في «البيت» الذي ينكأ الجراحات القديمة
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
تحدثتُ فـي مقال سابق عن مطار زنجبار الأنيق والنظيف رغم صغر مساحته. كان وصولنا إليه فـي الساعة الواحدة والربع ظهرًا بتوقيت مسقط. وفـي الشرق الإفريقي يُسمّى هذا الوقت الساعة السابعة والربع ظهرًا، لأنّ اليوم هناك مقسّم إلى اثنتي عشرة ساعة ليلًا ومثلها نهارًا، وغالبًا ما يتساوى الليل والنهار، لوقوع المنطقة قرب خط الاستواء.
أخيرًا وطئت قدماي زنجبار بعد حُلم طويل تأجّل كثيرًا. كانت مشاعري حينئذ مختلطة بين الفرح لتحقق الحلم، والترقّب لما ينتظرني من مواقف أو مشاهدات. وقد بُحْتُ فـي مقال سابق بخواطر وتساؤلات راودتني فـي رحلتي الجوية التي استمرت خمس ساعات، والآن وقد هبطتُ من السماء إلى الأرض فإنّ خواطر وتساؤلات أخرى تعنّ فـي البال، وحب استطلاع شديد لكلِّ شيء.
تركتُ رفـيقَيْ سفري سيف وسليمان يتحدثان مع مرافقنا أحمد المزروعي، فـيما كنتُ ألقي نظرة أحاول أن تكون موضوعية على كلِّ شيء وأيِّ شيء، وأسعى من خلالها إلى حشو الذاكرة بأكبر قدر ممكن من المشاهدات لتغدو معينًا لي فـي مقبل الأيام، وفـي إطار السرد الذي ينبغي تقديمه لمن يسألني عن مشاهداتي فـي زنجبار وانطباعاتي عنها. نظراتي احتضنت فـي مودة البيوت والأشجار والشوارع والمطاعم وحركة الناس ولباسهم وطريقة كلامهم، وبنحو خاص - ولحاجة فـي نفس يعقوب - كنتُ أبحث عن العُمانيين فـي الأسواق والشوارع، حتى وصلنا إلى منطقة «فرضاني» وهي فـي الأصل (الفُرضة) حسب التسمية العُمانية للميناء الصغير، وأضيف إليها (ني) التي تعني (فـي)، وهكذا وصلنا إلى فندق (مزينجاني) الذي حجزه سيف قبل سفرنا. وكلمة (مزينجا) تعني باللغة السواحلية «المدفع»، وبالفعل هناك مدفعان صغيران على مدخل الفندق، كتأكيد على تطابق الاسم مع الواقع المُشاهَد، وبما أنه أضيفت كلمة (فـي) على (مزينجا) فالمعنى صار (فـي المدفع).
دخلنا بهو الفندق فإذا هو تحفة معمارية عُمانية من الطراز الرفـيع، يشعر المرء أنه فـي إحدى قلاع عُمان أو حصونها. وفـي تلك اللحظة دخل فـي روعي أنّ هذا القصر ربما هو المكان نفسه الذي قصده أبي - عليه رحمة الله - عندما دُعِيَ إلى الغداء فـي بيت الشيخ هاشل بن راشد المسكري المسمى «بيت المدفع»، وهذا يعني أنني أتلمس الآن خطى والدي على نحو صحيح، وأُكمل خريطة هجرته التي حملته قسرًا لا اختيارًا من عُمان إلى هذه الجزيرة الأسطورية، ليس وحده وإنما كلّ العُمانيين المهاجرين، هذا ما خطر لي فـي تلك اللحظة. وبما أنّ بيوت تلك المنطقة كلها كانت مملوكةً للعُمانيين، وبعضها تابع للحكومة، فقد صادرها الانقلابيون ظُلمًا ولم يسمحوا بمجرد ذكر أصحابها الأصليين؛ لذا فإنّ رحيل أصحاب البيوت وأبنائهم مع عدم توثيق أسمائهم يُعرِّض أصحاب هذه البيوت