هل تتجه واشنطن لاستثمار المعادن في الكونغو مقابل الأمن؟
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
أفاد تقرير نشرته وكالة رويترز أن وزارة الخارجية الأميركية أعلنت أمس الأحد عن استعداد واشنطن لاستكشاف شراكات في قطاع المعادن الحيوية مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك بعد أن تواصل أحد أعضاء مجلس الشيوخ الكونغولي مع مسؤولين أميركيين لاقتراح اتفاق يقوم على تبادل الموارد المعدنية بالأمن.
تعتبر الكونغو الديمقراطية من أغنى الدول بالمعادن الحيوية، لا سيما الكوبالت والنحاس والليثيوم، وهي في الوقت نفسه تخوض معارك ضد متمردي حركة "إم23" المدعومين من رواندا، والذين تمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة من أراضيها خلال العام الجاري.
يأتي الحديث عن صفقة محتملة مع الولايات المتحدة -التي تجري أيضا مناقشات مع أوكرانيا بشأن اتفاق مشابه- في ظل تكهنات متزايدة داخل الأوساط السياسية في كينشاسا منذ أسابيع.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: "الولايات المتحدة منفتحة على مناقشة الشراكات في هذا القطاع بما يتماشى مع أجندة أميركا أولا التي أطلقتها إدارة ترامب"، مشيرا إلى أن الكونغو تمتلك "حصة كبيرة من المعادن الحيوية المطلوبة للتكنولوجيا المتقدمة".
إعلانكما أكد المتحدث أن الولايات المتحدة تعمل على "تعزيز استثمارات القطاع الخاص الأميركي في الكونغو الديمقراطية لتطوير الموارد المعدنية بطريقة مسؤولة وشفافة".
الكونغو تسعى للشراكاتفي المقابل، لم تصدر الحكومة الكونغولية أي بيان رسمي حول الاقتراح، لكنها أكدت عزمها على تنويع شراكاتها الاقتصادية لتعزيز التنمية المستدامة والاستفادة المثلى من مواردها الطبيعية.
وكان المتحدث باسم الحكومة الكونغولية، باتريك مويايا، قد صرح الأسبوع الماضي قائلا: "هناك رغبة لدينا في تنويع شركائنا"، مشيرا إلى وجود "تبادلات يومية" بين الكونغو والولايات المتحدة.
وأضاف: "إذا كان المستثمرون الأميركيون مهتمين بالمجيء إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، فسيجدون بيئة مناسبة… لدينا احتياطيات متاحة، وسيكون من الجيد أيضا أن يتم استثمار رأس المال الأميركي هنا".
استقرار إقليميفي سياق متصل، قام أندريه واميسو، نائب رئيس ديوان الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، بزيارة إلى واشنطن في وقت سابق من الشهر الجاري لإجراء محادثات حول الشراكة المحتملة، وفقا لمصدرين تحدثا لـ"رويترز".
وفي 21 فبراير/شباط، أرسلت مجموعة ضغط مرتبطة بالسيناتور الكونغولي بيير كاندا كالامباي رسائل إلى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ومسؤولين أميركيين آخرين، يدعو فيها الولايات المتحدة إلى الاستثمار في الموارد المعدنية للكونغو مقابل تعزيز "الاستقرار الإقليمي".
لكن وفقا لمسؤولين كونغوليين، فإن هذه المبادرة لم تحظَ بتكليف رسمي من الحكومة الكونغولية أو الرئاسة، رغم أن هناك عدة مبادرات قيد الدراسة في مراحلها الأولى، بحسب مصادر في الرئاسة الكونغولية ووزارة المناجم، إلى جانب مسؤولين أميركيين.
وكان من المقرر أن تلتقي بعثة كونغولية مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي في السادس من مارس/آذار، لكنها ألغت الاجتماع في اللحظات الأخيرة، وفقا لمصدرين مطلعين.
إعلان تحديات التعاون الأميركييرى جيسون ستيرنز، الخبير في شؤون الكونغو بجامعة "سيمون فريزر" الكندية، أن الاقتراح سيجذب اهتمام واشنطن، لكنه أوضح أن الصين تهيمن حاليا على سلاسل توريد المعادن في الكونغو.
وأضاف ستيرنز أن الولايات المتحدة، على عكس الصين، لا تمتلك شركات تعدين مملوكة للدولة، كما أن شركات التعدين الأميركية الخاصة لا تعمل حاليا في الكونغو.
