قصة الوادي الصغير (33)
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
الكاتب - حمد الناصري
رجل طويل القامة من الوادي الصغير، صَلب العُود، يبدو في الأربعين من عُمره وإلى جانبه رجل عجوز أبيض الوجه، له ملامح وجه هادئة، بشرته بيضاء، انحنى ظهرهُ وتكسّر، يقبض بأصابعه عصاً غليظة والرجل الأربعيني قريب إلى ملامح وجهه، تعود جُذورهما إلى أعراب الساحل الجنوبي للأعراب ويلتقي ذلك الساحل ببحر المرجان غرباً وتكون الرمال الغربية امتداداً للرمال الذهبية الواسعة، وقف بجرأة وشجاعة وهبّ بقامته القصيرة وقال:
ـ دعكم من هذه التنظيرات جميعها، فالتاريخ لا يرحم، والفتنة لا تُستقصى، ولا يكاد يُستثنى أو ينجو منها أحد.
قال رجل ذو لحية طويلة من قرية الأعلى البحرية.. بغضب:
ـ ليس ذلك واجباً عليك أن تقول فينا ما لا تعلم وتهرف بما لا تعرف.. وتقضي علينا ما أنت قاضٍ بلسان قبيح مُلتوٍ وذم لرجال قدّموا أرواحهم دفاعاً عن رمال الأعراب وكثبانها وعن البحر الكبير وعن السيح المالح والحارات والساحل الطويل وقعدان الرمال الذهبية.
قال العجوز المنحنى ظهره وهو يُمسك عصاً غليظة يتوكأ عليها وقد أوقف عينيه في عين المُتحدث ذو اللحية الطويلة من قرية الأعلى البحرية:
أسكت يا أبا صالح ولا تذمّ رجال الوادي الصغير، فهم رجال صدقوا وقاوموا وقدّموا وضحّوا بأنفسهم لتكونوا أعراباً لا يتطاول عليكم الغُرباء.. وما يُحزنني، ويُكدّر خاطري ذلك التقعّر بلسانٍ سَليط، وبأسلوب مُتنطّع ومُلتوٍ وذلك هو النّقص.
قال الشاب الأربعيني وهو يتجاهل أبا صالح ويمدّ بصره إلى الرمال:
ـ مخاوف غير طبيعية تُحيط بالوادي الصغير، فالواقع المُحيط بنا لا يُبشّر بخير، ولا تستطيع إلغاء مخاوفك والأخطار تُحيط بك، دعني أوضّح لك شيئاً ممّا بدأته من قول لعلّي أعمل صالحاً يُرضي الأطراف جميعها وأراني رجل صالح في أهلي إذا تمكّنت من خدمتهم.. فالأسباب التي أشرت إليها، ليست في "فلوع " ولا في " فالع " فالموقف كان عصيباً وبائساً.. لقد أصدرتَ أحكاماً، وكأنّك قاضٍ من الغُرباء ولم تكن بيدك حيثيات الموقف العصيب، وحكمت على فالع وفلوع بالموت، فمن الذي حكم عليهما الغُرباء أم أنت وشهيّة الانتقام؟
نحن نعلم كثيراً ممّا تعلمه بتوجيه الغرباء، فالمُؤامرات والدسائس لم نتخلّص منها. ثمّ حرّك سبابته وجعلها في مدّها، وضغط على بوزه قائلا: أنتَ لست من الذين يختصّون بشأن مُحاكمة الذين خلعوا أنفسهم أو خانوا أو هربوا أو خافوا على وحدتهم، فأنت حتى اللحظة لم تُفرّق بين الخائن بأمره والمخلوع بقوة غيره؟ لكنك أوقفتَ اختصاصك في الفوضى، وتحريك تجمّعات صغيرة مُمزّقة، وحذَوْت حذوها وتحدّثت باسم الوادي الصغير.. واشعلت فتنة لتصيبنّكم نارها في الحارات العشر وسواحلها المُهادنة؟ وانظر أنّ الساحل الطويل لا يزال مُهادن حتى يقضي الرجال أمرهم فيه.
