جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-05@13:54:40 GMT

المشاعر وأماني العيد

تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT

المشاعر وأماني العيد

 

 

فاطمة الحارثية

 

هناك الكثير من السرد والقليل مما يُحكى، كثر اللغو حتى آثرت المتابعة بصمت، يخيل لي في كثير من الأحيان أنَّ البعض منَّا قد يلجؤون إلى الاقتداء بأهل الكهف نصرة لعقولهم ودينهم. اختلط كل شيء بالفراغ وتمكنت أشباه السعادة والرفاهية في بعض الناس من حولنا، غرتهم الحياة الدنيا، ومالوا إلى "خلنا نعيش الحياة مرة وحدة"، تناسوا الحياة الآخرة إلى أن نسوها وتجرأوا على إنكارها وتكبروا.

يتوقع المخلص أن يُعامل بالإخلاص، مثلما يتوقع الخائن أنَّ من حوله خونة، هي طبائع البشر المتناقضة والمثيرة للدهشة، البعض يحاول بكل جهد أن يحبه الآخر، ويُقدره ويفهم رغباته ويدعمه في كل شيء يفعله، بغض النظر إن كان صوابًا أم خطأ، وبغض النظر إن كان هو نفسه يحبه أم لا، ولا يبذل أي جهد ليُقابل المعاملة الحسنة بالمثل، وقد يبلغ الأمر منتهى الأنانية، بأن يستغل الآخر ويبتزه عاطفيا دون رحمة ولا وشفقة؛ بل وقد يتمادى بقسوة مطالبه وإذلاله، وكأن العواطف الجياشة والصادقة جريمة تستحق الابتزاز، كم نحن ضعاف أمام عواطفنا، وكم ألم على الأرض من عاطفة صادقة، وجرائم باسم المشاعر النبيلة، وانتهاكات بحجة "مشاعر افتراضية"؛ لنتفق أن جميعنا تُربكنا مشاعرنا، وهي أساس قراراتنا سواء مشاعر إيجابية أو سلبية، وأكثرها تعقيدا مشاعر الحب، وأصعبها مشاعر المسؤولية.

نُقبل على إجازة سعيدة، نرغب فيها بلم الشمل والضحك، والتعبير بمشاعر جميلة لصياغة ذكريات خالدة تصنع علاجاً في أيامٍ مكفهرة، نحمل فيها الكثير من الأمنيات، الصغار مع أماني العيدية، والشباب مع أماني اللقاء وسعادة التباهي، والكبار، لا يخلو قلب من أمنيات، ولهفة تحققها، نجسد كل الأمنيات في طلب أو دعاء، من علمنا أن نتمنى؟ ومن قال لنا إن الأماني يجب أن تتحقق؟ من علمنا ذلك لم يُعلمنا حدود الأمنيات، ولا قواعد حقوق الآخرين فيها، ولم يقل لنا أن نراعي الآخرين فيما نتمناه لأنفسنا، فربما تكون أمنية بسيطة، بيد أن مقابل تحققها ظلم مؤلم جارح لآخر، قد نتمنى أمنية بسيطة أغلبنا يسعى لها، وهي أن يُفضلنا أبوانا على الآخرين، نعم قد تراها حقا بسيطا، وما رأيك أليس ظلماً لبقية الإخوة؟ ألا يُحتمل أن يُعاقب عليها الأبوان عند الباري بسبب التميز بين الأبناء، قد تُرى أمنية بسيطة وحق مشروع.

انظر إلى أبعد من ذلك وإلى أبعاد طلبك، أو دعائك قبل أن تتمنى وتتضرع في طلبه.

علموا أطفالكم عن الأماني كما يجب أن يعلم، لا تبخسوا الأمور حقها، حتى لا تُكتب عليهم مظالم الجهل، اخبروهم أن ثمة من لا يمتلك العيدية فلا يُحرجوا الناس في طلبها، وثمة من لم يلبس جديدا فليسعدوا بجديدهم دون التباهي، وثمة مريض هو أحوج للدعاء، وثمة ثكلى في السودان وفلسطين والكثير من المُسلمين فقدوا أعزاء، ليكون عيدنا عيدًا كريمًا نُعين فيه بما نستطيع من مال ودعاء خالص، نضحك ونتمنى للآخرين أن يسعدوا أضعافا، لنوحد أماني هذا العيد للجميع، لنحاول أن نستبدل دموع الشوق بالدعاء، لنحاول أن لا نحزن حتى لا يحزن من حولنا، لنحاول أن نحول كل موقف غير طيب، إلى عبره تثلج الصدور الحزينة، لا تدعوا إلى الأمل بل اصنعوه، واتبعوا أسبابه، وابهجوا الكبار قبل الصغار، فالطفل يضحك لضحك امه وجده، وكبار السن هم أحوج منا لابتسامة ترتسم على وجههم المثقلة، المشاعر الصادقة، تصنع فرقا حتى وإن لم تُقابل بالمثل.

