يبدو أن العقلية الاستعمارية الغربية لم تتغير كثيرا منذ القرن التاسع عشر، إذ ما زال منظروها يبحثون عن مسوغات جديدة لفرض سيطرتهم على شعوب لا يرونها جديرة بالحياة المستقلة. المقال الذي نشره ثين روزنباوم في جويش جورنال ليس إلا مثالا جديدا لمحاولات قلب الحقائق، وتقديم الضحية كجلاد، وتبرير جرائم الاحتلال بذرائع "حضارية" و"تنموية"، لكنه كغيره من الأبواق الصهيونية، ينسى أو يتناسى حقيقة راسخة: فلسطين ليست للبيع، وأهلها ليسوا عبيدا لأجندات الاستعمار الجديد.



مغالطات صهيونية مكررة: هل يصدقها أحد؟

ينطلق روزنباوم من مغالطة شائعة يكررها الإعلام الغربي بلا كلل؛ أن الفلسطينيين رفضوا فرصا متكررة للسلام و"قالوا لا" لخمس عروض لإقامة دولتهم. لكنه يتجاهل حقيقة أن تلك العروض لم تكن سوى محاولات لشرعنة سرقة الأرض وتفتيت القضية الفلسطينية إلى فتات لا يصلح إلا ليكون سجنا كبيرا لأصحابه.

منطق ترامب لا يختلف عن منطق المستعمرين الأوروبيين في أفريقيا، الذين كانوا يرون أن المشكلة ليست في الاحتلال بل في السكان الأصليين أنفسهم، وأن الحل هو تهجيرهم أو "إعادة تأهيلهم" ليكونوا أكثر "تمدنا". إنه تفكير استيطاني عنصري يرى الأرض ملكا لمحتليها، وأهلها عبئا يجب التخلص منه
أي "دولة" يقصد؟ تلك التي بلا سيادة، وبلا جيش، وبلا موارد، والتي تبقى رهينة لإملاءات المحتل؟! إن ما يُسمى بـ"حل الدولتين" لم يكن يوما سوى فخ لإضفاء الشرعية على كيان استيطاني أُنشئ بالقوة، بينما يُترك الفلسطينيون يتوسلون حقوقا أساسية كحرية التنقل والمياه والكهرباء، التي يتحكم بها الاحتلال.

منطق الاستعمار: "إما أن تقبلوا الاحتلال أو تُهجّروا"

يقترح الكاتب، بكل استعلاء، أن الحل في غزة هو "نقل سكانها" إلى مصر والأردن والدول العربية، متناسيا أن التهجير القسري هو جريمة حرب وفق القوانين الدولية. لكن في نظره، الفلسطينيون ليسوا بشرا لهم حقوق، بل مجرد "عقبة" في وجه المشروع الصهيوني.

ثم يحاول تبرير اقتراحه عبر مقارنة الفلسطينيين باللاجئين السوريين في أوروبا، متناسيا أن الفلسطينيين لم يأتوا إلى غزة أو الضفة الغربية مهاجرين، بل هم سكانها الأصليون الذين شرّدهم الاحتلال الإسرائيلي من ديارهم عام 1948، وما زال يمنعهم من العودة حتى اليوم.

أكثر من ذلك، يزعم أن إسرائيل تمتلك "سند ملكية أقوى" للأرض، متجاهلا كل الوثائق التاريخية التي تثبت أن فلسطين كانت مأهولة بأهلها العرب قبل أن يأتي الاحتلال البريطاني ليزرع الكيان الصهيوني بالقوة. هل نسي أن معظم المستوطنين الإسرائيليين اليوم هم يهود جاؤوا من أوروبا وروسيا وأمريكا، بينما أصحاب الأرض الأصليين يُمنعون من العودة إلى بيوتهم؟!

مشروع ترامب: الوجه الجديد لنكبة 1948

ما يطرحه ترامب ليس "رؤية بديلة" كما يدّعي روزنباوم، بل هو امتداد لذات العقلية التي قامت عليها النكبة عام 1948، لكن بثوب اقتصادي جديد. يريد أن يحول غزة إلى "ريفييرا" أو "كازينو"، لكن بدون أهلها!

منطق ترامب لا يختلف عن منطق المستعمرين الأوروبيين في أفريقيا، الذين كانوا يرون أن المشكلة ليست في الاحتلال بل في السكان الأصليين أنفسهم، وأن الحل هو تهجيرهم أو "إعادة تأهيلهم" ليكونوا أكثر "تمدنا". إنه تفكير استيطاني عنصري يرى الأرض ملكا لمحتليها، وأهلها عبئا يجب التخلص منه.

