صحيفة البلاد:
2025-12-09@02:39:37 GMT

وقفات مع شهر رمضان المحرم

تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT

وقفات مع شهر رمضان المحرم

(اللهم سلِّمنا لرمضان وسلِّم رمضان لنا وتسلَّمه منا متقبلا) وهلَّ علينا شهر الخير والبركات والمشاعر الجميلة، ليس منا من أحد، إلا وهذا الشهر الفضيل، يسكن فؤاده بذكرياته، وطاعاته، وطقوسه، التي ألفتها بيوت المسلمين في جميع أنحاء العالم، لكنني هنا سأتوقف عند البيوت السعودية، وكيف كانت تستقبل رمضان شوقاً، وتعيشه سروراً، وحين يرحل، تبكيه حباً، وتمنّي ألا يرحل!! رمضان هو الشهر التاسع في السنة الهجرية، وهو من الأشهر المعظَّمة الحُرم، قال عنه الله عزَّ وجلَّ: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون).

شهر عظَّمه الله، وأنزل فيه القرآن على خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وخصَّه الله بليلة مباركة خير من ألف شهر، هي ليلة القدر، ما قامها عبد مسلم إيماناً واحتساباً، إلا واستجاب الله دعاءه، وأعطاه ما يتمنَّى لدينه ودنياه، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحلت بركتها عليه، وقيل سميت بليلة القدر، لأن الآجال والأرزاق تُقدر فيها، وقيل أيضاً أنها سميت بذلك، لأن الملائكة تتنزّل فيها بالرحمة والمغفرة والبركة، هي ليلة ضمن عشر ليال، وفي الوتر منها، فهل يخسر أحد تحرِّيها، والاجتهاد في عشر ليال لنيلها، قال أحدهم: (لو كانت ليلة القدر بالسنة ليلة واحدة، لقمت السنة كاملة حتى أدركها )، لكنها من كرم الله وفسحته لنا، أنها في عشر ليال فقط ، علماً بأن رمضان شهر ذو نسمات لطيفة، وساعات خفيفة، وليالٍ مشرقة أنيسة، يخسر كثيراً من تهاون فيه، وجعل أيامه ولياليه تمرّ دون عناية واهتمام، ودون أن يبذل قصارى جهده في العبادة بلا كلل أو ملل.
اللهم وفقنا وأبنائنا وبناتنا والمسلمين أجمعين لحسن قيامه وصيامه، قال الرسول عليه الصلاة والسلام عن رمضان: ( قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم).
ومنذ عرفت نفسي، ورمضان شهر تميزه البيوت السعودية بلمّاتها العائلية، فإن لم يكونوا يجتمعون في سائر الأيام إلا رمضان تلتقي فيه العائلة على مائدة الإفطار، ويتبادل الجيران أنواع الطعام، وتتزَّين الحارات بالإضاءات، وبسفرة الإفطار في الطرقات لأهلها وللمارين وعابري السبيل، ويشارك الصغار في توزيع بعض المشروبات والأطعمة الرمضانية، وتضجّ المساجد بالمصلين، ومن أجمل الصور في تلك الأيام (المسحراتي)، والذي كان بصوت مميّز، وقرع على الطبل لازال في مسامعي، وهو ينادي للسحور، لأنه في تلك الأيام كان أقصى وقت للسهر لا يتعدى العاشرة مساءً، وكان الناس بحاجة لمن يوقظهم للسحور قبل موعد الفجر. ولم تكن تخلو البيوت من أمهات أو عمات أو سيدات البيت مسؤولات عن تجهيز السحور، والقيام بمهمة إيقاظ أفراد الأسرة كباراً وصغاراً، أتذكر في بيتنا كانت الجلسة على سفرة السحور من أمتع الجلسات مع الوالد والوالدة رحمهما الله وإخوتي وأخواتي حفظ الله الأحياء ورحم من مات، أتذكر صوت أمي وهي تنادي للسحور، أتذكر كيف كنا في رمضان نداوم حين كنا ندرس وحين لحقنا العمل لم يكن العمل أو الدراسة في رمضان صعبة عند الناس كما هي اليوم، ذلك لأن برنامج الناس كل الناس مع السهر، يكاد يكون معدوماً، إلا في مناسبات موسمية، كما المغريات التي تستنزف الأوقات معدومة، في رمضان كان الناس يتبادلون التهاني بحيوية، وكانت أجهزة الهاتف الأرضي، لاتقف بسماع صوت الأهل والأحباب والجيران، تهاني كلها حياة. اليوم للأسف معظم الناس لا وقت لديهم لاتصالات، أو رسائل بعبارات يكتبونها، أو صوتيات يسجلونها، لجأوا للملصقات وللنسخ واللصق، أجد ذلك لا يجدي مع المقربين لأنهم يستحقون أكثر فهي مناسبات محدودة .
مّا يثلج الصدر -ولله الحمد-، أن الناس بدأت تتغير نظرتهم للتعامل مع الشهر الكريم، فصار الغالبية يستغلونه للعبادة، ويبذلون جهداً لنيل بركته، والحرص على قيمته الدينية الكبيرة، وينهون كل احتياجاتهم قبل رمضان، ليتفرغوا للعبادة، لكن ومع هذا، لا زلنا بحاجة لوعي أكثر، يقضي على التزاحم الشديد، واللا معقول، في الأسواق ليلة رمضان، من أجل (مقاضي رمضان)، وكأن البيوت تخلو من كل شيء، وكأن الأسواق ستغلق أبوابها! مع أن رمضان شهر عبادات، وليس للموائد والولائم.
تقبلوا تهنئتي لكم أن يجعله رمضاناً متقبلاً مباركاً سعيداً على السعودية وقيادتها وأهلها، وعلى جميع المسلمين. ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: رمضان شهر

