استمرار قصف اليمن.. أمريكا تنقل «صواريخ باتريوت» إلى الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 4th, April 2025 GMT
نقلت وكالة “يونهاب” الكورية الجنوبية عن مصادر قولها، “أن سيئول وواشنطن اتفقتا مؤخرا على خطة لنقل بطاريات صواريخ “باتريوت” الأمريكية من كوريا الجنوبية إلى الشرق الأوسط مؤقتا”.
وبحسب المصادر فقد “اتفق الحليفان الشهر الماضي على النشر الجزئي لمدة شهر لبطاريات باتريوت ذات القدرة المتقدمة-3، وهي أول حالة معروفة تتضمن نقل أصول القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية إلى الشرق الأوسط”.
وتأتي هذه الخطوة النادرة بعد أن ذكرت قناة “إن بي سي نيوز” الأمريكية الأسبوع الماضي “أن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، أذن بنقل بطاريتين على الأقل من صواريخ “باتريوت” من آسيا إلى الشرق الأوسط، مع قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد “الحوثيين” في اليمن”.
ووفق الوكالة، “تأتي الخطوة أيضا وسط مخاوف متزايدة في كوريا الجنوبية من “أن واشنطن قد تطالب سيئول بتحمل المزيد من تكاليف تمركز القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، أو إعادة النظر في دور القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، مع اتباع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مسلكا جديدا في تحالفات واشنطن”.
ونقلت “يونهاب” عن المصادر قولها “إن هذه الصواريخ التي سيتم نقلها، “تعمل إلى جانب أصول الدفاع الجوي الخاصة بكوريا الجنوبية في نظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات ضد التهديدات الصاروخية والنووية لكوريا الشمالية”.
تجدر الإشارة إلى أنه “منذ 15 مارس، أطلقت الولايات المتحدة عملية عسكرية ضد “الحوثيين” في اليمن، وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حينها “سنستخدم القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا”، متهما الحوثيين بتهديد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وأضاف: “إلى جميع الإرهابيين الحوثيين، انتهى وقتكم، ويجب أن تتوقف هجماتكم، بدءا من اليوم”.
وتمثل هذه الضربات الأمريكية، “الأولى على اليمن، منذ تولي ترامب منصبه في يناير، بعد توعد “الحوثيين”، باستئناف هجماتهم ضد السفن الإسرائيلية، في البحر الأحمر وبحر العرب، والتي قاموا بها خلال الأشهر الماضية دعما للفلسطينيين في حربهم مع إسرائيل في غزة”.
ولي العهد السعودي والرئيس الإيراني يبحثان تطورات الأحداث في المنطقة
قالت وزارة الخارجية السعودية، “إن ولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، ناقشا خلاله تطورات الأحداث في المنطقة”.
وأضافت الوزارة “أن ولي العهد السعودي والرئيس الإيراني استعرضا خلال المكالمة عددا من المواضيع ذات الاهتمام المشترك”.
من جهتها، أفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية بأن الرئيس مسعود بزشكيان، أكد في الاتصال الهاتفي مع ولي العهد السعودي، أن “طهران لا تكن العداء لأي دولة ولا تسعى للحرب مع أحد لكنها لن تتردد في الدفاع عن نفسها، مشيرا إلى أنهم يمتلكون أعلى مستويات الجاهزية والقدرة في هذا المجال”.
وشدد الرئيس الإيراني على “أن الدول الإسلامية من خلال تعزيز وحدتها وتماسكها، يمكنها تحقيق السلام والأمن والتنمية على أعلى المستويات سواء لشعوبها أو للمنطقة ككل”.
وأكد الرئيس الإيراني أنه “إذا اتحد المسلمون وتكاتفوا فبإمكانهم منع الظلم والجرائم التي ترتكب ضد بعض الدول الإسلامية وعلى رأسها فلسطين وسكان غزة”.
وأضاف: “أنا واثق من أن الدول الإسلامية من خلال التعاون فيما بينها، قادرة على تحقيق أفضل مستويات الأمن والرفاهية في المنطقة”.
وأعرب بزشكيان عن “تقديره لمواقف ولي العهد السعودي بشأن التعاون وتعزيز وحدة الدول الإسلامية ودول الجوار”.
