سودانايل:
2025-06-12@02:53:51 GMT

لماذا ولّت الحركة الإسلامية الأدبار شرقاً؟

تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT

منذ سطو الحركة الإسلامية على السلطة، لم تواجه تمرداً أثار حفيظتها كتمرد دارفور وكردفان، فلم تحسب له الحسبان الكافي، ظناً منها أنه مجرد صداع يزول بتناول حبّة البندول، كما قال الطيب مصطفى مهندس كراهية الجنوبيين الذي فصل الجنوب أرضاً وشعباً، حينما عقد المقارنة بين تمرد قرنق وتمرد دارفور، فلم يدري استراتيجيو المركز المتجلي في الحركة الإسلامية، بأن التحدي الأكبر هو الغرب الكبير مصدر البترول والصمغ العربي، قبل أن يكون مصدراً للرجال الأشداء، فمن لا يقرأ التاريخ لا يهتدي إلى سواء السبيل، وإهمال الكيانين الغربي والجنوبي في معادلة الثروة والحكم، ينسف أي أطروحة سياسية تستهدف المحافظة على سلطة أصحاب الامتيازات التاريخية، وكثير من منظري المركز لا يعيرون بالاً للثورة الوطنية الأولى، فيركنونها في زاوية الدروشة، وفي الواقع هي غير ذلك تماماً، لقد كانت الأساس الذي أمّن الحاضر الجامع لشتاتنا، وهذه الصخرة الصماء المرتكز عليها إرث الوطن، ما تزال ترفد نار الثورة في كردفان ودارفور بالحطب والقش، وهذا الصمود هو الذي حطّم صنم المركز في الخامس عشر من أبريل قبل سنتين، لذا يكون من المستحيل استتباع هذه الكيانات الاجتماعية والاقتصادية، للمنهاج المركزي القديم الضارب بعرض الحائط قدر إنسانها وقيمة موردها الاقتصادي، والحريص على تكريسها لتكون مزرعة خلفية يرعاها المالكون – نفس منهاجية الجار الشمالي في التعامل معنا، وذات الملامح الاستعمارية التي رفضها المهمشون فثارت ثائرة المركزيين.


الشرق متنازع الأطماع والهوية بين السودان وإرتريا، وكونه محتضناً لميناء السودان يفرض عليه ذلك أن يكون منتقصاً في سيادته على أرضه، بحكم خضوع المنافذ البحرية لرادار الملاحة الدولية، لذلك حرصت الحركة الإسلامية وقائدها علي كرتي، على أن تجلي قيادة جيشها وسكرتارية إدارة شئونها إلى بورتسودان أولاً بأول، ولم يكن الإجلاء لعطبرة أو الدامر، للحسابات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية الصرفة، وشرق البلاد لم يشهد تمرداً عسكرياً عنيفاً يجبر السكان على توحيد الجبهة الداخلية، لذا استمرت به الدعاية القديمة (جيش واحد شعب واحد)، أما الشمال فيفتقر إلى الثقل السكاني والمورد الاقتصادي، وهذان عنصران لا فكاك منهما في الحرب، فعلى الرغم من تمدد الشمال كنخبة سياسية مثّلت عمق مركز السلطة لسنين، إلّا أن للحروب تدابيرها، هذا فضلاً عن ضعف الشمال وعدم جرأته على إبداء أي نوع من الامتعاض، الذي لا يسمح به الجار الشمالي، فانخفاض مستوى الديموغرافيا وانكشاف التضاريس ومجاورة دولة (لئيمة)، جميع هذه الأسباب كانت وما تزال تمثل دافعاً للغزوين الخشن والناعم لأرض النيلين، كل هذا وذاك لا يترك للشمال درباً غير دروب السير تحت ظلال الأسوار، ومن هنا وجد أنصار الحركة الإسلامية ضالتهم في الإقليمين، باعتبارهما مهيئين لممارسة نشاطها الهادف لاستعادة ملكها المنزوع، لذلك تراها الأكثر انزعاجاً من أي وقت مضى لانتقال الحرب إلى مروي.
الحركة الإسلامية من أكثر التنظيمات السياسية حظاً في السودان، كونها حصلت على امتياز حكم البلاد شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً بلا منازع، فامتلكت كل قواعد البيانات وكذا القواعد العسكرية، وعرفت كيف تؤكل الكتف، لكن خطأها الاستراتيجي القاتل، هو أنها أكلت كتف الخروف لوحدها، ولم تترك حتى العظام اليابسة لفقراء السودان، فبدلاً من أن تحافظ على كل شيء، فقدت كل شيء، وآخر مراحل التفاف ساقها بساقها ستكون على فراش الموت ببورتسودان، أو على السرير الأبيض في مروي، وسوف يتم إخراجها من هذين الإقليمين، ليس بقوة غريمها العسكرية الغاشمة، وإنّما باتفاق أصحاب المصلحة الدوليين، الناصبين لراداراتهم بميناء بورتسودان، الحاشدين لمراكز مخابراتهم على حدودنا المتاخمة، فالحركة هربت شمالاً وشرقاً لعلمها التام بأماكن الحظر، ومواضع الخطوط الحمراء المرسومة من قبل الدوليين، ومن ظن أن جغرافيا كوكب الأرض مثل الفلاة، أو كصحراء بيوضة يسدر فيها الراعي كما يشاء، فهو جاهل، فلم تكن سطوة الحركة الإسلامية على السودان إلّا بمباركة دولية، أما الآن، فقد تغيّرت الأحوال كثيراً، كالأحوال المترتبة على قرارات أجهزة المخابرات بحق العميل الذي انتهت صلاحيته، فلقد استنفذت الحركة الإسلامية غرضها في البقاء داخلياً وخارجياً، ولم يتبقى سوى تشييعها في مراسم احتفالية، يشرف عليها سكان الشمال والشرق، حينها ترحل السحابة الداكنة، وتنقشع الغشاوة من أعين الذين ضللتهم الدعاية الكذوب (جيش واحد شعب واحد).

