جوجل مستعد للأسئلة المعقدة والبحث المعمق
تاريخ النشر: 9th, March 2025 GMT
أطلقت شركة التكنولوجيا الأميركية جوجل خاصية تجريبية جديدة باسم "أيه.آي مود" إلى محرك البحث، بهدف منافسة خدمات بحث مهمة بالذكاء الاصطناعي مثل شات جي.بي.تي سيرش.
وأعلنت جوجل أن الخاصية الجديدة مصممة للسماح للمستخدمين بطرح أسئلة معقدة ومتعددة الأجزاء والبحث المعمق في أي موضوع بشكل مباشر عبر محرك بحث جوجل.
وأشار موقع تك كرانش إلى أن جوجل أطلقت خاصية أيه.آي مود لمشتركي خدمة جوجل وان أيه.آي بريميوم، بدءا من الأسبوع الماضي، كما يمكن الوصول إليها عبر خدمة سيرش لابس الذراع التجريبية لشركة جوجل.
وتستخدم الخاصية نسخة مخصصة من نموذج الذكاء الاصطناعي جيميني 2.0 التابع لجوجل، وستكون مفيدة بشكل خاص بالنسبة للأسئلة التي تحتاج المزيد من التصفح والمقارنات بفضل قدرات الاستدلال والتفكير والنماذج المتعددة المتقدمة في هذا النموذج.
على سبيل المثال يمكن للمستخدم طرح السؤال التالي: "ما الذي يحدث لمعدل ضربات قلبك أثناء النوم العميق؟ لكي يواصل البحث. وتقول جوجل إن المستخدم في الماضي، كان يحتاج إلى القيام بعمليات بحث متعددة لمقارنة الخيارات التفصيلية أو استكشاف مفهوم جديد من خلال عمليات البحث التقليدية.
ولكن باستخدام وضع الذكاء الاصطناعي، يمكنك الوصول إلى محتوى الويب إلى جانب الاستفادة من المصادر المباشرة الفعلية مثل الرسم البياني المعرفي، والمعلومات حول العالم الحقيقي، وبيانات التسوق لمليارات المنتجات.
قال روبي شتاين، نائب رئيس قطاع الإنتاج في محرك بحث جوجل لموقع تك كرانش: "ما نراه في التجربة هو أن الأشخاص يطرحون أسئلة يبلغ طولها ضعف طول الاستعلام في البحث التقليدي، كما أنهم يتابعون ويطرحون أسئلة متابعة في حوالي ربع الوقت.
وبالتالي فإن الخاصية تتعامل حقاً مع هذه الأسئلة الأصعب، والتي تحتاج إلى مزيد من الأخذ والرد، ونعتقد أن هذا يخلق فرصة كبيرة للقيام بالمزيد من المهام باستخدام محرك بحث جوجل".
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي جوجل محرک بحث
إقرأ أيضاً:
من قلب +8: أسئلة مؤجلة من المستقبل عن الهوية والتنمية وروح المجتمع
أكتب هذه السطور من قلب طوكيو، حيث لا تزال رائحة المطر تتسلل إلى نوافذ الفنادق الزجاجية، والضوء البارد ينساب على الإسفلت كما لو أنه هارب من فكرة الزمن. لم أغادر بعد، ولا أظن أنني سأغادر فعليًا، حتى بعد مغادرة المكان، لأن الأسئلة التي استيقظت داخلي بعد هذه الرحلة الممتدة من سيول إلى طوكيو سترافقني طويلًا. هذه ليست زيارة عابرة لمنطقة جغرافية نائية عنا بأزيد من 17 ساعة طيران، بل هي اقتراب مؤلم من نموذج حضاري يبدو في ظاهره مثاليًا، ولكنه في جوهره يعاني من فراغ إنساني ساحق.
المشاركة في المنتدى العالمي للعلوم السياسية كانت مدخلاً فكريًا بامتياز للتفاعل مع نخب أكاديمية قادمة من مختلف بقاع الأرض. لكن التجربة الحقيقية بدأت خارج جدران القاعات: في المترو، في الأسواق النموذجية، في المطاعم، في الرفوف الصامتة للمكتبات، وفي نظرات الناس الذين يتحركون بآلية صارمة، كأنهم جزء من آلة أكبر من قدرتهم على الفهم أو الرفض. هناك شيء متوتر في الهواء، شيء لا يُقال، لكنه محسوس. هدوء مفرط يكاد يكون صاخبًا في دلالته.
