في كل عام، يكثر الحديث خلال شهر رمضان، وقبله، وبعده، حول الدراما التلفزيونية، من خلال المواضيع والنجوم والنجمات المشاركين. ويتعدد تناول الكتاب والإعلاميين حسب اهتماماتهم واهتمامات الجمهور.
تتجلى أهمية الدراما في رمضان كون أن عرضها برمضان يضمن مشاهدات واسعة في الوطن العربي. ومن ناحية أخرى يشكل إنتاج الدراما مغريا اقتصاديا، حيث ترتفع أسعار بيع هذه المسلسلات للفضائيات العربية.
في هذه المقالة، سنتحدث عن وجود شهر رمضان الفضيل داخل الدراما، سواء تم عرضها فيه أو أشهر العام المختلفة.
بالرغم من تكثيف عرض المسلسلات الغث منها والسمين في شهر رمضان، إلا أنه للمفارقة، فإن ظهور الشهر الكريم، والذي يشكل شهرا روحيا واجتماعيا، محدود، بالرغم من كونه مغريا للتناول، لما فيه من مضامين ودلالات، يمكن أن تكون جاذبة للمشاهد على مدار العام.
لذلك فقد كان رمضان في الدراما المصرية الأكثر انتشارا، والدراما العربيَّة بشكل عام التي تعرض كل موسم رمضاني محدودا، فلم يحضر شهر رمضان إلا في مشاهد قليلة في الافلام العربيَّة والدراما التلفزيونية.
كان فيلم "في بيتنا رجل" المأخوذ عن رواية إحسان عبد القدوس، للمخرج هنري بركات، الذي ظهر عام 1967 والذي تناول حادثة اغتيال شخصية سياسية قبل ثورة 23 يوليو، من الأفلام التي ظهرت فيها الأسرة، وكيفية تعاملها مع الشاب المطارد للبوليس، حيث أظهر أثر الشهر على الأفراد، خاصة في استضافة المطارد، من حيث طقوس الإفطار والسحور. وقد سبق ظهور شهر رمضان في فيلم "العزيمة" للمخرج كمال سليم عام 1939. أما فيلم "ضربة معلم" الذي أخرجه عاطف الطيب عام 1987، فلم يكن زمن رمضان في الفيلم له دلالة مميزة.
وبعد حرب أكتوبر عام 1973، التي اشتهرت بحرب رمضان، فقد صار شهر رمضان المبارك يحضر في الدراما التلفزيونية والسينمائية تلقائيا، حين يكون الموضوع متعلقا بمشاهد وقوع الحرب، أكان ذلك في نهارات الأسر المصرية أو في لياليها. وقد كانت تلك المشاهد مميزة وجاذبة للشعب العربي، الذي صارت المشاهد تذكره بالنصر الذي تحقق على العدو.
أما فيلما "عسل أسود" الذي ظهر عام 2010، وفيلم "إكس لارج"، الذي تلاه بعام أي 2011، فقد أحبهما الجمهور، بل ما زال يقبل بشكل خاص على "عسل أسود".
سجل "عسل أسود" من بطولة أحمد حلمي إخراج خالد مرعي أجواء رمضان في مصر، مثل موائد الرحمن واجتماع الأسرة، ومظاهر رمضان في الشارع المصري. والملاحظ أن تقديم تلك المشاهد المتعلق برمضان داخل الفيلم، قد تم بحميمية ومحبة ومصداقية، زاد من أثرها أغنية "فيها حاجة حلوة" لريهام عبد الحكيم:
مصر أول يوم العيد
عيدية بومب ولبس جديد
حفلة ثلاثة في سيما مترو
موائد الرحمن وفانوس رمضان
أما في فيلم "إكس لارج" للمثل نفسه، وإخراج شريف عرفة ظهرت مشاهد قليلة المتعلقة بمعاناة البطل في الصيام.
في الدراما التلفزيونية، يسجل لمسلسل "رمضان كريم" من إخراج سامح عبد العزيز عام 2017، وهو مسلسل كوميدي اجتماعي، فقد تناول حياة أسر كثيرة في حيٍ كبي، حيث أظهر ممارسات الناس عاداتهم اليومية في ظل شهر الصيام، وكان لموائد الإفطار والسحور حضور مميز.