وأشار الرئيس الإيراني إلى أن “الجمهورية الإسلامية لم تسع أبدا للحرب أو المواجهة، مؤكدا أن استخدام الطاقة النووية لأغراض غير سلمية فقط ولا مكان للسلاح النووي في عقيدتها الأمنية والدفاعية”.
وأوضح أن “إيران مستعدة لإخضاع أنشطتها النووية لعمليات التحقق كما جرت العادة طوال السنوات الماضية، مشددا على أن طهران منفتحة على الحوار والتعاون لحل بعض التوترات وفقا للمصالح المشتركة والاحترام المتبادل”.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أمريكا وكوريا الجنوبية أمريكا وكوريا الشمالية الشرق الأسط اليمن وأمريكا صواريخ باتريوت كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وأمريكا ولی العهد السعودی إلى الشرق الأوسط الرئیس الإیرانی الدول الإسلامیة کوریا الجنوبیة
إقرأ أيضاً:
من الأندلس إلى الشرق الأوسط.. المستعرب الإسباني إغناطيوس غوتيريث يقدم رؤية نقدية تجاه الاستشراق الجديد
ماذا لو لم يكن العالم العربي "شرقا" على الإطلاق، بل جارا في "الوسط"، وأحيانا في "الغرب"؟ وماذا لو كانت هناك مدرسة معرفية لدراسته، عمرها ألف عام، تختلف جذريا عن "الاستشراق" الذي ارتبط بالهيمنة الاستعمارية؟
هذا التحدي المفاهيمي العميق يطرحه المستعرب الإسباني البارز، إغناطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا، أستاذ الدراسات العربية بجامعة مدريد المستقلة، الذي يرى أن النموذج الأندلسي قادر على "بناء علاقة أكثر عدلا وتوازنا بين الغرب والعالم العربي". فمن منظور إسباني متجذر في تجربة الأندلس، يدعو دي تيران إلى إحداث ثورة في المصطلحات، واستبدال "الاستشراق" الموصوم سياسيا بـ"الاستعراب الإسباني" الذي نشأ في الأساس لدراسة النصوص العربية بموضوعية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2رشاد حسنوف: كيف يغير “الاستشراق الذاتي” الهوية الثقافية لأذربيجان؟list 2 of 2قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤرخ الشاب زاخاري فوسترend of listلكن رؤية دي تيران النقدية لا تتوقف عند هذا الحد، بل تمتد لتكشف بجرأة كيف أن المناهج التعليمية في بلاده "تسعى إلى التقليل من دور الأندلس في تشكيل الهوية الإسبانية" بدوافع أيديولوجية. كما يرى أن العالم العربي منح "أهمية مفرطة" للاستشراق، محمّلا إياه مسؤولية سياسات غربية لا يحركها البحث الأكاديمي، بل "خدمة المصالح الإمبراطورية".
على هامش مشاركته في المؤتمر الدولي الأول للاستشراق بالدوحة، وفي هذا الحوار مع "الجزيرة نت"، يغوص إغناطيوس غوتيريث دي تيران في الفروق الدقيقة بين تجربة بلاده المعرفية ونماذج الاستشراق المهيمنة، مقيّما مستقبل العلاقة بين ضفتي المتوسط، ومقدما رؤية تصحيحية لإرث الأندلس ودوره في بناء جسور أكثر إنصافا.
إعلانوشارك غوتيريث -أستاذ اللغة والأدب العربي والتاريخ المعاصر في العالم الإسلامي في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد المستقلة- في المؤتمر بورقة بحثية مهمة بعنوان "الدور التجديدي للاستعراب الإسباني في نموذج الاستشراق الأوروبي"، قدم فيها طرحا نقديا مغايرا لما هو سائد في الحقل الاستشراقي، وسلط الضوء على خصوصية الاستعراب الإسباني، وتجذره في السياق التاريخي والثقافي للأندلس، والاختلاف الجوهري في تمثلاته للعالم العربي والإسلامي مقارنة بالنموذجين الفرنسي والبريطاني.
درس اللغة العربية وآدابها (مستمعا) في جامعة القاهرة عام 1993 وجامعة دمشق عام 1994، أنجز رسالة الدكتوراه عام 2000 موضوعها "العلاقات الطائفية في لبنان وسوريا من حقبة التنظيمات العثمانية إلى نهاية القرن العشرين".
