البوابة نيوز:
2025-08-01@14:37:09 GMT

رمضان عند الأدباء.. الرافعي يرصد حكمة الصيام

تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في مقاله الشهير بمجلة "الرسالة"، قدّم الأديب مصطفى صادق الرافعي رؤية فلسفية مدهشة للصيام، حيث اعتبره نوعا من الدواء يؤخذ سنويا لتجديد طاقة الجسد وتنقيته، وكأن أيام رمضان الثلاثون ليست سوى حبات علاجية تعمل على تقوية المعدة، تصفية الدم، وإعادة ترميم أنسجة الجسم المنهكة طوال العام.

 الصيام في نظر الرافعي، ليس مجرد عبادة جسدية، بل يحمل في طياته حكمة إنسانية عميقة، إذ إنه يضمن استمرار الفكرة الإنسانية وسط تقلبات الحياة، فلا تنحرف النفس بتغير الظروف، ولا يطغى القوي على الضعيف في دوامة المصالح.

ويشير الرافعي إلى واحدة من أعظم معجزات القرآن، وهي قدرته على حمل حقائق خالدة في ألفاظ بسيطة، فيكشف معانيها في الوقت المناسب، حتى إذا ضجّ العلم الحديث في متاهاته، وجد في القرآن إجابات غفل عنها العقل البشري.

يطرح الرافعي رؤية اجتماعية غير تقليدية، إذ يرى أن الصيام هو أقوى نظام اشتراكي عرفه البشر، فهو فقر اجباري تفرضه الشريعة على الجميع، بحيث يتساوى الغني والفقير في إحساس الجوع والعطش، فلا فرق بين من يملك الملايين ومن لا يملك شيئا، تماما كما تحقق الصلاة المساواة الروحية، ويفرض الحج التواضع والتجرد من الفوارق الاجتماعية.

يفسر هذا الفقر الإجباري بأنه درس عملي للنفس، يذكرها بأن الحياة الحقيقية ليست في امتلاك الأموال، بل في الشعور المشترك بين البشر، فالتكافل لا يتحقق حين يتباين الناس في رغباتهم، بل حين يتوحدون في الإحساس بالألم والمعاناة، فيصبح التراحم فطرة، لا مجاملة.

يؤكد الرافعي أن البشر لا يختلفون في عقولهم، ولا في أنسابهم، ولا في أموالهم، لكنهم يختلفون في بطونهم! فالبطن هو الذي يحكم العقل والعاطفة، وهو الذي يقود الإنسان إما للسمو الروحي أو الانحدار في الجشع والطمع.

وإذا دخلت شهوة الطعام في صراع مع العقل، فإنها تُفسده وتحوله إلى خادم لرغبات الجسد، وهنا تكمن نكبة الإنسانية، حيث يصبح "العقل العلمي" عبدًا للشهوة، وتتحكم الغرائز في مصير البشر.

وفي ختام مقاله، يؤكد الرافعي أن الصيام ليس حرمانا، بل تدريب للنفس، فهو يروض الجسد، ويهذب الروح، ويوحد الشعور بين البشر، إذ يُحكم السيطرة على الجسد، فيمنع البطن من التغذية، ويُمسك أعصاب الجسد عن لذاتها، ليخرج الإنسان من رمضان بروح أكثر نقاءً، ونفس أكثر اتزانًا.

ويرى  أن  الصيام ليس مجرد عبادة، بل فلسفة حياة، تجعل الإنسان أقرب إلى ذاته، وإلى غيره، وإلى الله.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الصيام شهر رمضان مصطفى صادق الرافعي

إقرأ أيضاً:

غزة ليست الحصار .. غزة هي السؤال

يتصور البعض أن الخطاب العربي السياسي العاجز تماما عن أي فعل حقيقي تجاه أطفال غزة الذين يبادون بالنار والجوع أمام أنظار العالم هو ذروة المأساة العربية، لكن الحقيقة أن مأساة غزة رغم مرارتها وقسوتها وجه واحد من وجوه كثيرة جدا لمآسي الأمة العربية العميقة، ووجه من وجوه انكشافها الحضاري، وأزمتها الفكرية التي لم تستطع تجاوزها بعد. وهذه الوجوه التي نراها في غزة وفي سوريا وفي لبنان وفي العراق والسودان وليبيا وفي بنية الوعي العربي عامة ليست مفاجئة لمن يقرأ البنية العميقة للعقل العربي خلال القرن الأخير على أقل تقدير؛ ولذلك لا غرابة أبدا ألا يكون لدى الأمة العربية موقف حضاري مما يحدث في غزة. والحقيقة أنها لم يكن لديها موقف حضاري مما حدث قبل ذلك في العراق، ومما قد يحدث في قادم الأيام في دول عربية أخرى؛ والسبب أنها وصلت إلى مرحلة باتت فيه غير قادرة تماما على بناء المواقف الحضارية تجاه قضاياها قبل القضايا الإنسانية العامة بعد أن وصلت إلى حالة من الانسداد الحضاري.

