موقف النخب الحداثية التونسية من الإسلام السياسي الشيعي
تاريخ النشر: 28th, February 2025 GMT
بصرف النظر عن الأصول المشرقية للعديد من السرديات السياسية الكبرى المتنازعة (خاصة السردية الإسلامية بفروعها الإخوانية والوهابية والتحريرية، والسردية القومية بفرعيها الناصري والبعثي)، يبدو أن "المشرق" -باعتباره المقابل الفكري لمرجعية التحديث في السردية البورقيبية، أي سردية الدولة-الأمة التي ترى في تونس أمّة برأسها- قد كان وما يزال يُمثل نقطة تظهر فشل تلك السردية التأسيسية أو على الأقل هشاشتها، وكذلك نقطة محورية في تجذير الانقسامات الداخلية بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين.
فرغم تحرك الجميع "دستوريا" تحت سقف الدولة الوطنية بالمعنى البورقيبي الويستفالي للدولة-الأمة، فإن الانتماء إلى هويات جماعية تتجاوز الانتماء "القُطري" -بالإضافة إلى تأثيرات دول المشرق في الشأن المحلي قبل الثورة وبعدها- هو أمر لا يحتاج إلى برهان.
يلاحظ المتابع للشأن التونسي أن مفهوم "الإسلام السياسي" في السجال العمومي يكاد ينحصر في الدلالة على الإسلام السياسي ذي المرجعية الإخوانية. وهو أمر يمكن ردّه إلى أهمية حركة النهضة بعد الثورة وما، أحدثه دخولها إلى الحقل السياسي القانوني من شرخ بنيوي في ذلك الحقل "اللائكي" والمتجانس من جهة "تحييد" المرجعية الدينية، بل رفضها في إدارة الشأن العام. فهذه الحركة، على خلاف حزب التحرير أو التنظيمات الوهابية العلمية والجهادية، لم تتحرك ضد الحقل السياسي القانوني -مثل التنظيمات الوهابية التي تعتبر الديمقراطية مقولة كُفرية فضلا عن علاقتها المؤكدة بملف الإرهاب- أو على هامشه -مثل حزب التحرير ذي الوزن الشعبي المحدود والعلاقة الملتبسة بالإرادة الشعبية وبنوازع الانقلاب بعد "التمكين"- ولذلك كانت هذه الحركة هي المستهدف الأساسي من "وصم" الإسلام السياسي في استراتيجيتي الاستئصال الناعم والاستئصال الصلب.
لقد حرصت النخب "الحداثية" المهيمنة على وسائل إنتاج المعنى وتداوله بين عموم التونسيين على عدم إدخال التخصيص على عبارة "الإسلام السياسي". فرغم أن حركة النهضة هي حركة إسلامية سنّية، فإن توصيفها بهويتها "الطائفية" سيكون ضرّه أكثر من نفعه على خصوم النهضة، فخيار "العلمنة" لم يستطع فصل الوعي الجمعي التونسي عن تاريخه ومخياله السُّنيين. ولذلك سيكون من المفيد عدم ربط النهضة بالتراث السني الذي تحتكره المؤسسة الدينية الرسمية المتحالفة تاريخيا مع السلطة، أو على الأقل "المدجنة" من طرف الجهاز الأيديولوجي لتلك السلطة في لحظتيها الدستورية والتجمعية.
إن اعتراف السرديات "الحداثية" بالانتماء السُّني لحركة النهضة سينقل السجال العمومي إلى مناطق ليس من مصلحة "القوى الديمقراطية" -أي القوى اللائكية الرافضة لوجود حزب ذي مرجعية دينية- أن تتحرك فيها، من مثل علاقتها الملتسبة بالإسلام السياسي الوهابي ومحور الثورات المضادة، وعلاقتها الأكثر التباسا بالإسلام السياسي الشيعي أو التشيع السياسي والعقدي.
