عُمان هوية بين الماضي والحاضر
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
بقلم الطالبة: العذراء المطاعنية
تسارعت عجلة الزمن وبدأت تتغير المفاهيم بوتيرة مذهلة مع بروز تكنولوجيا وتطور رقمي هائل. المجتمع العماني، في زمن ليس ببعيد، يُعد من المجتمعات ذات الأصول الثابتة، محافظاً على عاداته الأصيلة، ومتماسكاً كنسيج السعف في مشغولاته التقليدية. كما أن الإنسان العماني يتمتع بهوية متجذرة بعمق التاريخ، مثل جذور شجرة اللبان، وتدفق مياهها في الوديان والخلجان.
هذا التسارع الحثيث في التغيرات يضعنا أمام تحديات جديدة للحفاظ على هذه الهوية المتينة. في عالم أصبحت فيه الكرة الأرضية قرية صغيرة، أصبحت التكنولوجيا الحديثة وسيلة للتواصل والتفاعل بطرق لم تكن ممكنة من قبل. ولكن يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن لعمان أن تحافظ على هوية هذا النسيج الرائع وسط أمواج التغيير الرقمي؟
هذا هو الهدف الذي نسعى لاستكشافه في هذا المقال، حيث سنناقش كيف يمكن للمواطنة الرقمية أن تكون جسراً بين الأصالة والحداثة، وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تدعم الهوية الثقافية دون المساس بجوهرها العميق.
المواطنة قديماً وحديثاً:
تُعرف المواطنة على أنها العلاقة بين الفرد والدولة، والتي تتضمن مجموعة من الحقوق والواجبات المتبادلة. إنها مفهوم راسخ في المجتمعات التقليدية، حيث يتعين على المواطنين احترام القوانين والمساهمة في بناء المجتمع والحفاظ على هويته الثقافية والاجتماعية. كانت المواطنة تُعتبر حجر الزاوية في الهوية الوطنية، تربط الأفراد بأرضهم وتاريخهم وتقاليدهم.
ومع التطور التكنولوجي الذي اجتاح العالم تغيرت المفردة وأخذت شكلاً مختلفاً من المفهوم التقليدي المعروف قديماً. فعصر الرقمنة أظهر مفهوم "المواطنة الرقمية" وهذا المفهوم يتجاوز الحدود المكانية والزمانية ليشمل حقوق الأفراد وواجباتهم في الفضاء التكنولوجي الرقمي. وكيفية التعامل والاندماج مع المجتمعات الافتراضية؛ فوفقاً لتعريف كارين موسبيرجر يقول:" أولئك الذين يستخدمون الإنترنت بانتظام وفعالية". حيث أصبحت المواطنة الرقمية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية؛ من حيث اعتماد الأفراد على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي للتواصل والتعلم والعمل والتسلية.
إن أخذنا المفهوم من عدة أوجه من التغيرات فنبدأ من تغير مفهوم الهوية إلى الهوية الرقمية التي تبنى على وجود الأفراد على الانترنت ونشاطهم. بدلاً من الهوية التي تُبنى على أساس المكان والتقاليد. فأصبح التأثير والتأثر أكبر وأسرع في الوقت نفسه.
وإن أخذنا الجانب من حيث المسؤوليات الرقمية التي تعتبر احتراما للائحة القوانين والضوابط في عالم التكنولوجيا والرقمية من تجنب الأنشطة الضارة كالقرصنة الإلكترونية ونشر الشائعات والأخبار الكاذبة. ليكون المجتمع جدول نهر صافٍ يُمد المحصول بالمياه العذبة ويوفر بيئة أخصب وأغنى محصولاً.
كان مفهوم التفاعل الاجتماعي يدور حول الأسواق والمساجد والمناسبات، أما اليوم ففتحت المواطنة الرقمية باباً أوسع لآفاق أرحب من الثقافات والهويات كي تتفاعل وتتبادل وجهات النظر وأوجه الشبه والاختلاف من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات الرقمية.