لنتعامل مع مشاعرنا، رغم صعوبة ذلك، وقسوة الأهواء والرغبات فهي في دواخلنا، أي أنت نفسك فقط تستطيع أن تتعامل معها، ولا تحمل غيرك فوضى مشاعرك وأهوائك، تعامل معها بما يُرضي الغالب من حولنا، بلا ضرر ولا ضرار، ليس علينا أن نرضى الجميع، ولا أن نحب من لا نستطيع حبه، ولا أن نتشارك الرغبات، ومع ذلك لا بأس أن نحاول أن نتقبل من حولنا بهدوء وحكمة وتفهم، صديقا أم عدوا، فنحن بشر لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، ولنعلم أطفالنا ذلك، فالكمال لله وحده لا شريك له.

وإن طال...

"عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ"، قد يُفاجئنا العيد بلقاءات تحمل الكثير من الشجن، ابتسم فقد عاد بما مضى فاصنع الجديد، ولا نعلم من سيكون هذا العيد عيده الأخير على الأرض، فاصنع الذكريات، وعش اللحظة التي تصنعها بفرح، بعض الجهد يُعفي ندم الدهر.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رائد العيد : الـلايك أصبح الأفيون الرقمي للإنسان المعاصر

* الناس يضغطون 60 تريليون مرة سنويًا على زر "الإعجاب" بما يجعله "أكبر طقس بشري في التاريخ"!

* الآن تُمدح الكتب دون قراءة .. وتُروَّج المحاضرات والمنتجات الثقافية دون مشاهدة

* الاستقلال الثقافي ليس خيارًا سهلًا .. وكثير ممن اختاروه في حياتهم غابت أعمالهم

يجعلنا الكاتب السعودي رائد العيد نعيد التفكير في تصرفاتنا اليوم كمثقفين، حين نقرأ كتابه الجديد "مدائح تائهة"، إذ صار أهم تصرف لنا هو التقييم بـ"اللايك" و"النجوم"، بغض النظر إذا كنا لم نقرأ الكتاب أصلًا، وبذلك صار دعم صديق الشلة أهم من الرسالة الثقافية.

الكتاب ليس مجرد تأمل في المديح فقط، وإنما في كثير من الأفكار الأخرى، كحدود الحرية، واللامكان، واللعب، والهامش، والنظر من أعلى، حيث يجعلنا نراها بطرق أخرى مبتكرة جدًا، يبرع فيها رائد، إذ أصدر سابقًا في تلك النوعية من الكتب التي لا تتقيد بشكل كتابي محدد "ننفكشن" ثلاثة كتب هي: "أشقاء الزورق الواحد"، و"دروب القراءة"، و"درب الكتابة". هنا حوار معه حول الإنسان والمديح.

كيف جاءتك فكرة الكتاب؟

بعد أن أنهيت كتابي الثالث "أشقاء الزورق الواحد" قررت الكتابة عن الذات أكثر من الآخرين الذين استغرقوني فيه، وبدأت أتتبع بعض الموضوعات الهامشية التي تلفت انتباهي بتأملها والكتابة عنها، وفقرة تجر أخرى حتى تشكلت الموضوعات وقررت تأليفها في كتاب. عندما تمدح ما لا يستحق المدح بنظر الآخرين تزداد قيمته عندك، وتحاول إثبات استحقاقه لمدائحك التي كان ينبغي أن تُصرف لأهم منه.

