ما بين السودان الجديد والسودان الحديث
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
د. أبوبكر الصديق على أحمد مهدي
لقد تكرر الحديث كثيراً حول الغاء السودان القديم وابداله وتبديله بسودان جديد. وهذه الدعوة لا تعكس الا قصر نظر أصحابها، لأن الجديد هو انفصال نهائي عن القديم، وهذا لا يعني انه مختلف عنه، وانما هو ذاته كمحتوى مع الباسه لبوساً تبدو جديدة. وهو فقط محض تكرار كريه للسابق مع عدم الإضافة له أو اليه.
ولكن، دعوتنا للسودان الحديث، ما هي الا امتداد للقديم، وامتداد تعني تحديث في القديم، وهي انقطاع لا نهائي عن الماضي أو القديم. فالمولود يُفصل عن أمه حتى يتواصل التواصل بينهما، ويصبح الطفل المولود امتداد لامه. فيضيف الطفل فكر جديد ورؤى جديدة ووجدان جديد، وجديد هنا لا تحمل معني "جديد" الموجودة في "السودان الجديد".
فجديد في "السودان الجديد"، تتسبب في انشطار الأمس عن اليوم، ويصير لا وجود لجسر يربط بين الأمس وبين الغد بسبب انفصال اليوم عن الأمس بصورة مطلقة. والنتيجة تكون تشويه للتركيبة الاجتماعية وللهوية الثقافية للمجتمع، ويصبح مجتمع هلامي لا كينونة له ولا يحمل هوية تميزه عن الآخرين ليكون متفرداً في وجوده.
اما دعوتنا فهي من أجل تواصل الأجيال ومن أجل ربط الأمس بالغد بجسر اليوم. وهي دعوة تحرض على التقدم وعلى التطور وعلى التحديث. فلا يمكن أن يكون هناك تحديث أو سيرورة لشيء تم الغاءه. فدعوة السودان الحديث تحافظ على تماسك لُحمة المجتمع ونسيجه، وتغنيه بكينونته المميزة، وتساعده في أن يمتلك هوية فيها من التفرد كل معانيه.
فالجديد هو انفصال لا انفصال، وبمعني آخر إذا لم يكن هناك فصل أو انفصال فلن يكون هناك تجديد، وانما يكون هناك تكرار لقديم، ولكن فقط بتبديل الشخوص الذين أتوا بذاك القديم، بشخوص آخرين يأتون بالقديم نفسه مع تغير سطحي في الشكل ولكن المضمون يكون هو هو لم يطرأ عليه جديد، فيصبح الجديد من جنس القديم.
فالانفصال لا يعني اطلاقاً الغاء التاريخ -ولكن تكرار التاريخ يعني الغاء للزمان ولكثافته-، والانفصال لا يقوم على زمن مفتت، يتكون من أنات مشتتة متناثرة. حتى وان كان لا بد من أن نعمل على المحافظة على مفهوم اللحظة الماثلة (الآن)، فلا يجب أن نحدده التحديد الهندسي، بمعني أنه نقطة تلاقي أو التقاء خطين. ولكن ينبغي أن نعينه أو نحدده تعييناً أو تحديداً فيزيائياً من حيث هو اتصال لاسلكي تيار كهربائي. فاللحظة الماثلة أو (الآن) هو شرارة وانفجار. انه لحظة تصدع واضحة، وهذه اللحظة هنا هي ليست أصغر جزء من الحاضر. ليست هي وحدة الحاضر. ولكنها تفتحه وتصدعه. انها هي نفسها التي تجعل الانفصال هو نسيج الزمان أو الزمن، بحيث لا يكون الزمن أو الزمان بمثابة صيرورة يفصل فيها حاضر حي متحرك الأمس (الماضي) عن الغد (المستقبل)، ولكنها هي حركة التباعد التي تنخر الحاضر ذاته، ولا تسمح له من أن يحضر ويتطابق أو يعيد ويكرر نفسه.
والتحديث معناً يعني أنه ليس مجرد التجديد (الجديد). فالتجديد قائم أو يقوم على فهم أو مفهوم "تخارجي" عن الانفصال. فالتجديد كمفهوم هو كل انسلاخ لجديد من قديم، انسلاخ لحاضر من ماضي. ولكن، وفي الجانب الآخر، فالتحديث هو "ظاهرة" متميزة متفردة بها صار الانفصال هو خاصية الكائن (زمان أو مكان أو انسان).
في التحديث لا يستمر الانفصال رابط أو علاقة بين طرفين، بين عنصرين، بين عاملين، بين فترتين، لا يظل علاقة، ولكنه يصبح خاصية (خاصية المعرفة، خاصية المجتمع، خاصية النص، خاصية الكائن). هو ما يجعل الكائن دائم الهروب عن ذاته، ما يجعل هذا الكائن يتخلله الزمان.
فالتحديث ليس هو مجرد اثبات للتحولات الكبرى في مختلف الحقول وفي عديد المجالات، وانما هو وعي عميق بأن الكائن (زمان، مكان، انسان) تحول. ويعتبر هذا التحول في حاضرنا يمتلك من القوة بحيث لا يسمح لنا الحديث (التكلم) عن هوية ثقافية سوى في خروجها عن نفسها، وتفاعلها مع ما يخالفها وانزالها ووضعها في فضاء ثقافي جديد وعالم كان غائب ولم يكن له وجود قبل اليوم أو قبل يومنا الذي بين أيدينا.
وما عنيناه هو أن الانفصال لم يعد مجرد اغتراب وابتعاد عن الآخر، ولكنه يعني ابتعاد الذات عن نفسها، والمهم والأهم من كل ذلك أنه ابتعاد لا متناه.
