في ذكراها الأربعين ما هي دروس انتفاضة مارس – أبريل ١٩٨٥؟
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
بقلم: تاج السر عثمان
1
تهل علينا بعد إيام معدودات الذكرى ال ٤٠ لانتفاضة مارس- أبريل 1985 التي انطلقت في ٢٦ مارس، واستمرت حتى الإطاحة بالديكتاتور النميري ، والتي تتزامن مع الذكرى السادسة لاعتصام القيادة العامة في أبريل 2019 الذي افضي للاطاحة بالبشير ، والبلاد تمر بظروف الحرب اللعينة الجارية حاليا التي دمرت البلاد والعباد، وتهدد بتقسيم البلاد، بتكوين حكومة موازية غير شرعية خارجة من رحم حكومة بورتسودان غير الشرعية.
إضافة لتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والإنسانية، ونزوح حوالي ١٢ مليون شخص داخل وخارج البلاد، وتهدد المجاعة حوالي ٢٦ مليون مواطن سوداني، وخطر الافلات من العقاب بمحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب وضد الانسانية، الذي يشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم، ومصادرة حقوق الإنسان كما في حملات الاعتقالات والمحاكمات الكيدية، التعذيب الوحشي حتى الموت في سجون طرفي الحرب، والانتهاكات الفظيعة كما في الإبادة الجماعية وحالات الاغتصاب والانتهاكات الجنسية، التي وثقتها المنظمات الحقوقية وكما كشفت السجون للدعم السريع في سوبا وغيرها، فضلا عن خطر إطالة أمد الحرب وتحويلها إلى عرقية و قبلية تؤدي لتمزيق وحدة البلاد، وتهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
مما يتطلب تصعيد النضال الجماهيري في الداخل والخارج لوقف الحرب واسترداد الثورة، وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي، وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات وجيوش الحركات من السياسة والاقتصاد.
2
كما أوضحنا في دراسات سابقة، لم تكن انتفاضة أبريل حدثا عفويا، بل كانت نتاج تراكم نضالي طويل خاضه شعب السودان ضد ديكتاتورية نظام النميري ، والذي اتخذ الأشكال الآتية : –
* المقاومة المسلحة في الجزيرة ابا والتي قمعها النظام عسكريا بوحشية ودموية، عبرت عن هلع وضعف الديكتاتورية العسكرية.
* مقاومة ضباط انقلاب 19 يوليو 1971م الذين اطاحوا بحكم الفرد ، وبعد الفشل ، استشهد العسكريون: الرائد هاشم العطا و المقدم بابكر النور والرائد فاروق عثمان حمدالله وغيرهم من العسكريين البواسل ، وقادة الحزب الشيوعي: عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق، واعتقال وتشريد الالاف من الشيوعيين والديمقراطيين بعد يوليو 1971م.
*وبعد انقلاب 22 يوليو 1971م الدموي، تواصلت المقاومة الجماهيرية، وكانت مظاهرات واعتصامات طلاب المدارس الصناعية عام 1972، والمظاهرات ضد زيادات السكر في مايو 1973م ، والتي أجبرت النظام علي التراجع عنها، كما انفجرت انتفاضة اغسطس 1973م والتي قادها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وبعض النقابات. وفي العام 1974م كانت هناك مظاهرات طلاب كلية الطب في الاحتفال باليوبيل الفضي للكلية ضد السفاح نميري، واعتصام طلاب جامعة الخرطوم في ديسمبر 1973م، من أجل عودة الاتحاد الذي تم حله، واطلاق سراح المعتقلين وحرية النشاط السياسي والفكري في الجامعة، والمظاهرات التي اندلعت ضد الزيادات في السكر والأسعار، واضرابات ومظاهرات طلاب المدارس الثانوية في العاصمة والأقاليم عام 1974م من اجل انتزاع اتحاداتهم وضد اللوائح المدرسية التي تصادر حقهم في النشاط السياسي والفكري المستقل عن السلطة والإدارات المدرسية حتي نجحوا في انتزاع اتحاداتهم.
وفي دورة يناير 1974م، أجابت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني علي سؤال ما هو البديل؟: وأصدرت وثيقة بعنوان ” مع الجماهير في قضاياها وتساؤلاتها حول : البديل – القيادة – الأداة ” طرحت فيها شعار الإضراب السياسي العام والانتفاضة الشعبية كأداة للاطاحة بالسلطة.
– وفي سبتمبر 1975م، وقعت المحاولة الانقلابية التي قام بها المقدم حسن حسين، وتم اغلاق جامعة الخرطوم، وتقديم قادة الانقلاب لمحاكمات واستشهادهم في “وادي الحمار” بالقرب من مدينة عطبرة.