الحقيقة التي يخشاها الغرب: الاحتلال إلى زوال
العقلية العنصرية التي ترى الشعوب المستعمَرة غير مؤهلة للحكم الذاتي، وهو نفس الخطاب الذي قيل عن الجزائريين قبل ثورتهم، وعن جنوب أفريقيا قبل سقوط نظام الفصل العنصري
ما يحاول روزنباوم وغيره من أبواق الاحتلال إخفاءه هو أن المشروع الصهيوني يواجه أزمة وجودية حقيقية، وأنه، رغم كل الدعم الغربي، عاجز عن تحقيق الأمن لشعبه. فالمقاومة الفلسطينية لم تنهزم كما يدّعي، بل أثبتت أنها الرقم الصعب في المعادلة، وأن كل محاولات تهجير الفلسطينيين أو كسر إرادتهم ستفشل كما فشلت من قبل.

أما حديثه عن أن الفلسطينيين "غير مستعدين لدولة"، فهو جزء من العقلية العنصرية التي ترى الشعوب المستعمَرة غير مؤهلة للحكم الذاتي، وهو نفس الخطاب الذي قيل عن الجزائريين قبل ثورتهم، وعن جنوب أفريقيا قبل سقوط نظام الفصل العنصري.

الخاتمة: لا شرعية للاحتلال، ولا مساومة على الحق

يحاول الغرب، عبر أقلام مأجورة، أن يقلب الحقائق ليبرر استمرار الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي. لكن الحقيقة واضحة كالشمس: فلسطين للفلسطينيين، وكل المشاريع التي تهدف إلى إزاحتهم من أرضهم ستفشل كما فشلت سابقاتها.

قد يظن روزنباوم وأمثاله أن بإمكانهم خداع العالم بمقالاتهم المغلفة بلغة "الواقعية السياسية"، لكن التاريخ علّمنا أن المحتل مهما طال به الزمن، فهو زائل لا محالة. فكما سقط الاستعمار الفرنسي في الجزائر، ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فإن الاحتلال الصهيوني إلى زوال، مهما حاول منظّروه إيجاد مبررات جديدة لوجوده.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاستعمارية الاحتلال فلسطين التهجير احتلال فلسطين تهجير استعمار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يحرق خيام النازحين الفلسطينيين بعد فرارهم تحت تهديد عدوان خان يونس

يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حرق خيام النازحين الفلسطينيين بعد فرارهم منها تحت تهديد عدوان في خان يونس جنوب قطاع غزة، نقلا عن وسائل إعلام فلسطينية في نبأ عاجل، منذ قليل.

وفي السياق ذاته، ارتفعت حصيلة الشهداء جراء قصف شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين في جباليا النزلة شمال قطاع غزة، إلى عشرة أشخاص.

ووفقا لمراسل وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، فإن القصف استهدف مدرسة حليمة السعدية، التي كانت تؤوي عدداً من المدنيين المهجرين.

كما واصلت قوات الاحتلال تدمير المباني السكنية في منطقة السطر شمال مدينة خان يونس جنوب القطاع، وسط تصعيد ميداني مستمر.

وبالتزامن مع هذا العدوان، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إصابة أحد عناصر طواقمها الطبية بنيران الاحتلال أثناء تنفيذه مهمة إنسانية في منطقة التحلية بخان يونس، وتم نقله لتلقي العلاج في مستشفى المواصي الميداني.

ومنذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، بلغت حصيلة الشهداء 57,762 شهيداً، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما ارتفع عدد الجرحى إلى 137,656، في ظل استمرار تعذر وصول فرق الإنقاذ إلى عدد من الضحايا العالقين تحت الأنقاض أو في الطرقات.

طباعة شارك جيش الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين خان يونس قطاع غزة

مقالات مشابهة

  • إعادة تموضع الجيش الإسرائيلي ستقضم 40% من مساحة غزة
  • عشرات الشهداء والجرحى الفلسطينيين بمجازر جديدة للعدو الإسرائيلي بقطاع غزة
  • عاجل| مصادر للجزيرة: خريطة إعادة التموضع التي عرضها الوفد الإسرائيلي في المفاوضات تبقي كل مدينة رفح تحت الاحتلال
  • مقرر الأمم المتحدة المعني بالفقر : الوضع في غزة جحيم على الأرض
  • الاحتلال يحرق خيام النازحين الفلسطينيين بعد فرارهم تحت تهديد عدوان خان يونس
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 74 شهيدًا
  • قائد أنصار الله: كل شركات النقل البحري التي تتحرك لصالح العدو الإسرائيلي ستعامل بالحزم
  • الاحتلال يعتقل عددا من الفلسطينيين شمال القدس – فيديو
  • نتنياهو: لن نرحل الفلسطينيين عن غزة أو يجبرهم أحد
  • بتجريف الأرض وهدم البيوت.. الاحتلال يغير ملامح المخيمات في شمال الضفة