ولا اعتقد أنكّ نسيت أو تناسيتَ ثقة الرجلين بك "فالع وفلوع" وكنت أحد ركائز الرجلين وتنظر إلى إعلاء شأنهما؟ فما بالكَ اليوم جئت بالنقيض أم بك غيظ عليهما ونفسك توّاقة لموتهما؟ أم جئت بأمر من دفعك لتعبث بما اجتمع عليه رجال الوادي وتُشتّت أفكارهم وتفتنهم فيما تسوقه إليهم من أفكار الغُرباء الخلّاقة للفوضى، كضمان بقائك حياً؟
سحب نفساً عميقاً، ورفع رأسه إلى أعلى واستطرد قائلا: يا أخي كنْ رجلاً نقياً، طيباً مع الجماعة والناس، بعيداً عن أذى الغير، وإنْ كان بك غيظ على الرجلين "فالع وفلوع" فاكتم غيظك ولا تعبث بفتنة الغرباء، وإنْ أرادوا التخلّص منك، فسوف يفعلوا بك كما فعلوا بغيرك..؛؟ وهُنا انظر إلى حالك، كما بدأتم تعودون؟
وأعلم أنّ " تحالف الوادي الصغير" يتطلّب منّا الالتفاف، فمرحلة التكوين صعبة وقد تكون قاسية، والمُهمّة تتطلّب منا الالتفاف على بعضنا بعناية كبيرة والاصطفاف حول كلمة واحدة.. فلا تشغلنا بفيض تُرّهاتك الحاقدة، وأنا أضمن لك البقاء حيّاً في الوادي الصغير، وإن رضيت بقول غيرنا فتحمّل عاقبة أمرك.
ثم التفت إلى الحضور وقال: اسمعوا.. وعُوا أيّها الناس.. كلمة أخيرة أقولها لكم جميعاً، إنْ أُعْدم فلوع إعداماً واضحاً، بدون مُحاكمة، فمن حقّ أهله ومجتمعه وأصدقائه أنْ يختصموا معكم بل ويُخاصموكم كيف يشاؤون وبالطريقة التي يرغبون.
قال رجل ذو بشرة داكنة عُرف بالأحمق المجنون من كثبان الوادي:
ـ هذه قضية أمة ورجال، لا تتلاعبوا بكلماتكم؛ خيانة المجتمع من خيانة رمال الأعراب.. وخيانة البحر من خيانة الرمال، ومن خانَ الوادي الصغير كمن خانَ الأعراب جميعاً.. دعوا الرجلين " فلوع وفالع " يُدافعان عن أنفسهما، ويسردان قصتهما الكاملة. ثم قولوا ما تشاؤون وترغبون، واكذبوا كيفما شئتم وترافعوا بحماقتكم، ثم تقاتلوا واقتلوا بعضكم بأموالكم.. واسحقوا بعضكم وساووا بينهم والتراب.. ثم ادفعوا على الغُرباء أغلى كنوزكم وقدّموهم على أنفسكم ثمّ هُم ـ أي الغُرباء ـ يعدلوا في تخاصمكم ويقضوا بينكم، غير عابئين بكم ولا بما تُقدّموه لهم من معلومات لتمكينهم في رمالكم وبحاركم ثم لا تكونوا.. ثم يعدلوا بينكم ويقضوا أمركم، وهكذا دواليك. تسير الأمور في رمال الأعراب، يأتي خلفٌ من بعد خلفٍ ثم لا يكون خلفاً إلا بَعد موت خلفٍ قبله بأيديكم ورماحكم أو بمُدية الأوغاد الذين يتربّصون بكم.
إنّي أسألكم أليس فيكم رجل رشيد، ولا عاقل بصير، ولا ذو لُبّ قويم.
ضحك الجميع واستبشر الرجال فرحين برشاده الأحمق المجنون فقد دوّت كلماته أرجاء المكان، وعلت الأصوات، بأنّ كلام الأحمق المجنون فيه رشادة وتعقّل وبصيرة.