– وفي2 يوليو 1976م، كانت المقاومة المسلحة من الخارج التي نظمتها الجبهة الوطنية (الأمة ، الاتحادي، الإخوان المسلمون) ، وبعد فشل المحاولة تم اعدام قادتها العسكريين والمدنيين (العميد محمد نور سعد، ..الخ)، وتم التنكيل بالمعتقلين بوحشية، وتم وصف سودانيين معارضين( بالمرتزقة)!!!.
3
– وفي اغسطس 1977م، تمت المصالحة الوطنية والتي شارك بموجبها في السلطة التنفيذية والتشريعية أحزاب الأمة (الصادق المهدي) والاتحادي الديمقراطي (محمد عثمان الميرغني) والإخوان المسلمون (مجموعة د. حسن الترابي) ، ورفضت أحزاب الشيوعي والاتحادي (مجموعة الشريف الهندي) و البعث. الخ، المشاركة في السلطة، وتحت هيمنة نظام الحزب الواحد و”اجندة” نميري، وحكم الفرد الشمولي، والذي كان يهدف من المصالحة لشق صفوف المعارضة واطالة عمره والتقاط انفاسه التي انهكتها ضربات المعارضة المتواصلة.
– وبعد المصالحة الوطنية تواصلت الحركة الجماهيرية ، وكانت اضرابات المعلمين والفنيين وعمال السكة الحديد، وانتفاضات المدن (الفاشر، سنجة، سنار، الأبيض. الخ)، وانتفاضات الطلاب، واضرابات الأطباء والمهندسين والقضاء، والمزارعين، ومعارك المحامين من أجل الحقوق والحريات الديمقراطية، وندواتهم المتواصلة التي كانت في دار نقابة المحامين ضد القوانين المقيدة للحريات.
– وفي مايو 1983م وبعد خرق النميري لاتفاقية اديس ابابا بعد قرار تقسيم الجنوب، انفجر التمرد مرة اخري بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تزعمها جون قرنق، وزادت النيران اشتعالا بعد إعلان حالة الطوارئ وقوانين سبتمبر 1983م، والتي كان الهدف منها وقف مقاومة المعارضة الجماهيرية المتزايدة، ولكن المقاومة زادت تصاعدا بعد تطبيق تلك القوانين في ظروف ضربت فيها المجاعة البلاد، وتفاقم الفقر والبؤس بعد تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي منذ العام 1978 التي أدت لتخفيض العملة وانهيار الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي، والزيادات المتوالية في الأسعار وشح المواد البترولية، اضافة لفقدان البلاد لسيادتها الوطنية بعد اشتراك السودان في مناورات قوات النجم الصاعد ، ترحيل الفلاشا إلى اسرائيل، ديون السودان الخارجية التي بلغت 9 مليار دولار، تفاقم الفساد الذي كان يزكم الأنوف، تدهور مؤسسات السكة الحديد والنقل النهري ومشروع الجزيرة والتدهور المستمر في قيمة الجنية السوداني. وتواصلت المقاومة ضد قوانين سبتمبر ، وتم الاستنكار الجماهيري الواسع لإعدام الشهيد الأستاذ محمود محمد طه في 18 يناير 1985م. وبعد ذلك بدأت المقاومة تأخذ اشكالا اكثر اتساعا وتنظيما وتوحدا، وتم تكوين التجمع النقابي والقوي السياسية الذي قاد انتفاضة مارس – ابريل 1985م، بعد الزيادات في الأسعار التي أعلنها النظام في أول مارس 1985م، وتواصلت المظاهرات ضد الزيادات في بعض المدن مثل: عطبرة من أول مارس وحتى 6 ابريل، عندما أعلن التجمع النقابي الاضراب السياسي العام والعصيان المدني الذي اوقف الإنتاج وشل جهاز الدولة وأخيرا انحياز المجلس العسكري والذي اعلن الاطاحة بالنظام.
كان من عوامل ضعف الحركة السياسية والجماهيرية هو تشتتها ، ولم تتوحد الا في أبريل 1985م، أي في اللحظات الأخيرة لنهاية نظام مايو في ميثاق التجمع الوطني لانقاذ الوطن.
