أمريكا ... بين السلام الروماني والجريمة الكبرى !
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
نحن أمام كيان عنصري وإمبريالي وإمبراطوري منذ اللحظة الأولى لأنه قام أساسا على فكرة تفوق الرجل الأبيض , وحقه في السيطرة على القارة الأمريكية وإبادة سكانها الأصليين , فالإبادة والعنصرية جزء لا يتجزأ من البنية الأمريكية منذ اللحظة الأولى , ثم الاسترقاق الواسع النطاق للسود الإفريقيين واستخدام سواعدهم في بناء الاقتصاد والرخاء الأمريكي .
-حقيقة أمريكا
الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها وارثة القيم الغربية ما انفكت أن أصبحت مثل أوروبا عنصرية – استعمارية , ولأنه كان هناك صراع مستمر , ونوع من توازن القوى , أدي إلى تطاحن الدول الأوروبية فيما بينها على النهب والمستعمرات والأسواق , ثم تطاحن المنظومتين الرأسمالية والاشتراكية , فإن الفرصة لم تأت أصلا لظهور المفاهيم الإمبراطورية والعنصرية والاستعلائية المباشرة لعدم وجود المناخ الصالح ولا الانفراد لدولة واحدة , إلا في حالات زمنية ضيقة وفشلت إذا لم تسقط سقوط مروع وانتهت من الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية وأصبح نراها اليوم تدور في فلك أمريكا مثل المانيا النازية أو ايطاليا الفاشية .
فعندما انتهى النفوذ الاستعماري لمعظم الدول الأوروبية وسقط هذا النفوذ في الفم الأمريكي , ثم سقطت المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق , أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة المنفردة بالقوة في العالم , فهي الأقوى عسكريا الأغنى اقتصاديا , المهيمنة إعلاميا , ومع التطور الهائل في وسائل القوة والمواصلات والتقنيات المختلفة كان من الطبيعي أن تتطور السياسات والمفاهيم بحكم الصيرورة الطبيعية إلى المفاهيم الإمبراطورية , ومحاولات غزو العالم الذي بدأ منذ حرب الخليج الثانية , ثم غزو أفغانستان واحتلال العراق .فالمسألة لا علاقة لها إذن بصعود نوع من القوى السياسية في أمريكا , بل إن الظروف الموضوعية هي التي أفرزت صعود تلك القوى والسماح لها بممارسة برنامجها الإمبراطوري , ولأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات فإنه حتى ولو كان الرئيس غير الرئيس والإدارة غير الإدارة فإن الأمر لم يكن ليختلف كثيرا .
وهذا ردا على الذين يقولون : إن أمريكا تغيرت , أو تنكرت لمبادئ المؤسسين والقادة الكبار حين تمارس التمييز ضد العرب والمسلمين والانحياز للعدو الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية , أو عدوانها المستمر على أكثر من دولة في العالم , والصحيح أن أمريكا هي أمريكا كما هي في حقيقتها , وهذه هي الصورة الطبيعية والمتوقعة لها في إطار تركيبها مع إدراك الظروف الموضوعية لنشأتها .
-وثيقة بوش
الوثيقة التي جاءت في 35 صفحة ومقدمة كتبها الرئيس الأمريكي " بوش الأبن 2001- 2009م " بنفسه أو بمعنى أصح وقعها باسمه , حددت العدو في أنه الإرهاب ومن يحمى أو يؤوى أو لا يقاوم الإرهاب , وهذا معناه كل العالم تقريبا , لأن الإرهاب يمكن أن يوجد حسب المفهوم الأمريكي في كل من يعارض سياسة الولايات المتحدة أو يناهض الصهيونية .
وإذا كان الإرهاب وحده لا يكفي فإن الوثيقة حددت دورا أمريكيا في نشر القيم الحضارية – الحرية وحقوق الإنسان في العالم ومناهضة الديكتاتوريات والتمييز الديني وغيرها , وهو نفس مضمون رسالة الرجل الأبيض الذي برر بها الأوروبيون استعمار آسيا وإفريقيا وتنظيم المذابح والتدمير والوحشية والنهب وتقطيع الأوصال , وهو نفس الأمر المتوقع على يد الأمريكي حامل شعلة الحرية والحرية منه براء .