الثقافة الرقمية:
في العصور الماضية، كانت الثقافة العمانية تتجسد في القيم والتقاليد المتوارثة جيلاً بعد جيل، حيث كانت المعرفة تنتقل عبر الحكايات الشفوية والكتب التقليدية. كانت المجتمعات تعيش بروح الجماعة والتعاون، وكانت القيم الثقافية تتناغم مع الحياة اليومية، مما يعزز من الهوية الوطنية والاعتزاز بالثقافة والهوية الوطنية.
ومع دخول العالم إلى عصر التكنولوجيا، شهدت الثقافة العمانية تحولًا جذريًا. أصبحت التكنولوجيا والتطور الرقمي جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. تُعد الثقافة الرقمية اليوم محورًا أساسيًا، حيث تمثل عملية تعليم وتدريس كل ما يتعلق بالتكنولوجيا واستخداماتها وكيفية عملها. تهدف هذه العملية إلى تمكين الأفراد من الاستفادة القصوى من التكنولوجيا بطرق ملائمة ومبتكرة.
من الضروري أن يتعلم الأفراد كيفية التعامل مع التكنولوجيا بشكل صحيح قبل استخدامها. يشمل ذلك التحقق من دقة وصحة المعلومات وتقييم المصادر المختلفة على الشبكة العنكبوتية، حيث يُعد هذا الأمر من الركائز الأساسية للثقافة الرقمية. إن نشر المعلومات الصحيحة على مواقع التواصل الاجتماعي يحافظ على مصداقية المحتوى الرقمي ويعزز من قيمته.
ولا يمكن إغفال دور كشف وتطوير أنماط التعلم عبر الإنترنت والتعلم عن بعد. إن هذا النهج يفتح آفاقًا جديدة للتعلم وتوفير فرص تعليمية متكافئة للجميع، بغض النظر عن الموقع الجغرافي. يأتي دور المعلمين هنا ليكون حاسمًا في توظيف التكنولوجيا بطرق جديدة ومبتكرة، بهدف تحفيز تعلم الطلاب و تعزيز الهوية الوطنية لديهم وتنمية مهاراتهم بما يتوافق مع متطلبات القرن الحادي والعشرين.
كما تُعد عملية توفير محتوى رقمي دقيق ذي صلة بمجالات تعليمية متنوعة جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الرقمية. إن المحتوى الرقمي الذي يتمتع بالجودة والمصداقية يعزز من فعالية العملية التعليمية ويسهم في إعداد جيل قادر على التفاعل بكفاءة مع التطورات التكنولوجية الحديثة.
وبالرغم من التغيرات الكبيرة التي جلبتها التكنولوجيا، إلا أن هناك أوجه شبه بين الثقافة القديمة والحديثة. تستمر القيم الأساسية مثل الاحترام والأمانة والتعاون في تشكيل نسيج المجتمع، ولكن تختلف الأدوات والأساليب المستخدمة لتحقيق هذه القيم، إذ أصبحت التكنولوجيا تلعب دورًا محوريًا في تعزيز وتطوير الثقافة.
تساعد الثقافة الرقمية في تعزيز الهوية الوطنية بطرق مبتكرة، مثل استخدام الوسائط الرقمية لنشر التراث الثقافي والترويج للقيم الوطنية. ومع تبني هذه الثقافة، يمكن للمجتمع أن يستفيد من الفوائد العديدة التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة، مع الحفاظ على القيم والأخلاقيات التي تشكل جوهر هويتنا.
الذكاء الاصطناعي والمواطنة الرقمية: جسور لنشر هوية السلطنة وعاداتها
في عصر التكنولوجيا والتطور الرقمي، يعتبر الذكاء الاصطناعي والمواطنة الرقمية أدوات حيوية يمكن توظيفها لنشر هوية السلطنة وعاداتها الثقافية الغنية. بفضل التطورات التكنولوجية الحديثة، أصبحت الفرص متاحة لتعزيز الوعي الثقافي وإبراز التراث العماني بطرق مبتكرة وفعالة.
يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات لنشر هوية السلطنة:
الترجمة الآلية: يمكن استخدام أنظمة الترجمة الآلية لترجمة المحتوى الثقافي والتاريخي إلى لغات متعددة، مما يسهل وصوله إلى جمهور عالمي. هذا يسهم في تعزيز فهم الثقافات الأخرى للعادات والتقاليد العمانية.
تحليل البيانات: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات المتعلقة بالتراث الثقافي والتفاعل مع الجمهور. يمكن استخدام هذه المعلومات لإنشاء محتوى مخصص يلبي اهتمامات الجمهور ويعزز من انتشار الهوية العمانية.
التعليم الإلكتروني: يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير منصات تعليمية مبتكرة تقدم دروسًا تفاعلية حول التراث الثقافي والتاريخ العماني. يمكن لهذه المنصات أن تكون أداة فعالة في تعليم الأجيال الجديدة عن هوية السلطنة.
أما المواطنة الرقمية، فهي تُعد عنصراً أساسياً في نشر الهوية الثقافية بطرق مسؤولة ومؤثرة:
إنتاج المحتوى الرقمي: يمكن للمواطنين إنشاء محتوى رقمي يعكس الثقافة العمانية، مثل الفيديوهات والصور والمقالات. يمكن نشر هذا المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الفهم والتقدير العالمي للهوية العمانية.
الوعي الرقمي: تشجيع المواطنين على تبني السلوكيات الرقمية الصحيحة والوعي بمخاطر النشر غير المسؤول. يمكن توعية الناس بأهمية حماية التراث الثقافي من التشويه الرقمي وتجنب نشر المعلومات المغلوطة.
المشاركة المجتمعية :يمكن تحفيز المواطنين على المشاركة في الفعاليات الرقمية التي تعزز من الهوية العمانية، مثل الندوات الافتراضية والمسابقات الثقافية عبر الإنترنت. تسهم هذه الفعاليات في تعزيز الشعور بالفخر والانتماء للثقافة الوطنية.
إن تعزيز الثقافة الرقمية يتطلب التوعية المستمرة والتكيف مع التغيرات السريعة في عالم التكنولوجيا. ومع تبني هذه الثقافة، يمكن للمجتمع أن يستفيد من الفوائد العديدة التي تقدمها التكنولوجيا الحديثة، مع الحفاظ على القيم والأخلاقيات التي تشكل جوهر هويتنا.
في النهاية، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على الهوية الوطنية خاصة لدولة عريقة تاريخاً وأمجاداً كعُمان؛ لتحقيق مستقبل مزدهر يجمع بين الأصالة والحداثة في آن واحد. فهل يمكننا استخدام التكنولوجيا الحديثة دون أن نفقد جوهر هويتنا الثقافية؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مسرح الطفل وتحديات التكنولوجيا
آخر تحديث: 15 ماي 2025 - 12:17 مد. بهاء محمود علوان يُعدُّ مسرح الطفل من الفنون التي تعكس تطلّعات وأحلام الأطفال. يتمتع هذا الفن بأهمية خاصة لأنّه ينقل قيماً تربويّة وثقافيّة بطريقة جذّابة. ويجسّد مسرح الطفل العالمي تطوراً مستمراً عبر السنين. ومن الضروري معرفة العوامل التي أسهمت في تطور مسرح الطفل، وتأثير هذا المسرح على المجتمع. ومن الضروري إلقاء الضوء على رواد مسرح الطفل، الذين تركوا بصمة واضحة في نشأة وتطوير هذهِ الحركة المسرحيّة المهمة. ويعود تاريخ مسرح الطفل إلى قرون مضت.