4
من السرد أعلاه يتضح عمق وشمول المقاومة الجماهيرية والعسكرية للنظام التي كانت تتراكم يوميا حتي لحظة الانفجار الشامل ضد النظام، وان مظاهرات طلاب الجامعة الإسلامية الأخيرة كانت الشرارة التي فجرت الغضب المكنون ضد النظام، فقبل مظاهرة طلاب الجامعة الإسلامية قامت مظاهرات وانتفاضات جماهيرية كالتي أشرنا لها سابقا، فلماذا لم تقم الانتفاضة الشاملة ضد النظام؟
وتوضح تجربة الثورة المهدية وثورة اكتوبر 1964م وتجربة انتفاضة مارس – ابريل 1985، وثورة ديسمبر2018 في السودان أن الانتفاضة تقوم عندما تتوفر ظروفها الموضوعية والذاتية والتي تتلخص في :
الأزمة العميقة التي تشمل المجتمع باسره، ووصول الجماهير لحالة من السخط بحيث لا تطيق العيش تحت ظل النظام القديم.
الأزمة العميقة التي تشمل الطبقة أو الفئة الحاكمة والتي تؤدي الي الانقسام والصراع في صفوفها حول طريقة الخروج من الأزمة، وتشل اجهزة القمع عن أداء وظائفها في القهر، وأجهزة التضليل الأيديولوجي للجماهير.
– وأخيرا وجود القيادة الثورية التي تلهم الجماهير وتقودها حتي النصر.
وتلك كانت من أهم دروس انتفاضة مارس- ابريل 1985م، التي يجب استلهامها لوحدة الحركة الجماهيرية من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة، وقيام الحكم المدني الديمقراطي، وعدم الإفلات من العقاب، وعدم إعادة التسوية والشراكة مع العسكر والدعم السريع التي تعيد إنتاج الحرب بشكل أوسع من السابق، وحل كل المليشيات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية،وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم ومدنهم، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وقيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية،وغير ذلك من أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
البوسنة والهرسك.. هل تكون موطن الحرب القادمة في أوروبا؟
"لن تحلّوا المسألة الشرقية في أوروبا أبدًا.. كل ما يمكنكم فعله هو ألا تجعلوها تتفاقم".
اللورد سالزبوري، رئيس الوزراء البريطاني خلال العقد الأخير من القرن 19إذا كنت عربيا من مواليد الثمانينيات أو ما قبل ذلك، فمن المؤكد أنك سمعت كثيرًا عن البوسنة والهرسك خلال مرحلة ما من حياتك، تحديدا خلال تلك الحقبة التي تصدرت فيها الحرب الدامية في البلاد عناوين الأخبار في النصف الأول من التسعينيات، ولربما سمعت أيضًا عن مذبحة سربرينيتشا الشهيرة، وهي إبادة جماعية -بحسب وصف محكمة العدل الدولية– ارتكبتها القوات الصربية بقيادة راتكو ملاديتش، التي قتلت أكثر من 8000 بوسني مسلم بينهم أطفال، بعد دخولها إلى المدينة في يوليو/تموز 1995، رغم إعلانها من قبل الأمم المتحدة منطقة آمنة تحت مظلة قواتها.
بعد مرور 30 عامًا لم تعد البوسنة في واجهة الأخبار كما كانت من قبل، ولم تتحول إلى قصة نجاح أسطورية بعد حربها الدموية المهلكة، فرغم أن قراء "ناشيونال جيوغرافيك" اختاروا عاصمتها سراييفو باعتبارها وجهتهم السياحية الأولى في عام 2025، فإن اقتصاد البلاد لا يزال من بين أضعف الاقتصادات في أوروبا، إذ يبلغ معدل البطالة فيها حوالي 16%، بينما يصل وسط الشباب إلى 30%، كما تهاجر العمالة الماهرة دومًا خارج البلاد، بحسب أرقام البنك الدولي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2البلقان على صفيح ساخن.. عودة ترامب وصراع التوازنات الإقليميةlist 2 of 2قاطف البنجر الذي انسحب من الجنائية الدولية لأجل نتنياهوend of list إعلانوبحسب منتدى الشؤون الخارجية "فاف"، فإن البوسنة تعاني من استشراء للفساد على نحو واضح، إذ لا يثق 81% من البوسنيين في القضاء، وينظر 71% منهم إلى الطبقة السياسية باعتبارهم فاسدين، كما أشار المنتدى ذاته إلى تواتر فضائح الرشاوى القضائية في البلاد والفساد المالي، ما جعل البوسنة تحتل المرتبة 110 في مؤشر مدركات الفساد العالمي.
ولكن، بالرغم من أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البوسنة ليس في أفضل حال -خاصة بالقياس إلى كونها دولة أوروبية- بعد 3 عقود كاملة على نهاية الحرب، فإنها على الأقل استطاعت أن تحافظ على سلامها بعد حرب شرسة كانت تُعد دومًا -قبل انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية- الحدث الأفظع في التاريخ الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، ويعود الفضل في ذلك إلى اتفاقية دايتون التي أرست السلام في البلد الذي مزقته الحرب.