للنسيان، وعندما سألْنا أحدَهم عن البيت قال: «لا تسألني عن التاريخ»، وكان يقصد فـي الواقع: «لا تنكأ الجراحات القديمة»، ولكن أحد الشباب العاملين فـي الفندق من ذوي الأصل العُماني أخبرنا أنّ البيت يعود للحكومة السلطانية، وكان يُستخدم بيتًا للضيافة فصادَرتْه حكومة الانقلاب، ثم باعته لأحد المستثمرين الذي رممه وأضاف له ركنًا جديدًا، وهو ما أجاب عن تساؤلاتي حين شاهدتُ البيت للوهلة الأولى: هل يمكن أن يكون هذا القصر بفخامته وغرفه الكثيرة مُلكًا لشخص واحد؟ ماذا تراه يفعل بكلِّ تلك الغرف؟! ومع ذلك تواصلتُ مع الشيخ سيف بن هاشل المسكري وسألتُه هل هذا هو «بيت المدفع»؟ فأكد لي أنّ البيت كان للضيافة، وأنّ «بيت المدفع» يقع فـي منطقة أخرى اسمها (مكونازيني) وهو حاليًّا وقفٌ فـي سبيل الله مثل كثير من بيوت العُمانيين فـي زنجبار وممتلكاتهم ومساجدهم. إذن فقد فاتني أن أرى البيت الذي انطلقت منه تلك المقالات الاستنهاضية التي كان الشيخ هاشل بن راشد المسكري يكتبها فـي «الفلق»، وفاتني أن أعيش تلك اللحظات التي دعا فـيها الشيخ هاشل أبي للغداء، ولا أدري كيف كان شعور والدي وهو الفقير المعدم القادم من عُمان عندما يدعوه أحد الأكابر للغداء فـي بيته، ولا كيف تقبّل الشيخ هاشل هدية أبي المتواضعة وهي قلم رخيص كما أشرتُ سابقًا. رحل أبي ولم يُضف لي جديدًا أعرفه، وها أنا أقف الآن على الأرض ذاتها التي صال والدي فـيها وجال مع عُمانيين كثر، وعلى مرمى حجر فقط من البيت الذي دخله بدعوة كريمة من الشيخ هاشل.
على كلّ حال؛ فإنّ مبنى الفندق التقليدي جميل بديكوراته وأبوابه الخشبية. وفـي السقف يمكن للرائي أن يُشاهد ألواح الخشب، وكذلك الأسرّة التي هي خشبية أيضًا وضخمة، ومحاطةٌ بناموسيات ضد البعوض الذي - ولله الحمد - لم يصادفنا لأنّ زيارتنا حدثتْ فـي صيف زنجبار.
قال لنا مرشدنا: «إنّ برنامج اليوم سيكون جولة فـي المدينة الحجرية وفرضاني، وبرنامجُنا الفعلي سيبدأ منذ صباح الغد، حيث سيرافقنا مرشد ملم بالتاريخ، وسيأخذكم فـي جولة ويشرح لكم كلّ شيء».
نظرتُ إلى المرشد بامتنان، وأنا أتحرّق شوقًا لهذه الجولة فـي المدينة الحجرية وفرضاني، التي سأتحدّث عنها فـي مقال الأسبوع المقبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ع مانیین
إقرأ أيضاً:
آي صاغة : الذهب يتراجع محليًا وعالميًا وسط ترقب لقرارات البيت الأبيض
شهدت أسعار الذهب في الأسواق المحلية والعالمية تراجعًا ملحوظًا خلال تعاملات اليوم الإثنين، في ظل حالة ترقب واسعة لخطوة مرتقبة من البيت الأبيض بشأن الرسوم الجمركية المحتملة على سبائك الذهب، إلى جانب تركيز المستثمرين على بيانات التضخم الأمريكية المنتظر صدورها هذا الأسبوع، والتي قد تحدد مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، بحسب منصة «آي صاغة».
