فلسطين.. رمضان آخر في ظل العدوان والضنك الاقتصادي
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
أحدهم تحول إلى بائع عصائر، وآخر إلى بائع قطايف، وثالث إلى بائع مخللات، ورابع يجول بسيارته عارضا بعضا من الخضار وخامس يبيع القهوة وسادس يبيع الحلويات.. إلخ، وبين البائع والآخر مسافات قصيرة تقل عن عشرات الأمتار أحيانا، سعيا منهم إلى توفير حد أدنى من المال يعولون به أسرهم بعد انقطاع طويل عن عمل اعتادوا عليه سنوات طويلة.
هذا هو حال العمال الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين كانوا يعملون داخل إسرائيل، ومنعوا من إلى العودة إلى أماكن عملهم في ظل استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يقول عمر (33 عاما)، ويعمل بائع مخللات، إنه كان يعمل لدى مقاول من فلسطينيي 48، ويتقاضى أجرا لا يقل عن 400 شيكل يوميا (نحو 110 دولارات)، لكنه اليوم بلا دخل وبالكاد يحقق أرباحا لا تتجاوز 15 دولارا من خلال عرض بضاعته قبيل الإفطار.
وأضاف: "كما ترى الباعة كثر، والمنافسة كبيرة، والجميع يريد البيع بأقل ربح كي يوفر قوت عياله" لافتا إلى أنه لم يتقاض أي دعم مالي من أي جهة طوال فترة تعطله عن علمه.
وتابع: "في غير رمضان أعتمد على العمل الحر المتقطع حسب المتاح، لكن الظروف قاهرة وسلة رمضان مكلفة".
وأسوة بآلاف آخرين، ظل يعمل محمود الحج (45 عاما) في قطاع البناء داخل إسرائيل منذ نحو 20 عاما، وحتى طرد العمال الفلسطينيين من أماكن عملهم، وكان يتقاضى شهريا مبلغا لا يقل عن 7 آلاف شيكل (نحو 1800 دولار)، لكن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لم يتمكن من العودة إلى مكان عمله.
إعلانعن كيفية تدبير أموره يقول إنه يعتمد في شراء احتياجاته على بقالة قريب له، فتراكمت عليه الدين بشكل لا يفوق قدرة صاحب البقالة على الاحتمال، مما اضطره إلى المغامرة مجددا للعمل في إسرائيل من خلال تسلق الجدار العازل "اشتغلت نحو شهرين وسددت بعض الديون وأبقيت مصروفا للعيد".
أما عن أغلب إفطار أسرته فيقول إنه يعتمد على الأطباق المحلية مثل ورق العنب المخزن من الربيع، والزهر والملفوف المنتجان محليا والفاصولياء وأحيانا دجاج "أما اللحوم فلم تدخل منزلي لارتفاع سعرها إلى 110 شواكل (نحو 30 دولارا) للكيلوغرام الواحد، أي أنني بحاجة إلى 100 دولار لإعداد وجبة منسف للأسرة".
يشير العامل الفلسطيني إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم يقابله انخفاض كبير في أسعار الخضار "لكن الناس جيوبها فارغة ولا يوجد لديهم أموال".
وفق معطيات للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين نشرها، أواخر فبراير الماضي، فإن قرابة 507 آلاف عامل عاطلون اليوم عن العمل، بينهم نحو 200 ألف كانوا يعملون داخل إسرائيل، مشيرا إلى أن خسائر العمال الفلسطينيين منذ بداية الحرب تقدر بـ6 مليارات دولار.
كما استشهد 56 عاملا فلسطينيا خلال 2024 أثناء محاولتهم الوصول أو العودة من أماكن عملهم، وفق الاتحاد الذي يؤكد تجاوز عدد العمال المعتقلين منذ بداية العام الحالي حاجز الـ600 عامل، حيث يعتقل العمال بمداهمات قوات الاحتلال لأماكن عملهم والتنكيل بهم في مراكز التوقيف، وفرض غرامات باهظة عليهم، وعلى أصحاب العمل.
