النرجسية والاستبعاد الاجتماعي.. كيف تؤثر شخصيتك على علاقاتك؟
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
يواجه النرجسيون المزيد من الاستبعاد الاجتماعي وهم أكثر عرضة للشعور بالرفض، لكن بحسب بحث جديد يعزّز هذا الاستبعاد السلوكيات النرجسية، ما يجعل الأمور أسوأ بمرور الوقت، ويترتب على ذلك مجموعة من المخاطر.
وتوضح الدكتورة كريستيان بوتنر الباحثة الرئيسية للدراسة من جامعة بازل في سويسرا: "يعتقد كثيرون أن النرجسية هي استحقاق وغرور، لكن بحثنا يسلط الضوء على أن النرجسيين يعانون أيضاً من الألم الاجتماعي بشكل متكرر".
وبحسب "هيلث داي"، تتفاقم العلاقة الطردية بين النرجسية والاستبعاد الاجتماعي، لتزداد معها مخاطر الصحة العقلية، مثل: الاكتئاب، والقلق، والانتحار.
ولاستكشاف العلاقة بين النرجسية والاستبعاد، حلّل الباحثون بيانات من مسوحات وتجارب التي أجريت في ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا ونيوزيلندا، شملت آلاف الأشخاص.
نرجسية متكبرة وأخرى ضعيفةوركزت الدراسة على "النرجسيين المتكبرين". الذين يظهرون الهيمنة والتنافس وهم حساسون بشكل إضافي للإشارات الاجتماعية.
ولاحظ الباحثون أن هذا الشكل من النرجسية يختلف عن "النرجسية الضعيفة"، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعدم الأمان.
و"كان أحد أكبر الأسئلة التي طرحت في هذا البحث هو ما إذا كان النرجسيون قد يبلغون بالفعل عن تعرضهم لقدر أقل من النبذ الاجتماعي لأن صورتهم الذاتية المتضخمة يمكن أن تحميهم من إدراك المعاملة السلبية، أو ما إذا كانوا سيبلغون عن تعرضهم لمزيد من النبذ الاجتماعي بسبب الحساسية المتزايدة للإشارات الاجتماعية،" كما أوضحت بوتنر.
كما حلل الباحثون 14 عاماً من البيانات 72 ألف شخص في استطلاع وطني في نيوزيلندا.
مشاعر الإقصاءوأظهر تحليل البيانات أن مشاعر الإقصاء غالباً ما تؤدي إلى المزيد من السمات النرجسية، والعكس صحيح.
وفي بعض التجارب التي فحصتها الدراسة، كان الأفراد النرجسيون أكثر عرضة للنظر إلى بعض الإجراءات في مواقف اجتماعية على أنها إهانة متعمدة، حتى بدون دليل واضح.
وتوضح بوتنر: "هذا يرجع إلى الحاجة المستمرة لدى النرجسيين للدفاع عن شعورهم المهيب والهش بالذات، فهم دائماً يبحثون عن تهديد الأنا حتى يتمكنوا من صده بسرعة".
وقالت: "إن معالجة هذه الديناميكيات بطرق منظمة، سواء في أماكن العمل أو العلاج أو التفاعلات الاجتماعية، يمكن أن تساعد في تقليل العواقب السلبية للاستبعاد لكل من الأفراد النرجسيين ومن حولهم".