رغم سلبية موقف النخب "الحداثية" من الإسلام السياسي السني انطلاقا من مبدأ الفصل بين الدين والسياسة، بل رغم إصرارهم "نظريا" على أن القضية الفلسطينية هي قضية صراع ضد الإمبريالية وذراعها الوظيفي الصهيوني وليست صراعا دينيا، فإنّ هذا الموقف يتغير بصورة جذرية فيما يتعلق بالإسلام السياسي الشيعي، أو ما تحرص تلك النخب على توصيفه بـ"محور المقاومة". وإذا كان "محور المقاومة" هو محور ما بعد طائفي -بحكم انتماء مكوناته إلى الجناحين السني والشيعي على حد سواء- فإن مساندة "الحداثيين" لهذا المحور ترتبط أساسا بالمكّون الشيعي فيه.
فالبعد المقاوم لحماس -باعتبارها حركة ذات مرجعية إخوانية- لم يشفع لها عند بناء موقف من الانقلاب العسكري المصري الذي اتهم الحكومة المصرية الشرعية -أي إخوان مصر- بالتخابر معها، كما لم يشفع لها في الموقف من النظام الطائفي البعثي في سوريا الذي أغلق مقرات الحركة وأعدم العديد من قياداتها، ولا عندما تصدّرت بعض الأصوات "الحداثية" المحسوبة على "العائلة الديمقراطية" في تونس -مثل رئيسة الحزب الدستوري الحر- لتصنيف حماس، المنتمية لما تسميه بـ"التنظيم العالمي للإخوان المسلمين"، حركة إرهابية.
لقد دفعت المقاومة الفلسطينية -خاصة بعد طوفان الأقصى- النخبَ "الحداثية" إلى "تحييد" موقفها السلبي من الإسلام السياسي السني في تعبيرته "الإخوانية". ولمنع أي مكاسب لحركة النهضة في صورة حصول انفراجة سياسية، كان على تلك النخب "تعويم" التعاطف الشعبي الجارف مع المقاومة الفلسطينية "الإخوانية" في إطار هوية أكبر هي "محور المقاومة"، مع التركيز على الدور المركزي للمكوّن الشيعي فيه.
وقد يكون علينا في هذا الموضع أن نؤكد أنّ موقف النخب الحداثية من "الإسلام السياسي الشيعي" لا يقبل الاختزال في أنه المقابل الفكري للإسلام السياسي السُّني، أو في أنه يمثل حليفا للقوى الرافضة لمشروع "أخونة" الدولة. فعلاقة النخب "الحداثية" بالسرديات الشيعية تجد جذرها في النظام التعليمي ذاته، وفي الموقف "النقدي" من التراث السني باعتباره التراث المهيمن على التاريخ التونسي.
لقد مثّل الشيعة دائما -في السرديات الحداثية- مشاريع ثورة على سلطة الغلبة والقهر، ومشاريع تمرد على الفهم "الزائف" للتاريخ المؤسس للوعي الجمعي السُّني، وهو ما يجعلهم أقرب فكريا إلى المناهج الحداثية المشككة في السرديات السُّنية "الرسمية". كما أن البعد "الثوري" -الحقيقي أو المتخيل- في التراث الشيعي يوفر للنخب "الحداثية" (خاصة اليساريين والقوميين) نوعا من الإشباع النفسي المرتبط بمساندة المقهورين ومنازلة القوى الإمبريالية، وهو إشباع يُغطّي على كل تلك التقاطعات الموضوعية والتحالفات الاستراتيجية مع أعداء المقهورين ووكلاء القوى الامبريالية في محور التطبيع والثورات المضادة، خاصة السعودية والإمارات ومصر.
ولذلك فإن "التشيع السياسي" ليس مجرد خيار سياسي سياقي مشروط بالموقف من "الإسلام السياسي" محليا وخارجيا، بل هو خيار يرتبط -من جهة أولى- بنسق معرفي "حداثي" يتعارض جوهريا مع التراث السني أو على الأقل لا يجد ما يُقنع عقله ويشبع احتياجاته النفسية فيه، كما أنه خيار يرتبط -من جهة ثانية- برهانات ومشاريع سياسية لا يمكن فصلها عن التأثيرات الإقليمية المتداخلة في هندسة المشهد التونسي.
