كمشاهد أرهقتني كثيرًا شخصية جاسم «عادل الجساسي» المأزومة في مسلسل «المديونير» الذي يبثه تلفزيون سلطنة عُمان بعد صلاة المغرب مباشرة ليس لأنها انتهازية تسقط كل مرة بسهولة أمام سطوة المال والطموحات العالية بالثراء إنما لكونها لا تفكر خارج صندوق استغلال الآخر ولا تحاول الهروب من قعر السلبية.
ورغم الانتقادات التي توجه للمسلسل الذي يخرجه عارف الطويل على منصات التواصل الاجتماعي وهو يضم نخبة من نجوم الدراما العُمانية الكبار كفخرية خميس وصالح زعل ومحمد نور إلى جانب مجموعة من الممثلين الشباب، تلك الانتقادات التي تُظهر المجتمع بأنه غارق في العديد من الإشكالات التي تتمحور حول الاستغلال وعدم التورع في استخدام الوسائل للحصول على المال فإن المسلسل يناقش قضية واقعية لا مجال لإنكار وجودها وهي أن هناك مصاعب حياتية بات الجميع يبحث عن مخارج للفرار من الوقوع في قبضتها وإن كان ذلك بطرق غير مشروعة.
يذهب منتقدو «المديونير» إلى أن المسلسل يُقدّم المجتمع بصورة سلبية، فبطله انتهازي لا يفوّت فرصة دون استغلال من حوله، شاب فاشل يسعى للحصول على الثروة من خلال ابتزاز أصدقائه وأهله، قريبهم وبعيدهم، حتى أنه يخطط لبيع منزل والده الذي لا يزال على قيد الحياة.
في حيوات الشخصيات الأخرى في «المديونير» تظهر سمة الاستغلال والانتهازية بوضوح فالشابة الجميلة لا تتردد في استمالة المليونير الكبير في السن للاقتران به بمبرر أنها تتطلع إلى حياة فارهة توفر لها كل الكماليات.. والمرأة التي تحب زوجها لا يضيرها أن تستغل صديقتها بالتخطيط لزواج زوجها منها في محاولة للاستيلاء على ثروتها.
شخصية «جاسم» التي يقدمها الممثل القدير عادل الجساسي باقتدار ليست شخصية قادمة من الفضاء فهي شخصية مألوفة تعيش بيننا ولهذا تحملنا بؤسها وثِقل وطأتها وسلبيتها ونعيش صراعها كما لو كانت تعيش في الحي الذي نسكنه.
«المديونير» دراما اجتماعية تمثل حقيقة المرحلة التي تمر بها الكثير من المجتمعات وليس المجتمع العُماني وحده ولهذا لا ينبغي اعتباره مُوجّها ضد قِيم المجتمع وأعرافه فلم يخلق الله بعد مجتمعًا ملائكيًّا لا تُرتكب فيه الأخطاء والهنات حتى المجتمعات التي عاش فيها أنبياء الله ورسله لم تكن لتخلو من تجاوزات ووقوع جرائم استحقت تحذير الله سبحانه وتعالى من الاقتراب منها كالقتل والسرقة والربا والزنا والكذب والاحتيال وإلا فلماذا بُعث الأنبياء والرسل؟ ولماذا تنزلت الكتب السماوية والشرائع المقدسة؟
النقطة الأخيرة..
رغم أن «المديونير» دراما واقعية حاولت الاقتراب من قضية الانتهازية وجنوح الحياة المستمر نحو المادية، فإنها، ونحن في الحلقة الـ21، لم تخاطر ولو باستحياء بالتطرق إلى: لماذا تعيش هذه الشخصيات معاناتها تلك؟ وكيف يمكن حلحلة إشكالات تجذّرها، الذي سيكون خطرًا في المستقبل؟
عُمر العبري كاتب عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
النبوغ في الممارسات الاستبدادية.. تأملات في مأزق الأمة وتحولات الأنظمة
هنالك أمور غيبية يظنها البعض مسلمات لا شية فيها، كالقول تخمينا بأن إقدام السعودية على جريمة التطبيع سيجر دولا خليجية وغيرها إلى المصير ذاته، مع لحاظ أن مصر أقدمت على ذات الجرم ولم ينجر وراءها غير الأردن والسلطة الفلسطينية وبعد سنوات، كما أدى ذلك إلى مقتل السادات. لن تدوم الحرب حتى تهزم المقاومة، أرى هزيمة الكيان أقرب للحقيقة من غيرها، لأن حد جيشه يفل عندما الالتحام بسهولة، وذلك يغري بالثبات والحماسة، ويبث الوهن في الجنود والشعب اليهودي، ولا أمل لهم تبقى على هذه الأرض المباركة. والأيام القادمة في صالح أهلنا المرابطين، ولا أسف على شهدائهم.