كانت اتفاقية دايتون التي رعتها الولايات المتحدة في منتصف تسعينيات القرن العشرين هي التي أنهت الحرب في البوسنة، وقد نصت تلك الاتفاقية على أن تصبح البوسنة والهرسك دولة مستقلة، على أن يتم إنشاء كيانين سياديين فيها، بحيث يُمنح صرب البوسنة جمهورية تمثل حوالي نصف مساحة البلاد الإجمالية، في حين يجتمع المسلمون والكروات في منطقة فيدرالية تشغل النصف الآخر، على أن تكون الرئاسة في مجمل أراضي البوسنة والهرسك فيدرالية تتشكل من مجلس رئاسي يمثل المكونات الثلاثة للأمة (المسلمين والصرب والكروات).
نصت الاتفاقية أيضا على أن تصبح السلطات والمؤسسات المركزية هي المحددة للسياسة الخارجية والمسؤولة عن التجارة الدولية وتوفير وإدارة الخدمات العامة، على أن يمنح كلا الجانبين من البلاد سلطات واسعة في إدارة الشؤون الداخلية لمناطقه، في حين يتناوب كل من الأعضاء الثلاثة في مجلس الرئاسة على رئاسة البلاد مرتين، تمتد كل مرة منهما 8 أشهر، وبذلك تكون العهدة الرئاسية الكلية 4 سنوات. وكما هو الحال مع الرئاسة، جرى الاتفاق على صيغ تفصيلية تضمن التوازن العرقي في مؤسسات الجيش والبرلمان والقضاء.
إعلانإذا شعرت أنك لم تفهم جيدًا كيف تعمل هذه الدولة، وكيف يُحكم هذان الكيانان المتحدان، وكيف تتفاعل تلك الأعراق المختلفة في البوسنة والهرسك؛ فهذا طبيعي للغاية، فاتفاقية دايتون بالفعل واحدة من أغرب الاتفاقيات التي جمعت شمل أمة في التاريخ الحديث. ولكن رغم أنها جعلت تقاسم السلطة في البلاد على أساس طائفي صارخ، واتسمت بالاختلال الوظيفي، وجعلت البلاد دائمًا على حافة أزمة سياسية كبرى، ودفعت البلاد إلى ركود سياسي طويل، فإنها -بحسب تعبير مجلة "فورين بوليسي" الأميركية- حققت نجاحًا على صعيد تحقيق السلم، لم تشهده أي اتفاقية سلام أخرى منذ عام 1945.
لكن النيران لا تزال مختبئة تحت الرماد كما هو الحال في الصراعات الطائفية والعرقية. وفي دراسة أجراها حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2020 بهدف صياغة مؤشر يقيس المخاطر في غرب البلقان ونقاط الضعف التي يمكن أن تتسلل منها القوى الخارجية المختلفة، ظهرت البوسنة باعتبارها أكبر نقطة ضعف في المنطقة، إذ يتزايد الانقسام بين جمهورية صرب البوسنة "صربسكا" واتحاد "فيدرالية" البوسنة والهرسك (الذي يضم المسلمين والكروات)، وهما الكيانان اللذان يشكلان البوسنة كما نعرفها اليوم، وهو ما يهدد وضع استراتيجية واضحة وموحدة للبلاد.
كما أن كلا الجانبين لديه توجهات مختلفة تمامًا بشأن الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وهما الأمران اللذان تعارضهما قيادات صرب البوسنة بشدة.
أكثر من ذلك، بات زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك مؤخرا؛ أكثر وضوحا في لهجته الانفصالية، متعهدا "بالمضي حتى النهاية لانتزاع السيطرة على أراضي الإقليم من السلطات المركزية"، وهو ما يحيي المخاوف من تجدد الصراع الأهلي الذي حدث في التسعينيات. وبينما تشتد حدة الصراع السياسي، يخشى غالبية المواطنين في البوسنة من تجدد المواجهات الدموية مرة أخرى، وهو خطر لا يهدد البوسنة وحدها، لأن آثاره من المرجح أن تضرب أوروبا بأسرها.
لطالما كان رئيس جمهورية صرب البوسنة ميلوراد دوديك، نجمًا ساطعًا في الشأن السياسي داخل البلقان، بالأخص بين القوميين الصرب، ومؤخرًا بات يتحدث عن طموحاته علنًا، فهو يريد -بحسب المنصة الألمانية "دويتشه فيله" (DW)- أن يستولي على أراضي صرب البوسنة ويستقل بها ثم يتحد مع صربيا، وقد صرح أمام الجماهير بوضوح أن "صرب البوسنة وصربيا أمة واحدة، وفي يوم ما سنكون دولة واحدة". كما أشار بوضوح إلى أن اتفاقية دايتون لم تعد سارية ولا تعنيه، وقد سبق أن هدد في العام الماضي بأنه قد يعلن استقلال جمهورية صرب البوسنة قريبًا إذا ما تغيرت الظروف الدولية.