إقرأ أيضاً:

لا يضر الشمس إطباق الظلام

كانت الكاتبة الراحلة أروى صالح (ت: 1997م) من أوائل من انتبهوا لموضوع صراع المال والنجومية الذي يغلي في صفوف السياسيين والمثقفين في فترة السبعينيات في مصر، وأشارت إليه إشارات واضحة وشخّصته تشخيصا دقيقا في كتابها المعروف "المبتسرون"، وقالت رحمها الله عنهم إنهم اتخذوا من العمل العام ومن حرفة "الثقافة" وسيلة للارتفاع فوق الناس العاديين، ومفتاحا سهلا لغزو الدنيا والتعالي على الناس، وأن الحقيقة الوحيدة التي تجمعهم هي الصراع من أجل المال والنجومية والبقاء في دائرة الضوء، وأن جهلهم بالأفكار يعادل جهلهم بالحياة نفسها!

وقد أثبتت المواقف صدق كل كلمة قالتها في وصف من تحدثت عنهم، بل إنهم قد ذهبوا في المسار الذي ذكرته عنهم إلى ما هو أبعد مما وصفتهم به. والواضح أنها كانت تتحدث من خلال تجربه فعلية وشخصية عاشتها وعاينتها بنفسها، وزاد على ذلك معرفتها بطبائع النفس البشرية التي تسكن جوانح البشر، فكتابتها تقول إنها كانت عميقة النظر والفكر، ولم تكن تمر على الأشخاص والمواقف مرورا عابرا سريعا، إضافة إلى كونها درست الطب وما تمنحه هذه الدراسة من سعة علمية ومعرفية بالإنسان وإشكالاته.

* * *

ونحن نسمع الآن عن قدر كبير من الصراعات، يدور بين عدد من السياسيين والمثقفين في عالمنا العربي، وفي داخل الأحزاب والحركات الإصلاحية، وهي في حقيقتها صراعات لها ألف صلة وصلة بما ذكرته الكاتبة، وأبعد ما تكون عما يدّعونه من أسباب معلنة، يفسرون بها مواقفهم وخلافاتهم.

وأكثر ما يدل على ذلك هي لهفتهم على الإعلام ووسائل النشر في الميديا، ومسارعتهم لإبداء آرائهم في الأمور من قبل أن تكتمل مراحلها وتبدو حتى بدايات آثارها، بل وهي لا زالت مفتوحة على تطورات لا يعلمها إلا الله، ومنهم من كان يتعيش (عيشا) ماديا على ما بات الآن ينكره وينقده، والذي لولاه ما كان قد سمع به أحد من خارج أسرته وزملائه.