- لماذا نتحدث في هذا الموضوع الروحي والاجتماعي والثقافي والفني؟
إن التشجيع على بناء دراما تظهر مناسك شهر رمضان، وما يتصل بها من سلوك وقيم، من خلال عمق تأثير الدراما بعيدا عن الوعظ المباشر، سيصب في تقديم الشخصيات في ظل ما هو ظاهر وما هو باطن، باتجاه المصداقية. يدخل في هذا الجانب، التربية على الحنان والتضامن، وهذا ما رأيناه في فيلم "عسل أسود"، كما ويقوي العلاقات الأخوية ويستعيد ألق الشخصية العربية، المنتمية للحضارة العربية الإسلامية كحضارة إنسانية، وتلك من مقتضيات المسؤولية والرسالة. ويصبح لذلك الأمر أهمية كون الدراما السينمائية والتلفزيونية من أقوى وسائل الاتصال الجماهيري، كونها مبنية على نصوص أدبية، ولعل ملتقى الدراما العربية في المستقبل يجعل من شهر رمضان وأزمنة أخرى، جزءا من بناء الرؤية الفنية والفكرية للأعمال الدرامية.
إن استقصاء ظهور شهر رمضان في الدراما، يعني البحث المتأني ليس فقط فيما تمت إتاحته من ظهور، بل في دراسة أثر الظهور، وكيف تم توظيفه فنيا وإنسانيا.
والبدء في التفكير في ظهور شهر رمضان مثلا، سيقودنا الى ظهور "الحج"، والذي يشكل تجمعا روحيا يجمع البشر من جنسيات وألوان ولغات مختلفة، خصوصا في ظل وجود "رحلات الحج" التي دونها كتاب أدب الرحلة قديما وحديثا.
وهكذا، فإن انطلاق الدراما من حياتنا، وتوطينها أزمنة وأمكنة، يرينا علاقة الشخصيات داخل المكان، وأثر الوجود ضمن جماعة، ما يعني إمكانية التقاط قصص إنسانية غاية في الجمال والتأثير.
وعودا على بدء، فإن فهم سيكولوجية الجمهور العربي، والانتباه لقضايا الإنسان العربي المهمة، تجعلنا نذهب في التأثر العميق في الدفع باتجاه إيجاد تقاطع نبيل ما بين الخلاص العام والخلاص الفردي.
إن النقاش الدائر حول الدراما الرمضانية، التي تنشط في هذا الشهر، من حيث وجود الملايين من المتابعين لها، يعني الوجود الحيّ النفسي والاجتماعي والوطني والقومي، بالاستفادة من الطاقات الروحية.
ولا يخفى علينا، بأن الدراما المنتمية لقضايانا وشخصيتنا، تعني تقريبنا من بعضنا بعضا في ظل ما نعيشه من تشتت، ولعل ذلك يدفعنا الى البحث ليس في الدراما فقط، بل في مناهج التعليم العام والعالي في بلادنا.
وحين نقول رمضان في الدراما العربية، فإننا نعني الدراما العربية المتنوعة على خارطة الإنتاج العربي، وليس دراما محددة، ذلك أن تنوع الدراما يعرّف بخصوصيات الأقاليم الجغرافية والثقافية، والتي تعني التعدد الغني في إطار قومي.
وأخيرا، فإن إنتاج دراما قريبة من ثقافة العرب، واهتماماتهم، وحياتهم، ستجد طريقها الى العرض في الفضائيات، شرط الإبداعي في عرض المضامين، من خلال قصص جذابة، تراعي معايير الإنتاج الدرامي، ما يعني التشجيع على الإبداع في عالم الكتابة والفن والتاريخ.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدراما التلفزیونیة رمضان فی الدراما الدراما العربیة شهر رمضان عسل أسود
إقرأ أيضاً:
تكريم أبطال مسلسل ظلم المصطبة في توزيع جوائز الإنتاج الدرامي لحقوق الإنسان
رصدت عدسة صدى البلد صورا أثناء تكريم أبطال ظلم المصطبة في مهرجان الدراما للتميز المعني بالاعلاء من قيم ومبادئ حقوق الإنسان الذي
أقيم مساء أمس في أحد فنادق القاهرة.
حرص على الحضور كل من النجوم الفنانة الفنانة ريهام عبد الغفور ، الفنان اسلام حافظ ، الفنان أحمد عزمي ، الفنان محسن منصور ، يارا جبران وغيرهم كثير من النجوم .
يأتي ذلك انطلاقا من دور المجلس فى نشر ثقافة حقوق الإنسان، ولما تتمتع به الدراما التليفزيونية من تأثير ودور هام فى تشكيل الوعى بما يؤثر على هذه الثقافة سلباً أو إيجاباً.
وتقوم قيادات المجلس القومي لحقوق الإنسان وأعضاء اللجنة الثقافية بتكريم الأعمال الفائزة في حضور نخبة من الفنانين، والشخصيات العامة، وكبار الصحفيين والكتاب، وممثلي المجتمع الحقوقي والمدني.