لا يخضع الكتاب لتصنيف أدبي محدد "ننفكشن".. ما الحرية التي يعطيها لك غياب الشكل الصارم؟

حرية الفكرة، لأن الشكل المؤطر بجنس أدبي معين يُحاكم الأفكار أحيانًا ويتعذر التعبير عنها بالشكل المناسب لها، بينما في كتابة النص المفتوح الفكرة هي القائد للكلمات، والمحددة للوجهة. تستهويني الأفكار المتداخلة، وأنفر من الانحصار في القالب الواحد والعلم الواحد، وهذا النوع من الكتابة يفتح الطريق أفقيًا وعموديًا للأفكار حسب حاجتها وامتداداتها، ولا يدفعها في طريق محدد سلفًا ومسيج طولًا. وربما البحث عن حرية الكتابة تعويض عن غياب الحرية الحياتية.

لماذا اخترت عنوان "مدائح تائهة" الذي يعطي انطباعًا خاطئًا بأن الكتاب كله عن المديح؟

أترك للقارئ مهمة التقاط السبب وفتح باب التأويلات اللامنتهية.

كل فصل بدأته بقصة شخصية ثم انتقلت من خلالها إلى الفكرة.. لماذا اخترت هذا البناء؟

لأن المواضيع التي اخترتها كلها لي معها تجارب شخصية، ومواقف خاصة دفعتني للكتابة عنها، والتوسع في تحليلها واستنطاقها في الآداب والحياة، مع ما يوحي به هذا البناء من حميمية مع القارئ الذي يرى الكاتب بحالات مختلفة ومواقف متعددة.

ما البحث الذي قمت به لتكتب حول تلك الأفكار المتنوعة؟ وما الزمن الذي استغرقته منك الكتابة؟

بحوث عدة وليست بحثًا واحدًا. كانت الكتابة متباعدة المدد، وعندما تأتيني فكرة الفصل الواحد أتأملها وأكتب ما بخاطري، ثم أستهدف بعض القراءات المحيطة بالموضوع للتوسع فيه، وقد أقرأ الكتاب والكتابين والثلاثة ولا آخذ منها شيئًا، فقط يمتعني تتبع الفكرة وامتداداتها، فالمواضيع قابلة للتوسع لو أردت، ولكني آثرت الاكتفاء بالقليل وترك الفرصة لمدائح القارئ الخاصة. وأخذ الكتاب مني ثلاث سنوات تقريبًا.

حتى الجمادات صارت تطرب للمديح كما تقول.. كيف؟

تتصدر أغلفة الكتب اقتباسات الثناء عليها، والمراجعات المادحة لها، وجمل رنانة تحاول تسويقها، وكأن الكتاب يتمايل طربًا بما ظفر به من مدح. وتجد الفكرة نفسها مع جمادات أخرى غير الكتاب، بات من النادر أن تخلو المنتجات من أوصاف تسبغ عليها المدائح وتسوق لها بالثناءات، لأن الإنسان صار منقادًا لمثل هذا، ولا يخاطر باكتشاف ذاتي أو اختيار مستقل.

عصر المديح الذي نعيش فيه مدد من حضور المدائح على الأشياء وجعل الإنسان مأسورًا بها، يبحث عنها ويتعلق بها، ولم تعد الثناءات الشخصية هي المحصورة في البحث والشراء، كما كان يفعل الأمراء مع الشعراء، بل باتت الشركات تبحث عن اعتمادات الثناءات وشهادات المدائح لأفضل بيئة عمل أو أحسن مكان ونظام، ويدفعون من أجل ذلك المبالغ الباهظة، فقط من أجل الفرح بمدح يعرف الجميع هشاشته.

لماذا تعرّف الإنسان بأنه حيوان مدّاح؟

لا ينفك الإنسان عن المدح، للأشخاص وللكائنات وللجمادات، وإن لم يجد من يمدحه مدح نفسه، تصريحًا وتلميحًا. بينما الحيوانات الأخرى لا تمارس هذا الفعل، تعيش على مبدأ المنفعة المتبادلة والأدوار المحددة، بينما يطمح الإنسان لأبعد من ذلك، فيبحث عما لا يحق له بمدحه، أو يستطيل على دور غيره بعذب كلماته.

لماذا صار الإنسان عبدًا لـ"اللايك"؟ وكيف يمكنه الشفاء منه؟

أصبح "اللايك" الأفيون الرقمي الذي يعيش عليه الإنسان المعاصر ويبحث عنه صباح مساء، طلبًا وتقديمًا؛ يُقدم للدماغ دفقات أشبه بأثر التعاطي، وما لم ينتبه الإنسان لذلك فقد يتطور الأمر معه لتقديم الكثير من التنازلات طلبًا له. في كتاب مارتن ريفز وبوب جدسون عن زر "اللايك" تتبع رائع له، ويقدّران أنه يُضغط نحو 60 تريليون مرة سنويًا، ما يجعله "أكبر طقس بشري تشاركي في التاريخ"، وبالتالي إنسان اليوم محاصر بهذه الممارسة ومتأثر بها بالضرورة، لما تعبر عنه من قابلية وجاذبية، وأيضًا لما لها من تبعات اجتماعية ومادية أيضًا.