فأمريكا منذ وثيقة الرئيس بوش الأبن والذي حددت بأنه غير مسموح لأي دولة في العالم أن تبلغ مبلغا معينا من القوة العسكرية أو الاقتصادية وإلا ستتعرض لتدخل الولايات المتحدة .. وايضا الوثيقة تدعو إلى المزيد من فتح الأسواق وحرية التجارة والانفتاح الثقافي , وهي كلها تعبر عن حقيقة السماح لأمريكا بأكبر قدر من النهب وتدمير البنية الثقافة للحضارات والشعوب الأخرى .
-السلام الروماني
هناك العديد من التوصيفات المختلفة التي تصف الحالة الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي إلى اليوم وإحدى هذه التوصيفات تقول : إن أمريكا تعيد عصر الإمبراطورية الرومانية , والتي حققت نوعا من العولمة أو السيادة المطلقة على العالم القديم لصالح وحساب الرومان فقط , وكان سكان الإمبراطورية ينقسمون إلى سادة وعبيد هم باقي السكان , ولغة التفاهم الوحيدة بين الطرفين هي الطاعة المطلقة , أو العصا الغليظة , وهو نفس الأمر فيما يخص أمريكا اليوم ,
وكذلك فإن العالم القديم كان يعيش في ظل ما يسمى بالسلام الروماني وهو ما تريد أمريكا أن تفعله , بمعني دخول الجميع في السلام الأمريكي , وهو طبعا كما كان السلام الروماني نوع من الخضوع الكامل للقوة الأمريكية ونمط الحياة الأمريكية وما تقرره أمريكا من إسقاط هذا النظام أو هذا الرئيس أو تجميد أموال تلك الهيئة ووصف حركات تحررية وشعوب مقاومة لهيمنتها بوصف الإرهاب أو غزو ذلك البلد واحتلال أرضه أو تحديد الطيب من الشرير والمشكلة أو الفارق النوعى بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الأمريكية , أن الأخيرة تمتلك أدوات قوة عسكرية واقتصادية بكثير جدا مما تمتلكه الأولى , وهذا يعني أن الخضوع سيكون أكثر قسوة , ولكن في نفس الوقت فإن الامبراطورية الرومانية كانت تواجه شعوبا وأمما في طور التكوين ولم تكن شخصيتها الحضارية قد تبلورت بعد , وهذا سهل لها مهمة الإخضاع , وحولوا البحر المتوسط إلى بحيرة رومانية واحتلت روما بلاد الشام سنة 62 ق. م , وغزت مصر وسيطرت عليها سنة 30 ق. م .
ومع احتلال مصر ارادت الإمبراطورية الرومانية جعل البحر الأحمر بحيرة رومانية كالبحر المتوسط وانتزاعه من سيطرة اليمن عليه .من المعلوم تاريخيا أن شعوب العالم القديم دخل في السلام الروماني وخضع لروما إلا اليمن فقد قاومت الغزو الروماني وهزمت جيشها بل دفنته في رمال مأرب بما عرف بحملة الرومان بقيادة جاليوس حاكم روما في مصر بعد ان قاد تحالف مع دولة الانباط واليهود عام 24 ق . م ,
فقد اصدر الإمبراطور أغسطس أمرا لحاكم مصر الروماني " اليوس جاليوس " عام 24 ق . م , للقيام بحملة إخضاع اليمن فجند عشرة آلاف من الرومان واستعان بألف جندي من الأنباط وايضا خمسمائة من اليهود كحلف عسكري لغزو اليمن , لكن اليمنيون تصدوا للحملة الرومانية ببسالة ومقاومة وهزموها .
وعلى عكس الإمبراطورية الرومانية فإن الأمريكان يواجهون أمما وحضارات وشعوبا وثقافات مكتملة التكوين ولن يكون خضوعها سهلا , ولعل هذا بالتحديد ما يجعل الولايات المتحدة تسابق الزمن لضرب الحضارة العربية الإسلامية في القلب واحتلال قلبها بقسوة وكثافة , وكذا محاولات احتواء الصين وروسيا والهند والسيطرة على البترول للتحكم في الاقتصاد الأوروبي والياباني أي منع تلك الحضارات والقوى من الاستمرار وتقزيمها أو قتلها إن امكن حتى لو كان حلفاءها مالم يكونوا تحت مظلتها وحمايتها .