تولى تنسيق الدراسات الأفريقية والآسيوية، وهو الاختصاص الذي تندرج فيه مقررات اللغة والثقافة العربية في جامعته، وكان قد تبوأ أمانة سر قسمه للدراسات العربية والإسلامية طوال عقد من الزمن.
ترجم عدّة كتب من الإسبانية إلى العربية، ونقل إلى اللغة الإسبانية روايات عربية معاصرة لمؤلفين معاصرين مثل إبراهيم الكوني، وإدوارد الخراط، ومريد البرغوثي، وعالية ممدوح، وبهاء طاهر، وغسان كنفاني، ومازن معروف.
ومن ترجماته الشعرية إلى الإسبانية نخص بالذكر دواوين لمحمد الماغوط وسميح القاسم ومحمود درويش وسعدي يوسف وغيرهم.
كما ترجم إلى اللغة العربية بعض الأعمال الأدبية الإسبانية كـ"رحلة علي باي إلى المغرب" (2005)، وشارك في "أسبنة" كتاب "تاريخ الأدب الإسباني المعاصر" (2006)، ونشر مقالات بالعربية في صحف ومجلات عربية عدّة.
كتب عدة مقالات في الأدب الإسباني والعربي والعالم العربي المعاصر منها: "نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" لشهاب الدين التيفاشي، و"اليمن.. مفتاح العالم العربي المنسي" (2014)، و"دراسة في الجنسانية العربية: الروض العاطر" (مدريد، 2015)، ونشر دراسة عن اللغة والثقافة العربيتين في إسبانيا مع مجموعة من الباحثين الإسبان الذين يكتبون بلغة الضاد عام 2016، و"الثورات العربية.. مسيرة متواصلة" (2017).
إعلانكما نقل إلى اللغة الإسبانية "رسالة للجواري والغلمان" للجاحظ (2018)، وأسهم في دراسات ومؤلفات متعددة تبحث في أدب الرحلة، ومنها المقال المدرج في المجموعة التي نسقها الأديب نوري الجراح ("رحالة عرب ومسلمون").
pic.twitter.com/B5Pe9lHtj5
— الجزيرة نت | ثقافة (@AJA_culture) January 29, 2024
نود أن نسألكم عن الورقة البحثية التي شاركتم بها في المؤتمر، والتي حملت عنوان "الدور التجديدي للاستعراب الإسباني ضمن نموذج الاستشراق الأوروبي". ما الذي جعل الاستعراب الإسباني مختلفا عن غيره؟ ولماذا وصفتم دوره بأنه تجديدي داخل هذا الإطار الاستشراقي؟أولا، نقول إن مصطلح "الاستشراق" يحمل في طياته العديد من المعاني المزدوجة والخطيرة. ولهذا السبب نحاول أن نسمي أنفسنا ومجال دراساتنا في العربية والإسلامية باسم "الدراسات الاستعرابية"، ونعتبر أنفسنا "مستعربين". لماذا؟.. لأن الاستعراب الإسباني قد بدأ منذ أكثر من ألف عام، وكان يركز على دراسة النصوص العربية بشكل موضوعي، وبالأخص النصوص الأندلسية.
ويرتبط هذا النوع من الاستعراب، قديما وحديثا، بأهداف استعمارية استيلائية تلفيقية، كما رأينا ذلك بوضوح في موجة الاستعمار التي ظهرت في القرن الـ19.
لذلك، فإننا ندعو إلى استعادة تلك المعاني الروحية، وتلك المواقف الفكرية التي يمكن أن نطلق عليها اسم "الاستعراب الأندلسي".
ونحن نعتقد ونؤمن بأن الأندلس يمكن أن توفر مادة تاريخية وأيديولوجية غنية، نستطيع أن نستمد منها موضوعات جديدة. بل أكثر من ذلك، نرى أن النموذج الأندلسي يمكن أن يشكل مثالا يحتذى به في تبني معايير جديدة لبناء علاقة أكثر عدلا وتوازنا بين الغرب، أو العالم الأوروبي، وبين العالم العربي.
