لطالما كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) رائدة في مجال البحث والتطوير، إلا أن ممارساتها في الاستحواذ على البرمجيات وثقافتها المؤسسية باتت متأخرة عن وتيرة التطور السريع في قطاع التكنولوجيا التجارية، وفقاً لمتخصصين أمريكيين في الاستشارات الدفاعية والتقنية.

حجم الإنفاق على البرمجيات لا يشكل سوى 1% من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية

وقال ويليام سي غرينوالت، وسامانثا كلارك، وغريغ ليتل، في مقال مشترك بموقع مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية: يشكّل هذا التفاوت تهديداً للأمن القومي الأمريكي، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في آليات تبنّي البرمجيات التجارية المتقدمة واستغلال إمكانياتها في إحداث التحولات الاستراتيجية".

قدرات البرامج التجارية في الأمن القومي

تشهد مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والاستقلالية الافتراضية والحوسبة المتقدمة طفرة تقودها الشركات التجارية. 

وأحدثت هذه التطورات ثورة في طريقة إدارة الأعمال عالمياً، حيث أتاحت معالجة كميات هائلة من البيانات المتدفقة عبر مجموعة متزايدة من أجهزة الاستشعار على الأرض وفي الفضاء.

ووفق التقرير، فإن جوهر هذه الثورة يكمن في التفاعل المتنامي بين الإنسان والبرمجيات، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأمن القومي.

وفي بيئات العمليات العسكرية الحديثة، يواجه الأفراد تدفقاً هائلاً من المعلومات المستمدة من مصادر متعددة، مثل الأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار الأرضية ووسائل التواصل الاجتماعي، ونظراً لأن هذا الكم من البيانات يتجاوز القدرة البشرية على المعالجة، فإن دمج البرمجيات الذكية يصبح ضرورة حتمية لتحويل هذه البيانات الأولية إلى معلومات قابلة للتنفيذ بسرعة ودقة. 

DoD should fully embrace "commercial software, not just as a way to save costs, but as a strategic imperative to stay ahead of adversaries."

Greenwalt, Clark & Little, on the evolving importance of software to the DoD.@TheNatlInterest
https://t.co/PSeFEwevfD

— Shahriyar Gourgi (@ShahriyarGourgi) March 11, 2025

هذه العلاقة التكاملية بين العقل البشري ("الخلايا العصبية") والتكنولوجيا ("الإلكترونات") تمثل الأساس لتعزيز سرعة وكفاءة اتخاذ القرارات في البيئات العملياتية المعقدة.

المزايا العملياتية والتنافسية العالمية وأوضح معدو التقرير أن تبني البرمجيات التجارية في العمليات الدفاعية يوفر مزايا عملية ملموسة. فخلال عمليات الإجلاء من أفغانستان، طوّرت وحدة "كيسل رن" Kessel Run التابعة للقوات الجوية الأمريكية أدوات برمجية ساعدت في تنسيق القرارات في الوقت الفعلي، مما يعكس مدى فعالية الحلول البرمجية المرنة في المهام الحرجة.
أدركت القوى المنافسة هذه المزايا جيداً واستثمرت بكثافة في قدرات عسكرية تعتمد على البرمجيات. تسعى الصين إلى الهيمنة على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، حيث تدمج التقنيات التجارية بسلاسة في التطبيقات العسكرية، بينما تطوّر روسيا طائرات مسيّرة قاتلة وأنظمة روبوتية متقدمة قائمة على البرمجيات لتعزيز تفوقها في ساحات القتال.
وللحفاظ على تفوقها الاستراتيجي، يرى معدو التقرير أنه يتعين على وزارة الدفاع الأمريكية تسريع عملية تبني الحلول البرمجية التجارية المتطورة. الكفاءة المالية وقابلية التوسع

وأضاف التقرير: إلى جانب التحسينات العملياتية، توفر البرمجيات التجارية كفاءة مالية كبيرة، فبخلاف الأنظمة الحكومية التقليدية التي تتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً للتطوير، تتطور الحلول التجارية بسرعة مدفوعة بديناميكيات السوق والابتكار المستمر. 

DoD should fully embrace "commercial software, not just as a way to save costs, but as a strategic imperative to stay ahead of adversaries."@AEI's William C. Greenwalt, Samantha Clark, and Greg Little on the evolving importance of software to the DoD.https://t.co/ANEvYVYSHX

— AEI Foreign Policy (@AEIfdp) March 10, 2025

وهذا يسمح للبنتاغون بالوصول إلى أحدث التقنيات دون تحمل التكاليف الباهظة والتأخيرات التي تصاحب عمليات التطوير الداخلية. 

