«وعلى أنِّي قد عزمتُ -والله الموفّق- أنّي أوشِّحُ هذا الكتاب وأفصِّلُ أبوابه بنوادر من ضروب الشعر، وضروب الأحاديث ليخرج قارئ هذا الكتاب من باب إلى باب، ومن شكلٍ إلى شكل، فإنّي رأيتُ الأسماعَ تملُّ الأصواتَ المُطْرِبَة، والأغاني الحَسَنة والأوتارَ الفصيحةَ إذا طالَ ذلك عليها. وما ذلك إلا فـي طريقِ الراحلةِ التي إذا طالت أورثت الغفلة.
هنالك اقتباس آخر أحبه، لكنه لفـيلسوف وأديب وفقيه وشاعر، ماذا بعد؟ أعتقد أننا نستطيع القول بأنه جاحظ آخر جاء بعد الجاحظ الأول، وهو ابن حزم الأندلسي. يقول ابن حزم فـي كتابه ذائع الصيت «طوق الحمامة فـي الأُلفة والأُلَّاف»..والبكاء من علامات المحب ولكن يتفاضلون فـيه، فمنهم غزيرُ الدمعِ هَامِلُ الشؤون تجيبهُ عينُهُ وتَحضُرُهُ عبرتهُ إذا شاءَ، ومنهم جمودُ العينِ عديمُ الدمعِ، وأنا منهم. ..فإني لأصاب بالمصيبة الفادحة فأجد قلبي يتفطَّرُ ويتقطَّعُ، وأُحِسُّ فـي قلبي غصةً أمرَّ من العلقم تحولُ بيني وبين توفـيةِ الكلامِ حقَّ مخارجه، وتكادُ تُشرِقُني بالنفسِ أحيانا ولا تجيبُ عينيَّ البتة إلا فـي النُّدرةِ بالشيءِ اليسيرِ من الدمع».
يبدو للوهلة الأولى ألا ترابط بين ما قاله الجاحظ، وما قاله ابن حزم!؛ لكنني سأحكي شيئا. بدأت القراءة منذ عدة سنوات، وأعني بها القراءة الجادة؛ وكأي مجال آخر فـي هذه الحياة، يشعر المرء بالفتور والتثاقل فـي لحظات من حياته. وكعادة المُحبِّ، لا يملُّ من محبوبه مهما بدا الأمر على غير ذلك. جاءت لحظات الفتور والبطء إذن، لأكتشف حينها كنزا رائعا أعاد إلي الشغف مرة أخرى وبالحماسة الأولى نفسها؛ إنها الكتب التي تتحدث عن الكتب!. يمكننا تشبيه الأمر بالبحث عن الكنز المفقود، فكي تصل إلى كنزك الأكبر، تمر بمراحل تهديك من الكنوز الثمينة ما يجعلك تبتهج وتتزود بها لتصل إلى مبتغاك؛ حيث الكنز الكبير والحلم البعيد الذي سعيت إليه دوما.
عرفت الجاحظ فـي مرحلة مبكرة من حياتي، وبدا لي بأن هذا الرجل مكتبة تمشي على الأرض؛ فلا تقرأ صفحة إلا وتجد لأحدهم ذكرا أو خبرا أو شعرا، كأنما هو صندوق الزمن الذي جُمعت فـيه كشوفات الأولين والآخرين إلى اليوم الذي كتب فـيه ما كتب. ومن الجاحظ ولجت إلى عالم ابن النديم. بدا لي الرجلان شخصيتين أسطوريتين، فكيف لأحد مهما بلغ من العلم أن يكون بمثل هذه الموسوعية والدقة والبراعة فـي آن، أو لنقل أنهما خرجا لنا من وادي عبقر الأسطوري!. جعلتني هذه التجربة القرائية أحب الكتب والمكتبات ومن يعمل فـيها عمل الجاحظ وابن النديم. فتتبعت الأدباء المشهورين بولعهم بالقراءة والكتب، فلم تخيب محركات البحث ظني، إذ عرفتني على جاحظ جديد، ولكنه جاحظ أرجنتيني، وهو المكتبي الأعمى خورخي لويس بورخيس.