نشر مفكرون عرب كثر خلال العقود الخمسة الماضية أطروحات ناقشت هذه الأزمة الحضارية التي تمر بها بنية العقل العربي لا من خلال الأحداث السياسية اليومية، ولكن عبر الغوص في بنية العقل، وما يحيط به من قيود النص، وقدرته على الإبداع، والخيال، والإنتاج المستقل، والبنى الثابتة التي حالت كثيرا دون تشكيل مشروع حضاري عربي قادر على مواكبة الحداثة بمعناها العميق والمبدع والمنتج لا بمعناها الشكلي والاستهلاكي. لكن تلك الأطروحات بقيت في أفضل الأحوال نخبوية وبعيدة عن التبني من قبل المؤسسات البحثية والأكاديمية التي تصنع الأجيال العربية، فيما حورب الكثير منها تحت دعاوى مختلفة وواهية؛ الأمر الذي فاقم الأزمات العربية، وجعل الأمة أقرب إلى أن تكون رخوة ومنكشفة حضاريا منها إلى أمة صلبة وقادرة على الإبداع. فعصفت بها الأوهام، وسيطرت عليها الخطابات الشعبوية، وكثر الدجالون، وغاب المفكرون الحقيقيون، بل غابت الفلسفة والمنطق عن أمة كانت متقدمة في إنتاج المعرفة وبشكل خاص الفلسفة والمنطق.

وأمام هذا المشهد وهذه المعطيات لا غرابة أبدا أن يكون الوضع العربي كما نراه اليوم، عالم يكاد يكون بلا موقف حضاري، ولا فعل ثقافي، فهذا ما جنته الأمة على نفسها قبل أن يجنيه عليها الآخرون، وقبل أن تعيد اجترار نظرية المؤامرة، وهي وإن كانت حقيقية إلا أن الأمة نفسها فتحت المساحة للمؤامرات لتبني لها بنى راسخة في العقل العربي قبل مؤسساته.

ناقش جورج طرابيشي على مدى عقود قيود الماضي والتراث خلال مشروعه لنقد العقل العربي، كما ناقش محمد أركون البنى الدوغمائية التي تحرس «اللامفكر فيه» مؤكدا أن لا تقدم في ظل غياب العقل النقدي والإنساني في بنية الفكر العربي الإسلامي. وهكذا فعل نصر حامد أبو زيد، ومالك بني نبي، وعبدالإله بلقزيز، وغيرهم. ورغم أن أطروحاتهم كانت قابلة للنقاش والنقد في سياق السجال المعرفي؛ إلا أنه حتى هذا السجال اختفى من أجندات الوطن العربي، واستبدل به جدالات عقيمة وشعبوية قائمة على التكفير المذهبي، والإثني، والخطابات التعبوية التي تهدم ما تبقى للأمة، وتحاول تقويضه؛ نتيجة أحقاد تاريخية قائمة أيضا على المذهبية، والإثنية، ووهم الكيانات الوطنية.

ولذلك نحتاج أن ننظر إلى مأساة غزة من بُعد آخر لا يمثله الحدث السياسي، ولكن تعكسه المأساة الحضارية؛ لنستطيع اكتشاف حجم العطب البنيوي في بنية العقل العربي المتمثل في غياب الفعل وشلل الإرادة. ورغم التاريخ الطويل من غياب الفعل العربي الحقيقي إلا أن هذه اللحظة هي أكثر تلك اللحظات تأثيرا، وأعمقها تمثيلا لواقع ما وصلت له الأمة العربية.

وإذا كانت غزة كاشفة لمأزق الضمير العالمي، ولأخلاقه، ولقيم النظام العالمي فإنها كاشفة بشكل أكبر للمأزق الحضاري العربي الذي بدا بشكل واضح أنه خارج السياق وعيا بما يحدث، وقدرة على بناء خطاب حضاري معرفي قادر أن يشكل موقفا يتناسب وما يحدث في الأمة من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها.

وهذا الوضع العربي من الفشل والخنوع وتآكل الوعي لا يخص القيادات السياسية فقط رغم مسؤوليتها الكبيرة والأساسية، ولكنه يخص المثقف، والمؤسسات الثقافية، والفكرية، والأكاديمية، ومؤسسات التعليم، والمؤسسات «الدينية»، ومؤسسات الإعلام، ويخص الجمهور العربي. العالم العربي بكل مؤسساته مسؤول مسؤولية تضامنية وتشاركية عن الحال الذي وصلت إليه الأمة!

