافة الموسيقية للبلاد، وعدم اقتصارها على سلم تلحيني محدد.
سيظل تواشج الجوار الثقافي – وفقاً لما قال به د. نزار غانم – مبعثاً للتجديد، والتجريب معاً، ومحاولةً للخروج من سطوة السائد والثابت في التيار الثقافي العام. ولذلك فإن تلحين محمد عبده لخريدة جماع بادرة بحاجة إلى تكرار، سواء من أبو نورة نفسه – كما يكنى – أو من فنانين آخرين ليجارون السودانيين في قدرتهم على التلحين بمقام غير مقامهم. ربما أيام المستقبل حبلى بمغامرات شبيهة لما فعل شادي الخليج في لوحة السودان.

الوسومصلاح شعيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صلاح شعيب الفنان محمد عبده

إقرأ أيضاً:

محمد نور يكشف سبب انفصال نادر حمدي عن فرقة واما

كشف الفنان محمد نور سبب انفصال الفنان والموزع نادر حمدي عن فرقة “واما” ،وذلك بعد استمرار دام لسنوات حيث قدموا العديد من الأعمال الناجحة ، ويضم فريق واما ايضا النجوم أحمد فهمي ، وأحمد الشامي .

وقال محمد نور خلال لقائه مع “عرب وود”ان نادر حمدي انفصل عن الفرقة بسبب انشغاله فى التوزيع ولكن مازالوا أصدقاء ولم يحدث خلاف بينهما كما تداول من البعض.

وأضاف محمد نور ، معلقا: “مثلا زى لو حد كان بيلعب فى النادي الأهلي والناس كانت بتحبه اوي وبعد كدة راح نادي الزمالك وبعد كدة راح برا مفيش مشكلة والنادي هيبقي مكمل برضه”.

محمد نور يطرح أحدث ألبوماته “وريني”

واحتفل محمد نور خلال الأيام الماضية بألبومه الجديد “وريني”.

ويتكون الألبوم من ٦ أغاني و يضم عدد من أهم الاغاني التي تعاون فيها محمد نور مع عدد كبير من اهم الشعراء والملحنين والموزعين بالوطن العربي.

البوم "وريني" يضم "٦ اغاني" تعاون فيه مع أهم صناع الاغنية ومن انتاج محمد علام كيوب ميوزك و الاغاني هم "وريني" و "نور" و "كنا ناويين خير" و "اهلا وسهلا" و "عاجبك حالي" و “من السبت للخميس”. 

 ومن الملحنين محمد شحاته ومحمد النادي ومحمود انور وعمرو الشاذلي ومحمد قماح.

ومن الموزعين ايهاب كوليبيكس وجلال الحمداوي ومحمد شفيق وكريم أسامه وهشام البنا ومحمد قماح.

طباعة شارك محمد نور نادر حمدي فرقة واما ألبوم محمد نور

مقالات مشابهة

  • تعلن محكمة غرب إب الابتدائية بأن على المدعى عليه/ محمد عبده الحسيني الحضور إلى المحكمة
  • تعلن محكمة جبل الشرق م ذمار أن الأخ عبدالكريم عبده مثنى تقدم بدعوى انحصار وراثة بالوكالة عن عمه محمد
  • منك لله.. أشرف سيف يهاجم محمد رمضان بعد ظهوره مع لارا ترامب
  • تعلن محكمة حبيش م/ إب بأن الأخ/ محمد عبده محمد تقدم إليها بطلب انحصار وراثه
  • الهلال السوداني مع جاموس من جنوب السودان.. قرعة دوري أبطال أفريقيا تسفر عن مواجهات نارية للفرق العربية
  • الدكتور القرني يكرم الفائزين بجائزته برعاية أمير عسير وحضور محافظ بلقرن.. صور
  • محمد شياع السوداني وعصابة اللصوص؟
  • تعلن محكمة غرب إب أن على المدعى عليه محمد عبده الحسيني الحضور إلى المحكمة
  • محمد نور يكشف سبب انفصال نادر حمدي عن فرقة واما
  • وفاة الفنان الكويتي ⁧محمد المنيع