الغزيون يبحثون في باطن الأرض للعثور على “إفطار” رمضان
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
الثورة /متابعات
يواصل الاحتلال تعميق سياسة التجويع والتعطيش بحق المدنيين في غزة، فبعد انتهاء المرحلة الأولى، أغلق الاحتلال المعابر مجددًا، مما أدى إلى تعطيل دخول المساعدات الإنسانية الأساسية، وتُرك أصحاب البيوت المدمرة وسكان الخيام في مواجهة الجوع والعطش، خاصة في شهر رمضان.
لكن الغزّيين كعادتهم، لم يستسلموا، فعادوا ينبشون الأرض بحثًا عن أي عشبة تصلح للطهي، بعدما نفدت المعلبات التي كانت آخر ما يعتمدون عليه منذ بداية الحرب.
“ماذا طبختِ اليوم لعائلتك؟” جاء الرد من أم فارس: “مخضّرة” وهي أكلة جديدة استحدثها أهل غزة، تُطهى كالملوخية بأي عشبة خضراء يجدونها في الأرض.
تحكي أم فارس بصوت يثقلُه الحزن والصمود : فقدتُ زوجي، وبقي لي ثلاثة أبناء بلا معيل، أطرق أبواب المؤسسات الإغاثية بحثًا عن طعام لهم، لكن الآن كل شيء مغلق، ولم يتبقَ لدي سوى بعض المعلبات التي أخفيها خشية عودة الحرب”، مضيفة: اعتمد في تحضير وجبة الفطور الرمضاني على ما احصل عليه من الأرض.
نساء يبحثن عن الأعشاب من باطن الأرض
على ما تبقى من جبل الريس شرق مدينة غزة وتحديدا في حي التفاح، حيث شهدت أرضه مواجهات حاسمة بين المقاومة وجنود الاحتلال، عليه تمضي السيدات بحثًا عن الخبيزة والحماصيص، تلك الأعشاب البرية التي تحمل رائحة الأرض وذاكرة الأجداد.
تحت أشعة الشمس التي أشرقت أخيرًا بعد أيام من المطر والبرد، تتبادل السيدات الوصفات الجديدة التي تعلمنها بالحرب لطهيها بأبسط المكونات المتوفرة سواء من المعلبات الغذائية التي يحصلن عليها من المساعدات الإغاثية أو من ما يجدونه في باطن الأرض.
تخزين المعلبات كنز في رمضان
على الرغم من الإعلان عن وقف إطلاق النار منذ 19 يناير الماضي، إلا أن سكان قطاع غزة لا يزالون يعيشون حالة من القلق من عودة الحرب، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي بأشكال مختلفة، وهذا الشعور بالخوف دفع الكثير من العائلات إلى تخزين المساعدات الغذائية التي حصلوا عليها أو ما تمكنوا من شرائه من الأسواق، تحسبًا لتفاقم الحصار وارتفاع الأسعار، كما هو حال أم ناصر الحسني (50 عامًا).
تحكي أم ناصر كيف عادت من النزوح في مواصي خانيونس وهي تحمل كل ما تبقى لديها من معلبات إلى بيتها في حي النصر، قائلة: “بعد عودتي كنت أشتري من السوق الخضار حينما توفرت لإطعام عائلتي، أما المعلبات التي أرهقت معدتنا فقد كنت أخزنها للطوارئ، كما هو حالنا الآن”.
أما عن تدبير احتياجاتهم اليومية توضح أم ناصر أن أبناءها يتناوبون على طوابير المياه لتوفيرها للاستخدام اليومي والطهي، بينما يبحث أحدهم في الأسواق عن أي طعام يناسب إمكانياتهم المادية، وإن لم يجد، يتوجه إلى الأراضي المفتوحة لجمع الأعشاب البرية مثل الخبيزة والرجلة لتعويض نقص الغذاء.
وتضيف: “الصائم يشتهي أكلات كثيرة في رمضان، لكن للعام الثاني على التوالي موائدنا فارغة، لا لحوم ولا دجاج”.