* * *

وكثيرا ما تأملت في النص القرآني التحذير من "الشرك" في مواضع كثيرة، وفهمت أن النص القرآني المفتوح على كل الزمان وكل المكان، يشير إلى موضوع "الشرك" كونه حالة مرافقة للإنسان، في كل وقت من أوقات انحرافه وضلاله، بعيدا عن وعيه بوجوده ومصيره.. وليس كونه فقط عبادة أصنام بالمعنى المجرد.

* * *

وهذا الانحراف يأخذ بصاحبه إلى ضلالات بعيدة، يلتبس عليه فيها ما للنفس من مطالب وشهوات وخداع، وما للدين من حرمة وطاعة وإتباع، ويغيب عنه النور الذي يعينه على التمييز بين الخطأ والصواب، والحق والباطل، وما يفنى وما يبقى.

وقد أخطأت الحركات الإصلاحية خطأ كبيرا، حين اتجهت في العمل الدعوي والإصلاحي إلى الحشد والتعبئة حول الأفكار العامة والمعاني العامة، ولم تتجه على أعماق الإنسان من حيث كونه فردا يحوي قلبا، إذا صلح، صلح له ولها كل شيء، وإذا فسد، فسد له ولها كل شيء.

ودائما ما تكون "البدايات" هي البشرى والبشارة في مسارات الحياة، ونتأمل في المعنى بالغ العمق وبالغ الوضوح في الحديث الشريف: "كل أمر ذي بال لا يبدأ، فيه بسم الله الرحمن الرحيم، فهو أبتر. والمسألة تتجاوز بكثير ترديد الحروف والألفاظ، بل حضور الوعي حضورا مركزيا مُركّزا، بأن الله على كل شيء شهيد وأنه سبحانه أقرب للإنسان من حبل الوريد.

* * *

دارت في نفسي كل هذه الخواطر وأنا أتابع "لهاث" البعض خلف وسائل الإعلام، للحديث عن "طوفان الأقصى" أو الحديث عن "مستقبل الحركات الإصلاحية".. من أولئك الصنف من الناس الذين يصرون على الجلوس بمحاذاة النافذة، ولو سألتهم عن تفاصيل الطريق لا يعرفون.. كما يقول الكاتب الروسي الشهير ليرمنتوف.

ولا أدرى حقيقة، من يقصدون بأحاديثهم؟ هل يقصدون عامة الناس؟ وغالبا العامة من الناس مشغولون بأمورهم الشخصية، وقليلا ما ينتبهون إلى الأمور العامة، خاصة إذا كانت لا زالت مفتوحة على التطور والتغير والتأثير والتأثر، إذ لا ريب أن هناك في الأمور أمور، خاصة في الأمور ذات التركيب والتعقيد الخاص، وما هو معروف عن أحوالها أقل كثيرا جدا مما هو مجهول.

وإذا كانوا بالفعل يقصدون العامة من الناس، فماذا يرجون من التأثير على وعيهم بهذا الذي يقولونه..؟ هل يريدون من الناس إعلان اللعنة على من قام بالعمل لأن أحدهم أو بعضهم خرج يقول إن عقله وفهمه ووعيه بالأشياء والأحداث لم يستوعب المدى البعيد المقصود من هذا العمل التاريخي الضخم؛ الذي وضع القضية الفلسطينية في دوائر جديدة تماما من دوائر الوجود؟

وإذا ما أعلن الناس لعناتهم، فهل هذا يسعده وتقر بها عينه، وعين كل القوى التي وقفت ضد فلسطين والأقصى على مدار التاريخ البعيد والقريب؟

وإذا كان يقصدون "جهات أخرى" أيا ما كانت، ولا نعلم في حقيقة الأمر ما بينهم وبينها، ويريدون أن يصل إليها صوتهم، لغرض ما، لا نعلمه وهم يعلمونه، فهناك عشرات الطرق الخفية والخلفية التي يريد أحدهم الوصول إليها وهي سهله ومتاحة لأصحاب المطالب المجهولة بعيدا عن الإعلام.

