عنف مسلح يهز مؤسسات الدولة العراقية ويثير غضبا بالمنصات
تاريخ النشر: 28th, July 2025 GMT
في تصعيد لظاهرة السلاح المنفلت، وقعت حادثة دامية هزت أروقة الإدارة العراقية عندما قوبل قرار تعيين مدير جديد لإحدى دوائر الزراعة في منطقة الكرخ في بغداد بإطلاق نار من قبل مجموعة مسلحة رفضت استلام المدير الجديد لمهامه.
ووقع هذا الحادث -صباح أمس الأحد- وخلف وراءه 3 قتلى بينهم شرطي ومدني ومسلح، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 6 أشخاص، مما أعاد بقوة طرح تساؤلات جوهرية حول السلاح المنفلت ودور الدولة في فرض سيادة القانون داخل مؤسساتها.
وتكشف تفاصيل الحادث عن تحول مفاجئ ومأساوي في سياق يومي اعتيادي، حيث بدأت القصة عندما عقد المدير الجديد اجتماعا إداريا روتينيا داخل دائرة الزراعة.
غير أن هذا المشهد الطبيعي للحياة البيروقراطية تحول في لحظات إلى كابوس حقيقي عندما دخلت مجموعة مسلحة مبنى الدائرة الحكومية، محولة المكان من فضاء إداري آمن إلى ساحة مواجهة مسلحة.
وسادت حالة من الذعر والفوضى بين الموظفين المدنيين العُزل، الذين وجدوا أنفسهم وسط معركة لم يكونوا طرفا فيها، واستدعى هذا الوضع الحرج تدخلا أمنيا عاجلا من الشرطة الاتحادية ودوريات نجدة الكرخ، التي سارعت لاحتواء الموقف والسيطرة على المبنى الحكومي المحاصر.
تطور الأحداث
ولم تقف الأحداث عند حد الاقتحام والتهديد، بل تطورت بسرعة مأساوية لتشهد اشتباكات عنيفة وتبادلا مكثفا لإطلاق النار بين المسلحين والقوات الأمنية.
وأسفر هذا التصعيد العسكري عن سقوط ضحايا من الطرفين ونشر الرعب في المنطقة، مما حول منطقة إدارية هادئة إلى ساحة قتال حقيقية في قلب العاصمة العراقية.
من جهته، استجابت وزارة الداخلية العراقية بحزم للحادث، مؤكدة رفضها القاطع لأي محاولة لاستخدام القوة لفرض آراء أو قرارات داخل مؤسسات الدولة.
ونجحت القوات الأمنية في نهاية المطاف في استعادة السيطرة وإلقاء القبض على 14 مسلحا شاركوا في الهجوم على المؤسسة الحكومية، مما يشير إلى حجم المجموعة المسلحة التي تجرأت على تحدي سلطة الدولة بهذا الشكل الذي وصف بالسافر.
إعلانوتفاعل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بسرعة استثنائية مع خطورة الحادث، حيث أمر فورا بتشكيل لجنة عليا للتحقيق في ملابسات ما حدث.
وستركز هذه اللجنة التحقيقية على عدة محاور حاسمة، أبرزها كيفية تحرك القوة المسلحة دون أوامر أو موافقات رسمية، ومحاولتها السيطرة على بناية حكومية وفتح النار على القطاعات الأمنية الأخرى.
وعلى صعيد الرأي العام، هيمنت مشاعر الغضب والاستنكار على تفاعلات المواطنين، حيث شكل الحادث نقطة انفجار لإحباط شعبي متراكم من ظاهرة السلاح المنفلت.
فرض هيبة الدولة
واتفق معظم المتفاعلين على ضرورة فرض هيبة الدولة ومحاربة السلاح المنفلت، مطالبين بحلول جذرية لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة التي تهدد استقرار البلاد ومؤسساتها، وهو ما أبرزته حلقة (2025/7/28) من برنامج "شبكات".
وفي تعبير واضح عن الدعم الشعبي لموقف الدولة، أعرب المغرد منتظر الحسني عن دعمه الكامل للموقف الحكومي الحازم، مؤكدا في تغريدته: "مع الدولة وفرض القانون… اضربوا بيد من حديد كل من تسول له نفسه المريضة بإثارة الفوضى داخل المجتمع ومؤسسات الدولة".
في السياق ذاته، لكن بتحليل أعمق للمخاطر، انتقد الناشط المختار الموعود محاولات التقليل من خطورة الحادث، مشددا على أن: "هذا الحادث لا يمكن السكوت عنه، وليس مجرد "سوء تفاهم" كما تحب بعض الجهات أن تروج، بل هو اعتداء صريح على هيبة الدولة، وتمرد مفضوح على سلطة القانون، ومحاولة فرض سلطة موازية داخل الدولة نفسها".
ومن منظور يركز على التداعيات المستقبلية، حذر المغرد نزار الزيادي من المخاطر الكامنة في السماح لمثل هذه الحوادث بالتكرار، متسائلا بقلق بالغ: "هذا تبديل مدير زراعة هكذا!!! إذا نريد نبدل النظام كله شي صير؟! إذا ردنا نبدل رئيس وزراء شي صير؟!! الشعب أنت ملتفت لحجم الكارثة المقبلة؟!!!".