يماثل بورخيس الذي كان يعمل فـي مكتبة بيونس آيرس البلدية الجاحظ بموسوعيته الهائلة ومشاكله الصحية والتي أخذت من كلا المؤلفـين نصيبا من الشهرة والمزية التي يمتازان بها عن الآخرين، وعبر القراءة له وعنه، عرفت تلميذه الوفـي. وقعت يدي على كتاب عذب مدهش، ومؤلفه تلميذ بورخيس ذاته، ألبرتو مانغويل وهو كتاب تاريخ القراءة. أتذكر حينها أنني طبعت الكتاب فـي ورق A4 ولم أتمكن من الحصول على الكتاب بشكله المطبوع، ولكنني عشت تجربة استثنائية رائعة. وكعادة الكتب الجيدة، لن تترك الكتاب إلا وفـي خلدك عدة كتب تريد قراءتها، ومؤلفون لم تعرفهم من قبل، تود أن تقتني أفضل كتبهم فـي أول فرصة سانحة لك.
أخذت الكتاب الثاني والثالث لمانغويل فـي التاسع والعشرين من فبراير لعام 2016م من مكتبة جرير بالدوحة، يوميات القراءة، والمكتبة فـي الليل؛ لتتوالى لُقى مانغويل بعدها وتصبح القراءة له فعلا اعتياديا. نعود إلى ما قاله ابن حزم إذن؛ فإن المرء لا يتاح له دوما ولا يتأتى له أن يبوح بما فـي مكنونات نفسه مهما جاش فـي النفس واعتمل من سعادة غامرة أو حزن جارح، بل إن البوح بما فـي النفس يغدو فعلا لا أسطوريا فحسب، بل فعلا ننتزعه من عالم المحال نفسه. فتتصارع العواطف بداخلنا وتهيج، ولكن هيهات أن نجد لها مخرجا أو تعبيرا نعبر به وعنه. ومن ذاك، وقوفنا أمام من نُجلُّ، أو رؤيتنا لمن نحب ونحترم، أو نقتدي حتى!؛ ومانغويل أحد هؤلاء.
ولأنني ذكرت الأساطير وعالم الخيال، فمن الصعب أن يجد المرء من تمنى رؤيته واللقاء به، ومن اقتدى واحتذى به، أن يكون على ما تخيل وافترض. بل إن الرِّدَّة والنكوص، والخيبة والأسى هي التي تعتمل فـي النفس عادة بعد اللقاء المنتظر، والفرصة المُتحينة. ولكن فـي حالة سيد الكلمات، والرجل المكتبة كما يسميه البعض؛ لا يستطيع المرء سوى أن يُجلَّ الرجلَ أكثر ويحبه أكثر بعدما يلتقيه ويتعامل معه. ولحسن الحظ أن كان لحفل جائزة بيت الغشام دار عرب الدولية للترجمة هذا الضيف الوازن الذي أسر إلينا أنه تلقى عدة دعوات من دول مجاورة بعدما تلقى الدعوة الأولى من الجائزة والقائمين عليها، فاختار عُمان وهو سعيد باختياره مبتهج به كما قال. من المثير أن مانغويل سألنا فـي جولتنا السريعة فـي مسقط ومطرح عن الآثار البرتغالية فـي عُمان، فأخذناه فـي جولة إلى الميراني التي كانت موجودة قبل وجود البرتغاليين، ومنها نظرنا إلى الجلالي وقصر العلم ببنائهما الأيقوني وأضوائهما الليلية الآسرة.