وقد خضعت الأعمال الدرامية التي عرضت خلال شهر رمضان الكريم للتقييم من جانب لجنة ضمت عددا من كبار النقاد تحت إشراف لجنة الحقوق الثقافية، ووقع الاختيار علي 5 أعمال لتكريمها في هذه الاحتفالية التي انطلقت في تقليد سنوي قبل 14عاما.
وقد ضمت اللجنة هذا العام الناقد الفنى الكبير طارق الشناوى (رئيس اللجنة) وعضوية كلاً من الأب بطرس دانيال والأساتذة النقاد سيد محمود، ومحمود عبدالشكور وهالة البدري.
وقد تابعت اللجنة أربعين عملًا دراميًا عُرضت خلال شهر رمضان، حيث تم تصنيفها وفق معايير تدريجية دقيقة وصولًا إلى الإعلان عن أفضل الأعمال التي تميزت بتناول قضايا إنسانية واجتماعية بعمق ووعي ومسؤولية.
وصرح عزت إبراهيم أمين اللجنة الثقافية أن هذا الحدث يأتي في إطار جهود المجلس لتعزيز دور الفنون، وخاصة الدراما، في نشر ثقافة حقوق الإنسان وترسيخ قيمها في المجتمع المصري، وإظهار دعم أكبر للأعمال التي تدعم نشر هذه الثقافة، خاصة الدراما التلڤزيونية التي تحظي بمشاهدات عالية لعقود طويلة في مصر.
كما يشهد تكريم إسم فؤاد المهندس أحد رموز الفن المصري، تقديراً لإسهاماته الفنية المتميزة. كما سيتم تكريم الفنان القدير محمد صبحي، الذي أثرى الساحة الفنية بأعماله الهادفة التي تناولت قضايا اجتماعية وإنسانية مهمة.
مسلسل ظلم المصطبة:
جاء في حيثيات اختيار لجنة التحكيم لمسلسل "ظلم المصطبة " الآتي :
تنوه لجنة التحكيم بمسلسل ( ظلم المصطبة ) تأليف أحمد فوزي صالح وإخراج هاني خليفة ومحمد علي
سيناريو وحوار إسلام حافظ وحاتم حافظ ومحمد رجاء
تميز المسلسل بتكامل عناصره الفنية وقاد مشاهديه لاعادة اكتشاف بيئات محلية ثرية بتناقضاتها وفضاءاتها الجمالية التي أهملتها الدراما لعدة عقود، كما استعاد رمزيات وثيقة الصلة بمضمون الثقافة الشعبية المتأصل في النفوس والذي لا يزال يحكم الكثير من العقليات ويقود سلوكها ويرسم آفاق علاقاتها الإنسانية.
يحاكم المسلسل المجتمع المحافظ بشجاعة ويكشف عوارته القائمة على أنماط من التسلط الذكوري المتستر بالتحالف مع خطاب ديني متشدد ، فضلا عن سحق الضعفاء.
"ظلم المصطبة ولا عدل المحكمة"
من هذا المثل الشعبي الدال على انحياز أبناء البيئات الاجتماعية المحافظة للمجالس العرفية البدائية على حساب فكرة القانون وقيم الدولة الحديثة ، حدد مؤلف المسلسل حدود عالمه وكشف عن وعيه الفائق بقوة حضور الطقس الاجتماعي وتأصل قيم القبلية ونبذ مفهوم العدالة والقانون وقدم شخصيات تحتفي بضعفها الانساني وتجيد التعبير عن هزيمتها وما تعيشه من خذلان وذلك بالكثير من الحساسية التي تدرك مكمن الشروخ في جدار صلابتها .
واستطاع المخرجان مع كتاب السيناريو إضفاء طابع حيوي على الحبكة الدرامية وتأطيرها وحمل ما حاول النص قوله عبر إيقاع متميز حافظ على طابعه التشويقي الجذاب وساعد على ذلك وجود فريق تمثيلي فذ متنوع ومتناغم.
يُذكر أن المجلس القومي لحقوق الإنسان هو مؤسسة وطنية مستقلة تأسست عام 2003، تهدف إلى تعزيز وتنمية وحماية حقوق الإنسان والحريات العامة، وترسيخ قيمها ونشر الوعي بها، والإسهام في ضمان ممارستها. يقوم المجلس بإصدار تقارير سنوية عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ويعمل على تقديم المقترحات والتوصيات للجهات المختصة في كل ما من شأنه حماية حقوق الإنسان ودعمها وتطويرها.