* * *

رحم الله ابن خلدون (ت: 1406م) الذي كان يُعرّف التوحيد بأنه: العجز عن إدراك الأسباب وكيفية تأثيرها، وتفويض ذلك إلى خالقها المحيط بها.

أنا لا أريد أن أتطرق إلى النوايا ومكنونات الصدور، لكن هناك أشياء يكون الظاهر فيها من الظواهر غير المفهومة، مدعاة للتساؤل وطلب الفهم، خاصة ما يتعلق منها بالموضوع والتوقيت.

وعلى ذكر الظاهر والظواهر، كان الأستاذ العقاد رحمه الله (ت: 1964م)، يؤمن بالنظرية التي تربط بين مظهر الإنسان وأفكاره! وكان يقول لرواده في الصالون كما ذكر لنا الأستاذ أنيس منصور رحمه الله (ت2011م) في كتابه المهم "في صالون العقاد": انظروا إلى وجه ماركس، انظر إلى وجه سارتر.. الخ.

وأنا أؤمن كثيرا بهذه النظرية، لأنه بالفعل صفحة وجه الإنسان تنبئ بالكثير مما تحويه جنبات نفسه، ودوافعه الخفية.

* * *

يقولون إن الشأن الإنساني هو مجال "الإرادة".. ولا تحكمه الحتمية التي تحكم الظواهر الطبيعية، وهذا صحيح تماما، إنسانيا ودينيا، وقد كانت معركة "الإرادة" من أكثر المعارك تجليا ووضوحا، في "طوفان الأقصى".. ذاك المعول الذي نزل على أم رأس "الدولة الصهيونية" وصدعها تصديعا، ليس فقط في داخلها المشروخ بألف شرخ وشرخ "مجتمع ودولة وجيش".. ولكن وهو الأهم في "الحبل السُري" الذي يربطها بالغرب الاستعماري بكل ما يحويه من دعاية وإعلام ودعم مادي وسياسيي.

* * *

سنة 1926 م خرجت مظاهرات تندد بكتاب د. طه حسين "الشعر الجاهلي"، وذهبت إلى البرلمان، فخرج الزعيم سعد زغلول رحمه الله (ت: 1927م) ليقول لهم: "إن مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر في هذه الأمة المتمسكة بدينها، هَبوا أن رجلا مجنونا يهذي في الطريق فهل يضير العقلاء شيء من ذلك؟ إن هذا الدين متين، وليس الذي شك فيه زعيما ولا إماما حتى نخشى من شكه على العامة، فليشكّ ما شاء، ماذا علينا إذا لم يفهم البقر؟".

ماذا علينا إذا لم يفهم أحدهم أو بعضهم، وجهل أعماق الصراع ومكوناته وأبعاده، وما يمثله "الطوفان" في مسار هذا الصراع؟

ومن جاهل به، وهو يجهل جهله    ويجهل علمنا، أنه به جاهل!

x.com/helhamamy

مقالات مشابهة

  • موعد شهر رجب 1447 لعام 2025 وفضل الشهر والأعمال المستحبة للمسلمين
  • موعد شهر رجب 1447 هـ لعام 2025.. فضل الشهر والأعمال المستحبة للمسلمين
  • أحمد موسى: للحكومة: الناس تعبانة ولازم يجنوا ثمار صبرهم وتحملهم
  • أحمد موسى: الناس تعبانة ولازم ييجي الوقت اللي يجنوا فيه ثمار صبرهم وتحملهم
  • حكم الصلاة في البيوت حال المطر
  • لا يضر الشمس إطباق الظلام
  • المنوفي: بدء معارض «أهلاً رمضان» أول فبراير خطوة لضبط الأسواق… وندعو لهوامش ربح عادلة وتوفير ياميش الشهر الكريم دون مبالغة
  • الحسابات الفلكية تحدد بدء رمضان 2026 وساعات الصيام بالدول العربية
  • بعضٌ من حكاية الكَدِيسَة
  • خالد سليم يزور مستشفى الناس ويدعم الأطفال في أجواء من البهجة والإنسانية (صور)