وفي محاولة لتقديم حلول عملية للأزمة، طالب الناشط فلاح العايدي بإجراءات جذرية لمعالجة أزمة السلاح المنفلت، موضحا في تغريدته: "هل من المنطقي أن يكون كل مدير له جماعة مسلحة تدعمه وتنفذ قراراته… كيف سنتمكن من إجراء أي تغيير في البلاد… يجب حل جميع المليشيات ودمجها تحت راية الدولة، يجب على الدولة أن تسيطر على السلاح المنفلت وحصر السلاح بيد الدولة فقط".
وتكشف الإحصائيات الرسمية عن أن العراق يواجه تحديا هائلا في مسألة السلاح المنفلت، حيث تُقدر التقارير وجود أكثر من 7 ملايين قطعة سلاح غير مرخصة منتشرة في أنحاء البلاد.
وتستخدم هذه الترسانة الهائلة من الأسلحة غير المشروعة في مجالات متعددة تهدد الأمن والاستقرار، بدءا من النزاعات العشائرية التقليدية، مرورا بالاشتباكات بين الفصائل المسلحة المتنافسة، وصولا إلى الهجمات على مؤسسات الدولة كما حدث في حادثة دائرة الزراعة.
28/7/2025-|آخر تحديث: 19:27 (توقيت مكة)المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات السلاح المنفلت
إقرأ أيضاً:
“مبعوثون من القبور” .. محرَّرون يكشفون أهوال الإبادة داخل السجون الصهيونية
الثورة / متابعات
كأنهم لتوّهم بعثوا من القبور، أجساد هزيلة، وجوه شاحبة، شعور طويلة، كسور تغطي مساحة الجسد، ندوب في اليدين والقدمين وحتى الوجه، أعين شاخصة مفزوعة لا تقوى على مواجهة ضوء الشمس، وحالة نفسية قاسية تخشى مواجهة حقيقة ما أنتجه واقع الإبادة الذي عاشه أهلهم فترة اعتقالهم.
هكذا يمكن أن تصف الكلمات فداحة أوضاع الأسرى المحررين في صفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال الصهيوني، فقد تبدلت أشكالهم وظهروا وكأنما كبر الواحد فيهم عشرين أو ثلاثين سنة فوق أعمارهم الحقيقية، ووقفوا جميعاً يحاولون وصف واقع سجنهم وظروف اعتقالهم، فعجزت كلماتهم وتلعثمت ألسنتهم.
خرج بعضهم مثقلاً بأمراضه وجراحه التي أهملها الاحتلال متعمداً، يحمل هم من بقي من رفاق القيد والزنزانة، ويطالب الكل بالعمل على إنقاذهم وفكاك أسرهم، مؤكدين أن الأسرى داخل السجون يموتون في اليوم الواحد ألف مرة، جائعين، معذبين جسدياً ونفسيا، مهانين في كرامتهم يشتمون، تشن ضدهم أبشع الحروب النفسية، مهددين بقتل عائلاتهم وأبنائهم وأهليهم خارج السجون.
«رجع إلي قلبي، واليوم أحلى عيد».. أمٌّ تحتضن ابنها بعد عامٍ وسبعة أشهر من الأسر في سجون الاحتلال.
أهوال لا تصفها الكلمات
الأسير المحرر ناجي الجعفراوي، خرج من عتمة السجن، تفقد الوجوه فلم يجد بينها وجه أخيه الصحفي والناشط الشهير صالح، الذي ووري الثرى قبل تحرره بساعات قليلة؛ نتيجة استشهاده على يد عصابات إجرامية تابعة للاحتلال في مدينة غزة.
يؤكد “ناجي” الحافظ لكتاب الله، والمعروف بصوته الندي في قراءة القرآن، وبلاغته وفصاحته في إلقاء الدروس والخطب والمواعظ، أن السجن وأحواله لا تصفها الكلمات، “لا يصف السجن واصف فواقع السجن لا يوصف”، هكذا قال للصحفيين في اللحظات الأولى لتحرره.
«خرجنا من فوق الأرض ورغماً عن أنف المحتل والسجان»..
الحر أيهم كممجي يتحدث بعد حريته بصفقة المقاومة
وبيّن أن السجن “لا تستطيعه الكلمات ولا تجمعه العبارات، ولا يقوى عليه البلغاء، ولا يصفه الفصحاء”.
وأوضح أنه والأسرى معه كانوا في الموت، في قاع الجب، مغيبين تحت الأرض، وقال: “مهما تكلمت لن أصف كل شيء، أحتاج ساعات طويلة ومقابلات كثيرة لوصف عشر معشار ما أذكره مما مررنا به، فبعض آلام السجن ينسي بعضه بعضا”.