وقال: "إذا أراد الكونغوليون إنجاح هذه المبادرة، فلن يكون ذلك بمجرد منح امتياز تعدين لشركة أميركية. سيتعين عليهم البحث عن طرق أكثر تعقيدا لإشراك الولايات المتحدة في هذا القطاع".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الکونغو الدیمقراطیة الولایات المتحدة فی الکونغو
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي 2025 الأمريكية تعيد تشكيل نظرة واشنطن للعالم
تُعدّ استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 إحدى أكثر الوثائق تأثيرا في رسم ملامح السياسة الدولية خلال العقد المقبل، إذ لا تكتفي بتحديد التهديدات التقليدية، بل تقدّم رؤية أعمق تعكس تحوّلا أيديولوجيا في الطريقة التي ترى بها الولايات المتحدة موقعها في العالم. فوفق تحليلات مؤسسات بحثية بارزة مثل معهد بروكينغز ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن الوثيقة تمثل انتقالا من "إدارة النظام الدولي" إلى "التنافس على تشكيله"، في لحظة عالمية يغلب عليها الاضطراب وتراجع اليقين. هذا الانتقال من "الإدارة" إلى "التشكيل" هو جوهر التحول الاستراتيجي؛ إنه اعتراف بأن العصر أحادي القطب قد انتهى، وأن واشنطن تسعى لفرض نموذجها وقيمها في مواجهة نماذج بديلة.
الصين من "منافس استراتيجي" إلى "خصم حضاري شامل"
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها واشنطن إلى الصين باعتبارها قوة نظامية تريد تشكيل قواعد اللعبة الدولية بدلا من التكيّف معها. ولذلك تنتقل المنافسة بين الطرفين إلى مجالات استراتيجية تشمل التكنولوجيا المتقدمة، وسلاسل التوريد، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتأثير المؤسسات الدولية. استخدام مصطلح "الحضاري" يعمق الانقسام الأيديولوجي، مما يرفع المنافسة لتكون صراعا وجوديا بين نموذجين متنافسين يمتد ليشمل المؤسسات الثقافية والتعليمية.
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة. روسيا تهديد يمكن احتواؤه لا منافسته
على الرغم من استمرار الحرب في أوكرانيا، تتعامل الاستراتيجية الأمريكية مع روسيا بوصفها تهديدا "حادّا ومباشرا" لأمن أوروبا، لكنها ليست منافسا شموليا للنظام الدولي كما هي الصين. وتتبنى واشنطن مقاربة "إدارة الصراع" مع موسكو، في محاولة للحفاظ على تركيزها الاستراتيجي على آسيا.
ويرى خبراء في "تشاتام هاوس" أن هذا التحوّل قد تكون له انعكاسات مباشرة على الأمن الأوروبي، حيث يُخشى أن يؤدي إلى تقليص انخراط الولايات المتحدة تدريجيا في القارة، ما يدفع الأوروبيين إلى تطوير مفهوم "الاستقلال الاستراتيجي" بشكل أسرع، مهما كانت العقبات السياسية والاقتصادية. هذا التمييز يكرس "الانتقائية الاستراتيجية" الأمريكية، حيث تُعتبر روسيا تحديا تكتيكيا ومؤقتا يجب "إدارته" لتجنب تشتيت الانتباه عن محور التنافس الحاسم في آسيا.
أوروبا الحليف المتوتر والعاجز عن حماية هويته
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي.
وقد أثار هذا القسم جدلا واسعا، حيث اعتبر "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" أن واشنطن أصبحت تنظر إلى أوروبا بوصفها الحلقة الأضعف في النظام الغربي. وتبدو هذه الرؤية إشارة مباشرة إلى الأوروبيين بأنهم مطالبون بتقليل اعتمادهم الأمني على الولايات المتحدة، خاصة في ظل التحولات المتسارعة في موازين القوى العالمية. هذا القسم يؤكد أن الولايات المتحدة تستعد لـ "تقاسم العبء" بشكل أكثر صرامة، ويربط الأمن بالهوية، مما يظهر قلقا أميركيا عميقا يتجاوز القدرات العسكرية وصولا إلى تماسك النموذج الغربي نفسه.