"في حوار سابق، تحدثتم عن منظور الأندلس بوصفها جسرا للتواصل بين الشرق والغرب، لكنكم رفضتم في حينه رؤيتين: الرؤية الأوروبية التي تنكر التاريخ العربي والإسلامي في الأندلس، والرؤية المقابلة التي تتشبث بخيال رومانسي يتجاهل واقع الأندلس المركب. وقد عبرتم عن موقف نقدي تجاه كلا المنظورين. فهل وجدتم في هذا المؤتمر حضورا لمثل هذا الطرح النقدي في تناول موضوعي الاستشراق والاستعراب؟ إعلانأعتقد أن هذا المؤتمر يعبر عن مفهوم معين للاستشراق، وهو المفهوم المرتبط بالجانب السياسي المؤدلج للاستشراق. وكما ذكرت سابقا، فإننا لا نفضل استخدام هذه التسمية.
أولا، لأنها تعتمد على مفهوم جغرافي، في حين أننا -نحن في إسبانيا، وأعتقد أن هذا ينطبق أيضا على شعوب أوروبية أخرى- لا نرى أن العالم العربي يحتل موقعا في "الشرق"، بل نراه يحتل موقعا في "الوسط" وأحيانا في "الغرب".
وثانيا، فإن هذه الدراسات التي تعرف بـ"الاستشراقية" ظهرت أساسا في القرن الـ19، وكانت موجهة لأغراض محددة، تمثلت في تقديم صورة معينة -غالبا ما تكون سلبية أو غير دقيقة علميا وموضوعيا- عن العالم العربي والإسلامي.
وبناء على ذلك، فإننا نبتعد عن هذه الرؤية، ونسعى إلى تصحيحها، ونأمل في بناء رؤية مستقيمة وسليمة، تستند إلى الوقائع المادية، والأدلة، والمنطق. هذا هو ما نطمح إليه.
وأعتقد أن "الأندلس"، في نظر العرب أنفسهم، يمكن أن تمثل أيضا هذه الرؤية المتوازنة: رؤية تقوم على التماس، والاحتكاك، والتواصل المستمر بين الحضارة الأوروبية القديمة والحضارة العربية القديمة كذلك.
في ورقتكم التي قدمتموها في المؤتمر، تناولتم واقع المناهج التعليمية في إسبانيا الحديثة، وفي أوروبا بشكل عام، لا سيما في ما يتعلق بمنظور التعليم لحقبة الأندلس، وكيفية تناول هذه المرحلة في المدارس والجامعات. وقد عبرتم عن رأي نقدي في هذا السياق. فكيف تقيمون المناهج التعليمية من هذه الزاوية؟ وكيف ينظر الباحثون والأكاديميون المتخصصون إلى تجربة الأندلس ودورها في التاريخ الأوروبي؟للأسف الشديد، لا بد أن نقول إن الحقبة الأندلسية لم تنل نصيبها من الإنصاف والحضور كما ينبغي، وخصوصا في المدارس، وتحديدا في المناهج التعليمية. فالأندلس، على الرغم من كونها فترة تاريخية شديدة الأهمية، تأسيسية وتكوينية في آن معا، لا تحتل مكانة تذكر في هذه المناهج.
إعلانوهذا يدل، من جهة، على انحدار المعايير التربوية في بلادي، لكنه -وربما يكون الأمر أكثر خطورة- يدل، من جهة أخرى، على تراجع الاهتمام المتعمد بالأندلس، وكأن هناك نوايا سياسية وأيديولوجية معينة تسعى إلى التقليل من دور الأندلس في تشكيل الهوية الإسبانية.
نحن، من جانبنا، نحاول أن نعيد الاعتبار للأندلس، وأن نعيد تقديمها تقديما سليما، بوصفها مرحلة أساسية في بناء الهوية الإسبانية. ولا يمكن لأي قراءة جادة لتاريخ إسبانيا الحديث أن تتجاهل الخصائص والمميزات الفريدة التي اتسمت بها الأندلس.