وأثبتت مبادرة "كيسل رن" أن اعتماد ممارسات البرمجيات التجارية يمكن أن يؤدي إلى توفير كبير وتحسينات جوهرية في الأنظمة الدفاعية.

الاستحواذ على البرمجيات

ورغم الفوائد الواضحة، ما تزال ممارسات البنتاغون في اقتناء البرمجيات مقيدة بالنهج التقليدي. 

وأشارت مسودة مذكرة صادرة عن وزير الدفاع إلى ضرورة الانتقال من نموذج يرتكز على الأجهزة إلى نموذج "الحرب بالبرمجيات"، والذي يستفيد من التطورات التكنولوجية التجارية.

وتدعو هذه التوجيهات إلى تبني "مسار الاستحواذ على البرمجيات" كآلية رئيسة لتطوير البرمجيات، وإلى تفضيل الحلول التجارية والاستراتيجيات التعاقدية التي تتيح سرعة في عمليات الاستحواذ.
لكن العقبات الثقافية ما تزال قائمة، حيث يفضّل العديد داخل البنتاغون تطوير البرمجيات داخلياً للحفاظ على السيطرة على الملكية الفكرية، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تباطؤ العمليات وإضعاف القدرة على مجاراة التطورات التكنولوجية.
يشار أن حجم الإنفاق على البرمجيات لا يشكل سوى 1% من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، أي نحو 5 مليارات دولار، مقارنة بإنفاق الشركات التكنولوجية الرائدة، الذي بلغ إجماليه 227 مليار دولار في عام 2023.
هذا التفاوت يؤكد الحاجة الملحّة إلى استغلال الابتكارات الخارجية لتعزيز القدرة التنافسية للبنتاغون، حسب التقرير.

تبني نماذج استحواذ أكثر مرونة

لمعالجة هذه التحديات، يقول معدو التقرير، يمكن للبنتاغون الاستفادة من نماذج ناجحة داخل منظومتها الدفاعية. فقد اعتمدت قوات العمليات الخاصة الأمريكية عمليات اقتناء مرنة تركز على التعاون بين المشغلين العسكريين والشركات التكنولوجية، مما يتيح تعديلات فورية ودمجاً سريعاً للتقنيات المتطورة.
يعزز هذا النهج المرونة والاستجابة السريعة، مما يمكّن القوات من التكيف الفوري مع التهديدات والاحتياجات العملياتية المتغيرة.
كما يُعد مشروع "كيسل رن" للقوات الجوية الأمريكية نموذجاً رائداً يُظهر كيف يمكن أن يؤدي اعتماد مبادرة ممارسات البرمجيات التجارية إلى تطوير حلول أكثر كفاءة، مما يعزز من القدرات العملياتية ويضع معايير جديدة لمختلف الفروع العسكرية.

الحاجة إلى تحول ثقافي وإجرائي

وذكر التقرير أن ضرورة تحديث عمليات الاستحواذ على البرمجيات لدى وزارة الدفاع الأمريكية لم تعد محل نقاش، بل باتت أمراً حتمياً.
وتبني الحلول البرمجية التجارية لا يعزز الكفاءة العملياتية فحسب، بل يحقق أيضاً وفورات مالية كبيرة وقابلية للتوسع.
لكن تحقيق هذا التحول يتطلب التغلب على العقبات الثقافية وإعادة تعريف استراتيجيات الاستحواذ لتكون أكثر مرونة وابتكاراً.
من خلال تعزيز ثقافة تثمّن التعاون مع القطاع التجاري وتبنّي نماذج استحواذ مرنة، يمكن للبنتاغون الاستفادة القصوى من إمكانات البرمجيات الحديثة، مما يضمن بقاء القدرات الدفاعية الأمريكية متقدمة وقادرة على الاستجابة السريعة للتحديات الأمنية في عالم يتسم بالتعقيد المتزايد.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الولايات المتحدة البنتاغون وزارة الدفاع الأمریکیة

إقرأ أيضاً:

زلزال في هوليوود.. نتفليكس تدخل عالم الاستوديوهات الكبرى عبر بوابة وارنر براذرز

أنهت شركة نتفليكس سباق الاستحواذ على واحدة من أكبر شركات الإعلام في العالم، بعد التوصل إلى اتفاق لشراء وارنر براذرز ديسكفري مقابل 83 مليار دولار، في خطوة تعد الأضخم في تاريخ قطاع البث الرقمي، وتمثل دخول نتفليكس للمرة الأولى إلى عالم الاستوديوهات السينمائية الكبرى.

محمد كريم برفقة فان ديزل في مهرجان البحر الأحمر أيقونة هوليوودالبابا لنجوم هوليوود: السينما ورشة عمل للأمل في زمن عدم اليقين
خلفية الصفقة وتفاصيل المنافسة


شهدت الأسابيع الماضية منافسة محتدمة بين نتفليكس، وباراماونت، وكومكاست للاستحواذ على أصول وارنر. وكانت باراماونت أول من تقدّم بعرض رسمي بقيمة 27 دولارًا للسهم نقدًا، في صفقة كاملة مدعومة بتمويل من ثلاثة صناديق سيادية من الشرق الأوسط.


ورغم ضخامة عرض باراماونت، فضّلت وارنر مواصلة المفاوضات مع نتفليكس، التي ركّز عرضها على الاستوديوهات وخدمة البث HBO Max، ليُحسم القرار في نهاية المطاف لصالح عملاق البث العالمي.


خطط إعادة الهيكلة داخل وارنر


وبالتوازي مع مسار الصفقة، بدأت وارنر براذرز ديسكفري التحضير لتقسيم شبكات الكابل التابعة لها، بما يشمل CNN وTBS وTNT وDiscovery، في خطوة تهدف إلى إعادة ترتيب الأصول قبل إتمام عملية البيع.


تحول استراتيجي في صناعة الإعلام


تملك نتفليكس اليوم أكثر من 300 مليون مشترك حول العالم، ويُتوقع أن يُحدث الاستحواذ طفرة غير مسبوقة في قدرتها الإنتاجية والتنافسية، خاصة مع إضافة مكتبة محتوى ضخمة وقاعدة مشتركي HBO Max التي تضم قرابة 130 مليون مشترك.


ويمثل هذا التوسع أول دخول مباشر لنتفليكس إلى السوق التقليدية لصناعة السينما عبر الاستوديوهات الكبرى، ما يمنحها نفوذًا واسعًا في مجالات الإنتاج والتوزيع.


اعتراضات وتحذيرات


ورغم الزخم الكبير المصاحب للصفقة، تواجه الخطوة معارضة قوية داخل الولايات المتحدة. فقد وجّه عدد من المنتجين رسالة مفتوحة إلى الكونغرس، حذّروا فيها من أن استحواذ نتفليكس سيؤدي إلى تقويض صناعة السينما التقليدية وتقليص عدد الأفلام المخصصة للعرض في دور السينما.


وقال المنتجون في رسالتهم: "ليس لدى نتفليكس أي مصلحة في دعم الإصدار السينمائي… بل لديها مصلحة حقيقية في إلغائه."


كما يتوقع خبراء السوق أن تخضع الصفقة لمراجعة تنظيمية صارمة من هيئات مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة وأوروبا، نظرًا لتأثيرها المحتمل على المنافسة داخل سوق البث الرقمي.


وارنر.. نجاحات متواصلة في شباك التذاكر


تأتي عملية الاستحواذ في وقت تعيش فيه وارنر فترة انتعاش فني وتجاري، بعدما حققت ثمانية أفلام متتالية نجاحات كبيرة في شباك التذاكر. ومن أبرزها فيلم "Sinners" وفيلم "The Battle of the Bulge" للمخرج بول توماس أندرسون، المتوقع دخولهما سباق جوائز الأوسكار.

طباعة شارك شركة نتفليكس سباق الاستحواذ وارنر براذرز وارنر براذرز ديسكفري قطاع البث الرقمي

مقالات مشابهة

  • قوات الدعم السريع تسيطر على حقل هجليج الاستراتيجي.. ما دلالات الخطوة على الحرب في السودان؟
  • ملتقى بجامعة السلطان قابوس يؤكد أهمية إعادة تشكيل التعليم لمواكبة متطلبات المستقبل
  • تقرير: تخزين أميركا المعادن النادرة لأغراض عسكرية يهدد حلول المناخ
  • محافظ اربيل: أرض مصفاة لاناز لم يتم الاستحواذ عليها وحصيلة الحادثة 6 ضحايا
  • وزير الخارجية يؤكد التزام مصر الاستراتيجي الراسخ بدعم الصومال وتعزيز الأمن بالقرن الإفريقي
  • الولايات المتحدة تطالب أوروبا بتحمل العبء الدفاعي الأكبر داخل الناتو بحلول 2027
  • الاستشراف الاستراتيجي
  • زلزال في هوليوود.. نتفليكس تدخل عالم الاستوديوهات الكبرى عبر بوابة وارنر براذرز
  • نيويورك تايمز تقاضي البنتاغون بسبب سياسة تقيّد حرية العمل الصحفي
  • أوكيو لشبكات الغاز تستحوذ على خط أنابيب نقل الغاز غزير