إسماعيل عبد الله

ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرکة الإسلامیة

إقرأ أيضاً:

هل تصبح ثماني دول صغيرة ركيزة أوروبا ؟

الآن إذ تشهد أوروبا دوامات سياسية متقلبة تدفعها رياح الشعبوية تكتسب مجموعة من بلاد الشمال الأوروبي ثقلا؛ إذ تصبح مرساة جيوسياسية. تعرف هذه المجموعة باسم (ثمانية شمال البلطيق)، أو NB8 في المعجم الدبلوماسي، وتضم دولا صغيرة في شمال أوروبا قد لا يكون لكل منها منفردة نفوذ ذو شأن في مجال الأمن والسياسة الدوليين. ولكن منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في عام 2022 تنامى نفوذها معا بوصفها جماعة ضغط من أجل القوة الغربية، تطرح مزيجا بديلا مؤلفا من الأمن الديمقراطي، والتكامل الدفاعي، والمرونة المجتمعية.

أقامت الدنمارك وإستونيا وفنلندا وأيسلندا ولاتفيا ولتوانيا والنرويج والسويد نسق تعاونها الإقليمي في عام 1992 بعد نهاية الحرب الباردة على أساس اجتماعات دورية لرؤساء الوزراء، ورؤساء المجالس النيابية، ووزراء الدفاع، والخارجية، وكبار مسؤولي الحكومات. بدأ ذلك بمنتدى للبلاد الشمالية الثرية المستقرة؛ لإعادة بناء جسور مع بلاد البلطيق المجاورة التي تبادلت التجارة وغيرها معها منذ قرون، ولكنها وقعت وراء الستار الحديدي في ظل الحكم السوفييتي منذ الحرب العالمية الثانية.

ازدادت أهمية المجموعة في الحقبة الجيوسياسية الجديدة لتنافس القوى العظمى؛ إذ أصبحت مناطق القطب الشمالي، وشمال الأطلسي، وبحر البلطيق مناطق عليها نزاع استراتيجي. وقد قالت ميتي فريدريكسن رئيسة وزراء الدنمارك والرئيسة الحالية لثمانية شمال البلطيق: «إن العالم يتغير بسرعة... وأهم شيء الآن هو إعادة تسليح أوروبا». وقد جاء ذلك التصريح في معرض شرحها لما يدعو كوبنهاجن الآن إلى أن ترى أن مكانها لم يعد ضمن البلاد الداعية إلى الاقتصاد في الإنفاق والمعارضة لزيادة الإنفاق في الاتحاد الأوروبي. سوف تتولى الدنمارك أيضا الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي ابتداء من يوليو بما يمنح منطقة الشمال مزيدا من الحضور.