وإذا كان العالم يتحول جذريا أمامنا؛ حيث يعاد بناء نظام عالمي جديد تتآكل فيه الهيمنة الأمريكية على العالم، وتسقط شيئا فشيئا قطبيتها الواحدة، وتبني الصين مشروعها بكثير من الهدوء، ويعيد الذكاء الاصطناعي تعريف المعرفة ورسم حدودها- فإن العرب يبقون وسط هذا كله بلا مشروع حضاري قادر على الذهاب الآمن نحو المستقبل، ويديرون تحدياتهم الراهنة بعقلية القرون الوسطى، ومرجعية الفتنة الكبرى فيما يعيش العالم نهاية الحداثة، ويدخل إلى عصر ما بعدها.

ولذلك؛ فإن من يتفجع على ما يحدث في غزة فإنه يتفجع من حيث يدري أو لا يدري على حال الأمة ومصيرها ومستقبلها، يتفجع على الفجوة بين ما ندّعيه وما نحن عليه، وعلى التناقض بين خطاب القوة ووهم الفاعلية. لا تكشف غزة ضعفنا بقدر ما تكشف الفراغ الكبير الذي نحن فيه، ومأزق العقل العربي المحاصر بالأوهام والفراغ.

لا يتحقق الخلاص من كل هذا بوقف الحرب على غزة رغم أهميته في السياق الأخلاقي والإنساني، ولا بالانقلابات السياسية، ولا بسلام مزيف مع العدو الصهيوني، ولكن تحتاج الأمة للخلاص مما هي فيه إلى ثورة معرفية تعيد طرح مفاهيم الحرية والهوية والدين والتراث والمقدس والفلسفة والحداثة من جديد، وتحرر العقل العربي من كل القيود والأغلال التي تسيطر عليه. وهذه الثورة المعرفية لا تختص بالهوامش العربية والمراكز المزعومة، ولكن تشمل المراكز والأطراف، والعواصم ومدن المهمشين الذين لا مكان لهم في خطاب «الهوية الرسمية». والنتيجة ليس إحداث قطيعة مع الماضي أو التراث العربي، ولكن الانطلاق منه نحو المستقبل عبر قراءة العقل والذات والنصوص الثقافية العربية بشكل منطقي ومنهجي، وإعادة تعريف علاقة العربي بغيره من الحضارات بعيدا عن تصنيف الآخر باعتباره العدو اللدود بالضرورة، وأن نعيد منهجية مواقفنا مع الحضارات الأخرى بناء على منظومة القيم والمبادئ الإنسانية، وليس وفق التصنيفات الدينية والمذهبية والإثنية.

تحتاج النهضة التي نبحث عنها للعالم العربي إلى لحظة وعي، واعتراف شجاع بحالة الفشل التي وصلت لها الأمة، ثم اشتغال حقيقي لبناء وعي جديد مؤسس وفق مقولات فلسفية وفكرية وطرح معرفي، وحينها سنرى التغيير يتحقق ليس في وعي الأفراد فقط، ولكن في بنية المؤسسات السياسية، وخطاباتها الجديدة. والأمم لا تنهض بالعواطف والأمنيات، ولكن بالأفكار والعمل من أجلها، وبتحليل الهزائم، وبناء سيناريوهات لمسارات جديدة.

وهذا المسار ليس سهلا على الإطلاق، ولكنه ليس مستحيلا؛ فلا يمكن منطقا لعقل عربي حُرم من الفلسفة والنقد والتساؤل أن يُبدع فجأة مشروعا حضاريا دون أن يمر أولا عبر جراح الذات وخرائط الفقد؟

ولذلك من المهم أن ننظر في مرآة غزة إلى ما هو أبعد من الكارثة؛ ننظر إلى سؤالنا الحضاري الذي بات على هامش التاريخ قبل أن يصبح خارجه تماما. تغدو غزة بهذا المعنى مرآتنا بكل ألمها ونارها، وهي أيضا فرصتنا الأخيرة التي تمنحنا إياها الحضارة لننظر إلى أرواحنا كما هي، لا كما نُحب أن نتخيلها.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير جريدة عمان

مقالات مشابهة

  • كيف تحرك أشباه البشر الأوائل بين الأشجار؟.. دروس من شمبانزي تنزانيا
  • جامعة سوهاج: نضع في اعتبارنا مسئولية إعداد خريج مؤهل للتعامل مع البشر
  • ملتقى الكتاب السوريين يختتم فعالياته ويكرم الأدباء والمثقفين المشاركين
  • الإعلام الإسرائيلي يرصد حجم التناقض في التصريحات بشأن المجاعة بغزة
  • «معلومات الوزراء» يرصد أداء الدول في مؤشر حقوق الطفل لعام 2025
  • البحوث الإسلامية: إصلاح ذات البين عبادة تتفوق على الصيام والصدقة
  • غزة ليست الحصار .. غزة هي السؤال
  • الحرب كما يرويها الأدباء العرب
  • الصيام المتقطع… بين العلم والتجربة
  • الحرب والذكاء الاصطناعي