طالما أمضى الإنسان جل وقته على منصات التواصل المصممة لاستبقاء المستخدم أطول مدة ممكنة، سيظل مدمنًا لهذا الزر وعبدًا له، بينما التحرر من هذه المنصات والتخفف منها بين الفترة والأخرى يخفف التعلق بهذه المدائح الضعيفة، مع أهمية مزاحمة هذه المنصات بممارسات إبداعية تُشبع الذات بعيدًا عن الردود اللحظية في المنصات الرقمية التي تُشعر الإنسان بالنشوة الزائفة.

والوعي الفردي بخطورة التعلق بهذه الأداة هو المعول عليه، وكل حديث متجه نحو الشركات والمنصات لن يُحدث فائدة كبيرة، لأنه يخالف منهجية بناء تلك المنصات وسيكولوجيتها التي تعتمد على كسب المزيد من التفاعلات وتحقيق المزيد من الإشباعات.

والارتهان لردود الأفعال يعيد تشكيل توجهاتنا، ويوجّه أفعالنا نحو "طلب السوق" أكثر من "حاجته". والاستقلال أو الاستغناء عن مثل هذه الممارسات وعدم رفع قيمتها داخل ذواتنا، بل وأيضًا داخل مؤسساتنا التي باتت تقيّم نشاطاتها بما تُحدثه من تفاعلات على وسائل التواصل، وإلغاء القيمة الحقيقية والآثار الاجتماعية غير الملموسة، مطلب حقيقي وحاجة ماسة في زمن "اللايك".

كيف ترى فكرة مديح كل ما له علاقة بالشلة الثقافية الآن؟

التكتلات الثقافية ليست ظاهرة حديثة، وتسويق نتاج الأصدقاء ممارسة قديمة، ما قد يبدو جديدًا في الوقت الحالي هو وفرة الأدوات المتاحة لكل أحد، والتوسع في توزيع الثناءات على كل قريب. المأزق في هذه الممارسة أنها مطلوبة ومرفوضة معًا؛ مطلوبة لأن الكاتب بطبيعة الحال محتاج إلى من يقدمه ومن يصدر أعماله ويروج لها ويعرف الناس بها، ومرفوضة لما فيها من خداع وكذب على القارئ وتشويه للمشهد الثقافي بمدائح لمن لا يستحق. تُمدح الكتب دون قراءة، وتروج المحاضرات والمنتجات الثقافية عمومًا دون مشاهدة، وينبري البعض مدافعًا ومحاميًا لكل ما يصدر عمّن يعرفه.

والاستقلال الثقافي ليس خيارًا سهلًا، وكثير ممن اختاروه في حياتهم غابت أعمالهم وهي تستحق الحضور، وتلاشى نتاجهم وهو أهل للخلود، وكثير من العلماء والأدباء خفت صوتهم في المشهد لانعدام "شلة" تبرزهم، أو تلاميذ وأتباع يصدّرونهم. وجود الشلة، أو البيئة الداعمة، لا غنى للكاتب عنه، ولو اقتصرت على أشخاص محدودي النفوذ والوصول، فالحاجة لهم داخلية قبل أن تكون خارجية، كم من كاتب هجر القلم بعدما غاب المدح عنه وانعدم، وكم من مبدع انصرف عن موهبته لضعف مهاراته الاجتماعية التي تكوّن "شلة" له.

ولا ينبغي أن يكون دعم صديق الشلة أهم من الرسالة الثقافية والدور العضوي في المجتمع، والتأييد المطلق "للرفاق" مضر بهم أولًا قبل الآخرين؛ إذ يمنع تطورهم ويعيق تحسن أعمالهم، لما يحصلون عليه من قابلية وترويج كبير، ويتناسون حقيقتها ومن خلفها من أصدقاء يقومون بذلك بدافع المحبة "والفزعة" وليس الاستحقاق والجودة.