هنالك سمفونية موازية أليق بأمتنا أن تعزف عليها، فالمقاومة بثباتها وإثخانها في عدوها أثبتت أنها الطرف الصعب في المعادلة، ودخول الجبهة اليمنية بقوة عقد مهمات الجيش المهزوم، وأذرع المحور المقاوم في لبنان والعراق تقضي استراحة مقاتل لا أنها هزمت، ودخول المواجهة الباردة بين إيران والكيان في مرحلة تحكمها قواعد اشتباك جديدة ليس منها ضبط النفس السيئ السمعة، وسورية ليست في وارد التخلي عن مبادئها بعدما تعززت بالظهير التركي على علاته. علاوة على أن الصهاينة أنفسهم يعانون من لعنة البلد الذي احتلوه ونكلوا بأهله، وقد طفق معظمهم يفكر جديا في المغادرة، بعدما تحطمت قشور البيضة الأمنية التي كانت تحميهم.
سيعرى الغطاء الإسلامي عن القيادة السورية الذي نالت به الدعم الداخلي والخارجي وقبلهما المدد الإلهي، إن هي أقدمت على التطبيع مع الكيان المجرم، إنها ستكون خطوة انتحارية تئد المولود الجديد وهو في قماطه.إقحام "السنة والإسلام"، في وصف محور يراد له أن يكون درعا للاحتلال في مواجهة محور لا يزال يؤدي ما يستطيع من مقاومة، ظلم لشعوب العالم الإسلامي، التي تتشوق للقاء العدو على أرض المحشر. لا يستطيع اللبنانيون الخروج برؤية تحفظ بلدهم من العدوان الإسرائيلي سواء أعقد هذا مؤتمر وطني جامع أم لم يعقد. إنه بين فئات تريد العيش بسلام المهزوم وفئات تريد المقاومة ولا تبالي بالموت، وفي ظل مقاومة فترت بعد إسناد مشكور_ لا مناص من العودة إلى تفعيل هذا الخيار ولو بالحد الأدنى من التضحيات. لبنان ليس للبيع ولا للتطبيع، وبئست حياة لا عز فيها! وليأخذ اللبنانيون العبرة من غزة واليمن وأفغانستان.
من الممكن أن يصل المحقق البيطار في تفجير المرفأ إلى رأس الخيط لوجود أطراف خارجية يعنيها استمرار التحقيق و"نزاهته"، ولكن القضاء اللبناني الحالي عاجز على تتبع مسار الخيط حتى نهايته، لأن تركيبة لبنان العسيرة التفكيك تحول دون ذلك، ولهذه النهاية سوابق كثيرة، أرجو ألا تنتهي بالقاضي نفسه إلى المصير المشؤوم.
من الأحسن التفكير في بديل نكون فيه نحن المؤثرين لا المتأثرين، فأكثر المؤثرين الذين تتدفق ثقافاتهم في الفضاء الالكتروني لا يملكون من المنطق الصحيح ما نملك لو أننا تفطنا إلى ما عندنا من خيرية، علما بأن الرداءة عنوان "الثقافة" التي تفعل في مجتمعاتنا فعلها وما أسهل معالجتها.
ليس الغرب والصهاينة بأغرار كي يستطيع الشرع وجماعته خداعهم بالسلام ريثما تبنى دولة قادرة على المجابهة. بئس الخبز لقاء التطبيع! وإنه رغم فجور النظام البائد لم يجرؤ حتى على هذا الطرح الوضيع. ولئن أقدم النظام الجديد على هذه الخطوة فإنها ستكون نهاية مبكرة له وليست كبوة. في سورية أحرار وأباة أولى بقيادة سورية إلى مواقع منيعة لا تعطى فيها الدنية، مواقع تقاتل منه حتى بالذر إن لم تجد ما تقاتل به.