إعلانوبخلاف ميوله العرقية المتطرفة، يمتلك دوديك قائمة من الأسباب الشخصية التي تدفعه لإثارة النعرات الطائفية في البلاد لصرف الانتباه عن الفساد والوضع الاقتصادي المزري في مناطق سيطرته والعقوبات الأميركية المفروضة عليه هو وعائلته ورجال نظامه، ومن ثم فهو يحاول أن يستخدم النزعات القومية كغطاء لحماية تضخم ثروته المتركزة في مجالات العقارات وتكنولوجيا المعلومات ووكالات التوظيف والقطاع المالي.
بحسب بيانات وزارة الخزانة الأميركية، استغل دوديك منصبه الرسمي لمراكمة الثروة الشخصية من خلال شركات مرتبطة به وبنجله إيغور دوديك. على سبيل المثال، في عام 2024، مارس دوديك نفوذه على كبار المسؤولين الحكوميين في البوسنة والهرسك للتلاعب بمشروع ميزانية الدولة بحيث يمكن منح عقد على مستوى الدولة لمجموعة "بروينتر" (Prointer) المرتبطة بأسرته دون الخضوع للعملية التنافسية.
لم يكن ذلك أكثر من مثال على نمط متكرر من التربح الشخصي الذي تغذيه السياسات العنصرية والعرقية، فعلى مدار سنوات، استغل دوديك منصبه الرسمي لتوجيه العقود الحكومية إلى شبكة الشركات التي يسيطر عليها هو ونجله وأفراد أسرته ورجال نظامه، عامدا إلى إخفاء هذه السيطرة بالاعتماد على مالكين ومديرين شكليين. وتعد مجموعة "إنفينيتي الدولية" (Infinity) درة التاج في هذه الشبكة الاقتصادية، حيث تسيطر -بشكل مباشر أو غير مباشر- على 5 شركات أخرى على الأقل، وهي: "بروينتر" (Prointer) التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات، وكالديرا (kaldera) العاملة في مجال الهندسة، و"إنفينيتي ميديا" (Infinity media)، وشركة "كي-2″ لخدمات الصوت (K-2)، و"شبكة أونا العالمية" (Una).
إضافة إلى ذلك، يمتلك ميلوراد ونجله أيضا شركة "سيريوس" (ٍSirius) وهي شركة لتكنولوجيا المعلومات تعمل مع شركة "بروينتر" على توفير خدمات التكنولوجيا للمؤسسات الحكومية في جميع أنحاء البوسنة. وبحسب شبكة التحقيقات الاستقصائية في البلقان (BIRN) فإن 3 شركات فقط من الشبكة المرتبطة بميلوراد دوديك -وهي "بروينتر" و"سيريوس" و"كالديرا"- حصلت على أكثر من 1400 عقد حكومي منذ تأسيسها، بقيمة إجمالية تجاوزت 250 مليون يورو.
إعلانفي ضوء ذلك، وضعت وزارة الخزانة الأميركية دوديك ونجله ومعظم الشركات المرتبطة ومديريها ومسؤوليها التنفيذيين على قوائم العقوبات، كما عاقبت العديد من المسؤولين في صربسكا بسبب دورهم في تقويض اتفاقية دايتون وتأجيج التوترات العرقية والانفصالية.
ونتيجة لذلك بحسب "دويتشه فيله"، فإن السؤال الذي يُطرح في أوروبا اليوم هو: هل ستقوم حرب قريبة في البوسنة ومنطقة البلقان؟ ولا يعد هذا السؤال عبثيا أو مجرد ضرب من التنبؤات المتشائمة، ولفهم ذلك يتعين علينا العودة إلى الوراء لتتبع جذور التوترات الحالية في البوسنة والهرسك، وكيف عادت أشباح الحرب لتهدد البلاد مرة أخرى.