شهدنا في هذا المؤتمر تركيزا لافتا على ما يعرف بـ"الاستشراق الجديد"، ودور مراكز البحث والدراسات السياسية في تشكيله. برأيكم، إلى أي مدى لا يزال للمنظور الاستشراقي، سواء التقليدي أو الجديد، تأثير في تشكيل السياسات التي تنتهجها القوى العالمية تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ وهل ترون أن هذا التأثير لا يزال فاعلا ومباشرا في رسم ملامح تلك السياسات؟باعتقادي الشخصي، أن الاستشراق قد نال أهمية مفرطة، خاصة في الدول العربية، إذ يعتقد كثير من العرب أن الاستشراق كان له دور كبير، بل نصيب الأسد، في تشكيل الرؤية السياسية الغربية للإسلام والعالم العربي. وأرى أن الاستشراق يمثل جزءا من منظومة فكرية وأيديولوجية تسعى إلى تبرير الدور الأوروبي أولا، ثم الأميركي ثانيا، على مستوى العالم.
ومن هنا، فإن ما نسميه اليوم بـ"الاستشراق"، أو "المساعي الاستشراقية"، أو "الرؤى الاستشراقية"، ربما يمكن التعبير عنه بشكل أدق بوصفه رؤية الثقافة الغربية بشكل عام، كما تتجلى من خلال وسائل الإعلام وبعض الكتابات والأدبيات. وقد يكون أولئك الذين نطلق عليهم لقب "المستشرقين" جزءا من هذه الآلية، لكنهم لا يشكلون بالضرورة جوهر الرؤية الفكرية أو الطليعة التكوينية للعالم الغربي كما نعرفه اليوم.
إعلانفالسياسات الاستعمارية الحديثة، في القرن الـ21، لا علاقة لها بذلك الاستشراق الأكاديمي الذي يمارس اليوم في الجامعات. هذه السياسات تنتمي إلى مجال آخر تماما، مجال خدمة المصالح الإمبراطورية، والمصالح السياسية والاقتصادية والجيوسياسية. وهو أمر يمارسه فاعلون آخرون، لا علاقة لهم بالمستشرقين، لا من قريب ولا من بعيد.
ما أريد قوله هو أنه أحيانا نسمع من يقول إن فلانا قد تهجم على الثقافة العربية، أو قال إن الإسلام ديانة متخلفة أو دون المستوى، أو ادعى أن المسلمين لا يزالون يعانون من "تخلف عقائدي"، فنصف هذا الشخص بأنه "مستشرق". لكن ماذا نعني حقا عندما نطلق على أحدهم صفة "استشراقي" أو "غير استشراقي"؟
بالنسبة لي، المستشرق -بغض النظر عن موقفه من العرب أو المسلمين- هو شخص ينتمي إلى مدرسة فكرية وعلمية محددة، وهي المدرسة المعنية بالدراسات العربية والإسلامية. ويفترض به أن يكون ملما باللغة العربية، متقنا للعلوم الإسلامية، وذا دراية جيدة بالمجتمعات الإسلامية.
لكن، في المقابل، نجد أن الكثير من أولئك الذين يهاجمون الإسلام والعرب -بحق أو بغير حق- لا ينتمون إلى هذه المدرسة، ولا يعرفون اللغة العربية، ولا يفقهون شيئا عن المجتمعات الشرقية. وبالتالي، لا يمكن أن نعتبرهم جزءا من هذا الحقل المعرفي. هذا هو ما أريد التأكيد عليه، أحيانا نحمل الاستشراق أدوارا لا علاقة له بها.
فالكثير من هؤلاء لا يفقهون شيئا في الثقافة أو الأدب أو التاريخ، وكل همهم أن يؤثروا في سياسات دولهم الداخلية، ويحاولون إقناع حكوماتهم باتخاذ مواقف معينة تجاه بعض الدول العربية أو الإسلامية. وغالبا ما تكون هذه المساعي التوجيهية أو النفوذية مدفوعة بمصالح اقتصادية وسياسية محددة.
وهل يشارك بعض المستشرقين -بأسمائهم- في هذه العمليات؟ للأسف، نعم.. لكن المدرسة الاستشراقية، في معناها الأكاديمي والعلمي العميق، أكبر بكثير من هذه الاستخدامات السياسية والأداتية الضيقة.