تجربتي الثانية في كوريا الجنوبية، التي امتدت إلى اليابان هذه المرة، أتاحت لي فرصة عميقة لتأمل ما وراء الصور النمطية. في الظاهر، نحن أمام مجتمعات متقدمة تقنيًا، منظّمة إلى درجة الانبهار، ناجحة اقتصاديًا، أنيقة في شوارعها ونظيفة في سلوكها العام. ولكن، ما معنى كل هذا حين يغيب الإنسان كقيمة؟ حين يتحول المجتمع إلى مجرد فضاء هندسي دقيق خالٍ من الفوضى، ولكنه أيضًا خالٍ من الدفء؟ لقد لاحظت، من خلال تفاعلي اليومي مع المواطنين هنا، أن العلاقات الاجتماعية شبه متلاشية، لا وجود للعفوية، لا أثر للعلاقات المفتوحة، حتى السلام أو التحيّة أصبحتا من الكماليات. الفرد هنا منغلق على نفسه، متوجس من الآخر، حتى قبل أن يقترب منه. هذا التوجس ليس مجرد موقف ثقافي أو اجتماعي عابر، بل هو نتاج لتراكمات تاريخية عنيفة لا تزال تشتغل في اللاوعي الجمعي. اليابان تحديدًا تحمل في ذاكرتها الجمعية جروحًا لم تندمل بعد: قنبلة نووية أمريكية دمرت مدينتين، وأبقت الندبة غائرة في وعي الأمة، فأصبح كل اقتراب من الآخر مشروع تهديد، وأضحى الحذر هو القاعدة في بناء العلاقات الإنسانية. لا يتعلق الأمر فقط بالحرب، بل بالتصورات العميقة التي ترسخت حول معنى الوجود، ومعنى السلام، ومعنى الثقة.
ومن جهة اخرى لا يمكن الحديث عن البنية النفسية للمجتمع الياباني دون التوقف عند إحدى أخطر الظواهر: ظاهرة الانتحار. اليابان تتصدر منذ سنوات لائحة البلدان ذات أعلى معدلات الانتحار في العالم، ليس فقط بسبب الضغوط الاقتصادية أو المهنية كما يُشاع، بل نتيجة نمط وجودي قائم على العزلة، على غياب التواصل العاطفي، على تفكك مفهوم الأسرة، بل وأحيانًا على انعدامه. الناس هنا يموتون صامتين كما يعيشون. هل يُعقل أن ينهار الإنسان في حضن واحدة من أكثر الدول تقدمًا وتطورًا؟ هل تكفي التكنولوجيا لملء الفراغ الوجودي؟ وهل يكفي النظام لسد الحاجة إلى دفء انساني لا يُعوّض؟
إن المفارقة التي تنكشف هنا مؤلمة ومثيرة للدهشة في آن واحد: هذه الدول التي لطالما قُدّمت كنماذج تنموية رائدة، تعاني اليوم من تحديات وجودية عميقة. الشيخوخة الديمغرافية تزداد، نسبة الولادات تنهار، العزوف عن الزواج يرتفع، والرفض الجماعي للهجرة يعمّق الأزمة. الدولة التي لا تُعيد إنتاج المجتمع، ولا تجدّد ذاتها ديمغرافيًا، تكون أمام خطر الزوال الناعم، حتى وإن كانت تبدو على السطح قوية ومزدهرة.
لكن السؤال الأكثر إلحاحًا يبقى: كيف يمكن لمجتمع متقدم، بلغ أعلى درجات التنظيم، أن يتحوّل إلى كيان هش على مستوى الروابط الاجتماعية؟ هل يمكن للفردانية المفرطة أن تبني أمة؟ وأين يذهب الإنسان حين يصبح النجاح الجماعي خاليًا من المعنى الفردي؟ ثم كيف نفهم هذا التناقض الفجّ بين البنية التحتية المتقدمة والبنية التحتية للروح التي تنهار بصمت؟ هل نعيش اليوم على أنقاض حداثة لم تفهم الإنسان؟ وهل نحن، في مجتمعاتنا المتوسطية بكل ما تحمله من فوضى وعفوية وعلاقات عائلية ممتدة، نعيش رغم كل شيء شكلًا من أشكال التوازن البديل، الذي يجب أن يُصان لا أن يُحتقر؟
رحلتي إلى كوريا الجنوبية واليابان كانت مناسبة لرؤية صورة الآخر من الداخل، ولرؤية أنفسنا من خلاله. لقد غادرت المسافة الجغرافية بيننا، لكنني اقتربت من مسافة أخرى، أعمق وأخطر: المسافة بين الإنسان وظلّه. وهذا ما يدفعني اليوم، وأنا لا أزال هنا، أن أكتب لا كسائح ينبهر، ولا كمثقف يدين، بل كإنسان يتساءل: من نحن؟ ومن هم؟ وإلى أين يمضي العالم حين تفقد الحضارة دلالتها، ويتحول التقدم إلى عبء، والنجاح إلى عزلة، والذاكرة إلى قيد؟ وهل في الإمكان بناء مستقبل مختلف لا يُقصي الإنسان باسم النظام، ولا يُغتال فيه الشعور باسم الصمت؟
الصورة مأخوذة من أعلى برج في اليابان هو برج طوكيو سكاي تري (Tokyo Skytree) بارتفاع: 634 متراً، وهو يُعد ثاني أعلى بناء في العالم بعد برج خليفة في دبي.