بالتوازي مع حالة الضنك التي يعيشها العمال، للعام الثاني على التوالي، تستمر الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية لتلقي بظلالها على التزامات الحكومة تجاه موظفيها، فقد صرفت الحكومة في 5 مارس/آذار الجاري 70% من رواتب موظفيها عن شهر يناير/كانون الثاني، وهو ما ألقى بظلاله على استقبال الموظفين الفلسطينيين لشهر رمضان المبارك.
إعلانووفق محمد الناجي (معلم) فإن الحكومة مدينة للموظفين براتب عدة شهور حيث تدفع رواتب منقوصة منذ عدة سنوات، وهو ما أثر سلبا على قطاع الموظفين حتى وإن كان الحد الأدنى المدفوع حاليا يغطي أغلب الموظفين.
وقال إن أثر نسبة الـ70% من الراتب أو الحد الأدنى وهو 3500 لا يكاد يظهر لتراكم الديون وأقساط البنوك على أغلب الموظفين.
وذكر أن ظروف الموظفين في رمضان هذا العام لا تقل سوءا عن ظروفهم في رمضان الفائت وإن كانت من الناحية النفسية أفضل لتوقف العدوان على غزة.
وتابع أن الحد الأدنى لاحتياج أسرة متوسطة من الطعام في رمضان لا يقل عن ألف دولار، وهذا مبلغ لا يتقاضاه أغلب الموظفين الحكوميين، يضاف إليها التكاليف الناتجة عن زيارة الأرحام وكسوة العيد وغيرها.
ترد أمني
وبالتزامن مع الوضع الاقتصادي المتردي، يعيش فلسطينيو الضفة ظروفا أمنية صعبة، خاصة مع الاقتحامات شبه اليومية للمدن والقرى والمخيمات والتي يتخللها إطلاق نار وقنابل غازية وفي كثير من الأحيان تستبق وقت الإفطار وينتج عنها إصابات.
وفي شمالي الضفة، يواصل الاحتلال إبادة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث وسع عملياته العسكرية في الضفة الغربية بالتزامن مع بدء عدوانه على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك الاقتحامات والملاحقة والاعتقال والتدمير، فيما صعد المستوطنون من اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم.
واشتدت الحملة الإسرائيلية منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بتهجير قرابة 40 ألف فلسطيني من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس شمالي الضفة، وسط ظروف إنسانية صعبة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية يفتتح المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء: «ارحموا عجز أهل غزة» ودعوة لإنسانية ضمير العالم وتحذير من استغلال الذكاء الاصطناعي في العدوان على فلسطين
مفتي الجمهورية يفتتح المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء..ويؤكد:
"ارحموا عجزَ أهلِ غزَّة".. مفتي الجمهورية يوجِّه نداءً إنسانيًّا إلى أصحاب الضمائر الحيَّة في الشرق والغرب
- إذا انفصل الذكاء الاصطناعي عن القيم تحوَّل إلى أداة قمعٍ وعدوان
- غزة ليست مجرد مأساة إنسانية بل اختبار فقهي وأخلاقي يفضح صمتَ الضمير العالمي
- ما يحدث في غزة يكشف خطورة تسليح الذكاء الاصطناعي دون ضوابط
- على علماء الأمة أن يدركوا أن نصرة غزة ليست خيارًا سياسيًّا، بل فريضةٌ وواجب أخلاقيٌّ
- مصر تؤدي واجبها تجاه فلسطين بوعي وشرف رغم حملات التشويهافتتح فضيلةُ أ.د نظير محمد عيَّاد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- فعاليات المؤتمر العالمي العاشر للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء، الذي يُعقد هذا العام تحت عنوان: «صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي». ورحَّب مفتي الجمهورية بالضيوف من مختلف دول العالم، مُعبِّرًا عن اعتزازه الكبير بالرعاية الكريمة التي يُوليها فخامةُ الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا الحدث العِلمي المتميز، مؤكدًا أنَّ الرعاية تمثل دعمًا مستمرًّا من القيادة السياسية لمسيرة الإفتاء الرشيد، وتهيئة بيئة علمية متقدمة تُعِدُّ جِيلًا جديدًا من المُفْتينَ القادرين على مواكبةِ التحولات الرَّقْمية وتِقنيات الذكاء الاصطناعي.
