#خواطر_رمضانية
د. #هاشم_غرايبه
يعتبر التقدم في طب وجراحة القلب من أكثر ما حققه الإنسان نفعا للبشر، واستطاع الطب انقاذ حياة الكثيرين، لدرجة بات قليلو المعرفة بدقائق الأمور الطبية يعتقدون أن مجرد وصول الشخص المصاب بعارض صحي خطير في القلب الى المستشفى في الوقت المناسب، كافٍ لإنقاذه من موت محقق.
يعتبر القلب كتلة عضلية بمواصفات مختلفة عن باقي عضلات الجسم، وهذا الأداء الفائق يحتاج الى دوام التزود بالطاقة بلا انقطاع ولو لدقيقة، وتتولد الطاقة من تفاعل الأكسجين والجلوكوز في وسط مائي، فهذه العضلات تنقبض وتنبسط طوال الوقت منذ الأسبوع السادس للحمل في بطن أمه وحتى الدقيقة الأخيرة في حياة الإنسان وبلا توقف إطلاقا، كل أجهزة الجسم ترتاح وتعمل، حتى الدماغ الذي يعتبر القائد الأعلى للجسم، يأخذ فترة استراحة نسبية أثناء النوم حيث تخف سيطرته على الجسم الى الحد الأدنى إلا القلب، فهو لايرتاح ولا يهدأ دقيقة واحدة.
أمر الحركة ونظام تواليها وتقدير شدتها وسرعتها ذاتي، وتتحكم فيها العقدة الجيبية الأذينية في القلب، تقع في أعلى الأذين الأيمن، وهي عقد عصبية يمكن تسميتها عقل القلب، تُنشئ نبضات كهربائية وفق نظام معين يمكن قياسها بجهاز التخطيط بشكل موجات محددة التوالي زمنا وشدة تسمى المخطط الكهربائي للقلب (PQRST)، لكن شدة وسرعة النبضات تتحكم فيها عدة عوامل متشابكة التأثير مصدرها الدماغ والنخاع المستطيل وبعض الهرمونات.
هذه العقدة التي تصدر النبضات الكهربائية ، لا تختلف تشريحيا عما يجاورها، هي بحجم حبة العدس، وتشحن نفسها تلقائيا، وطوال حياة الإنسان يكون القلب قد نبض حوالي ملياري نبضة، وضخ حوالي مليون برميل من الدم، من غير أن يكل أو يتعب.
لقد طور الباحثون أجهزة صناعية (pace maker) تعوض عمل الناظم الطبيعي، ويثبت تحت الجلد، لكن حجمها ما زال كبيرا إذ يبلغ 500 ضعف حجم الناظمة الطبيعية في القلب.
من حسن حظ الأطباء ان العامة يثقون كثيرا بالطب ويعتقدون أنه بات على درجة من التقدم بحيث لا يصعب عليه شيء، وأن مجرد وصول المرء الى المستشفى يعني أن شفاءه مسألة وقت لا أكثر، لكنهم لا يعلمون أن الأمور لا تجري بهذه البساطة، فتوقف القلب المؤقت أو النهائي هو الذي يقرر النتيجة المؤسفة، وكل ما يمكن فعله فعليا من قبل كل الطاقم الطبي، ابتداء من المسعفين وارتقاء الى أمهر الإختصاصيين في جراحة القلب وكل هذه الأجهزة المتقدمة، هو في حقيقة الأمر لا يتعدى ضمان تزويد القلب بالأكسجين الذي يحمله بالدم القادم إليه عبر الشريان التاجي الذي يغذي القلب عبر جداره الخارجي فقط، فرغم أن الدم يملؤه طوال الوقت، إلا أنه لا يمكنه الإستفادة منه مباشرة.