ليس "التشيع السياسي" -وأحيانا التشيع العقدي- في جوهره مجرد مشروع "نخبوي" مقاوم للتسنن السياسي، وليس أيضا مجرد "غطاء أيديولوجي" لمصالح شخصية وقضايا صغرى لا علاقة لها بالقضايا الكبرى، كما يزعم بعض الطائفيين المدافعين عن صفاء/تجانس متخيل للفضاء السني. إن "التشيع السياسي"، رغم تملص النخب "الحداثية" من هذا التعبير الذي يتعارض مع مرجعيتهم العلمانية ويشكك فيها، هو خيار تلتقي فيه النخبة "الحداثية" بالإسلام السياسي الشيعي لكن دون أن تتماهى معه. إنه التقاء "موضعي" لا يمكن أن يحجب التناقضات الفكرية والسياسية العميقة بين طرفيه.
فأغلب النخب التي تدافع عن "محور المقاومة" هي ذاتها النخب التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع عدو المقاومة الأساسي: محور التطبيع. ولكنّ هذه التناقضات يتم تجاوزها والدفع بها إلى خلفية المشهد -سواء في العلاقة بإيران أو بمحور التطبيع- بحكم اتفاق الجميع على معاداة الإسلام السياسي "الإخواني" خارج المقاومة الفلسطينية، كما هو الشأن في سوريا أو مصر أو تونس أو ليبيا. إن تعقد المشهد "المشرقي" فيما يتصل بالقضية الفلسطينية وأهمية المكون الشيعي في محور المقاومة؛ هو واقع كان يجب أن يتحول "نظريا" إلى مناسبة لكسر الاصطفافات الطائفية -بما فيها تلك الاصطفافات الطائفية المُعلمنة في السرديات اليسارية والقومية- ولكنه تحوّل في سرديات التنافي والصراع الوجودي إلى مناسبة أخرى لتأزيم المشهد العام وتعميق انقساماته على قاعدة هوياتية بائسة، وهي قاعدة لا يبدو أن أغلب النخب "العلمانية" و"الإسلامية" في تونس مستعدة للتحرك خارجها في المدى المنظور.
x.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تونس المقاومة العلمانية مقاومة تونس علمانية اسلامي ايديولوجي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محور المقاومة حرکة النهضة أو على
إقرأ أيضاً:
طور الانقلاب الثقافي..عمان بين الميلاد والإسلام
التاريخ العماني القديم.. لا تزال الدراسات المنهجية فيه مبكرة، وهو ينقسم إلى:
- ما قبل الميلاد.. وهذا لا أدلة عليه إلا من الآثار، وعلم الآثار.. في عمان لا يزال يافعاً، فالتنقيبات الآثارية عمرها حوالي نصف قرن، كما أن معظم المكتشف منها لم يخضع للربط الحضاري، ولم يوضع في سياقه التاريخي، إلا قليلاً، وأهم كتاب صدر في هذا المجال هو «في ظلال الأسلاف.. مرتكزات الحضارة العربية القديمة في عمان» للفرنسي سيرج كلوزيو (ت:2009م) والإيطالي موريسيو توزي (ت:2020م).
- ما بين الميلاد والإسلام.. وقد غلب على هذه الحقبة الأسطرة بحسب السردية العربية الكلاسيكية، ولكنها لم تعدم من بعض الأدلة الآثارية، ومن المقارنة مع التاريخ العام للمنطقة.
قَسمّتُ التاريخ العماني سبعةَ أطوار كبرى على أساس المعالم الثقافية لكل طور:
1. طور ما قبل التاريخ.. يبدأ من أول وجود الإنسان على الأرض العمانية حتى نهاية الألفية الرابعة قبل الميلاد، وهو طور لا نعرف من معالمه إلا القليل.
2. طور التأسيس.. يبدأ بانبثاق الحضارة العمانية مع بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد لينتهي بالميلاد، وهذا الطور تحصّلت له مادة آثارية كشفت عن أهميته؛ بحيث عددتُه أساساً للأنظمة العمانية؛ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية في أطوارها اللاحقة.
3. طور الانقلاب الثقافي.. يبدأ بميلاد المسيح وينتهي بظهور الإسلام، وهو محل حديثي هنا.