كما أوضح مفتي الجمهورية أنَّ العالم اليوم يشهد تحوُّلات غير مسبوقة بفِعل ثورة الذكاء الاصطناعي، التي أثَّرت بشكل جذري على مختلف المجالات، مثل الطب والتعليم والإدارة، وفتحت آفاقًا جديدة للبحث العلمي وتطوير العمل المؤسسي، ولكنه شدَّد على أنَّ هذه التطورات التقنية تستوجب توظيفًا مسؤولًا يخدم الإنسانية، خصوصًا في مجال الفتوى التي تتطلَّب توازنًا دقيقًا بين المرجعية الشرعية وأدوات العصر الرقمي. وأشار إلى أن الخطر يكمن في برمجة الفتوى دون ضوابط دقيقة؛ ما قد يحوِّل الدينَ من خطابِ هدايةٍ إلى خطابٍ ماديٍّ جامد، ينفصل عن روحه وأهدافه.
وقد طرح فضيلة المفتي مجموعةً من الأسئلة الفقهية الجوهرية المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي في الفتوى، مثل قدرة الآلة على فَهْم تعارض النصوص، ومراعاة النيَّات الإنسانية، والسياقات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأَثَر اختلاف الزمان والمكان في صياغة الفتاوى، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعيَّ يجب أن يكون أداة مساعدة للمفتي، لا بديلًا عنه، بحيث يظل المفتي هو صاحب الرؤية المسؤولة، المبنية على خشية الله وبصيرة القلب وحكمة المقصد.
وشدَّد فضيلة المفتي على أهمية تطوير الفتوى لتواكب تحوُّلات العصر الرقْمي، حيث لا يكفي أن تكون دقيقة فحسْب، بل يجب أن تحمل ضميرًا حيًّا ووعيًا أخلاقيًّا، مؤكدًا دَوْرَ المؤسسات الدينية في وضع أُطُرٍ رقابية وأخلاقية صارمة لإدارة نُظم الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى، عبر إشراف هيئات علمية متخصصة تضم علماء شرعيين وخبراء تقنيين وفلاسفة الشريعة، لضمان شرعية المُخرجات وموثوقيتها.
في السياق ذاته أوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن إدماج تِقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى لا يمكن أن يكون بديلًا عن المفتي الرشيد، وإنما وسيلةٌ لتوسيع أدواته وتعزيز وعيه بمتغيرات العصر، محذرًا في الوقت ذاته من مخاطر استحواذ الخوارزميات الجامدة على مرجعية الفتوى الدينية، وما قد يترتب على ذلك من ترويج لأقوال شاذة، وتشويه للوعي الديني، وفصلٍ للنصوص عن مقاصدها الشرعية والأخلاقية. كما أكَّد أن التعامل مع الذكاء الاصطناعي في مجال الفتوى ينبغي أن يكون بحذر عميق، وأن يظلَّ مرتبطًا بمركزية الإنسان بوصفه فاعلًا أخلاقيًّا ومجتهدًا مسؤولًا أمام الله والتاريخ، مشددًا على أنَّ الأنظمة الذكية لا تملك خشية الله، ولا بصيرة القلب، ولا حكمة المقصد، وهي الأركان الأساسية التي تقوم عليها صناعة الفتوى الرشيدة.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي قد يكون مفيدًا في المراحل التحضيرية للعملية الإفتائية، لا سيما في تصوير المسائل، وتحليل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وجمع النصوص وتنظيمها، لكنه لا يملك صلاحية إصدار الحكم الشرعي الذي يظل منوطًا بالمجتهد الرشيد، القادر على الترجيح بين الأدلة، ومراعاة سياقات النوازل، لافتًا النظرَ إلى أنَّ من أبرز التحديات التي تواجه الفتوى في هذا العصر الرقمي هو ما يُعرف بـ"هلوسة الذكاء الاصطناعي"، حيث قد تنتج هذه النماذج فتاوى مختلقة بصياغة مقنعة، ما يُظهر ضرورة أن تظل المؤسسات الدينية حارسةً لشرعية الوعي، وقائدة لعَلاقة واعية بين النص والآلة.