-بيت الطاعة
نحن اليوم أمام استراتيجية جديدة بل ان صح التعبير امام استراتيجية فوضى عالمية واعادة العالم إلى قانون الغاب وانهيار للمنظومة والشرعية الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة . فأمريكا تريد أرساء مبدأ إمبراطوري خطير يجعل تدخل الولايات المتحدة في أي مكان لا يحتاج إلا إلى أن تقرر الولايات المتحدة ذلك فقط لا غير , وأن الولايات المتحدة ستتصرف منفردة حتى لو عارضت ذلك الهيئات والجهات الدولية بما فيها الأمم المتحدة , بمعنى إما أن تصبح الأمم المتحدة بوقا وذيلا , وإما فلا حاجة لها , وهذا معناه أن أمريكا أعطت لنفسها الحق في تحديد الخطأ والصواب المشروع وغير المشروع , وأعطت نفسها الحق في تنفيذ ما تراه ملائما . كل هذا معناه أن العالم كله مطلوب لبيت الطاعة الأمريكي . -قيادة العالم مع انهيار الشيوعية , وانفراد أمريكا بالقوة العسكرية في العالم , طرحت أمريكا نفسها كقيادة للعالم , واعتبرت أن هذه هي فرصتها وإنه يجب أن يكون القرن الواحد والعشرين قرنا أمريكيا , وأمريكا لم تقدم نفسها كقيادة عسكرية للعالم فقط بل تريد أن تقدم نفسها كقيادة سياسية واقتصادية بل وقيمية وحضارية للعالم , فهي تريد الهيمنة على العالم في كل شيء بدءا من النفوذ العسكري ومرورا بالنفوذ الاقتصادي والسياسي وانتهاء بالنفوذ الثقافي . وأمريكا التي تريد الانفراد بالقيادة في العالم الجديد أو النظام العالمي الجديد كما تسميه واشنطن لا بد أن تستخدم سياسة " الجزرة والعصا " فهي ترسم لنفسها صورة وردية ويرسم لها المؤيدون أو التابعون أو المأجورون صورة زاهية وقيما رفيعة , فهي ذات مسؤولية عالمية ومدافعة عن الحرية والسلام , وتريد عالما بلا حروب وتريد مساعدة العالم كله على الرخاء والحرية . وتقدم قيمها السياسية " البرغماتية " كما لو كانت أفضل القيم , فالتاريخ قد انتهي وأثبت صحة اقتصاد السوق والليبرالية الرأسمالية والنزعة الفردية والصفقات التجارية والمشاريع الاستثمارية والمصالح المشتركة . ومن ناحية أخرى فإنها تلوح بالعصا الغليظة لمن لا يريد الخضوع لهذا النظام العالمي الجديد أو الهيمنة الأمريكية وتهدد بأنها سوف تضرب بقسوة كل من يتحدى جبروتها سواء كان من الأعداء أو الأصدقاء على حد سواء . يشرح الرئيس الأمريكي " ريتشارد نيكسون 1969- 1974م" في كتابه والذي نشر منذ سنوات قريبة بعنوان " انتهزوا هذه الفرصة " ملامح تلك القيادة الأمريكية مقدما لها صورة وردية : ( سيعلم الجميع أنه بدون الولايات المتحدة الأمريكية فلن يكون هناك سلام أو حرية في العالم أجمع سواء في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل ... يجب أن نعيد الثقة في عقيدتنا وفي مثلنا وفي قدرنا وفي أنفسنا , نحن موجودون لنصنع التاريخ , ونفتح آفاقا جديدة للمستقبل ... لقد ظل الناس على مدي قرون طويلة يحلمون بالسلام والحرية والتقدم في العالم أجمع , ولم نكن في يوم من الأيام أقرب إلى تحقيق هذه الآمال من يومنا هذا ... إن علينا حمل عبء قيادة العالم , لأننا شعب عريق ... إن الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع أن تقوم بدور القيادة في العالم وعلى العالم أن يتبع خطانا ... ليس هناك إلا الولايات المتحدة التي تملك القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية لتقود العالم في طريق الحرية , والأهم من ذلك أن تأثيرنا لا ينبع فقط من القوة العسكرية والاقتصادية , ولكن ينبع أيضا من الإعجاب بمبادئنا ومثلنا , ونحن البلد الوحيد في العالم الذي رفع اسمه بقوة مبادئه وليس بقوة سلاحه ) .