بفرحة باهتة تكاد لا تُرى، يتقاسمها أهالي القطاع بما تبقى لهم من أمل واه، كشمعة موشكة على الانطفاء، وبسعادة مثقلة بالخيبة والخذلان، كجنازة تزف إلى مثواها الأخير، أطل العيد على ذلك القطاع المحاصر، الذي لا تغيب عنه الحرب، ولا تستريح فيه الدبابات، ولا تصمت فيه الرشقات. أطل حاملاً معه شبح الموت الكاسر، الذي خطف فرحة الأطفال وشوقهم لبهجة العيد، وأحال ابتساماتهم المسلوبة إلى حزن سرمدي لا يهدأ أنينه، ولا يجف دمعه.
في غزة أتى العيد مثقلاً بالوجع، كجبل جاثم على الصدور، لا يحمل البهجة التي انتظروها، ولا الفرحة التي تأملوها، أطل بصبح ملطخ بالدماء، كوشاح أسود يغطي وجه المدينة، ومختنق بأنفاسهم المهدرة على قارعة الطرق، وبأرواح صاعدة إلى السماء كطيور مهاجرة تبحث عن وطن آمن. جاء العيد وفي كفه كفن أبيض كلون الأحلام التي لم تكتمل، يُلبس لمرة أخيرة ويواري معه أحلاماً محطمة، وأمنيات مؤجلة إلى أجل غير مسمى، جاء العيد بذكريات دامية تغص بها قلوب الثكالى، كشظايا زجاج متفرقة، وبحشرجات مكتومة، ودموع متجمدة في مآقي الفاقدين.
في غزة جاء العيد.. ويا ليته لم يأتِ!
في غزة تباد الأرض ومن عليها كأنها لم تكن يوماً، وتوأد الحكايات قبل أن تروى، كأنها لم تكتب أبداً. تلك الطوابير الممتدة الشاحبة الوجوه، كأشباح تائهة ما زالت تقف بوهن وانكسار، تتشبث ببقايا الأمل، كغريق يتعلق بقشة وتترقب بخوف نصيباً ضئيلاً من فتات خبز يابس، أو جرعة ماء عكر، شاخ من طول الانتظار، واصطلى بلظى اليأس. لقد أضنت الأسر دروب التهجير القاسية، وأنهكها اللجوء والنزوح المتكرر من مكان إلى آخر، بحثاً عن مأوى آمن، أو رشفة أمان، كأنها تطارد سراباً، لم يعد في الأرض متسع للحياة فقد جفت الدموع، وتصدعت القلوب، وتلاشت الأحلام، ولم يتبق سوى تلك الخسة المتجلية في وجوه غالبية الحكام، الذين ارتضوا العار بالتطبيع مع قتلة الأنبياء، وباعوا ضمائرهم بثمن بخس، للنيل من غزة وأهلها الصامدين.
وعلى الرغم من كل هذه المعاناة، يبقى الصمود الغزاوي عهدًا جليًا في هذه الأرض؛ فهم كأشجار الزيتون ثابتون بكرامة، لا ينكسرون أبداً مهما طالتهم يد الاحتلال، جذورهم ضاربة في أعماق الأرض، وأغصانهم شامخة نحو السماء.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الوراثة وتفتت الحيازات الزراعية
نعاني من مشكلة تفتت الحيازات الزراعية نتيجة للوراثة ما يؤدي إلى صغر مساحتها، وعدم قدرتها على تحمل المشاريع الزراعية الكبرى والمهمة أو إهمالها.
يقول محمد نعمة الله الخبير الزراعي المصري: إن من أهم مساوئ تفتت الحيازة الزراعية غياب اقتصاديات الحجم الكبير عن الزراعة، والزراعة العلمية، وعدم تطبيق دورات زراعية تراعي عدم إجهاد التربة واستنزافها فضلا عن صعوبة تطوير الري واستخدام التقنيات المتطورة في الري، وعدم إمكانية اتباع سياسة زراعية رشيدة تتيح تطوير الحاصلات، وإدخال أنواع متميزة تسهم في حل الفجوة الغذائية وتحد من تفاقمها.
يضاف إلى ذلك تزرع أغلبها بالحشائش، فتستهلك مياه الآبار بكثرة؛ فالحشائش تستهلك ماء كثيرا خاصة إذا كان أصحابها يعتمدون على الغمر. أو يهمل الملاك لحيازاتهم الصغيرة والمفتتة فلا جدوى اقتصادية من استثمارها، فتعلوها الملوحة وتموت الأرض، أو يسعى مالكها بكل قوة إلى تحويلها إلى سكنية أو تجارية أو صناعية، وعندما يتعب من التحويل الرسمي يبني فيها غرفا خشبية مؤقتة، ويؤجرها لسكن الأيدي العاملة الوافدة.
لجأت بعض الدول إلى قوانين صارمة؛ بحيث لا تقل مساحة الحيازة عن 5 أفدنة في كل الأحوال، وأن يسعى الورثة إلى بيعها إلى أحدهم؛ كي لا تتفتت. وإذا لم يستطع ذلك يرفع الموضوع إلى المحكمة الجزائية، فتطرحها للبيع في مزاد علني، وتؤول الأموال المتحصلة إلى الورثة.
وهناك حل آخر، وهو حل مرن وجيد وتلجأ إليه الدول الغربية بكثرة، وهو إنشاء التعاونيات الزراعية بكثرة في المناطق والبلدات؛ بحيث يصبح من الإلزام انضمام أصحاب الحيازات الصغيرة إليها، والعمل ضمن نشاط تعاوني متكامل ما يساعد على دمج المساحات الصغيرة، وإلغاء الحواجز بينها، وزراعتها بشكل متعاون بين الملاك، واستخدام تقنيات حديثة ليتضاعف إنتاجها. وقد لاحظت ذلك في أرياف هولندا. ويمتد الأمر إلى تعاونهم في رعاية قطيع الأبقار والضأن، وتوجد قريب منها مصانع الألبان والأجبان المتعاونة.
عندما ندخل إلى بلدات ساحل الباطنة نشهد كما كبيرا من الحيازات الصغيرة التي مات فيها النخيل واقفا، شاهدا على الإهمال والنسيان. وتزداد ملوحة هذه الحيازات، وتأتي ملوحة الآبار لبعضها لتزيد كآبة المنظر ومواته.
ونكتشف أن هناك مزروعات تنجح مع الماء المالح، وتشرب الملوحة من الأرض؛ لتعود الأرض صالحة لزراعة بعض المحاصيل المنزلية. ومن جانب آخر قامت الصين بثورة في مجال تحلية المياه، فانخفضت أسعار محطات التحلية الصغيرة بشكل دراماتيكي؛ بحيث أصبح من السهولة شراءها واستخدامها.