وكثير من الناس يعتقدون أن جهاز الصدم الكهربائي يعيد القلب المتوقف الى الحياة، لكن ما لا يعرفونه أن استعماله في بعض الحالات يكون قاتلا بدل أن يكون منقذا للحياة، فأكثر استعمال مفيد هو في حالة واحدة وهي وجود تسارع أو رجفان بطيني مع توقف النبض، أما إن كان هنالك رجفان نتيجة انسداد شرياني أو اعتلال شديد في عضلة البطين مع وجود النبض (أي كهرباء القلب سليمة) فإن الصدمة الكهربائية توقف عمل الناظمة الطبيعية فيتوقف القلب ويموت المريض.
كل الأطباء (المؤمن منهم والكافر) يعلمون أن الموت والحياة ليس بيدهم، ويعرفون أن هنالك حدودا لقدرات الطب مهما تقدم وتطور، دائما يجدون أنفسهم حائرين لا يدرون ما يفعلون بعد أن فعلوا كل ما بيدهم، ينتظرون أن تنجح جهودهم أو تفشل وهم في قرارة أنفسهم يعلمون أنهم ما فعلوا شيئا كثيرا.
لذلك لن تجد طبيبا واحدا يقول لك أن ما قمت به سيشفي المريض، بل فعلت كل ما بوسعي وأرجو الشفاء من الله.
إن العالِم المتبحر في فهم جسم الإنسان يدرك أن المرض ليس بسبب عيب في خلقة الإنسان ولا عن قصور في وظائف أجهزته، بل هو أمر مقصود بذاته، لأجل تذكير الإنسان بأنه غير كامل ولا مخلد، ولا يذكره بذلك غير ضعفه أمام جرثومة لا يمكنه رؤيتها، أو خثرة دم بحجم رأس دبوس لا يملك لها دفعا.
عندها تسقط أوهام استعلائه، فيلجأ الى خالقه ويطلب عونه. مقالات ذات صلة السقوط الحتمي 2025/03/17
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
حكم صلاة من صلى شاكًّا في دخول الوقت ولم يتثبت
اجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم صلاة من صلى شاكًّا في دخول الوقت فتبين دخوله؟ فقد شك رجلٌ في دخول وقت صلاة الظهر، ولم يجتهد في التثبت من دخوله، فقام فصلَّاها، ثم تبين له أنه قد صلى في الوقت، فهل تجزئه صلاته؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه يجب على المسلم أن يتثبت من دخول وقت الصلاة قبل أدائها، فإن شك في دخول وقتها من عدمه فصلى ثم تبين له بعد أدائها أنه قد صلَّاها بعد دخول وقتها، فلا تصح صلاتُه شرعًا، ومن ثمَّ فيلزم الرجل المذكور قضاء صلاة الظهر التي صلَّاها شاكًّا في دخول وقتها ثم تبين له أنه صلَّاها بعد دخول وقتها.
من المقرر شرعًا أن صلاة الفريضة مؤقتة بأوقات معلومة محدودة شرعًا، يجب على المكلف أن يؤديها في هذا الوقت، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، أي: "كانت على المؤمنين فرضًا وُقِّتَ لهم وَقتُ وُجُوبِ أدائه"، كما قال الإمام أبو جعفر الطبري في "جامع البيان" (9/ 170، ط. مؤسسة الرسالة).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن وقت الصلوات، فقال: «وَقتُ صَلَاةِ الفَجرِ: مَا لَم يَطلُع قَرنُ الشَّمسِ الأَوَّلُ، وَوَقتُ صَلَاةِ الظُّهرِ: إِذَا زَالَتِ الشَّمسُ عَن بَطنِ السَّمَاءِ، مَا لَم يَحضُرِ العَصرُ، وَوَقتُ صَلَاةِ العَصرِ: مَا لَم تَصفَرَّ الشَّمسُ وَيَسقُطْ قَرنُهَا الأَوَّلُ، وَوَقتُ صَلَاةِ المَغرِبِ: إِذَا غَابَتِ الشَّمسُ، مَا لَم يَسقُطِ الشَّفَقُ، وَوَقتُ صَلَاةِ العِشَاءِ: إِلَى نِصفِ اللَّيلِ» أخرجه الإمام مسلم.
قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (1/ 269، ط. مكتبة القاهرة): [أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة] اهـ.
وهذه الأوقات المحددة هي شرط في صحة الصلاة، فلا تصح الصلاة قبل وقتها المحدد لها شرعًا، إلا ما استثناه الشرع من رخصة الجمع بين الصلوات في السفر تقديمًا.
قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 23، ط. دار الكتب العلمية): [وقت الصلاة من فرائضها، وأنها لا تجزئ قبل وقتها، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد" (1/ 100، ط. دار الحديث): [اتفق المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتًا خمسًا هي شرط في صحة الصلاة] اهـ.
حكم صلاة من صلى شاكًّا في دخول الوقت فتبين دخوله
يجب على المسلم أن يتأكد من دخول وقت الصلاة قبل أدائها، فإن شك -أي: تردَّد- في دخول وقت الصلاة من عدمه، ثم صلى وتبين له بعد الصلاة أنه قد صلى في الوقت المحدد لها شرعًا، فقد نص الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على عدم إجزاء صلاته؛ وذلك "لتردُّد النية، وعدم تيقُّن براءة الذمة" -كما في "شرح مختصر خليل" للإمام الخرشي (1/ 217، ط. دار الفكر)-، وتردُّد النية يعني عدم الجزم والقصد القاطِع في نية أداء الفريضة في وقتها المحدد لها، وهذا يجعلها لا تنعقد، ومن ثم فلا تجزئ عنه.
وأما عدم تيقن براءة الذمة فيعني أن الإنسان لا يتيقن أنه قد أدَّى ما عليه من فريضة بشروطها المعتبرة في الشرع، ومن ثَمَّ تظل ذمته مشغولة شرعًا؛ لأنه لا يستطيع الجزم بأنه امتثل لأمر الحق سبحانه وتعالى في أداء الفريضة في وقتها الموقت لها شرعًا.
قال الإمام ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (ص: 45، ط. دار الكتب العلمية): [لو شك في دخول وقت العبادة فأتى بها فبان أنه فعلها في الوقت لم يجزِهِ] اهـ.
وقال الإمام أبو البركات الدَّردِير المالكي في "الشرح الكبير" مع "حاشية الإمام الدسوقي" (1/ 181، ط. دار الفكر): [(وإن) (شك) لو طرأ في الصلاة أيُّ تردُّدٍ مطلقًا، فيشمل الظن إلا أن يغلب (في دخول الوقت) وصلى (لم تجز، ولو) تبين أنها (وقعت فيه)] اهـ.
قال الإمام الدسوقي محشيًا عليه: [(قوله: وإن شك في دخول الوقت... إلخ) حاصله أنه إذا تردد هل دخل وقت الصلاة أو لا على حد سواء... سواء حصل له ما ذكر قبل الدخول في الصلاة أو طرأ له ذلك بعد الدخول فيها، فإنها لا تجزيه؛ لتردد النية وعدم تيقن براءة الذمة، سواء تبين بعد فراغ الصلاة أنها وقعت قبله أو وقعت فيه أو لم يتبين شيء] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 492، ط. دار الفكر): [إذا شك في دخول وقت الصلاة فصلى بلا اجتهاد فوافق الوقت لا يجزيه] اهـ.
وقال الإمام البُهُوتِي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 257، ط. عالم الكتب): [(ومن شك في دخول الوقت لم يُصلِّ) حتى يغلب على ظنه دخوله؛ لأن الأصل عدم دخوله (فإن صلى) مع الشك (فعليه الإعادة وإن وافق الوقت) لعدم صحة صلاته] اهـ.
الخلاصة
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجب على الرجل المذكور أن يتثبت من دخول وقت الصلاة قبل أدائها، فإن شك في دخول وقتها من عدمه فصلى ثم تبين له بعد أدائها أنه قد صلَّاها بعد دخول وقتها، فلا تصح صلاتُه شرعًا، ومن ثمَّ فيلزمه قضاء صلاة الظهر التي تبين له صلاتها بعد دخول وقتها.