4. طور التحوّل الإسلامي.. يبدأ بدخول عمان الإسلام، لينتهي بفتنة عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي عام 272هـ، وهذا الطور.. نقل الثقافة العمانية نقلة معرفية كبرى، بحيث أصبح كثير من التاريخ العماني مقروءاً من خلال مدونات العمانيين.
5. طور الاضطراب السياسي.. ما بين عامي 272-1034هـ، وفيه دخلت عمان في حروب أهلية وهيمنة خارجية متوالية، وابتليت سواحل عمان بالاستعمار البرتغالي.
6. طور مواجهة الاستعمار.. يبدأ بقيام الدولة اليعربية، وينتهي بنهاية حكم السلطان سعيد بن تيمور (ت:1972م)، وهو طور انبعاث جديد للأمة العمانية؛ بحيث أشادت دولة مركزية كبرى، ولكن بانهيارها دخلت عمان في حروب أهلية وهيمنة خارجية مرة أخرى.
7. طور الدولة الحديثة.. الذي نعيشه، بدأ بحكم السلطان قابوس بن سعيد (ت:2020م) لعمان عام 1970م، ممتداً لعهد مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق أعزّه الله.
المقال.. خصصته لما بين ظهور عيسى بن مريم والنبي الخاتم، ولأن عمان شهدت خلال هذه الحقبة انقلاباً ثقافياً، شمل الدين واللغة والسياسة والمجتمع؛ أسميته «طور الانقلاب الثقافي». وعمان.. كانت يقطنها سكانها القدماء، وهي بلاد غير مغلقة، فقد شهدت باستمرار هجرات؛ منها وإليها، إلا أنها مرت بوضع استثنائي خلال هذه الحقبة، حيث كثرت الهجرات إليها مما أدى إلى تغيّر سريع في بُنية المجتمع، ومن ملامح هذا الطور:
- الخارطة الجيوسياسية.. إن مما ترك أثراً على التصور الذهني للعمانيين عن بلادهم مجاورتها لفارس، التي كانت تقتسم مع بيزنطة المنطقة، وكان للفرس معسكرات على الشواطئ الشمالية لعمان، فساد التصور بأن المدخل لفهم تأريخ عمان ما قبل الإسلام هو علاقتها بفارس، بيد أنه لم يكن للفرس تأثير يُذكر، واقتصر وجودهم على إقامة بعض المعسكرات على الشاطئ؛ تسمى «دساكر» مفردها «دسكرة» وبالفارسية «دستجرد»؛ والذي سميت به منطقة في صحار. في حين أن الدور الأكبر في تشكّل ملامح عمان الثقافية ما قبل الإسلام يعود لمملكة الحِيرة بالعراق وملوكها اللخميين اليمانيين. لقد تمدد حكم الأزد إلى عمان، وأصبح لها نفس الدور الذي شغلته الحِيرة مع فارس، والذي اقتصر على الجانبين السياسي والعسكري دون أن يؤثر على البُنية القبلية والثقافية للاجتماع العماني، والتي تغيّرت بسبب الهجرات العربية.
- الهجرات العربية.. يبدأ تاريخ عمان ما بعد الميلاد بالقصة التي بدأ بها تاريخ الحِيرة، وهي الهجرات اليمانية بالزعامة الأزدية، وبنفس قصة مالك بن فهم وحكمه للحِيرة. ويبدو أن انتشار الأزد في المنطقة ألقى بظلاله المشتركة بين تاريخ المملكتين، كما جعل الثقافة اليمانية المُشرَّبة بالمؤثرات الشمالية لجزيرة العرب تسود عمان. وهذا عائد إلى تمدد نفوذ الأزد إليها من الحِيرة، لكن ما لبث أن شكل استقلالاً سياسياً على يد المعاول اليمانيين.
تركزت الهجرات اليمانية الجنوبية والنزارية الشمالية التي فاضت بهما الحِيرة على عمان خلال القرنين الثالث والرابع الميلاديين، لتشكّل فاصلاً بين العهد السابق والعهد اللاحق حينذاك، والذي ظل مؤثراً حتى عصرنا.