في الوقت الذي اتسعت فيه أرض الساسة الشعبويين القوميين في وسط أوروبا بما جعل المنطقة أكثر تشككا في الفكرة الأوروبية وأقل دعما لأوكرانيا؛ تبقى منطقتا الشمال والبلطيق معقلا داعما لكييف، ولجهود الدفاع المبذولة من أوروبا والناتو، حتى لو اشتدت سياساتها بشأن الهجرة في ظل ضغوط الشعبويين فيها.

شاركت ثمانية الشمال والبلطيق منذ البداية في «تحالف الراغبين» الفرنسي البريطاني الذي تأسس لدعم أوكرانيا عسكريا وسياسيا عندما علّق دونالد ترامب المساعدة الأمريكية لكييف في محاولة لليِّ ذراع فلودومير زيلينسكي؛ كي يوافق على صفقة سلام ذات شروط روسية. فهذه الدول ـ على حد قول فريدريكسن ـ ترى في استقلال أوكرانيا وانتصارها على عدوان موسكو مصلحة حيوية لها، في ضوء قربها الجيوستراتيجي من روسيا.

يعتمد كل من حلف شمال الأطنطي والاتحاد الأوروبي اعتمادا هائلا على كتاب «الدفاع الشامل» الخاص بفنلندا والسويد في إشراك القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني في التأهب العسكري، والاستعداد المدني، والمرونة الاقتصادية في مواجهة تكتيكات الحرب الهجينة الروسية والصينية. ولنا أن نتعلم الكثير من نهجهم المجتمعي الشامل هذا.

ففنلندا على سبيل المثال -بتعداد سكانها الذي يبلغ 5.6 مليون نسمة، وقوات مسلحة تبلغ في وقت السلم أربعة وعشرين ألف مقاتل فقط- قادرة على التعبئة السريعة لجيش حربي قوامه مائة وثمانون ألف جندي، ولديها احتياطي مؤلف من ثمانمائة وسبعين ألف جندي مدرب، بفضل نظام التجنيد، وخدمة الاحتياط النظامية. وغالبا ما يكون قادة الاقتصاد ضباط احتياط أيضا. وهم يشاركون في منتديات أمن دورية، ولديهم التزامات قانونية بالحفاظ على مخزونات، والمشاركة في الخدمات اللوجستية، وامتلاك قدرة إنتاجية فائضة لأوقات الأزمات. وبخوضها حربين مع الاتحاد السوفييتي وحده في أربعينيات القرن العشرين؛ فإن في البلد ملاجئ من القنابل جيدة التجهيز، وكافية لشعبها كله.

في العام الماضي أرسلت السويد عبر البريد الإلكتروني نسخة محدثة من كتيب إلى خمسة ملايين منزل تنصح المواطنين بكيفية التصرف «في حالة الأزمة والحرب»؛ فمن النصائح تخزين غذاء غير قابل للتلف، وامتلاك مذياع ومصباح يعملان بالبطاريات، وصندوق إسعافات أولية وضروريات أخرى. وقد أوصت المفوضية الأوروبية أخيرا جميع الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات مماثلة لتهيئة شعوبها لحالات الطوارئ المحتملة.

يجتمع أعضاء ثمانية الشمال والبلطيق بانتظام قبل اجتماعات حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي -برغم أن النرويج وأيسلندا ليستا عضوين في الاتحاد الأوروبي-؛ لتنسيق جهودها الدبلوماسية عالميا. وعلى المستوى الرمزي تشترك الدول الخمس الاسكندنافية في مجمع سفارات، ومركز ثقافي في برلين عاصمة أكبر اقتصاد في أوروبا.