ولكي نميز بين مصطلح "الجديد" ومصطلح "الحديث"، يجب التمييز بين مفهومين عن الانفصال، مفهوم وضعي بحت يعمل على أن يفصل فصلاً نهائياً بين مرحلة ومرحلة، بين عامل وعامل، ومفهوم آخر يجب أن يكون مضاداً، يجعل القطيعة انفصالاً لا متناهياً ما يكاد أن يتم. وذلك لأنه ينطلق من نفيه "الحضور" والتحقق النهائي.
وبهذا الفهم وبهذا المعني فان "جوهر" هذا الانفصال لا يكون في الفصل والقطيعة، ولكنه يكون في لا تناهي الفصل وفي لا محدودية القطيعة. فالقطيعة ليست هي بمعني حلول حاضر يجُب ما قبله أو يلغي ما قبله نهائياً. فالقطيعة هي انفصال لا متناه، أي أنها حركة دائمة دائبة نشيطة لا تنفك تتم. فهي ليست انفصالاً بين حاضر وحاضر أي ليس انفصال بين حاضرين، ولا بين حضورين، ولكنها بالأحرى، هي خلخلة للحضور ذاته. انها اقحام للا-تناهي "داخل" الكائن.
وهذا الطابع اللامتناهي للانفصال يجعلنا نقعد القرفصاء داخل مفهوم دوري عن الزمان، ويجعل الفروع متعلقة أو تعلق بأصولها، يجعل الانفصال مستحيل أن يكون الا بإعادة ربط، بحيث نصير كسيحين عاجزين عن معرفة الماضي أو اكتشافه من جديد الا إذا نحن تمكنا من قطع الحبل، ذلك الحبل الذي يشدنا اليه. قطع الحبل هذا، مثل قطع حبل السرة، فهو لا يعني انفصالاً مطلقاً، ولكنها هي العملية التي يتم بها وعن طريقها ربط المولود بأمه من جديد. ولذلك فنحن من دعاة السودان الحديث الذي ينطلق من الماضي بعد دراسته موضوعياً مروراً بالحاضر الي الغد المشرق المنشود.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: انفصال لا
إقرأ أيضاً:
كم سيدفع مستأجرو المناطق المتميزة في أول شهر من تطبيق الإيجار القديم؟
بعد موافقة مجلس النواب بشكل نهائي على مشروع قانون الإيجار القديم، أصبح القانون في انتظار تصديق رئيس الجمهورية ليبدأ تطبيقه رسميًا. ويطرح المشروع تصورًا جديدًا لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، خاصة في الوحدات السكنية الخاضعة للنظام القديم، ويحدد بوضوح قيمة الإيجار في أول شهر بعد بدء العمل بالقانون.
زيادة أولى تصل إلى 20 ضعفًا في المناطق المتميزةبحسب نص مشروع قانون الإيجار القديم، فإن مستأجري الوحدات السكنية الواقعة في المناطق المتميزة سيسددون إيجارًا شهريًا يعادل 20 ضعف القيمة الإيجارية الحالية، على ألا يقل الإيجار عن ألف جنيه شهريًا، بدءًا من أول شهر بعد سريان القانون.
أما في المناطق المتوسطة، فتكون الزيادة بمقدار 10 أضعاف، بحد أدنى 400 جنيه، وفي المناطق الاقتصادية تكون الزيادة بالقدر نفسه، لكن بحد أدنى 250 جنيهًا شهريًا.
سداد مؤقت موحد قبل انتهاء عمل لجان الحصروحتى تصدر لجان الحصر المكلفة بتصنيف المناطق السكنية قراراتها النهائية، يُلزم جميع المستأجرين بسداد قيمة موحدة مؤقتة قدرها 250 جنيهًا شهريًا، بغض النظر عن تصنيف المنطقة، وذلك كأجر شهري ابتدائي.
وبعد صدور قرار المحافظ المختص بتقسيم المناطق، يلتزم المستأجر بسداد الفروق المستحقة بأثر رجعي، إن وُجدت، على أقساط شهرية، تعادل نفس عدد الشهور التي تم فيها السداد المؤقت.
ارتفاع سنوي بنسبة 15%لا تتوقف الزيادة عند الشهر الأول فقط، فـ قانون الإيجار القديم ينص على زيادة سنوية دورية بنسبة 15% من قيمة الإيجار، سواء في الوحدات السكنية أو غير السكنية، وذلك لضمان مواكبة تطورات السوق العقاري والتضخم.
وينص القانون أيضًا على أن عقود الإيجار القديمة ستنتهي بعد 7 سنوات من تاريخ بدء العمل به، بالنسبة للوحدات السكنية، و5 سنوات للوحدات غير السكنية، ما لم يتم التراضي على الإنهاء المبكر.
ولتخفيف الآثار، أتاح القانون للمستأجرين التقدم بطلبات لتخصيص وحدات بديلة من خلال الدولة، سواء بالإيجار أو التمليك، بشرط التنازل عن الوحدة القديمة، مع أولوية للفئات الأولى بالرعاية.
ملخص مشروع قانون الإيجار القديم الجديدالإخلاء بعد 7 سنوات للسكني، و5 لغير السكني
القيمة الإيجارية:
- 10 أضعاف بحد أدنى 250 جنيه للاقتصادي و400 جنيه للمتوسط و20 ضعف بحد أدنى 1000 جنيه للمتميز
- زيادة سنوية 15%
- التجاري: 5 أضعاف القيمة الحالية
الإخلاء الفوري إذا أُغلقت الوحدة أكثر من سنة أو امتلك المستأجر وحدة أخرى
المستأجر له أولوية في وحدة بديلة قبل الإخلاء