يميل الإنسان للتعليم، وأقصد بالتعليم هنا أن يمثل دور المعلم لغيره أكثر من ميله للتعلم، أي أنه يقفز تلقائياً لتوجيه الإرشادات والتوصيات للغير، بينما ينفر من استقبالها، وفي الوقت الذي يحبها فهو يكرهها أيضاً، يحب فعلها ويكره سماعها، وهذه علةٌ ثقافية لازمة تهيمن على سلوك الإنسان منذ مطالع حياته، فهو يجرب وهو طفلٌ أن يأمر وينهي في حال اللعب، وبمجرد أن نتفرج على مجموعة أطفال سنلاحظ فوراً كمية التعليمات التي يصدرها بعضهم لبعض، ويتفوق الأكبر سناً أو جسماً، وتظل هذه تنمو مع الوقت وتظل سلوكاً متصلاً في نظام الحياة ونظام التواصل الاجتماعي، وكلما لاحت مناسبة توالت التعليمات، بينما ينفر منها الضحية، والضحية هنا هو من يقع في مأزقٍ مما يجلب عليه موسوعات الوصايا التي قد يراها توبيخات ولعبة هيمنةٍ، رغم أنه يمارسها على غيره، وقد نلحظ ذلك في عالم الحيوانات حيث تبرز بعضها وكأنها تمارس دور المعلم على الأخريات.


هذه تشير إلى غريزةٍ ثقافية يجري توارثها وتمثلها، وهي صيغة من صيغ النسق الثقافي الذي يصبغ سلوك البشر بمثل ما يتغلغل في ذهنياتهم وينغرس في مضمرات الخطاب وأنظمة التفكير، ويفضي إلى صناعة الأب أو الأخ الأكبر والأخت الكبرى، ليس في السن بالضرورة، وإنما بما يتملكه أحدهم أو إحداهن من حس في الهيمنة أكبر من الطرف الآخر، ولو تصادف وجود قوتين معاً في وقت واحدٍ، فستظهر آثار المنافسة بمعنى الصدام المباشر ومن هنا مظاهر شد الشعر أو التعبيرات الجسدية المختلفة.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة «إكسبو دبي»: عام المجتمع بوصلة نحو مستقبل أفضل «التربية» تبدأ تقييم مشروع التعلّم القائم على المشاريع

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي التعليم

إقرأ أيضاً:

الحباشنة يكتب..مجلس النواب أمام اختبار ضبط الخطاب وحماية استقرار الدولة

صراحة نيوز- بقلم: اللواء المتقاعد طارق الحباشنة

ما جرى في بعض كلمات مناقشة الموازنة العامة داخل مجلس النواب لم يعد مجرد اختلافٍ مشروع في وجهات النظر، بل تجاوز ذلك ليعكس انحرافًا عن جوهر الدور التشريعي ومسؤولياته الوطنية، في مرحلة اقتصادية واجتماعية بالغة الحساسية. وما ورد في كلمة أحد النواب بالإشارة إلى هبة نيسان شكّل طرحًا خارج السياق، لا ينسجم مع متطلبات التوقيت، ويحمل دلالات تتجاوز النقاش الدستوري إلى رسائل قد تُساء قراءتها أو توظيفها، في وقت يحتاج فيه الشارع إلى الطمأنة لا إلى استدعاء الذاكرة السلبية.

إن العودة إلى أحداث تاريخية مؤلمة، ارتبطت بتداعيات كادت أن تهدد استقرار البلاد، لا تضيف قيمة حقيقية للنقاش التشريعي، ولا تسهم في معالجة التحديات الاقتصادية الراهنة، بل تفتح الباب أمام تأويلات خطيرة، وتزيد من منسوب الاحتقان. وحين تُطرح مثل هذه الإشارات تحت القبة، فإنها لا تبقى في إطار الرأي أو الاجتهاد، بل تتحول إلى موقف عام يؤثر في المزاج الشعبي، ويضع المؤسسة التشريعية أمام اختبار صعب في الحفاظ على ثقة المواطنين وهيبتها.

وفي هذه المرحلة الدقيقة، يصبح من الضروري أن يعيد مجلس النواب ضبط بوصلته ومساره، وأن يوازن بوضوح بين حق النقاش وواجب المسؤولية، وأن يبتعد عن الشعبوية والاستعراض، ويوجّه جهوده نحو الأولويات الوطنية الحقيقية، وفي مقدمتها الإصلاح الاقتصادي، وضبط المالية العامة، وحماية الطبقات المتوسطة والفقيرة. كما تبرز الحاجة إلى صون هيبة المؤسسة التشريعية، وتعزيز خطاب وطني رشيد يعيد بناء الثقة بين المواطن وممثليه، ويؤكد دون لبس أن استقرار الأردن أساس راسخ وخط أحمر لا يقبل المغامرة أو الرسائل الملتبسة تحت أي عنوان.

إن الكلمة تحت القبة ليست أداة ضغط، ولا وسيلة لإثارة الجدل أو كسب الاهتمام الإعلامي، بل مسؤولية وطنية كبرى تفرض الحكمة والاتزان. ومجلس النواب اليوم أمام اختبار حقيقي، يثبت فيه قدرته على الارتقاء إلى مستوى التحديات، وحماية الاستقرار الوطني، وتقديم نموذج في الخطاب المسؤول الذي يضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار.

مقالات مشابهة

  • الحباشنة يكتب..مجلس النواب أمام اختبار ضبط الخطاب وحماية استقرار الدولة
  • في ذكرى رحيله.. أول من حمل لقب الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت
  • عمرو الليثي: المحتوى التافه على السوشيال ميديا يؤثر سلبًا على سلوك الشباب
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • د.حماد عبدالله يكتب: الاستثمار هو الحل !!!
  • أمل الحناوي: سلوك إسرائيل يكشف عدم نيتها إنهاء حرب غزة
  • د. سعيد الكعبي يكتب: في تأمل النعم
  • الفريق العدوان يكتب : القفز الخاطئ بالمظلة . . !
  • د.حماد عبدالله يكتب: " بلطجة " التعليم الخاص !!
  • ترامب يعلن السيطرة على ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا: الأكبر على الإطلاق