إعلان شهدنا في المؤتمر العديد من النقاشات حول موضوع "الاستغراب".. فكيف ترون هذا المفهوم؟ وهل هناك منظور بديل أو نوع من المعرفة يمكن أن يتبناه أبناء الشرق تجاه الغرب؟ وهل تعتقد أن هناك واقعا أو مناهج للدراسات الاستغرابية في الوقت الحالي؟مرة أخرى، ما هو المقصود بمفهوم "الاستغراب"؟.. إذا كان الاستغراب يقابل الاستشراق من حيث الدلالات السلبية للمصطلحين، فإنه يكون خطأ يقابل خطأ. فإذا كان الاستشراق عملية لا يمكن اعتبارها إيجابية من الناحية العلمية، نظرا لكونها ملفقة ومسيسة، فإن الاستغراب -إذا اعتبر رديفا له أو معادلا له- لا بد أن يقع في الخطأ ذاته.
على كل حال، فإن "الاستغراب" تسمية غريبة أيضا، ولا أعلم إلى أي مدى يمكننا الحديث عن "استغراب" منظم أو ممنهج. وأتصور أن هناك بعض المفكرين والمثقفين، بل حتى بعض العلماء من العرب، ممن يتحدثون عن الغرب بطريقة سلبية وغير علمية، لكن هذه ليست مدرسة فكرية يمكن أن نفيد منها أو نركن إليها.
جرى الحديث في المؤتمر عن العلاقة بين السياسات العربية تجاه فلسطين وما يرتبط بالمنظور الاستشراقي. وربما تتفقون على أن لهذا المنظور بعض الأسس والواقع، حيث طالما نظر المستشرقون إلى هذه الشعوب على أنها بدائية أو غير متحضرة. وكان ذلك بمثابة رسالة للإنسان الغربي، ليتحمل مسؤولية "تحضير" هذه الشعوب وتأهيلها لتكون جاهزة للعيش في العصر الحديث. وهذا المنظور قد استخدم على الأقل في فترة منتصف القرن الماضي في تشكيل السياسات التي أسست للاستعمار البريطاني ومن ثم للتأسيس الإسرائيلي.. فما رأيكم حول هذا الأمر؟مرة أخرى، إذا كنا نعتبر المستشرقين اليوم أولئك الذين يعملون في إطار أكاديمي ومنهجي محدد -أي في مجال دراسة العالم العربي والتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال- فلا بد أن نقر بأن عددا كبيرا منهم يقفون اليوم إلى جانب القضية الفلسطينية.
إعلانولو ذهبنا إلى العديد من الجامعات، والمؤسسات الأكاديمية، والمراكز البحثية، وسألنا أولئك الذين يعرفون العالم العربي ويكتبون عنه، لوجدنا أن نسبة عالية منهم -من إسبانيا إلى روسيا-يتعاطفون مع الفلسطينيين ويدعمون قضيتهم. والسبب في ذلك أنهم يعرفون القضية معرفة حقيقية، ولديهم إلمام عميق بما يجري على الأرض، أكثر من غيرهم.
لذلك، لا ينبغي أن نحمل الاستشراق المعاصر مسؤولية الموقف الغربي المؤيد، في معظمه، لإسرائيل أو للمشروع الصهيوني. فالمشكلة لا تكمن في الاستشراق، بل في منظومة من المصالح الاقتصادية والسياسية الليبرالية، وكذلك في الضغوط التي تمارسها الآليات الدعائية الصهيونية، وهي آليات قوية ما زالت تهيمن على صناعة القرار وصياغة الرأي العام في الغرب.
ومن هنا، يجب أن نميز بين الأمرين. هناك "مستشرقون"، يعانون كثيرا لأنهم يوجهون انتقادات صريحة للصهيونية وللسياسات الغربية الداعمة لنظام تل أبيب، وهم يقفون ضد هذه السياسات، لكن الثقافة المؤسسة في الغرب -أي الآلية الثقافية الغربية- هي التي تصنع هذه الرؤية المنحازة.
ومع ذلك، فأنا متفائل. وأعتقد أن هذه الآلية وهذه الصناعة الأيديولوجية في تراجع، وأن الصهيونية ستفقد تدريجيا قوتها ونفوذها. وهذا أمر ضروري جدا، لأن الصهيونية لا تمثل مصيبة على الفلسطينيين فحسب، بل هي مصيبة أيضا على العدالة الإنسانية، وعلى استقرار العالم بأسره.