حكم بالمؤبد ينتظر جزائريا اتهم بإحراق زوجته حية في فرنسا
تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT
طلبت النيابة العامة الجمعة في بوردو جنوب غرب فرنسا الحكم بالسجن مدى الحياة مع فترة ضمان مدتها 22 عاما على رجل متهم بإحراق زوجته حية، في جريمة قتل هزت فرنسا.
وكان بوتاع اختبأ منذ فجر ذلك اليوم في شاحنة صغيرة راح منها يراقب تحركات زوجته البالغة 31 عاما والتي اقترن بها عام 2015، ثم نفذ جريمته عصر اليوم نفسه.
وواظب المتهم البالغ 48 عاما طوال جلسات المحاكمة التي بدات الاثنين على القول إنه أراد « إخافتها » من دون قتلها، لاقتناعه بأنها كانت تخونه، وهو ما لم يثبته أي عنصر من عناصر التحقيق.
وكرر بوتاع مرات عدة: « لم أكن أنا وراء موت شاهيناز. كان جسدي، وليس عقلي ». وبعد ضغط من محاميته إيلينا باديسكو، قال الخميس: « بالطبع أنا نادم على ذلك (…). كنت أحبها ».
إلا أن المدعية العامة اعتبرت أن « القتل بدافع الحب بجنون هو انحراف ».
وأضافت أن « شاهيناز كانت على قيد الحياة عندما اضرم هذا الرجل النار »، مذكرة بأن « جسمها احترق بنسبة 85 في المئة ».
وقالت زوجة منير بوتاع السابقة للمحكمة إنها كانت تتعرض « لصفعات وركلات وإهانات » وسوى ذلك عندما كانت مرتبطة به.
واعتبر وكلاء الدفاع عن بوتاع أنه كان « في معاناة مستمرة »، و »تسيطر عليه معتقداته »، ولا يمكن أن يكون قد خطط لفعلته سلفا، داعين المحلفين إلى عدم إصدار حكمهم على أساس أنها « قضية ذات دلالة رمزية » بل على أساس « فهم » الرجل الذي « ليس وحشا كما صو رته الصحافة ».
وقالت المحامية باديسكو: « من يحاكمه مجتمعنا اليوم هو إنسان ». ورأت أن الحكم عليه بالسجن مدى الحياة « لن يترك له أي أمل ».
وقبل أن ترفع المحكمة جلستها للمداولة، طلب المتهم الصفح « من العالم أجمع ».
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
الديمقراطية العربية بين واقع مأزوم ومستقبل ينتظر التشكل
#الديمقراطية_العربية بين #واقع_مأزوم و #مستقبل ينتظر التشكل
بقلم: أ. د. محمد تركي بني سلامة
في ظل عالم يموج بالتحولات المتسارعة، ويشهد انفجاراً في مطالب الشعوب مقابل تشدد الأنظمة السياسية، يبرز سؤال محوري يعيد تشكيل النقاش العام في المنطقة العربية: هل ما يزال للديمقراطية مستقبل حقيقي في عالم عربي يعيش على وقع التوترات والتحديات البنيوية؟ هذا السؤال لم يعد مقتصراً على التحليل السياسي، بل أصبح يتصل اتصالاً وثيقاً بمسار حضاري كامل، خصوصاً في ضوء موجة عالمية من السلطوية التي تتجاوز الحدود وتعيد تشكيل طبيعة الحكم داخلياً ودولياً. فقد اتضح خلال العقد الأخير أن العالم يتجه بشكل متصاعد نحو إعادة الاعتبار للمركزية التنفيذية، والسيطرة المحكمة على المجال العام، وإعادة تعريف العلاقة بين المجتمع والدولة؛ وهي ظاهرة تمتد من واشنطن وأنقرة مروراً ببودابست ووصولاً إلى العديد من العواصم العربية التي تشهد تراجعاً واضحاً في المعايير الديمقراطية وصعوداً لافتاً للخطاب الشعبوي والانغلاق السياسي.