يمثل نظام المحاصصة الطائفية في البوسنة نمطا غريبًا للحكم بعض الشيء، فبخلاف المجلس الرئاسي والمؤسسات المقسمة عرقيا، هناك سلطة عليا أجنبية في البوسنة يمثلها الآن الألماني كريستيان شميدت، الذي يشغل منصب المندوب السامي للبوسنة والهرسك، وهو منصب تم إنشاؤه بموجب اتفاقية دايتون لضمان إشراف أوروبي أميركي على العملية السياسية في البلاد. ويمتلك المندوب السامي فعليا السلطة الأعلى في البلاد، وبإمكانه مثلا منع إقرار قوانين بعينها رغم كونه أجنبيا وغير منتخب من أي من فئات وأعراق الشعب البوسني، لذلك غالبا ما يثير هذا المنصب خلافات مكتومة بين البوسنيين حيث يراه البعض مستعمرًا أجنبيًا، في حين يرى آخرون أن وجوده يوفر ضمانة لئلا تعود ذكريات الحرب الأهلية مرة أخرى.
تمتد الخلافات البوسنية لتطال هوية الدولة أيضا، فالمسلمون البوشناق على سبيل المثال أكثر ميلا إلى فكرة الدولة المركزية الديمقراطية الموحدة اللاطائفية، لأن بإمكانهم أن يصبحوا اللاعب الأكبر والأكثر تأثيرا في تلك الدولة، حيث نجح المسلمون في تعزيز قوتهم الديموغرافية والسياسية والعسكرية بشكل ملحوظ، مقارنة بالوضع في التسعينيات. في المقابل، يبدو الكروات أكثر ترددا، أما الصرب فتنتابهم نزعة انفصالية قوية يغذيها قادة سياسيون يرغبون في الانفصال عن هذا النظام برمته والانضمام إلى أقرانهم في صربيا المجاورة.
في مارس/آذار الماضي، أعلنت السلطات المركزية في البوسنة والهرسك إصدار مذكرة توقيف دولية بحق الزعيم الصربي دوديك حين كان في زيارة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وذلك على خلفية "تحديه سلطة المندوب السامي" ورفض تنفيذ توجيهاته، فضلًا عن مخالفته دستور البلاد وانتهاكه قوانين نافذة تجرم إنكار جرائم الإبادة الجماعية التي حدثت بحق مسلمي البوسنة في التسعينيات، وهو ما تسبب في صدور حكم بسجنه لمدة عام ومنعه من تولي المناصب العامة لمدة تصل إلى 6 سنوات، وهو الحكم الذي رفضه دوديك وتحداه.
في إطار هذا التوتر العنيف بين السلطة المركزية في البلاد وجمهورية صرب البوسنة، كان دوديك الذي يهدد بالانفصال قد سن قوانين تمنع التعاون بين جمهوريته وبين السلطات المركزية في سراييفو، ومنع تلك المؤسسات المركزية -ومنها القضاء والشرطة ومكتب المدعي العام- من العمل داخل جمهورية صرب البوسنة "صربسكا"، بل وحث المواطنين من العرقية الصربية علنًا على الاستقالة من مناصبهم في الأجهزة المركزية في البوسنة، وأن يعملوا بشكل حصري في جمهورية صرب البوسنة، مما يعني استعادة الحس الانفصالي لحقبة التسعينيات، وهي الخطوات التي تبعها مؤخرًا زيادةُ عدد قوات حفظ السلام من الاتحاد الأوروبي في البلاد خوفا من تفاقم التوترات العرقية.
إعلانوبحسب ما نقلته مجلة "ذي برلمانت" (The parliament) المتخصصة في شؤون الاتحاد الأوروبي، يبدو أن دوديك لن يتراجع عن تصعيده الانفصالي، مؤكدًا -حسب تعبيره- أن الصرب لن يخضعوا بعد الآن لما أسماها "محاكم التفتيش". وكما يقول الباحث المشارك في مجلس سياسات الديمقراطية، كورت باسوينر، فإن ما يقوم به دوديك حاليا هو التوجه بفاعلية نحو الانفصال القانوني عن البوسنة، وهذا قد ينتج عنه اندلاع الحرب.
كذلك تعتبر مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن خطوات دوديك الانفصالية هي أكثر هجمة متطرفة يشنها على الدولة المركزية منذ اتفاقية دايتون، مؤكدة أن الطبقة الحاكمة العميقة في البوسنة -وعلى رأسها القوميون الكروات والصرب- عارضوا دائمًا دمقرطة البلاد، وانتهجوا السياسات العرقية والقومية بديلًا عن السياسات الجامعة والتوافقية، لأنهم يعلمون أن مصالحهم ترتبط ببقاء البلاد رهينة للطائفية العرقية.