- الانقلاب الثقافي.. في هذا الطور حصل تحول ثقافي في عموم الجزيرة العربية، إذ إن عرب الشمال ظهروا ثقافياً فيها، مما أدى إلى تبدّلٍ اجتماعي، انعكس على عمان؛ حيث تغيّرت ثقافياً، فأفَلَتْ الملامح الاجتماعية القديمة لتحل محلها ملامح جديدة. ومصطلح «عرب الشمال» لا يعني القبائل الشمالية وحدها، وإنما يدل على بُعد ثقافي، حيث بدأت الثقافة الشمالية تتغلب على الثقافة الجنوبية، وربما يعود ذلك إلى قيام ممالك قوية في الشمال؛ مثل: مملكة الحِيرة في العراق ومملكة الغساسنة في الشام، رغم أن الأسر الحاكمة فيهما يمانية.
لقد ظهر تأثير هذا الانقلاب على اللغة، فبدأت تضعف اللغة الجنوبية أمام اللغة الشمالية؛ وهذه الأخيرة هي التي نزل بها القرآن؛ بمعظمه، وكُتِب بالخط الذي كُتِبت به. وقد لحق هذا التأثير المعاجم العربية التي جُمعت بعد الإسلام، حيث إن اللغات الجنوبية؛ ومنها العمانية لم تنل حظها من الجمع المعجمي. ومن هذا التأثير.. أن ترك الناس أسماءهم القديمة؛ مثل: شعر أوتر، ومعد يكرب، ويهرحب، ويحضب، لتحل محلها أسماء مثل: زيد وعبد ونصر وعمرو.
- خط المسند.. ظهر قبيل الميلاد، وانتشر في ربوع عمان، وأصبحت الحوائط الصخرية بجبالها مكتبة تحتفظ بالنقوش المسندية، وقد عُثِر على كثير منها في الجبال؛ مثل: الشارقة ووادي السحتن ووداي بني خروص والحمراء وبَهلا وظفار. خط المسند انتشر في الجزيرة العربية وعموم المنطقة، لكن قيام الممالك الشمالية في الجزيرة؛ والتي اعتمدت الخط الآرامي وسلالته، أدى إلى انحسار خط المسند منها شيئاً فشيئاً، والذي استمر وجوده في اليمن حتى صدر الإسلام.
يبدو أن انحسار خط المسند من عمان بدأ قبيل الإسلام، نتيجة تأثر العمانيين بالحِيرة، فقد كانوا قبل الإسلام ممثلين دينياً في كنيسة العراق. وهذا استدعى ذهاب بعضهم للتعلم هناك، خاصةً أن الحِيرة كانت «مملكة دينية»، اهتم سكانها بنشر الدين النصراني وتعليم الناس، فانتشر حينذاك خط الجزم الذي كتب به المصحف الشريف، والجزم سليل الخط الآرامي؛ الذي بدأ دخوله إلى عمان منذ وقت متقدم.
- التحول الديني.. حتى الآن لم تظهر وثائق أو أدلة آثارية قاطعة على طبيعة الدين الذي ساد عمان قبل الميلاد، وإن كانت الاكتشافات الآثارية يستشف منها بعض الدلالات الدينية. أما بعد الميلاد.. فوجد بعض الآثارية والوثائق الدالة على وجود النصرانية النسطورية بعمان؛ في شمالها ممثلة بكنسية العراق، مع وجود كنيسة أخرى في ظفار. كما أنه بوجود الفرس في الساحل الشمالي لعمان وجدت فيه المجوسية «الزرادشتية»، لكنها لم تنتشر بين العمانيين إلا نزراً يسيراً لأنفة العرب عن اتباع الأعاجم، ولأن الزرادشتية ديانة غير موحدة لله بعكس النسطورية، حيث كان العرب أقرب للتوحيد.
أما ما يذكر عن عبادة الأصنام في عمان قبيل الإسلام؛ بحسب «قصة مازن بن غضوبة» فلا تثبت، لعدم منطقيتها ولتعارضها من الأدلة القرآنية، انظر: «هل تكلم الصنم» بجريدة «عمان»، بتاريخ: 17/ 1/ 2023م. كما أن عبادة الأصنام قد انكشحت من جزيرة العرب قبل الإسلام، انظر: «الصنمية لدى العرب.. عشية البعثة المحمدية»، بجريدة «عمان»، بتاريخ: 12/ 10/ 2024م.