وكشف “الجعفراوي”، أنه بقي معصوب العينين مكبل اليدين على قفاه مادا قدميه أكثر من 100 يوم، مبيناً أن الاحتلال كان يسمح للأسرى بدخول الخلاء مرة واحدة كل يومين إن أتيحت الفرصة، فيما كان السجانون يدوسونهم بأرجلهم.
وقال: “خرجنا من غياهب الجب، خرجنا من الموت خرجنا من القبور من حياة البرزخ وكنا لا نعلم هل سنعود أم لا، لكننا كنا على ثقة أن الله لن يضيعنا”.
مشاهد العزة والكرامة ..
تعذيب وجوع ومرض
“أنا مش كويس.. أنا مش كويس.. إلنا سنتين جوعانين”.. هكذا وصف الصحفي الفلسطيني المحرر شادي أبو سيدو حالته، مؤكداً أنه حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت الإفراج عنه نعرض للتعذيب والإهانة.
“السجن كله عذاب كله تكسير كله شبح، كسروا يدي وكسروا ريش صدري، استخدموا معنا داخل السجن سياسة تكسير العظام”، هكذا خرجت كلماته بصوت منفعل وعصبية بادية على كل تفاصيله وملامحه.
ويؤكد، المصور الصحفي الذي يعمل مع قناة “فلسطين اليوم”، أنهم ورغم كل ما أصابهم تركوا لمواجهة مصيرهم دون علاج أو تقديم أية أدوية، وقال إن الدم بقي يخرج من عينه نتيجة التعذيب وتعمد السجانين ضربه على رأسه وعينيه.
وكشف أن السجان والمحققين تعمدوا إيذاء عينيه لأنه يعمل مصوراً صحفياً، كاشفاً أن المحقق قال له “سأقلع عينك كما قلعت عين الكاميرا التي كنت تصور فيها ما يحدث في غزة”.
ووفق روايته فإن المحامية سحر فرنسيس عندما زارته ورأت حالة عينه أرادت أن تقدم إفادة بحالته لمؤسسات حقوق الإنسان فرد عليها بالقول: “لا تبلغي مؤسسات حقوق الإنسان، بلغي مؤسسات حقوق الحيوان أنا أريد مؤسسات حقوق الحيوان، فقد أحصل على رحمة منها أكثر من مؤسسات حقوق الإنسان”.
ولم تكن سياسة التجويع خارج السجون فقط، بل امتدت لداخله، فقد قال “أبو سيدو”: “أنا جائع منذ سنتين، دخلت سجون الاحتلال وأنا جوعان، وبقيت في الأسر جوعان وطلعت منه جوعان”.
إبادة حقيقية داخل السجون
هذه الشهادات الصادمة، ليست سوى شاهد على فداحة ما يرتكب من مذابح بحق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأسرى يتعرضون لحرب إبادة لا تقل خطورة عن تلك التي تعرض لها سكان قطاع غزة، وتستخدم ضدهم سياسات التعذيب والتجويع والإرهاب النفسي وحتى القتل.
ومنذ السابع من أكتوبر، استشهد داخل السجون الصهيونية 77 أسيراً فلسطينياً، وفق معطيات نشرتها مؤسسات الأسرى، نتيجة التعذيب والإهمال الطبي.
وكشفت تقارير أممية سابقة، عبر شهادات من معتقلين مفرج عنهم، ومحامين، وصور وفيديوهات، عن استخدام الضرب المبرح، والتفتيش والتجريد من الملابس، والإجبار على الوقوف أو الجلوس مكبلاً في وضعيات مزعجة وقاسية لفترات طويلة.
وبينت أن زنازين الاعتقال مكتظة جدا بالأسرى، وتفتقد إلى كل ما من شأنه أن يعين الأسرى على قضاء احتياجاتهم الأساسية اليومية.
ورأت التقارير الأممية أن انتهاكات جسيمة ومتعددة للقوانين الدولية ترتكب داخل السجون الصهيونية، منها معاهدة مناهضة التعذيب، اتفاقيات حقوق الطفل، قوانين حقوق الإنسان الدولية، والقانون الدولي الإنساني.
من جهته كشف مدير عام مجمع الشفاء الطبي الدكتور محمد أبو سلمية، أن الأسرى المحررين خرجوا في حالة صحية ونفسية بالغة السوء، منهكين، وتبدو عليهم آثار التعذيب، مشيرا إلى أن بعضهم خرج مبتور الأطراف نتيجة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال.
وبيّن، في تصريحات صحفية، أن معظم الأسرى مصابون خلال الحرب، قبل اعتقالهم، ولم يتلقوا رعاية طبية داخل سجون الاحتلال.
وأوضح أن من بين الأسرى المحررين في صفقة تبادل الأسرى، حالات حرجة تحتاج إلى تدخل طبي عاجل.
هذا ما نكتبه اليوم عمن بعثوا من القبور، وخرجوا في صفقة المقاومة، تاركين خلفهم أمواتا آخرين ينتظرون يوم بعثهم للحياة من جديد، فمتى يحين وقت ذلك؟، وهل حينها سيستطيعون الانبعاث أم أننا سنجد أننا فقدناهم جميعا مرة واحدة وللأبد.