لماذا ترفض كتابة مقدمات لكتبك؟

متابعة سلوكيات القراء تُكسب الكاتب إشارات لمناهج الكتابة الأنسب لقارئ اليوم، ومنها أنه قارئ ملول؛ ينفر من المقدمات ويحب الوصول إلى الخلاصات مبكرًا، والتقديم بشكله التقليدي متجاوز لدى كثير من القراء، حتى بات محل سخرية وتندر من بعض الكتاب. تجد إهداء "لمن لا يحبون المقدمات"، وتجد صفحة أولى مكتوبًا عليها "هذا الكتاب بلا مقدمة، انتقل للفصل الأول"، وتجد المقدمات أواخر الكتب بدل أن تفتتح به، وكل ذلك محاولة لعدم إملال القارئ أو تنفيره من الكتاب.

وما اتخذته خيارًا هو إلغاء المقدمة التقليدية بالدخول إلى المتن مباشرة، وجعل الصفحات الأولى بداية لا مقدمة، أي أنها مربوطة بمادة الكتاب نفسها، ومتصلة بها اتصالًا وثيقًا، وليست "كليشيه" متوقعة عن مبررات الكتابة ومنهجية التأليف وظروف البحث، بل التعامل معها باعتبارها مادة أصيلة تقدّم ما تقدمه بقية الفصول بغض النظر عن موقعها.

لماذا ترى أن الكتابة الحديثة مدينة للنسيان؟

الإبداع ابن النسيان، البحث الأكاديمي ابن التذكر. لا يمكن لعقل مزدحم بالمعارف الحاضرة أن يخرج عنها. في عصر الموسوعات والكتب الشرهة، كما يسميها عبدالله إبراهيم، كان الحرص على الذاكرة ومحاولة جمع أكبر قدر ممكن من المعارف هو الهم والهدف، وعندما ظهرت الأدوات المساعدة على الحفظ والأرشفة في العصر الحديث لم يعد الإنسان مهمومًا بهذا الهدف، وراح يبحث عن أعمال بعيدة عن الاشتغال في المحفوظ أو استدعائه.

لماذا قرر الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتيني أن يملأ سقف غرفته بعبارات خالدة في وجهة نظرك؟

مونتيني كان مغرمًا بالاقتباسات، وأنا وعبدالفتاح كيليطو كذلك، ومن يقرأ "مقالات مونتيني" سيجدها زاخرة بالنقول والنصوص عن الكتّاب الآخرين، فهو يفكر من خلالهم ويعبّر بلسانهم، وأرى وضعه الاقتباسات على سقف البيت امتدادًا لهذا الحب، وتقديرًا لهذه الاقتباسات، وفي الوقت ذاته تذكيرًا دائمًا لما تحمله تلك الجمل من توصيات ونصائح لحياة أفضل.

ماذا تعني بتلك الفكرة: اللامكان موضع بلا تاريخ، وينشغل بحاضره، بينما يحمل المكان عبء ماضيه وهمّ مستقبله؟

المقهى الحديث، مثالًا على اللامكان، مهموم بشكله اليوم وحصته من السوق وعدد زواره، أكثر من انشغاله بما كان عليه المكان قبله، أو التخطيط العميق للإرث الخالد بعد عشرات السنوات. هذه الصفة، مع صفات أخرى في اللاأمكنة، انتقلت إلى إنسان اللامكان، وأصبح مشغولًا بيومه فقط، بل بلحظته الحالية، متغافلًا عمّا كان عليه آباؤه وأجداده، ومهملًا لما ينبغي أن يكون عليه أبناؤه وأحفاده.

مقالات مشابهة

  • الرئيس المشاط يهنئ رئيس جمهورية القمر الاتحادية بذكرى العيد الوطني
  • رائد العيد : الـلايك أصبح الأفيون الرقمي للإنسان المعاصر
  • الرئيس المشاط يهنئ رئيس جمهورية الجزائر بذكرى العيد الوطني
  • الرئيس المشاط يهنئ الرئيس الجزائري بذكرى العيد الوطني
  • الملك يهنئ الرئيس تبون بعيد استقلال الجزائر ويعرب عن مشاعر الأخوة والتقدير
  • «يا مشاعر».. نوال الزغبي تطرح 3 أغنيات باللهجة المصرية في ألبومها الجديد
  • نوال الزغبي تغازل جمهورها المصري وتطرح 3 أغنيات جديدة قريبًا