وتعقيبا على إغلاق المعابر وعدم إدخال المواد الغذائية، يقول سلامة معروف رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال ضد شعبنا، من خلال منع الغذاء والماء، هي جريمة تهدف إلى قتل الحياة في قطاع غزة بكل مقوماتها الأساسية.
وأكد معروف أن جهود المؤسسات الدولية والإغاثية العاملة في غزة، على الرغم من أهميتها، لم تستطع تخفيف هذه المأساة الإنسانية، حتى ولو جزئيًا، بسبب حجم الكارثة، مشيرا إلى أن نحو مليونين ونصف مليون غزاوي يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات التي تقدمها المؤسسات الإغاثية وما يدخل عبر المعابر، نتيجة توقف جميع قطاعات العمل والإنتاج في المجتمع.
وعن جهود الحكومة في تقديم الغوث للفلسطينيين، ذكر أنها مهما بذلت من جهود لمحاولة التخفيف من هذه الأزمة، فإن تأثيرها يبقى محدودًا، ولا يكفي لإحداث فرق جوهري يُغير معادلة الجوع والعطش.
كما تطرق معروف إلى أزمة الكهرباء التي قطعها الاحتلال منذ الأيام الأولى لحرب الإبادة في أكتوبر 2023م، قائلا:” عاد الاحتلال ليصعّد من جرائمه، حيث نفّذ وزير الطاقة الإسرائيلي تهديداته بفصل الكهرباء عن محطة التحلية المركزية في وسط قطاع غزة – وهي المنشأة الوحيدة التي كانت تزود القطاع بالكهرباء من جانب الاحتلال. هذا القرار جاء بعد ضغوط من المؤسسات الدولية لمحاولة الحد من أزمة المياه الخانقة، لكنه لم يصمد طويلًا أمام السياسة الإسرائيلية القائمة على التجويع والتعطيش”.
وأكد على أن هذه الجريمة الجديدة تفاقم معاناة السكان، حيث ستؤدي إلى زيادة نقص المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى شحّ المياه المستخدمة في الاحتياجات المنزلية الأساسية.
ومع تصاعد سياسة التجويع والعقاب الجماعي، التي تنتهجها إسرائيل للضغط على المقاومة عبر المدنيين للاستسلام، إلا أن السكان يزدادون تمسكاً بأرضهم وهذا واضح من خلال عودتهم إلى ما تبقى من بيوتهم رغم الخطر اليومي الذي يهدد حياتهم، فصمودهم وثباتهم على أرضهم أقوى من سياسة التجويع والحصار.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: سیاسة التجویع
إقرأ أيضاً:
صنعاء تصعّد إلى “المرحلة الرابعة”:استراتيجية الضغط البحري تصل إلى الذروة
مع إعلان صنعاء الانتقال إلى المرحلة الرابعة من عمليات الحصار البحري ضد كيان الاحتلال، تدخل المواجهة العسكرية فصلاً أكثر جرأة في سياق تصعيد متدرّج بدأ مع بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتنامى على مراحل اتّسمت بالتوسع المدروس في بنك الأهداف. حيث تعتبر هذه المرحلة تراكم عملياتي تصاعدي، انتقل من استهداف السفن المرتبطة مباشرة بموانئ الاحتلال، إلى فرض معادلة عقابية شاملة تشمل كل شركة تواصل التعامل مع تلك الموانئ، أيّاً كانت جنسيتها أو وجهة سفنها.
وتشمل المرحلة الجديدة رصد واستهداف السفن التابعة لكبرى شركات الشحن البحري في العالم، مثل ميرسك، CME، Hapag-Lloyd، Evergreen وغيرها. لا يقتصر التهديد على السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال، بل يشمل كل سفينة مملوكة لشركات تتعامل تجارياً مع تلك الموانئ، أينما وجدت. وقد بدأ الرصد الفعلي للسفن العاملة في خطوط الإمداد بين موانئ المتوسط الشرقي والموانئ المحتلة، إضافة إلى ناقلات النفط المرتبطة بعمليات التزويد اليومي لكيان الاحتلال.