في غضون ذلك، أوضح تقييم التهديدات السنوي لعام 2024 الصادر عن أجهزة الاستخبارات الأميركية، أن هناك خطرا واضحا يتمثل في أن القادة القوميين في غرب البلقان من المرجح للغاية أن يصعّدوا قريبًا التوترات العرقية، وأن يزعزعوا استقرار المنطقة. وإمعانا في النظرة التشاؤمية، قارنت مجلة "واشنطن إكزامينر" الأميركية التوترات التي تحدث حاليًا في البلقان بالتوترات التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى. وبحسب المجلة فإن أوتو فون بسمارك، الذي أشرف على توحيد الولايات الألمانية وتأسيس الإمبراطورية كان قد تنبأ في عام 1888، أي قبل الحرب العالمية الأولى بعقود، بأن أوروبا ستندلع فيها حرب كبرى بسبب أمر تافه سيحدث في منطقة البلقان.
إعلانوبحسب المجلة الأميركية المحافظة فإن الوضع الحالي مشابه للغاية لما حدث قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، فالصرب يضعون أنفسهم في مركز النزاع من ناحية سعيهم إلى إنشاء "دولة صربية واحدة لأمة صربية واحدة"، في حين أنهم موزعون على دول عديدة، من أهمها وأكثرها قابلية للاشتعال: البوسنة والهرسك. كذلك، فإن الأمر في البوسنة مشابه تمامًا لما كان عليه الأمر قبل الحرب العالمية، فحينها كانت تدار البلاد من قبل أجانب من النمسا والمجر، واليوم هي تدار من قبل وكلاء الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ويوجد فيها -بحسب المجلة- مندوب سامٍ وحاكم استعماري ألماني.
وبينما يرى المسلمون أن الحكومة المركزية في سراييفو لديها صلاحيات أقل مما ينبغي أن تكون لحكومة مركزية، يرى الصرب والعديد من الكروات أن تلك الحكومة المركزية لديها صلاحيات أكثر بكثير مما يريدون، ومن ثم فإن ترتيبات ما بعد الحرب تجعل الجميع غير راضين، والوضع في انتظار أقل شرارة ليشتعل مجددا.
وحتى الآن، يبدو أن ما يمنع انفجار الأوضاع فعليا هو عدم امتلاك المتطرفين العرقيين الصرب للأسلحة اللازمة لشن الحرب مجددا. صحيح أن شرطة جمهورية صرب البوسنة تمتلك أسلحة روسية جيدة دأب دوديك على استيرادها، مما يجعلها شرطة شبه عسكرية، وصحيح أنه يحافظ دومًا على مظاهر العسكرة في منطقة سيطرته، بل إنه هدد مؤخرًا بإعادة تشكيل جيش مستقل لجمهورية صرب البوسنة، لكن حتى الآن لا يبدو أن دوديك يملك ما يكفي لشن حرب شعواء قد تغرق أوروبا كلها، إذ ما زالت دايتون ناجحة في مسألة حل الجيوش العرقية داخل البلاد واستبدالها بقوة مسلحة موحدة بوسنية صغيرة، لكن يظل هناك أطراف خارجية أخرى ربما تغير هذا المشهد.
الأيادي الخارجية.. صربيا وروسيا والمجر"تعمل جمهورية صرب البوسنة كوكيل لروسيا في غرب البلقان، وهي ساحة معركة حاسمة في التنافس الجيوسياسي بين روسيا والغرب.. الدعم الروسي ضروري لاستدامة الطموحات الانفصالية لقيادة جمهورية صرب البوسنة"
فيلما ساريتش، رئيس مركز أبحاث ما بعد الصراع في سراييفويعتمد دوديك في طموحاته الانفصالية التي يعارضها الغرب بشدة على محاولة بناء علاقات عميقة مع حلفاء آخرين، ويبدو أنه يحاول جاهدًا أن يبني تلك التحالفات مع بلدان أرثوذكسية مسيحية أو يحكمها اليمين الديني المحافظ، سواء كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي (التي يحاول أن يغازلها) أو صربيا (بحكم البعد العرقي قبل كل شيء) أو المجر أو روسيا، أو حتى الولايات المتحدة تحت حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب. إلا أن تصريح وزير خارجيتها ماركو روبيو مؤخرًا بأن تصرفات ميلوراد دوديك تهدد أمن البوسنة والهرسك وتقوض مؤسساتها، قد أوضح تباينا في المواقف بين أميركا ودوديك.
إعلانوتعد جمهورية صرب البوسنة تحديدا حليفا محتملا مهمًّا بالنسبة إلى روسيا والصرب، حيث يعتمد دوديك في تسليح شرطته على الأسلحة الروسية. وبحسب "واشنطن إكزامينر" فإن تقديرات الاستخبارات الغربية تشير إلى أن دوديك وضع خططا بالفعل لإعادة تسليح منطقة سيطرته بمساعدات روسية كبيرة، رغم أن الأمر لم يتخذ شكلا جديًا حتى الآن.