فأمريكا تقدم نفسها للعالم إلى جانب تفوقها العسكري والاقتصادي ايضا انها تحمل قيما عظيمة , وينبغي على العالم أجمع أن يدخل في هذه القيم وأن يتخلى الجميع عن قيمهم الحضارية الذاتية , وأن يخضع وهو سعيد لقيادة أمريكا وإلا فإن من يرفض أو يعارض أو حتي يكون محايدا فإن العصا الغليظة ستناله . -الجريمة الكبرى إن الصورة الوردية التي تروجها أمريكا ويروجها مؤيدوها صورة منافقة وكاذبة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية والحقيقة , فلا هي دولة صاحبة قيم عظيمة ولا ممارسات عظيمة ولا هي دولة بهذه القوة التي يتحدثون عنها . والصورة الحقيقية لأمريكا تقول : إن أمريكا ذاتها نشأت من خلال جريمة كبرى وهي إبادة شعب " الهنود الحمر " واستلاب أرضه والعيش فيها , أباد المهاجرون الأمريكيون أكثر من مائة مليون نسمة من الهنود الحمر , فكل مهاجر أباد أربعة من الهنود الحمر وبالتالي فقد عاش على جماجم أربعة من البشر . وهؤلاء الذين أنشأوا أمريكا أو سلبوها من أهلها كانوا من حثالات المهاجرين والمغامرين والأفاقين الأوروبيين , وهؤلاء بدورهم أبادوا الهنود الحمر , ثم استقدموا الرقيق الإفريقي ليسخروه في بناء امريكا , أي أن أمريكا قامت على النهب والإبادة والتفرقة العنصرية والتي تمارسها بصورة رسمية وتشرعها قوانينها وما تزال التفرقة العنصرية موجودة ومتغلغلة في الوجدان الأمريكي وما تزال آثارها ملموسة حتي الآن في كل مكان بأمريكا , فأي عالم إذن يمكن أن نتوقعه تحت قيادة أمة نشأت على النهب والإبادة والعنصرية ؟! .إن ما يسمى اليوم بالأمة الأمريكية هي تمثل كل القيم البشعة للحضارة الغربية , تلك الحضارة التي قامت على نهب الشعوب واسترقاقها وأذاقت كل البشرية الويلات خلال فترة الاستعمار ولا تزال , وما دامت ما يسمى بالأمة الأمريكية جزءا من الحضارة الغربية فهي تمتلك كل مقوماتها الحضارية وعي العنف والقهر والنهب والعنصرية , بل إنه يمكن القول : إن أمريكا هي أسوأ التطورات في الحضارة الغربية , لأنها نشأت من حثالة البشر في تلك الحضارة الغربية , ولأنها نشأت من خلال جريمة كبرى إبادة الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين . -تاريخ أسود إن سجل الجرائم الأمريكية حول العالم متعددة ومتنوعة , فهو تاريخ أسود حافل بكل المذابح والمجازر والانتهاكات ولا يوجد دولة إلا واكتوت بنار جرائم واشنطن , فأمريكا التي تدعي أنها رفعت اسمها من خلال المبادي , وليس من خلال القوة هي نفسها التي قامت بالعديد من الجرائم الكبيرة اولاها إبادة شعب أمريكا الأصلي الهنود الحمر واسترقاق السود وتسخيرهم في بناء امريكا . وفيما يخص جرائمها ضد العرب و المسلمين اهمها : دعم قيام الكيان الصهيوني والاعتراف به عام 1948م , وفرضه كعضو على الأمم المتحدة عام 1949م , ثم تقديم عشرات المليارات إليه لدعمه فضلا عن السلاح والمعلومات الاستخبارية وغيرها حتي اليوم , التدخل العسكري في لبنان 1983م , ضرب ليبيا 1986م , اختطاف الطائرة المصرية إبان حادثة السفينة " أكيلي لاورو " عام 1986م , إسقاط طائرة الركاب الإيرانية المدنية فوق مياه الخليج العربي 1988م , تدمير العراق والكويت 1991م , التدخل في الصومال 1993م , ضرب السودان وأفغانستان 1988م , احتلال أفغانستان 2001م , احتلال العراق 2003م , محاولة تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن 2017م , أو مقترح ترامب اليوم ترحيل سكان غزة 2025م , وشراء أراض غزة مخالفا بذلك كل القوانين والمواثيق الدولية مما لاقي استهجان عالمي . وجعل العالم بأسره يدرك حقيقة وتاريخ أمريكا وانها قامت على الإبادة والعنصرية . -سقوط أمريكا إذا كانت الصورة الوردية التي ترسمها أمريكا لنفسها أو يرسمها لها مؤيدوها صورة كاذبة ومنافقة وغير حقيقية , فإن الصورة الأخرى التي تكمل بها أمريكا ومؤيدوها حصارها حول العالم وهي صورة أمريكا القوية القادرة التي لا تستطيع قوة أخرى تحديها هي أيضا صورة مبالغ فيها لإيقاع الرعب في نفوس الآخرين , وأن الصورة الحقيقية لأمريكا ليست بهذه القوة ولا بهذه القدرة ويمكن بالصمود والمقاومة والمواجهة أو بعوامل الضعف الداخلية الأمريكية أن تسقط هذه القوة بأسرع مما نتصور . وفي هذا الصدد يقول " محمد حسنين هيكل " في كتابه " الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق " : ( الواقع أن الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ لا يهزمها خصومها في صراعات مباشرة إلى النهاية , وإنما تتولى هي هزيمة نفسها بالإفراط في استعمال القوة وفي الغرور , إذ يعجز عن مسايرة التطور ويتصور قجرته غالبة إلى الأبد ) .