كما تحرص صنعاء على توثيق عملياتها كمشاهد عملية إغراق السفن ومنها ما كان متجهاً إلى ميناء إيلات. وعلى الرغم من أن الميناء مغلق منذ أشهر، إلا أن التصعيد الأخير يستهدف توسيع نطاق الحظر ليشمل ميناءي حيفا وأسدود، وهو ما يُعد تطوراً استراتيجيا في عمق البحر الأبيض المتوسط.
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تجد نفسها أمام خصم لا يتبع نمطاً تقليدياً في التموضع أو الاستهداف. كما أن البنية غير المركزية لعمليات صنعاء، واعتمادها على التضاريس الجغرافية والانتشار المرن، يقلل من فعالية الضربات الجوية، ويجعل الرد الإسرائيلي أقرب إلى المعاقبة الرمزية منها إلى الفعل الرادع. ويقول الكاتب الإسرائيلي يوني بن مناحيم، إلى أن عدم وجود قواعد عسكرية دائمة أو منشآت حساسة واضحة للاستهداف في اليمن، فضلاً عن فاعلية الأجهزة الأمنية لدى صنعاء، جعل كل محاولات الرد الإسرائيلية أقرب إلى محاولة “إرباك” داخلية دون مكاسب عملياتية.
الولايات المتحدة، التي حاولت في الأشهر الماضية تنفيذ ضربات استباقية ضد أهداف في اليمن، فشلت بدورها في ردع صنعاء أو إيقاف عملياتها البحرية. الموجة الأولى من الضربات الأميركية لم تحقق أي أثر استراتيجي يُذكر، بل تسببت أحياناً في تقوية سردية صنعاء داخلياً، باعتبارها طرفاً يتعرض للعدوان بسبب موقفه السياسي من غزة.
المفارقة أن صنعاء، رغم التفاوت الهائل في الإمكانيات العسكرية مقارنة بواشنطن أو تل أبيب، استطاعت الحفاظ على نسق عملياتي مستمر، بل ورفع سقف التصعيد على مراحل، ما يدل على أن الردع الأميركي لم يعد كافياً في التعامل مع الجهات الفاعلة غير التقليدية في المنطقة.
بالتوازي مع هذا المسار العسكري، يتكرّس تحوّل سياسي لا يمكن تجاهله. فالحكومة في صنعاء، التي وُصفت لسنوات بأنها غير شرعية أو متمردة، باتت تبني اليوم شرعية وظيفية وميدانية نابعة من قدرتها على التأثير الفعلي في موازين الصراع، ليس فقط داخل اليمن، بل في الإقليم. نجاحها في فرض معادلة ردع بحرية، والتزامها بخطاب سياسي منضبط لم يكن يوماً مجرد دعاية، منحها مساحة أكبر من الحضور السياسي والإعلامي في ملفات تتجاوز الحدود الوطنية.
هذه التحولات لا تعني بالضرورة الاعتراف الدولي الرسمي، لكنها تشير إلى واقع سياسي جديد يتشكل في المنطقة، طرفه الأساسي قوى تصاعدت بفعل مراكمة القوة الذاتية، وتماسك الخطاب، وفعالية الأداء العملياتي، لا بفعل التسويات أو الرعاية الدولية.
في مرحلة يشتد فيها الضغط على غزة، تبدو صنعاء كطرف يحافظ على تصعيد ميداني مباشر ضد كيان الاحتلال دون تراجع، ودون أن تنجح محاولات الاحتواء أو الردع في كبحه. التصعيد الأخير لا يعكس فقط تصميماً عسكرياً، بل يشير إلى قدرة استراتيجية على توسيع المساحات التي تستنزف الكيان، وفرض معادلات جديدة في عمق البحر، وسط غياب فعّال لأي رد مكافئ. وإذا استمرت هذه الدينامية، فإن موازين الصراع البحري في شرق المتوسط قد تكون على موعد مع مرحلة أكثر اضطراباً، لا يمكن احتواؤها بالخطاب وحده، ولا بالقصف من الجو.