تحالفات جديدة قائمة على الهوية والقيم
تتبنى الاستراتيجية الجديدة مبدأ "التحالفات المعيارية"، حيث تمنح الولايات المتحدة الأولوية للتعاون مع الدول التي تشترك معها في الهوية الحضارية والقيم السياسية، أكثر من تلك التي تتقاطع معها في المصالح وحدها. ويرى مركز "بروكينغز" أن هذا التحوّل قد يعمّق الانقسام الدولي، لأنه يعيد اصطفاف الدول وفق اعتبارات أيديولوجية وثقافية، بدلا من المنطق البراغماتي الذي حكم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة. هذا التحول يمثل عودة إلى الاصطفافات الأيديولوجية والثقافية، مما قد يعمّق الانقسام بين المعسكرات الدولية، على حساب العلاقات القائمة على المصالح المادية وحدها.
عالم متعدد الأقطاب.. ومع ذلك مضطرب
توضح الاستراتيجية أن العالم يتجه نحو تعددية قطبية مضطربة، حيث تزداد القوى المؤثرة وتتناقص القدرة الأمريكية على ضبط الإيقاع العالمي. وتبرز آسيا كالمسرح الرئيس للتنافس، مدفوعة بصعود الصين والهند وتوسع تأثيرهما في الاقتصاد والتكنولوجيا.
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي. وتؤكد الوثيقة أن التكنولوجيا ـ وخاصة الذكاء الاصطناعي، والبنى التحتية الرقمية، والأنظمة ذاتية التشغيل، وحروب الفضاء والفضاء السيبراني ـ ستكون الميدان الرئيس للصراع القادم. وفي هذه البيئة، تدخل أوروبا مرحلة من الشكوك العميقة حول مستقبل الضمانات الأمريكية، بينما تتزايد الدعوات لإنشاء منظومة دفاعية أوروبية أكثر استقلالا.
ويرى "تشاتام هاوس" أن العقد المقبل سيشهد تحالفات مرنة وصراعات طويلة وتنافسا أعمق بين النماذج الحضارية، في عالم تتداخل فيه القوة العسكرية مع التكنولوجيا والقيم في آن واحد. النقطة الجوهرية هنا هي أن "من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل". هذا يرفع من قيمة "التنافس التكنولوجي" ليصبح مساويا في الأهمية للتنافس العسكري والجيوسياسي.
بداية عصر جديد من التنافس الشامل.. واستشراف لمستقبل مضطرب
تكشف استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 أن الولايات المتحدة ترى نفسها في قلب صراع طويل على هوية النظام الدولي. فالصين خصم حضاري شامل، وروسيا تهديد يمكن ضبطه، وأوروبا حليف يحتاج إلى إعادة تأهيل، بينما تتحول التكنولوجيا إلى الركيزة المركزية للقوة في القرن الحادي والعشرين.
وتشير هذه الرؤية إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى تركيز جهودها على آسيا، باعتبارها محور التنافس الحاسم. وهذا سيقود على الأرجح إلى تراجع نسبي للدور الأميركي في أوروبا والشرق الأوسط، ما قد يخلق فراغات استراتيجية لن تستطيع القوى المتوسطة ملأها بسهولة.
أما على المدى البعيد، فإن العالم يبدو أنه متجه نحو نظام متعدد الأقطاب لكنه عالي التوتر، حيث تتداخل المنافسة في ثلاثة مجالات رئيسية: التكنولوجيا الفائقة، والموارد الاستراتيجية، والتحالفات القائمة على الهوية الثقافية والقيم.
وإذا لم تُطوَّر آليات دولية لإدارة هذا التنافس، فإن العالم قد يدخل مرحلة "اللاسلم واللاحرب المستدامة" التي يتوقعها العديد من الباحثين في الأمن الدولي مرحلة لا تشهد حروبا كبرى، لكنها لا تعرف سلاما مستقرا كذلك.
إن هذه الاستراتيجية، في جوهرها، ليست وثيقة أمنية فحسب، بل خريطة للعالم القادم: عالم تتقاطع فيه الجغرافيا مع التكنولوجيا، ويتنافس فيه المنطق الحضاري مع المصالح الاقتصادية، وتعود فيه القوة إلى معناها الأكثر تعقيدا: من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل.
السيناريو المستقبلي المتوقع هو نظام عالمي غير مستقر، حيث تكون المنافسة المستمرة هي القاعدة الجديدة، بدلا من السلام المستدام.