ومع ذلك، برزت أشكال جديدة للتعبير المسرحي خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. حيث أدرك المعلّمون والمربّون ومنتجو المسرح حاجة الأطفال إلى الحصول على تجارب ثقافيّة مخصصة لهم. هذا الجانب التربوي كان شغلاً شاغلاً للمربي التربوي عبد الجبار حسن. وقد شكلت مسرحيات الأطفال جزءاً من المناهج التعليميّة، مما أدى إلى دمج الفن في الحياة اليوميّة للأطفال. هذا التطور لم يكن عفويّاً، بل جاء نتيجة لتفاعل الفكر الاجتماعي والثقافي مع الاحتياجات النفسيّة للأطفال. هناك العديد من الرواد العالميين الذين أسهموا في تشكيل مسرح الطفل، منهم أوغوست ويلموز، الذي يعد من الشخصيات الرئيسية في هذا المجال، فقد قدم مسرحيات تتميز بالبصريّة والجاذبيّة، مما ساعد على جذب انتباه الأطفال. كما أسهمت ماريون هيرش في استخدام الوسائل التربويّة في مسرح الأطفال من خلال تطوير تقنيات تسهم في تعزيز الخيال لديهم. هذه الأسماء ليست وحدها، حيث شهدت الساحة العالميّة ظهور فنانين آخرين أسهموا بشكل كبير في تنمية هذا الفن.تتعدد أشكال المسرح التي يتم تقديمها للأطفال، من المسرح التقليدي إلى المسرح التجريبي. ويتضمن مسرح الطفل استخدام الدمى، الحركات الجسدية والموسيقى، وهي عناصر تهدف إلى إثارة خيال الأطفال وجذب إعجابهم. وتمثل هذه العناصر وسيلة فعّالة لتعليم القيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة. على سبيل المثال، قُدمت العديد من البرامج التلفزيونيّة والمسرحيات الحيَّة مناهج تعليميَّة تشمل القصص ذات العبر والدروس. كان لتأثير مسرح الطفل تأثيرات عميقة على المجتمعات. فهو يعمل على تعزيز التواصل بين الأطفال ويشجعهم على التعبير عن أنفسهم. ويعزز مسرح الطفل الثقة بالنفس ويساعد في تطوير المهارات الاجتماعية. في الآونة الأخيرة، أصبحت التقنيات الحديثة جزءاً لا يتجزأ من هذه التجربة. إذ تمَّ إدخال تقنيات الخيال العلمي المعزز والواقع الافتراضي لخلق تجارب مسرحية جديدة ومثيرة. أتاحت هذه الابتكارات للأثر الإبداعي أن يتجاوز حدود الخيال البشري، مما أعطى الأطفال فرصة لاستكشاف العوالم المختلفة بطريقة أكثر تفاعليّة. وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه مسرح الطفل، إلا أنه يواجه بعض التحديات، منها التغيرات السريعة في التكنولوجيا ووسائل الإعلام. إذ يُفضّل الأطفال قضاء وقتهم في الألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا التحول قد يؤثر في قدرتهم على الاستمتاع بالفنون التقليديَّة. ومع ذلك، فإنّ الفنانين والمربّين يعملون جاهدين لإيجاد وسائل جديدة لجذب انتباه الأطفال، وفي هذا المنحى لا بدَّ لنا من الوقوف على تجربة الفنان الرائد عبد الجبار حسن، الذي قدم العديد من المسرحيات الهادفة التي من خلالها يمكن تنمية عقليّة الطفل بشكلٍ تربوي ممنهج. فقد ركز حسن على دمج قصص الأطفال مع التكنولوجيا الحديثة لجعل التجربة أكثر جاذبية، وكانت تجربته تتطلع نحو المستقبل بإثارة. من المتوقع أن يستمر مسرح الطفل في التطور وفقاً للتغيرات الثقافية والاجتماعية. قد تثري الاتجاهات الجديدة مثل المسرح البيئي ومسرح المجتمعات المهمّشة مسرح الطفل، إذ يسعى الفنانون إلى تقديم موضوعات تعكس القضايا الاجتماعية الراهنة. يمكن أن تكون هذه التطورات مهمة في تعزيز العلاقات بين الأجيال وتعليم الأطفال حول مواضيع تجاه القضايا المجتمعيّة.