وقد التقى بوتين ودوديك على مر السنين في لقاءات ودية، بل حتى حين أصدرت البوسنة مذكرة التوقيف بحق دوديك سافر بعدها إلى موسكو وانهال بعبارات المديح على الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين واعتبره شريكه في الحرب ضد النخبة الفاسدة العالمية، وأكد أن روسيا تدعمه وتقف إلى جانب بلاده المحاصرة.
وفي المقابل، لطالما اعتبرت موسكو صرب البوسنة حلفاء لها، ومنذ عام 2022 (بعد اندلاع حرب أوكرانيا) وسّعت روسيا من قوتها الناعمة في منطقة البلقان، بحسب منصة "ذي كونفيرسيشن"، إذ أطلقت خدمات قناة "روسيا اليوم" في صربيا والبوسنة والهرسك نهاية عام 2023.
وفيما يبدو، تسعى روسيا من خلال علاقتها بصرب البوسنة لإثبات قدرتها على تهديد أوروبا عبر واحدة من نقاط الضعف الرئيسية للقارة العجوز.
على نحو أكثر وضوحا، لا يكف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، عن إعلان تأييده واصطفافه مع دوديك، مبديا حرصه على تكوين علاقة وثيقة مع جمهورية صرب البوسنة، إذ منحها 100 مليون يورو و110 ملايين أخرى على هيئة قروض، فضلا عن استثماره 140 مليونا في مشاريع طاقة وبنية تحتية في جمهورية صرب البوسنة، وذلك بحسب مشروع "ريبورتينغ ديموكراسي" التابع لشبكة التحقيقات الاستقصائية في البلقان، بل إن المجر في أعقاب تصاعد أزمة دوديك مع القضاء والمؤسسات المركزية البوسنية أرسلت 300 جندي من قوات شرطتها إلى الجمهورية لإجراء تدريبات ومناورات مشتركة مع شرطة صربسكا، بحسب مجلة "ذي برلمانت".
وأخيرًا، تأتي صربيا التي يريد دوديك في نهاية المطاف أن ينفصل بجمهوريته ليتحد معها، باعتبارها أمته الحقيقية. وبحسب "واشنطن إكزامينر"، فإن صربيا باتت في الفترة الأخيرة تدور في فلك روسيا أكثر وأكثر، بل إن موسكو ساعدتها في قمع المظاهرات المناهضة للنظام داخلها. ومثلما طورت روسيا مفهومًا مفاده توحيد "العالم الروسي" حتى ذلك الواقع في مناطق خارج حدودها الرسمية، فإن صربيا أصبحت مؤخرًا مؤمنة بالأمر ذاته وهو توحيد الأمة الصربية حتى تلك الواقعة في بلاد خارج حدودها.
ومع أن صربيا ترفع علنًا شعار احترام سيادة البوسنة واتفاقية دايتون، فإن رئيسها أليكسندر فوسيتش يظهر دائمًا دعمه لدوديك، وأعلن بعد صدور الحكم على الأخير أن تصرفات المندوب السامي الألماني في البوسنة مزعزعة للاستقرار، وأن الحكم على دوديك "غير قانوني ولا ديمقراطي". فوسيتش الذي يهتم كثيرًا بتسليح بلاده في السنوات الأخيرة، كان قد عقد اجتماعًا طارئًا لمجلس الأمن القومي في بلاده عقب إدانة دوديك، بل والتقى به بعد ساعات من إدانته، واصفًا ما يحدث معه بالأمر "المخزي"، وأكد في خطاباته لجماهيره دعمَه الكامل لجمهورية صرب البوسنة.
إعلانلكن صربيا تمتلك قيودها الخاصة هي الأخرى، وهي لا ترغب في التمادي في دعم صرب البوسنة خوفا من أن يؤدي ذلك إلى إشعال الأوضاع في كوسوفو، ذات الأغلبية المسلمة، والتي لا تعترف صربيا باستقلالها حتى الآن.
وإجمالا، لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو اللذين لم يضما البوسنة حتى الآن إلى صفوفهما رغم محاولتهما مؤخرًا تسريع هذا الأمر، ولا روسيا وصربيا؛ جاهزين لتبعات إشعال تلك البؤرة الخطيرة في أوروبا التي لطالما اشتهرت بأن اشتعالها يشعل معها القارة العجوز والعالم من حولها، لكن المقدمات التي نراها اليوم تعد مؤشرات خطيرة لا يمكن تجاهلها، ومهما بلغ الحذر لدى جميع الأطراف، فلا يمكن لأحد أن يتوقع متى ستنطلق شرارة الحرب التي لن يمكن إطفاؤها.