سألني فـي بهو الفندق عن المؤلف العربي الذي أحب، ولم أكد أجيب حتى أخرج قلمه ومذكرته الصغيرة ليقيد الاسم ويبحث عنه!. هذا الفعل البسيط والصغير ينبئك عن الشخصية التي بلغت السابعة والسبعين من العمر ولا تزال تنقب عن الكنوز المنسية فـي العالم، الكنوز التي قد لا تكون مترجمة من الأساس. أخبرته عن الجاحظ -الذي يعرفه جيدا واقتبسه فـي كتاباته- والتوحيدي وابن النديم، فسألني عن روائي عماني أحب ما يكتبه، فلم أتردد فـي اختيار محمد عيد العريمي صاحب مذاق الصبر وحز القيد. إن هذا التوق المتأتي من الإخلاص هو ما يجعل المرء يستشعر الفرق بين الحقيقة والوهم، بين الامتلاء والخواء، وكما هي الحالة التي وصّفها ابن حزم فـي كتابه، أجدني عالقا لا أستطيع الكتابة عن كل ما شاهدته فـي الرجل من ثقافة ومعرفة وتواضع عجيب ونادر. وحين نقول بأنه الرجل المكتبة، فهو كذلك حقا؛ فلم نتحدث فـي شيء إلا ويتحفنا بشيء من عنده. ففـي رحلتنا السريعة إلى الميراني، أشرت إلى إحدى الأسقف فـيها؛ وأخبرته أن بين العمانيين والنخلة من الوشائج، ما يجعلها أساسا لحياتهم وقواما لها. فمنها غذاؤهم، ومن سعفها يصنعون البُسُط والحقائب، ومن ليفها الحبال، ومن جذوعها وزورها أعمدة وسُقُفا للبيوت، ومن كربها وما تبقى مما لا يمكن استعماله فـي الصناعة، للتدفئة والطهي. فلم أكد أنتهي من كلامي حتى استحضر قصيدة سألنا فـيها عن الأمير الأندلسي الذي قال قصيدة فـي النخيل، فقلت له لعلك تقصد عبدالرحمن الداخل؟ فأجاب مبتسما YES YES، وهي القصيدة:
تبدّت لنا وسْطَ الرُصافة نخلةٌ
تناءت بأرضِ الغرب عن بلد النخلِ
فقلتُ شبيهي فـي التغرُّب والنوى
وطولِ التنائي عن بنيّ وعن أهلي
يمثل ألبرتو مانغويل فـي العالم الغربي اليوم، ما كان يمثله الجاحظ وابن النديم والأدباء الكبار الذين تقوم عليهم ثقافتنا وتاريخنا العربي. ويمثل للقراء، لكل القراء فـي العالم؛ أنموذجا للإنسان المخلص لشغفه وحبه وعمله، وهي الكتب والقراءة فـي حالته هو. تحدثنا معه فـي كثير من الأشياء التي لا يمكن حصرها، لكن الأثر الذي يتركه الإنسان بتعامله ولطفه ودماثته؛ هو ما يبقى حاضرا فـي الذاكرة والوجدان حتى بعد رحيله وغيابه. لا أستطيع أن أغفل شيئا أخيرا أكاد أتذكره بنبرته الحزينة والمضطربة فـي آن؛ وهو أن للرجل موقفا مما تفعله إسرائيل فـي غزة خاصة وفلسطين عامة. ولهذا الموقف أثره ووزنه حين يصدر عن مؤلف كمانغويل، وعن يهودي عاش فـي الأراضي المحتلة يوما قبل أن يكتشف الخدعة الكبرى!. إنه بتنويره هذا، يطبق ما يقوله فـي كتابه المكتبة فـي الليل، «قد لا تغيّر الكتب من آلامنا، قد لا تصوننا الكتب من الشرور، قد لا تقول لنا الكتب ما هو الخيّر أو ما هو الجميل، كما أنها بالتأكيد لن تقينا من المصير المشترك الذي يُدعى القبر، لكن الكتب تعطي آلاف الاحتمالات: احتمال التغيير، احتمال التنوير».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ابن حزم
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحسم مصير خطة نزع سلاح العمال الكردستاني؟
أنقرة- تمضي تركيا في تنفيذ خريطة طريق طموحة تستهدف نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ووضع حد نهائي لصراعه المسلح المستمر منذ ما يقارب 4 عقود.
وبينما تثمن الحكومة التركية الخطوات الجارية ميدانيا في هذا الإطار وتراقبها، تعاطت الأوساط الكردية معها بمزيج من الترحيب المشروط والحذر، معتبرة أنها ثمرة تطور داخلي تقوده "مرجعية إمرالي"، ومؤكدة في المقابل أن نجاح العملية مرهون بضمانات سياسية وقانونية تركية.