وتعد تجربة عبد الجبار حسن لمسرح الطفل فناً حيوياً يعكس تطلعات الأطفال وأحلامهم. اسهم العديد من الرواد في تشكيل هذا الفن وجعله وسيلة تعليميّة ضروريّة. من خلال دمج التكنولوجيا ووسائل التعبير الحديثة، ليتمكن هذا المسرح من الاستمرار في تحقيق تأثيره التعليمي والترفيهي. ولكن مع التغيرات المتواصلة في المجتمع، يبقى السؤال حول كيفية تكييف هذا الفن ليظل قادرًا على جذب انتباه الأطفال وتحقيق أهدافه التعليمية ماثلًا أمامنا؟ لا شكَّ أنَّ الكتابة لمسرح الأطفال تُعدّ وسيلةً حيويةً للتعليم والإبداع والنمو العاطفي لدى جمهور الشباب. وتستكشف تجربة حسن أهمية الكتابة في هذا النوع المسرحي، ويُحدد تقنيات الكتابة الرئيسة، وينظر في مستقبل مسرح الأطفال في عالمٍ سريع التغيّر.يُقدّم مسرح الأطفال وسيلةً فريدةً لسرد القصص التي تلقى صدىً لدى جمهور الشباب، فهو يُوفّر مساحةً إبداعيّةً تزدهر فيها الإبداعات. تتطلب الكتابة لهذه الفئة السكانيّة نهجًا مُحدّدًا، إذ تتطلب فهمًا لعلم نفس الطفل ومراحل نموه. غالبًا ما يتفاعل الأطفال الصغار مع قصصٍ تعكس تجاربهم ومخاوفهم وتطلعاتهم، ويستجيبون لسردياتٍ سهلة الفهم ومثيرةٍ للتفكير في الوقت نفسه. لذلك، يجب على الكُتّاب الموازنة بين بساطة اللغة وعمق الموضوعات. وفي مجال مسرح الطفل العالمي شكّلت شخصياتٌ مؤثرةٌ في مسرح الأطفال المشهدَ الأدبي بشكلٍ كبير. فقد أبدع كُتّاب مسرحياتٌ مثل ب. ل. ترافرز، ومؤخرًا سارة جونز، أعمالًا تُشرك الأطفال في قضايا اجتماعية مهمة مع الحفاظ على سردٍ مُسلٍّ. رغم أن (ماري بوبينز) لترافرز كانت في البداية كتابًا، إلا أنها عُدّلت للمسرح ولا تزال تُمثّل عملًا أساسيًا. تناولت أعمالٌ معاصرة موضوعات مثل التنوع والشمول، مستمدةً من تعقيدات الطفولة الحديثة. لا يقتصر دور هؤلاء الكُتّاب على الترفيه فحسب، بل يُثقّفون أيضًا، مُعالجين قضايا واقعية يواجهها الأطفال. تتطلب الكتابة لمسرح الأطفال تقنياتٍ مُتنوعة تُعزز التفاعل والفهم. ومن أهم هذه التقنيات استخدام شخصياتٍ قريبة من قلوب الأطفال. يجب أن تتوافق رحلة الشخصية مع تجارب الأطفال. على سبيل المثال، يُتيح بطل الرواية الصغير الذي يواجه تحدياتٍ مثل التنمر أو ديناميكيات الأسرة للجمهور فرصةً للتأمل في حياتهم الخاصة. يجب على الكُتّاب السعي لخلق شخصياتٍ مُتعددة الأبعاد تُلهم المشاهدين الصغار وتُمنحهم شعورًا بالمسؤولية. علاوةً على ذلك، يلعب الحوار دورًا حاسمًا في مسرح الأطفال. يجب أن يكون جذابًا، وأصيلًا، ويعكس كيفية تواصل الأطفال. يُعدّ استخدام الفكاهة أمرًا بالغ الأهمية في بناء علاقة مع الجمهور الأصغر سنًا. على سبيل المثال، يُمكن للمزاح المرح أو الردود الذكية أن تجعل الموضوع الجاد أكثر سهولةً في الفهم. إن استخدام أساليب سردية كالتكرار أو القافية يُعزز قدرة الطفل على فهم الرسائل الرئيسية وتذكرها. وفضلًا عن الشخصية والحوار، يُعدّ بناء الحبكة جانبًا مهمًا آخر. غالبًا ما تتبع قصص الأطفال مسارًا سرديًا بسيطًا، لكن هذا لا يعني أنها يجب أن تفتقر إلى التعقيد. عند إشراك الجمهور الصغير، من الضروري تقديم موضوعات تُشجع على التفكير النقدي. يمكن أن تتضمن الحبكة الفعّالة تحديات يجب على الشخصيات التغلّب عليها، مع حلول تُقدّم دروسًا مفيدة. يُعدّ هذا التوازن بين الترفيه والتعليم سمة مميزة للكتابة المسرحية الرائعة للأطفال. علاوة على ذلك، تؤثر العناصر البصرية والسمعية بشكل كبير على مسرح الأطفال. يجب على الكُتّاب التعاون بشكل وثيق مع المخرجين ومصممي الديكور والملحنين. يمكن أن يُعزز تقاطع الكتابة مع السرد القصصي البصري موضوعات المسرحية. على سبيل المثال، يمكن أن يُساعد استخدام الأزياء النابضة بالحياة والديكورات الخيالية في ترسيخ الحالة المزاجية وإبراز اللحظات الرئيسية في السرد. يمكن للصوت والموسيقى أن يُعززا الصدى العاطفي، مما يخلق تجربة غامرة للجمهور. يتجاوز تأثير مسرح الأطفال مجرد الترفيه. يمكن أن يعزز التعاطف، ويشجع الأطفال على فهم وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظرهم. إن التفاعل مع القصص التي تُظهر الانتصار على الشدائد، والصداقة، والقبول يمكن أن يعزز التعلم العاطفي الاجتماعي. في السنوات الأخيرة، ركزت الإنتاجات بشكل متزايد على موضوعات مثل الإدارة البيئية والعدالة الاجتماعية. هذه الموضوعات تلقى صدى عميقًا لدى أطفال اليوم، وغالبًا ما تعكس وعيًا متزايدًا بالقضايا العالميّة. يحمل مستقبل مسرح الأطفال إمكانات هائلة لمزيد من التطوير. مع التقدم في التكنولوجيا والوسائط الرقميّة، يستكشف الكُتّاب صيغًا جديدة. يمكن أن يعزز دمج العناصر التفاعليّة، سواء من خلال تطبيقات الهاتف المحمول أو الواقع الافتراضي، التفاعل. يسمح هذا التحول بتواصل أكثر تخصيصًا مع تجربة سرد القصص، مما يجعل المسرح في متناول الأطفال من خلفيات متنوعة. علاوة على ذلك، مع تطور الأعراف المجتمعيّة، قد تعكس السرديات التي يتم استكشافها في مسرح الأطفال هذا التغيير. أصبحت قضايا الهوية والشمول والمجتمع محوريّة بشكل متزايد. لذلك، يجب على الكُتّاب أن يظلوا متجاوبين مع القيم المعاصرة. يتطلب هذا بحثًا دقيقًا وفهمًا دقيقًا للفئة السكانية التي يهدفون إلى مخاطبتها. في الختام، الكتابة لمسرح الأطفال مسعى متعدد الجوانب يتطلب مهارةً وإبداعًا وحساسيّة. فهو قادرٌ على التثقيف والإلهام والترفيه، مع معالجة تعقيدات الطفولة.من خلال استخدام أساليب كتابة فعّالة، مثل الشخصيات المترابطة، والحوارات الجذابة، وبنية الحبكة المدروسة، يستطيع الكُتّاب صياغة سرديات تلقى صدىً عميقًا لدى جمهور الشباب. ومع تقدمنا في بيئة سريعة التغير، ستزداد أهمية مسرح الأطفال، مما يتيح استكشاف أفكار وموضوعات جديدة تستحق الاهتمام والنقاش. يحمل المستقبل تطورات واعدة من شأنها أن تُشكّل الأجيال، وتُحدث تأثيرًا دائمًا على كيفية إدراك الأطفال للعالم من حولهم. لذلك، فإن تعزيز تقليد حيوي في كتابة مسرح الأطفال أمرٌ أساسيٌّ لتنشئة مواطنين مستقبليين مُفكّرين ومتعاطفين.