سيعرى الغطاء الإسلامي عن القيادة السورية الذي نالت به الدعم الداخلي والخارجي وقبلهما المدد الإلهي، إن هي أقدمت على التطبيع مع الكيان المجرم، إنها ستكون خطوة انتحارية تئد المولود الجديد وهو في قماطه. للدول أعمار كأعمار البشر تبدأ بالطفولة فالشباب فالكهولة فالشيخوخة فالفناء، وعامل المبادئ والقيم هو ما يمد في أعمارها ويزهر مراحلها، أما الخطأ الجسيم كما يشاع عن الشرع وجماعته نيتهم الإقدام عليه، بلا تفويض شرعي ولا شعبي، فنهاية قصة لم تكد تبدأ بعد.
أمر الجزائر كله عجب! أقر قانون جديد في الجزائر يحيل الموظفة في قطاع التربية الوطنية على التقاعد بمجرد بلوغها سن اثنين وخمسين عاما، نظرا لأن وظيفة التربية مهنة "شاقة"، وقد آن لهذه المربية أن ترتاح. رئاسة المحكمة الدستورية تتولاها السيدة ليلى عسلاوي الاستئصالية الفكر وهي في سن الثمانين، وستبقى فيها لسنوات!! وكذا الحال في رئاسة الجمهورية وكل المناصب العليا التي نرى شاغريها قد بلغوا من الكبر عتيا! السؤال الملح ها هنا: هل إدارة صف من أربعين تلميذا مهنة شاقة وإدارة أربعين مليونا مهنة غير شاقة؟
إقحام "السنة والإسلام"، في وصف محور يراد له أن يكون درعا للاحتلال في مواجهة محور لا يزال يؤدي ما يستطيع من مقاومة، ظلم لشعوب العالم الإسلامي، التي تتشوق للقاء العدو على أرض المحشر.صفة الكتابة هي ورقة التوت التي يضعها الإعلام على سوءة الجاني بوعلام صنصال لتضليل الناس، لأن الرجل كان عين فرنسا في دواليب الحكم الجزائرية، وهذا سر الاهتمام الفرنسي به من أعلى المستويات، وما زال في الجزائر أمثاله كثير يؤدون الدور نفسه بإخلاص وتفان لعلمهم بأن أمهم الحنون فرنسا ودولة الاحتلال الصهيوني لن تتخليا عنهم، وهذا الطابور المشبوه معروف أصحابه بشخوصهم وأسمائهم لدى السلطات الجزائرية ولدى صغار الموظفين في المؤسسات السيادية.
"جوّع كلبك يتبعك" فلتة لسان صدرت من رجل دولة، حكم الجزائر مع العصابة، لم تكن زلة لسان بقدر ما كانت سياسة منتهجة. قانون المالية غايته أن يجعل المواطن يلاحق المعيشة طوال عمره. وإن ذاك الجلد والحيوية للشباب الجزائري من أجل الحياة الدنيا لتستفيد منه دول أخرى، وأخرى لا تلقي بشبابها عبر هذا التطواف الدولي خدمة لغيرها عبر تجارة "الشنطة". هل رأيت شبابا صينيا أو قطريا يعمل عملا كهذا؟ تتسبب السياسة البائسة للجزائر في ظهور هذه الممارسات، وهي على مشروعيتها إلا أنها مهينة، خاصة لبناتنا المسافرات عبر الأجواء من أجل لقمة عيش وهن سيدات بيوت وأمهات.
محصنين إلى يوم تجتمع فيه الخصوم عند رب لا يظلم أحدا. يعز علينا أن نرى الممارسات الظالمة تقع بين أهلنا في العراق. العراقيون شعب كريم يستحق أن يعيش حياة أفضل من هذه. وليست هذه منافسة شريفة على خدمة العراق وأهله، في كل مرة تعدل فيها القوانين لشرعنة الانتخابات تذبح الفضيلة، مرة تلو أخرى، من طوائف متفرقة، كانت بالأمس القريب صائمة قائمة وحاجة معتمرة. هذه مشهدية مخزية تكتبها الحفظة على مرتكبيها، وستنتهي هذه المهزلة لا محالة في يوم يشعر فيه من استضعف بفرج قريب من عند الله تعالى.
إنه "كيفما تكونوا يولى عليكم" أو هكذا هي الأمور في الخضراء، بعدما اختار التونسيون رئيسهم "ديموقراطيا" وفرحوا بما صنعوا، من دون أن يسائلوا أنفسهم أكان في ذلك "الإنجاز" رضاء الله عز وجل أم لا؟ وتبقى فتحة النجاة من هذا النفق المظلم الذي أدخلهم فيه الرئيس المنتخب من هاهنا، إذا ما أراد أهلنا التوانسة خيرا بأنفسهم.