وفي ظل منظومة القوة المتطورة في أوروبا يحظى حلفاء الشمال والبلطيق بميزة أنها دول ديمقراطية متماثلة التفكير، وبينها إجماع عريض على دعم الدفاع والردع في مواجهة روسيا. وسوف يجعلها ذلك شركاء يمكن أن يعتمد عليها المستشار الألماني فريدريش ميرز، في وقت تواجه فيه بولندا حالة من الاضطراب السياسي، وتفتقر فيه فرنسا إلى أغلبية برلمانية، وتعاني من الديون، وتتردد إيطاليا في تكثيف جهودها الدفاعية.

لقد ربطت الدول الثماني جيوشها بالمملكة المتحدة وهولندا من خلال القوة الاستطلاعية المشتركة مع الحفاظ على قوات عالية الاستعداد مدربة على الاستجابة السريعة للأزمات. وتعمل الدول مع حلف شمال الأطلنطي لحماية الكوابل الحيوية وخطوط الأنابيب تحت الماء من محاولات التخريب الروسية والصينية.

بل لقد مضى بعض هذه الدول إلى أبعد من هذا في التكامل الدفاعي. فعلى سبيل المثال؛ أنشأت أربع قوات جوية من دول الشمال الأوروبي هذا العام فرقة شمالية داخل حلف الناتو، مهمتها تنفيذ مفهوم القوة الجوية الشمالية الذي يمكِّن الأجنحة الدنماركية والفنلندية والنرويجية والسويدية من العمل بوصفها قوة واحدة في عمليات جوية مشتركة واسعة النطاق وعالية الاستعداد. وتقيم دول البلطيق الثلاث خطا دفاعيا مشتركا على حدودها الشرقية على غرار دفاعات أوكرانيا الأمامية. وتناقش دول البلطيق مفهوما إستونيّا لـ«جدار مسيرات البلطيق» باستخدام الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار؛ لمراقبة الحدود، والحماية من الطائرات المسيرة.

وحتى لو تفوقت هذه المجموعة على قدراتها؛ فهناك حدود لنفوذ ثمانية الشمال والبلطيق. فالدول الصغيرة ذات الاقتصادات المفتوحة تعتمد في ازدهارها على التجارة الحرة، والبيئة العالمية المستقرة. وفي إطار الاتحاد الأوروبي كافحت المجموعة دون جدوى لمنع المفوضية الأوروبية من تخفيف قواعدها المتعلقة بإنفاذ المساعدات الحكومية؛ للسماح بمزيد من الدعم الفرنسي والألماني للصناعة. وعلى نطاق أوسع؛ فإن عالما يقوم على الرسوم الجمركية، والتقاعس عن العمل المناخي، و(اللاليبرالية)، ومجالات نفوذ القوى الكبرى، لا يمثل إلا احتمالا كارثيا لدول الشمال والبلطيق. فقد يكون تنامي الحمائية، وعدم الاستقرار نذيرا بكارثة في شمال أوروبا.

بول تيلور كبير زملاء زائر لمركز السياسة الأوروبية

عن الجارديان البريطانية

مقالات مشابهة

  • أعراض تشير للإصابة بفرط الحركة وتشتت الانتباه .. فيديو
  • الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية) تدين الاعتداء على الحدود السودانية
  • شمال السودان، منطقة لها خواص ما يسمى عسكريا بمناطق “الإستنزاف الإستراتيجي”
  • الإمارات.. أجواء رطبة وارتفاع تدريجي بدرجات الحرارة اليوم
  • غياب أدوية TDAH لعلاج اضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة يثير غضب أسر المرضى
  • تأكيدا لـ صدى البلد.. روبوت المرور الجديد لـ تنظيم الحركة وليس رادارًا للمخالفات| صور
  • ليبيا تنتفض لغزة.. قافلة الصمود تصل طرابلس وتواصل رحلتها التضامنية شرقاً
  • هل تصبح ثماني دول صغيرة ركيزة أوروبا ؟
  • محافظ بورسعيد يناقش ميدانيًا إنشاء كوبري جديد ببورفؤاد لتيسير الحركة المرورية
  • طقس رطب وارتفاع تدريجي في درجات الحرارة