ودعا فضيلته إلى ضرورة بناء نماذج ذكاء اصطناعي شرعية، مدرَّبة على قواعد الاستنباط، والضوابط اللُّغوية، وفهم المقاصد الشرعية، مع ضرورة إخضاعها لإشراف علمي مشترك بين علماء الشريعة وخبراء الذكاء الاصطناعي وفلاسفة المقاصد، مشيرًا إلى أهمية إنشاء مِنصَّات رقْمية موثوقة للفتوى تخضع لمراجعة مستمرة من لجان شرعية مؤهَّلة، ويُحدَّد لعملها ميثاق أخلاقي خاص، على غرار ما هو معمول به في المجالات الطبية والقضائية.
وفي جزء مؤثر من كلمته، ركَّز فضيلةُ مفتي الجمهورية على ما تتعرض له غزَّة من عدوان ممنهج، قائلًا: "إنَّ غزة اليوم ليست مجرد بلد منكوب يُعاني الجوع والتشريد وبطش الاحتلال، بل هي اختبار حقيقي لنبض الفقه، ومرآة لصدق كلمة الفتوى، وصيحة مظلومين لا يجوز أن تغيب عن ضمير الأمة".
وأشار إلى أن الفتوى في جوهرها ليست محصورة في مسائل العبادات، بل هي أداة لبناء الوعي، وغرس قيم العزة والكرامة والدفاع عن الأرض، داعيًا المُفتينَ والعلماء إلى عدم الصمت إزاء المظالم التي يتعرض لها أهل غزَّة. وفي هذا السياق، كشف فضيلة المفتي عن توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل مروِّع في استهداف سكان غزَّة، موضحًا أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدمه لتحليل الصور والتنبؤ بالتحركات واستهداف الأحياء بدقَّة قاتلة؛ ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا وتدمير البنية التحتية، وقال: "إن هذا المشهد يبرز خطورة التقنية إذا انفصلت عن القِيَم، ويؤكد الحاجة إلى وضع ميثاق عالمي يضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي على أساس العدل والرحمة، وصيانة الكرامة الإنسانية"، مؤكدًا أن التقدم التقني إذا لم يصحبه ضمير أخلاقي، تحوَّل إلى أداةِ قمعٍ وعدوان.
كما وجَّه فضيلة المفتي نداءً إنسانيًّا إلى أصحاب الضمائر الحيَّة في الشرق والغرب، قائلًا: "ارحموا عجزَ أهلِ غزَّة، فإنَّ لهم عند الله موقفًا يُقتصُّ فيه من الطغاة الذين سفكوا دماءهم ودمَّروا بيوتَهم، وشرَّدوا مَن بَقِيَ من أطفالِهم ونسائِهم وشيوخِهم". كما وجَّه تحيةَ إجلالٍ لأهل غزة الصامدين، القابضين على جمر الكرامة، وبشَّرهم بأنَّ النصر آتٍ لا محالة، وإن تأخرت بوادرُه أو بعدت أسبابُه.
وفي خلال حديثه عن الموقف المصري، أكَّد مفتي الجمهورية أنَّ مصر ما زالت تؤدي واجبها التاريخيَّ تجاه القضية الفلسطينية بوَعْيٍ وشرف، على الرغم من الهجمة الشرسة التي تستهدف دَورها، مشيرًا إلى أن القيادة المصرية رفضت بكلِّ وضوح محاولات تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم، وتمسَّكت بحقوقهم الثابتة في وجه الابتزاز السياسي، في موقف سيخلِّده التاريخ بمِداد الشرف والكرامة.
وفي ختام كلمته، توجَّه فضيلةُ المفتي بالشكر إلى السادة العلماء والوزراء والمُفتين المشاركين في المؤتمر، كما عبَّر عن تقديره العميق للجهات الرسمية والتنفيذية والإعلامية التي ساهمت في نجاح فعاليات المؤتمر.