وقالت إيريكا هيبر، عالمة النفس في جامعة ساري في المملكة المتحدة التي راجعت النتائج، إن الدراسة تدعم أبحاثاً أخرى تُظهر أن النرجسيين "حساسون للغاية" للاستبعاد الاجتماعي.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصحة العقلية والنفسية
إقرأ أيضاً:
المسؤولية الاجتماعية: من العطاء السريع إلى الاستثمار المستدام
علي عبد الحسين اللواتي
لنتوقف للحظة ونتأمل المشهد الحالي للعمل الخيري والاجتماعي في مجتمعنا. لدينا برامج حكومية متطورة للحماية الاجتماعية، وعدد كبير من الجمعيات الخيرية والوقفية النشطة، ولا ننسى التبرعات الفردية السخية التي تتزايد في مواسم الخير. ومع كل هذا العطاء، يظل السؤال قائمًا: هل نُحقق الأثر الأعمق والأكثر استدامة؟
حان الوقت لإضافة مفهوم جديد للمفهوم الحالي للمسؤولية الاجتماعية، والانتقال من "العطاء السريع" فقط إلى "الاستثمار المستدام" الذي يركز على تمكين الفرد وخلق منظومة تعتمد على ذاتها، -مع الحفاظ على الاستجابة للضرورات الإنسانية العاجلة بالشكل المعمول به حاليًا- على أن تكون
مستدامة ماليًا دون الاعتماد على التبرعات الدائمة تدار باحترافية عالية كما تدار الشركات الربحية تستثمر في نموها وتطوير خدماتها تحقق "فائضًا" لكن لأغراض إعادة الاستثمار لا لتوزيع الأرباح للمتبرعين.بناء الفرص لا مجرد المنازل: نموذج الإنشاءات المستدام
تبادر بعض المؤسسات الخيرية بتبرعات سخية لبناء مساكن لذوي الحاجة، وهي جهود موفقة ومباركة. ولكن بدلًا من الاكتفاء بتقديم التبرعات النقدية المباشرة لبناء المنازل للمستحقين، لماذا لا نحول هذه العملية إلى محرك اقتصادي مستدام؟
الفكرة المقترحة تكمن في تأسيس شركة مقاولات بناء أو صيانة مصغرة، يكون كادرها الأساسي من الشباب العُماني ذوي الخبرة، وربما من "المسرحين من العمل" في قطاع الإنشاءات. هذه الشركة يتم تأسيسها برأس مال مجمع من الجمعيات الخيرية، وبدلًا من أن تذهب أموال التبرعات لشركات قائمة، تقوم هذه الشركة الاجتماعية ببناء المنازل المتبرع بها.
هذا النموذج ليس حبرًا على ورق؛ فهو يحاكي تجربة شركة Bounce Back في المملكة المتحدة، وهي مؤسسة غير ربحية لكنها قادرة على تمويل ذاتها من خلال عملها. هنا نكون قد حققنا ثلاثة أهداف في ضربة واحدة:
بناء المنزل للمستحق. خلق وظائف مستدامة ومؤهلة للمواطنين. تحويل أموال المسؤولية الاجتماعية إلى أصل منتج وقادر على التمويل الذاتي.وهذا بالضبط ما نعنيه بالاستثمار المستدام مشاريع تُدار باحترافية عالية كما تدار الشركات الربحية، وتستثمر في نموها وتطوير خدماتها، وتحقق فائضًا ماليًا يعاد استثماره في توسعة أثرها الاجتماعي.
فرن يخلق الآلاف: الاستثمار في القطاعات البسيطة
الفكر المستدام ليس حكرًا على قطاع المقاولات. يمكن تطبيقه في قطاعات أبسط وأكثر انتشارًا، مثل المخابز.
تصوروا لو أن هذه الجمعيات الخيرية قامت بشراء أو تأسيس مخبز، وتم توظيف كادره بالكامل من المواطنين. الهدف الأسمى لهذا المخبز لن يكون الربحية البحتة، بل إدارته ذاتيًا وتغطية تكاليفه، مع توفير فرص عمل مستقرة.
هذا هو بالضبط ما يمثله مخبز Greyston Bakery في الولايات المتحدة. هذه المؤسسة غير الربحية تقوم بتوظيف الباحثين عن عمل الذين قد يواجهون صعوبات في الحصول على وظيفة لأسباب مختلفة. نجحت المؤسسة في تدريبهم وتوظيفهم، وخلق آلاف الوظائف، والأهم أنها تغطي تكاليفها بالكامل من بيع منتجاتها. لقد أثبتت هذه المؤسسة استدامتها على مر العقود.
الدعم المشروط: عزة العمل مقابل الأجر
لعل المثال الأسرع والأكثر تطبيقًا هو دعم العمل الحر والوظائف المباشرة؛ فعلى سبيل المثال يمكن تقديم دعم مشروط لسائقي "التوصيل" المواطنين في شركات التوصيل. يتم ذلك بأن تساهم أموال المسؤولية الاجتماعية بجزء بسيط من تكلفة التوصيل، ولكن بشرط أن يكون المُوَصِّل مواطنًا.