ويُقصد بـ"مرجعية إمرالي" الزعيم الكردي المعتقل في سجن بجزيرة إمرالي التركية عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني، الذي دعا الحزب إلى إلقاء سلاحه.
تنقل وسائل إعلام تركية مقرّبة من الحكومة عن مصادر أمنية تركية أن خريطة الطريق الموضوعة لتفكيك القوة العسكرية لحزب العمال الكردستاني تتكون من 4 مراحل متراتبة، جرى حتى الآن إنجاز الجزء الأكبر منها.
وتمثلت المرحلة الأولى في الانسحاب الكامل لمقاتلي الحزب من الداخل التركي إلى شمال العراق، وهو ما أعلن عنه رسميا يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليكون أول انسحاب شامل من نوعه منذ انطلاق "التمرد المسلح" في ثمانينيات القرن الماضي، وقد اعتُبر محطة فارقة في مسار الصراع، لكونه أزال آخر تمركزات الحزب داخل الحدود التركية.
في المرحلة الثانية، ركزت الجهود على تفكيك الجيوب المتبقية للحزب في شمال العراق، لا سيما في منطقتي "زاب" و"متينا" الواقعتين ضمن نطاق العمليات التركية العسكرية المعروفة باسم "المخلب القفل".
ووفق ما نقلته صحيفة صباح التركية، فإن مقاتلي الحزب انسحبوا من 4 مغارات رئيسية في "زاب"، تاركين خلفهم كميات من الأسلحة والذخائر، جرت إزالتها وتدميرها لاحقا من قبل وحدات تركية خاصة، ويجري حاليا استكمال الانسحاب من المغارات المتبقية في "متينا"، تمهيدا لإعلان إخلاء كامل نطاق عمليات الجيش التركي من وجود الحزب.
إعلانأما المرحلة الثالثة، فتغطي معاقل الحزب التقليدية في مناطق "قنديل" و"غارا"، إضافة إلى "حفتانين" و"هاكورك"، حيث ينتظر انسحاب تدريجي منها خلال الأشهر المقبلة.
وتُختتم الخريطة في مرحلتها الرابعة بإخلاء مناطق "سنجار" و"مخمور"، التي تُعد ذات طابع رمزي وإستراتيجي خاص، لكونها شكلت على مدى سنوات خط دعم وإسناد لوجستي لفرع الحزب في سوريا.
وتشير المصادر إلى أن الاستخبارات والجيش التركي يتابعان تنفيذ الخطة ميدانيا في كل مرحلة، حيث جرت عمليات تفتيش دقيقة للمواقع المفرغة، لا سيما في "زاب"، للتأكد من خلوها من العناصر، ولتسجيل الأسلحة التي تركها الحزب، تمهيدا للتعامل معها.
ووفق تسريبات من إعلام مقرب من الحكومة، لم تُعثر القوات التركية على أسلحة ثقيلة في تلك المواقع، مما اعتبر مؤشرا على تراجع الدعم الخارجي للحزب أو نقله ترسانته الثقيلة إلى خارج نطاق العمليات.
ولا يزال مصير قادة الصف الأول في حزب العمال الكردستاني، المتحصنين منذ عقود في جبال قنديل، يشكل أحد أكثر ملفات التفاوض حساسية وتعقيدا، ووفقا لما نقلته تسريبات متطابقة من دوائر تركية وكردية، فإن التسوية المرتقبة لن تتضمن بقاء هؤلاء القادة في أي من دول المنطقة، سواء تركيا أو العراق أو سوريا.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن من بين السيناريوهات المطروحة على الطاولة، إبعاد نحو ألف عنصر من كوادر الحزب إلى دول أوروبية مستعدة لاستضافتهم ضمن اتفاقات خاصة، في إطار تسوية "منضبطة وخالية من التصعيد".
بالتوازي مع ذلك، أعدت أنقرة وبغداد قوائم أمنية مشتركة تضم أسماء عشرات القياديين والعناصر المطلوبين للعدالة في البلدين، تمهيدا لإحالة بعضهم إلى المحاكمة، في حين يرجح منح عفو محدود لمن لم يثبت تورطه في أعمال عنف أو انتهاكات جسيمة.