يتبع 34
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إطلاق أولى ورش مشروع "المذيع الصغير" لتأهيل الأطفال على التناول الإعلامي الإيجابي لقضايا الإعاقة
في إطار بروتوكول التعاون الموقع بين المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة وأكاديمية Mass Media School، بهدف تمكين الأطفال ذوي الإعاقة وأسرهم ودمجهم في المجتمع، أطلق المجلس أولى الورش التدريبية ضمن مشروع "المذيع الصغير" بالأكاديمية، والتي استهدفت تدريب وتأهيل الأطفال من سن 9 إلى 18 عامًا على أدوات التناول الإعلامي الإيجابي لقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة.
تضمن التدريب تعريف الأطفال بمضامين قاموس المصطلحات "قل ولا تقل" الخاص بالمجلس، وتوعيتهم بآداب وسلوكيات التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، فضلًا عن التعريف بجهود الدولة والمجلس في خدمة ذوي الإعاقة، وكيف يمكن لهؤلاء المتدربين أن ينقلوا ما تعلموه إلى أقرانهم بلغة بسيطة ومحببة.
الدكتورة إيمان كريم: الأطفال هم جيل المستقبل الذي يركز المجلس على تنمية مهاراته وتوعيته وإشراكهم في البرامج التدريبية خطوة نحو نشر ثقافة الدمج وقبول الآخرمن جانبها، أكدت الدكتورة إيمان كريم، المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، أن التعاون بين المجلس وأكاديمية Mass Media School يأتي في إطار مبادرة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي "بداية جديدة" لبناء الإنسان المصري، مشيرة إلى أن الدورات التدريبية التي يقدمها المجلس تأتي تحت مظلة المبادرة القومية "أسرتي قوتي" التي تهدف إلى تعزيز قيم الوعي والانتماء لدى الأطفال وأسرهم.
وقالت الدكتورة إيمان كريم، نحرص في المجلس على أن تكون تدريباتنا موجهة لبناء وعي جديد يقوم على التقبل والتفاعل الإيجابي، وأن يكون أبناؤنا من ذوي الإعاقة شركاء فاعلين في تشكيل الصورة الذهنية الصحيحة داخل المجتمع.
وأشارت الدكتورة إيمان كريم، المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، أن الأطفال هم جيل المستقبل الذي يركز المجلس على تنمية مهاراته وتوعيته، لأنهم الأقدر والأقرب على توصيل المعلومة لأقرانهم من ذوي الإعاقة بطريقة بسيطة ومؤثرة.
وأضافت أن إشراك الأطفال في مثل هذه البرامج التدريبية يمثل خطوة حقيقية نحو نشر ثقافة الدمج وقبول الآخر داخل المجتمع منذ الصغر، مشيرة إلى أن بناء الوعي لدى الأطفال هو الاستثمار الأهم في تحقيق مستقبل أكثر وعيًا وتسامحًا.
فيما أعربت الإعلامية داليا أشرف، مدير مشروع "المذيع الصغير" بأكاديمية Mass Media School، عن سعادتها بالتعاون المثمر مع المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، مشيدة بالدور الكبير الذي قام به فريق العمل في تبسيط المعلومات للأطفال وتقديمها بطريقة تفاعلية وسهلة الفهم.
وأضافت أن التجربة كانت مبهرة، فقد لاحظنا تفاعلًا كبيرًا من الأطفال، وحرصهم على معرفة كيفية نقل ما تعلموه إلى أصدقائهم، سواء من ذوي الإعاقة أو من غيرهم، وهو ما يعزز روح المشاركة والدمج الحقيقي.
الجدير بالذكر أن التدريب قدمه حسام الدين الأمير، المستشار الإعلامي للمجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، وداليا عاطف، مسئول إدارة المرأة والطفل بالمجلس ومنسق مبادرة "أسرتي قوتي"، حيث أكدا أن المشروع يمثل خطوة مهمة نحو بناء قدرات الأطفال على التواصل والتأثير في محيطهم، وأن تمكين الأطفال من تبادل المعرفة فيما بينهم يعد من أنجح أساليب نشر الوعي في المجتمع.