على سبيل المثال، لو كانت تكلفة التوصيل ريالًا عُمانيًا، فإن 10% منها يُمكن أن تُدفع من صندوق المسؤولية الاجتماعية إذا كان السائق مواطنًا. وهذا الدعم يكون مباشرًا ومشروطًا ومقدمًا مقابل عمل ينجزه الفرد. والنتيجة مزدوجة: تشجيع السائق المواطن على الاستمرار في العمل، وتشجيع العميل على اختياره.
الغاية الأسمى: فكر التاجر لا المتبرع
إن الغاية الأبعد من هذا التحول هي ألّا نخلق جيلًا "اتكاليًا" يجيد الشكوى، بل جيلًا يمتلك أدوات الإنتاج والاعتماد على الذات. وهذا يتطلب تغييرًا في ثقافة المجتمع والمتبرع نفسه.
إن وجود "فكر اقتصادي" في إدارة ملف العمل الخيري يساهم في مضاعفة الناتج من كل ريال يُصرف. ولتجسيد هذا الفكر، إليكم قصة تاجر؛ حيث روى والدي -رحمه الله- قصة صديق له يمتلك محلًا كبيرًا لبيع الملابس الجاهزة. وفي إحدى الجلسات، سأله الأصدقاء عن حديث الناس بأن محله يخسر منذ سنوات. فأجاب التاجر بإدراك عميق: "نعم، أنا أخسر سنويًا 100 ألف ريال عُماني. ولكنني أوظف في المقابل 40 عاملًا، وأؤجر محلًا ومخازن وأغطي تكاليف اللوجستيات. بالنتيجة، هناك أكثر من 40 عائلة تعيش بشكل مباشر من هذا المشروع، وأعداد أخرى تستفيد بشكل غير مباشر". وأضاف: "لو أردت دعم هذه الأسر سنويًا كتبرعات وهبات، لاحتجت إلى أضعاف هذا المبلغ. لذلك، أنا أعتبر جبر هذه الخسائر بالمائة ألف هو تبرعي السنوي".
هذا النوع من الثقافة، الذي ينظر إلى خلق الوظيفة والاستدامة كـ"تبرع"، هو بالضبط ما نحتاجه للمرحلة المقبلة. يجب أن نتحول من جمعيات تقليدية تقتصر على توزيع المعونات إلى مؤسسات كبرى تُدار باحترافية، وتستثمر في نموها، وتحقق استدامة مالية تسمح لها بالتمويل الذاتي؛ حيث يُعاد استثمار أي فائض في تطوير خدماتها وتوسعة أثرها الاجتماعي.
نحو منظومة متكاملة
علينا أن نبدأ اليوم في تحويل هذه الأموال الكبيرة إلى مشاريع مستدامة تضمن للفرد كرامة العمل لا كرامة السؤال. وهذا يتطلب:
أولًا: إضافة كفاءات إدارية محترفة إلى الجمعيات الخيرية، متخصصة في إدارة المؤسسات غير الربحية.
ثانيًا: خلق تكامل بين الجهات المعنية، حيث تقوم الحكومة بسن تشريعات للاقتصاد الاجتماعي، وتتعاون الجمعيات مع مؤسسات القطاع الخاص في شراكات استراتيجية.
ثالثًا: تبني نماذج عالمية ناجحة - مثل مستشفيات مايو كلينك وجامعات مثل هارفارد، التي تثبت أن المؤسسات غير الربحية يمكن أن تحقق استدامة مالية عالية وتُدار باحترافية، مع بقاء هدفها الأساسي اجتماعيًا وإنسانيًا.
بهذه الرؤية الشاملة، نتحول من فلسفة "العطاء السريع" إلى استراتيجية "الاستثمار المستدام" الذي يبني الإنسان قبل أن يبني الحجر، ويخلق الوظيفة قبل أن يوزع المساعدة، ويضمن الكرامة قبل أن يقدم العون.