تهديداتويرى المحلل السياسي التركي علي أسمر أن أكبر تهديد يواجه خطة نزع سلاح حزب العمال الكردستاني لا يكمن فقط في البعد العسكري، بل في هشاشة التوازنات السياسية والأمنية المحيطة بالملف.
ويضع أسمر سيناريو "تصفية عبد الله أوجلان" في صدارة المخاوف، معتبرا أن غيابه سيحدث فراغا قياديا خطيرا داخل الحزب، ويفتح الباب أمام صراعات داخلية وتفلّت مجموعات ميدانية متشددة، مما سيفشل أي مسار نحو التسوية.
ويحذر أسمر -في حديث للجزيرة نت- من أن الانقسام داخل الحزب، رغم ما قد يبدو عليه من فائدة لأنقرة، فإنه قد يؤدي إلى ولادة فصائل مستقلة تتصرف خارج السيطرة، وربما ترتبط بجهات خارجية تسعى لإعادة إشعال الصراع. ويضيف أن ظهور قيادات ميدانية غير منضبطة قد يطيح بعملية السلام من خلال حادث واحد في توقيت حرج.
وفي السياق الإقليمي، ينبّه أسمر إلى دور القوى الدولية التي ترى في الحزب الكردستاني ورقة ضغط إستراتيجية، وقد تعمد إلى تعطيل العملية عبر تمويل مجموعات منشقة أو تسريب السلاح إليها.
كما يشير إلى أن بقاء معاقل الحزب في سوريا وسنجار وقنديل يبقي السلاح حاضرا خارج حدود تركيا، مما يضعف أي اتفاق لا يشمل إغلاق هذه الجبهات بالكامل.
وبينما تروج أنقرة لعملية نزع السلاح بوصفها إنهاء قاطعا لتنظيم "إرهابي"، تقدم المنصات الإعلامية الكردية سردا مغايرا، يصور الخطوة باعتبارها تحولا داخليا إستراتيجيا تقوده مرجعية عبد الله أوجلان.
إعلانفحسب ما نقلته وكالة "ميزوبوتاميا"، فإن أوجلان هو من صاغ الموقف الراهن ووجه قيادة الحزب إلى اتخاذ قرار إنهاء الكفاح المسلح، مشددا على أن "زمن البندقية قد انتهى، وحان وقت السياسة".
وتؤكد بيرفين بولدان، نائبة حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، أن انسحاب مقاتلي الحزب من الداخل التركي جاء بتعليمات مباشرة من أوجلان لقطع الطريق على أي محاولة استفزاز أو تفجير داخلي للعملية. ونقلت عنه قوله إن "المنظمة التي أنشأها قبل 50 عاما يجب أن تحل الآن بيده".
لكن في مقابل هذه الإشارات الإيجابية، وضعت قيادة حزب العمال الكردستاني سقفا سياسيا عاليا للمضي قدما في تنفيذ ما خرج به المؤتمر الاستثنائي، ففي تصريح لوكالة الفرات، أعلن دوران كالكان، أحد أبرز أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني، أنه "لا خطوات إضافية ممكنة دون حرية القائد أوجلان"، معتبرا أن استمرار عزله ينسف جوهر التهدئة الجارية.
وأضاف أن المؤتمر الذي أعلن فيه حل الحزب لن يكون ملزما ما لم تقم الدولة التركية بتقديم خطوات ملموسة على مستوى الإصلاحات القانونية والدستورية.
ومن بين أبرز مطالب الحزب، بحسب كالكان، صدور قوانين عفو تسمح بإعادة دمج المقاتلين السابقين ضمن المجتمع دون ملاحقات، إضافة إلى رفع القبضة الإدارية المفروضة على البلديات الكردية، التي لا يزال كثير منها يخضع لوصاية حكومية بعد عزل رؤسائها المنتخبين.
وفي هذا السياق، تداولت وسائل إعلام كردية أنباء عن نية الحكومة إعادة بعض رؤساء البلديات ضمن إجراءات بناء الثقة، رغم غياب تأكيد رسمي حتى اللحظة.