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الإمبراطوریة الرومانیة الأمم المتحدة الهنود الحمر على العالم فی العالم إن أمریکا من خلال
إقرأ أيضاً:
ترامب يعلن حربًا على قوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات الأمريكية
نيويورك: إسلام الشافعي
في خطوة تعيد رسم خريطة تنظيم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا جديدًا بعنوان «ضمان إطار وطني للسياسة الخاصة بالذكاء الاصطناعي»، يهدف إلى ترسيخ هيمنة واشنطن في هذا القطاع عبر تقليص سلطة الولايات في سنّ قوانينها المنفردة. يأتي الأمر استكمالًا لمسار بدأه ترامب في يناير 2025 بالأمر التنفيذي 14179 «إزالة العوائق أمام قيادة أمريكا في الذكاء الاصطناعي»، الذي ألغى عددًا من سياسات الإدارة السابقة واعتبر أنها تعرقل صناعة الذكاء الاصطناعي وتكبّل الابتكار.
يقدّم الأمر التنفيذي الجديد رؤية واضحة: الولايات المتحدة تخوض سباقًا عالميًا على الريادة في الذكاء الاصطناعي، وأي «ترقيع تنظيمي» على مستوى الولايات من شأنه إضعاف الشركات الأميركية في مواجهة منافسيها الدوليين. الإدارة ترى أن تعدد القوانين بين ٥٠ ولاية يخلق عبئًا تنظيميًا معقدًا، خاصة على الشركات الناشئة، ويحوّل الامتثال القانوني إلى متاهة مكلفة تهدد الاستثمارات التي تقول الإدارة إنها بلغت تريليونات الدولارات في هذا القطاع داخل الولايات المتحدة.
يلفت الأمر التنفيذي النظر بشكل خاص إلى تشريعات بعض الولايات، وعلى رأسها قانون في كولورادو يستهدف «التمييز الخوارزمي» في أنظمة الذكاء الاصطناعي. ترامب يهاجم هذا النوع من القوانين بوصفه محاولة لفرض «انحياز أيديولوجي» على النماذج، بل يذهب إلى القول إن متطلبات تجنّب «الأثر التفاضلي» على الفئات المحمية قد تجبر الأنظمة على تقديم نتائج خاطئة أو غير دقيقة من أجل استيفاء الاعتبارات القانونية.
لتنفيذ هذه الرؤية، يكلّف الأمر التنفيذي وزارة العدل بإنشاء «فريق تقاضٍ للذكاء الاصطناعي» تكون مهمته الوحيدة الطعن في قوانين الولايات التي تتعارض مع السياسة الفدرالية الجديدة، سواء بحجة انتهاك سلطة الحكومة الاتحادية في تنظيم التجارة بين الولايات، أو بحجة تعارضها مع اللوائح الفدرالية القائمة، أو أي أسباب قانونية أخرى تراها الوزارة مناسبة. بالتوازي، يطلب من وزارة التجارة إعداد تقييم شامل لقوانين الذكاء الاصطناعي في الولايات، مع تحديد تلك التي تُلزم النماذج بتعديل مخرجاتها الصحيحة أو تجبر المطورين على إفصاحات يُحتمل أن تصطدم بالتعديل الأول للدستور الأمريكي وحماية حرية التعبير.