وفي قلب هذه التحولات، يقف العالم العربي أمام لحظة مفصلية يصعب تجاهلها. فالسلطوية لم تعد مجرد نزعة داخلية، بل تحولت إلى عدوى سياسية تنتشر عبر الحدود مستفيدة من التحولات الجيوسياسية وتراجع الدور الليبرالي العالمي. فالولايات المتحدة، بوصفها الفاعل الدولي الأكثر تأثيراً في دعم الديمقراطية سابقاً، تبدي اليوم ميلاً واضحاً نحو الانعزالية، ما أدى إلى تقلص الضغوط الدولية المساندة للإصلاح السياسي وتراجع الدعم التقليدي لبرامج التحول الديمقراطي. وبفعل هذا الفراغ، وجدت الأنظمة السلطوية فرصة لإعادة هندسة مؤسساتها وتمرير تشريعات مقيدة، مع تبرير هذا النهج بذرائع الأمن والاستقرار، ما جعل السلطوية تنتشر كتيار عابر للقارات يكتسب شرعيته من خطاب الخوف والفوضى.
مقالات ذات صلةفي السياق العربي، تتقاطع تطلعات الشعوب مع واقع دولة متغوّلة تستعيد أدوات السيطرة القديمة كلما شعرت بتهديد داخلي. فقد أثبتت احتجاجات 2011 أن الديمقراطية كانت مطلباً شعبياً أصيلاً، لا صناعة خارجية كما يذهب الخطاب الرسمي، وأن فشل الانتقال الديمقراطي لم يكن حتمية تاريخية بل نتيجة بنى سياسية وأمنية واقتصادية معقدة حالت دون تحقيق تحول مستدام. وبينما اتجهت بعض الدول إلى إصلاحات محسوبة، اختارت أخرى العودة إلى نموذج “الدولة الأمنية” الذي يمنحها استقراراً شكلياً سرعان ما يتآكل مع الزمن. ويؤكد التاريخ أن الاستقرار القائم على الإقصاء هشّ، وأن غياب المشاركة يفتح الباب لانفجارات مؤجلة.
ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي لا يقتصر على إصلاح الهياكل السياسية، بل يتعداه إلى إعادة تعريف العقد الاجتماعي الذي يحكم العلاقة بين الدولة والمواطن. فالديمقراطية منظومة متكاملة تقوم على سيادة القانون والفصل بين السلطات وحرية الإعلام ووجود مجتمع مدني فاعل، إضافة إلى اقتصاد يضمن العدالة وتكافؤ الفرص. وفي غياب هذه المقومات تصبح الانتخابات مجرد قشرة تمنح شرعية شكلية لنظام مغلق لا يسمح بتداول فعلي للسلطة. إن المطلوب اليوم هو عقد اجتماعي جديد يقوم على شرعية الإنجاز لا القوة، وعلى مشاركة واسعة لا نخبوية محدودة، وعلى حكم رشيد يوازن بين مقتضيات الأمن وضرورات الحرية، وعلى تنمية عادلة تفكك احتكار السياسة والاقتصاد.
وبرغم هذا الواقع الملبّد بالتحديات، لا يزال المستقبل مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، فالعالم العربي يمتلك قاعدة شبابية واسعة تتطلع للتمكين، ومجتمعاً مدنياً يتطور رغم القيود، ونخباً قادرة على إنتاج نماذج حكم بديلة، وتجارب تُثبت أن الشعوب—even في لحظات الإحباط—لا تستسلم للركود. غير أن المسار الديمقراطي يواجه عقبات جدية أبرزها الاستقطاب السياسي، الهشاشة الاقتصادية، ضعف البنية الحزبية، وتغوّل المؤسسات التي تضيّق مساحة المشاركة.
ومن أجل تحول ديمقراطي حقيقي، لا بد من تبني مشروع إصلاحي متدرج يعيد توزيع السلطة من دون تجميل شكلي، وتمكين المجتمع المدني الذي يشكل خط الدفاع الأخير عن المجال العام، وبناء اقتصاد يولّد طبقة وسطى فاعلة تمثل العمود الفقري لأي ديمقراطية مستقرة، إضافة إلى شراكات دولية عادلة في عالم متعدد المراكز يمنح المنطقة فرصة لإعادة تعريف موقعها شرط امتلاك رؤية داخلية صلبة. إن مستقبل العالم العربي لن يُصنع بالقوة ولا بالانغلاق، بل حين تتصالح الدولة مع المجتمع، وحين تتحول المشاركة السياسية إلى حق راسخ لا منّة، وحين يُعاد للإنسان العربي موقعه الطبيعي باعتباره محور العملية السياسية. فالديمقراطية ليست ترفاً يمكن تجاهله، بل ضرورة وجودية لأي نهضة عربية قادمة، وإذا كان الماضي مثقلاً بالخيبات، فإن المستقبل يظل مساحة مفتوحة لمن يمتلك الجرأة على إعادة تشكيله.