وقال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات على الانترنت، إن أسعار الذهب بالأسواق المحلية تراجعت بنحو 40 جنيهًا، مقارنة بختام تعاملات الأسبوع مساء السبت الماضي، ليسجل سعر جرام الذهب عيار 21 مستوى 4580 جنيهًا، في حين تراجعت الأوقية بنحو 42 دولارًا، لتسجل 3355 دولارًا.
أضاف، أن سعر جرام الذهب عيار 24 بلغ 5234 جنيهًا، وعيار 18 سجل 3926 جنيهًا، وعيار 14 وصل إلى 3054 جنيهًا، فيما بلغ سعر الجنيه الذهب نحو 36640 جنيهًا.
وكانت أسعار الذهب قد ارتفعت بنسبة 0.4%، وبنحو 20 جنيهًا لعيار 21 خلال الأسبوع الماضي، ليرتفع من 4600 إلى 4620 جنيهًا للجرام، في المقابل، حققت الأوقية بالسوق العالمية مكاسب بنحو 1% لتصعد من 3363 إلى 3397 دولارًا.
وأوضح المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، أن تراجع الأسعار جاء على خلفية ضغوط بيع في السوق، مع تحول الأنظار إلى بيانات التضخم الأمريكي لشهر يوليو، والمتوقع أن تُظهر ارتفاعًا في المؤشر الأساسي بنسبة 0.3% على أساس شهري، مما يرفع المعدل السنوي إلى 3%، متجاوزًا مستهدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.
وأضاف أن الأسواق تترقب أيضًا الأمر التنفيذي الذي وعد البيت الأبيض بإصداره لتوضيح موقفه من الرسوم الجمركية على سبائك الذهب.
ويرى محللون أن البيانات المنتظرة لمؤشر أسعار المستهلك ستُظهر ما إذا كانت الضغوط التضخمية الناتجة عن الرسوم الجمركية مؤقتة أم ممتدة، خاصة بعد أن أظهر تقرير يونيو ارتفاعًا في أسعار العديد من السلع المستوردة.
ويتوقع الاقتصاديون نمو المؤشر الرئيسي بنسبة 2.8% سنويًا، مقابل 3.0% للمؤشر الأساسي الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة.
وقد تؤدي أي مفاجآت تضخمية إلى إعادة تسعير رهانات المستثمرين على خفض الفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل، رغم أن تقرير الوظائف الأمريكي الأخير، الذي جاء أضعف من التوقعات، دفع الأسواق لتسعير احتمالية تقارب 90% لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مع ترجيح خفض إضافي قبل نهاية العام.
في حين أثّرت تصريحات ميشيل بومان، محافظة الاحتياطي الفيدرالي، وألبرتو موساليم، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، والتي أشارت إلى انفتاحهما على تخفيف السياسة النقدية، على الدولار ودعمت المعادن الثمينة.
وفي سياق متصل، نقلت رويترز عن مصدر مطلع أن وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت يبحث عن خليفة لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وسط تكهنات بأسماء من بينها مستشارون مخضرمون ورؤساء سابقون لفروع البنك المركزي، في ظل استمرار الضغوط السياسية من الرئيس دونالد ترامب لدفع المجلس نحو خفض الفائدة.
كما تتجه الأنظار إلى القمة المرتقبة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا يوم الجمعة، حيث من المقرر بحث سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا، في وقت يُتوقع فيه تمديد الموعد النهائي لفرض رسوم جمركية جديدة على الصين، والذي كان مقررًا الثلاثاء.
وبحسب أداة CME FedWatch، تبلغ احتمالات خفض الفائدة الأمريكية إلى نطاق يتراوح بين 4.00% و4.25% حوالي 88%.
وعلى الرغم من أن الذهب يحافظ عادة على جاذبيته في بيئات التضخم المرتفع، إلا أن استمرار السياسة النقدية التقييدية للفيدرالي قد يضغط على أدائه في المدى المتوسط.