أحد أكثر بنود الأمر إثارة للجدل هو ربطه بين موقف الولايات التشريعي من الذكاء الاصطناعي وبين إمكانية حصولها على تمويل اتحادي في مجالات حيوية، مثل برنامج «الإنصاف في النطاق العريض وإتاحته ونشره» (BEAD) المخصص لتوسيع الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة. فالأمر التنفيذي يفتح الباب أمام حرمان الولايات ذات القوانين «المُرهِقة» من بعض التمويل غير المخصص للبنية التحتية المباشرة، بذريعة أن البيئة التنظيمية المجزأة تهدد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعتمدة على الشبكات فائقة السرعة وتعطّل هدف تحقيق اتصال شامل للمواطنين.
ويمضي الأمر أبعد من ذلك، إذ يدعو هيئات فدرالية مثل لجنة الاتصالات الفدرالية ولجنة التجارة الفدرالية إلى بحث وضع معايير وطنية ملزمة للإبلاغ والإفصاح عن نماذج الذكاء الاصطناعي، تكون لها الأسبقية على القوانين المتعارضة في الولايات، وإلى توضيح متى تُعتبر قوانين الولايات التي تفرض تعديل المخرجات «الحقيقية» للنماذج نوعًا من الإلزام بالسلوك المضلِّل المحظور بموجب قانون التجارة الفيدرالي.
في الخلفية، تلوّح الإدارة أيضًا بمسار تشريعي طويل الأمد؛ إذ يوجّه الأمر المستشار الخاص بالذكاء الاصطناعي والتشفير، ومستشار الرئيس للعلوم والتكنولوجيا، لإعداد مشروع قانون يضع إطارًا فدراليًا موحدًا للذكاء الاصطناعي يَسمو على قوانين الولايات المتعارضة مع هذه السياسة، مع استثناءات تتعلق بحماية الأطفال، والبنية التحتية للحوسبة، واستخدام الحكومات المحلية للذكاء الاصطناعي.
بهذا، لا يقتصر الأمر التنفيذي على كونه وثيقة تنظيمية تقنية، بل يتحول إلى محطة جديدة في الصراع بين الحكومة الفدرالية والولايات حول من يملك الكلمة العليا في رسم مستقبل الذكاء الاصطناعي في أميركا، بين من يرى أن التساهل التنظيمي شرطٌ للحاق بالسباق العالمي، ومن يخشى أن يتحول ذلك إلى فراغ رقابي يترك الحقوق المدنية والبيانات الحساسة دون حماية كافية.
و بينما تصف إدارة ترامب هذه الخطوة بأنها ضرورية لحماية الابتكار الأميركي وتفادي “فسيفساء تنظيمية” تعطل الاستثمار، ترى حكومات ولايات ومجموعات حقوقية أن الأمر التنفيذي يضعف طبقة الحماية المحلية التي فُرضت استجابة لمخاوف حقيقية تتعلق بالتمييز الخوارزمي والخصوصية، ما يفتح جولة جديدة من الجدل القانوني والسياسي حول من يملك حق رسم قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.
حذّرت حكومات عدد من الولايات من أن الأمر التنفيذي يعتدي على سلطاتها الدستورية في تنظيم شؤون مواطنيها، خصوصًا في مجالات حماية الخصوصية والتمييز في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويؤكد مسؤولون في هذه الولايات أن القوانين المحلية لا تستهدف عرقلة الابتكار، بل وضع حدّ لاستخدامات قد تضر بالحقوق المدنية أو تعزز التحيّز ضد مجموعات بعينها.
ومن جانبها، سارعت المجموعات الحقوقية إلى انتقاد القرار، معتبرة أنه يمنح الشركات التكنولوجية حرية واسعة على حساب آليات المساءلة والشفافية، ويُضعف قدرة الضحايا المحتملين على مواجهة الأضرار الناجمة عن أنظمة خوارزمية متحيزة أو غير شفافة.
وترى هذه المنظمات أن ربط التمويل الفيدرالي بمواقف الولايات التشريعية قد يتحوّل إلى أداة ضغط سياسي تُستخدم لثني المشرّعين المحليين عن سنّ قوانين لحماية المستهلكين.