سودانايل:
2025-08-12@07:21:25 GMT
أزمة ممتدة: جنوب السودان بين صراعات السلطة والعنف العرقي
تاريخ النشر: 6th, April 2025 GMT
د. أماني الطويل
مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية
يشكل اعتقال رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان ووزراء ومسئولين آخرين خلال الأسابيع الماضية اختراقاً لاتفاق سلام هش تم توقيعه عام 2018 بعد حرب أهلية في جنوب السودان بين الرئيس سلفا كير ونائبه، امتدت لخمس سنوات ونشطت خلالها الصراعات القبلية والعرقية التاريخية في جنوب السودان وكانت نتائجها المباشرة مقتل نحو نصف مليون ونزوح مليونى شخص من مجتمعاتهم المحلية.
تصاعد التوتر بين طرفى السلطة في جنوب السودان شهد تطوراً في 4 مارس 2025، حيث استولت مليشيا النوير (الجيش الأبيض) المرتبطة بنائب الرئيس رياك مشار، على قاعدة عسكرية في منطقة الناصر تابعة لجيش جنوب السودان، وهي بلدة رئيسية على الحدود بين جنوب السودان وإثيوبيا، بعد أن اتهم مشار الجيش، بقيادة الرئيس سلفا كير، بشن هجمات على قواته في مقاطعة أولانغ في 25 فبراير الماضي، إضافة لأكثر من هجوم على الموالين له في منطقتين أخريين في غرب البلاد.
وقد اعتقل الرئيس كير العديد من كبار حلفاء مشار رداً على التطورات التي شهدتها الناصر، وتم اتهام نائب الرئيس مؤخراً على لسان المتحدث الرسمي لحكومة جنوب السودان بالتواصل مع "الجيش الأبيض" وتحريضه على التمرد على السلطة الشرعية، وذلك بالتوازي مع ما تشهده البلاد من أعمال عنف مروعة على المستوى المحلي، لا علاقة لها بالتنافس على السلطة بين كير ومشار، ولكنها مرتبطة بالصراعات القبلية التقليدية، وذلك بسبب التعددية في التجمعات العرقية الرئيسية ومنها النيلوتك والدينكا والنوير والتوبوسا واللاتوكا والزاندي والشلك. وكل واحدة من هذه التجمعات الثقافية المكتفية ذاتياً والمنعزلة لها لغتها الخاصة ومعتقداتها الدينية المختلفة. وليس معنى هذا أن العناصر الأفروعربية أو الإسلامية واللغة العربية غائبة تماماً في جنوب السودان، خصوصاً على المستوى اللغوي للعامة وغير المتعلمين فيما يسمى عربي جوبا.
جذور الأزمة
تذهب غالبية الأدبيات السياسية إلى وجود جذور تاريخية للصراع الراهن مرتبطة بشعور القبائل غير الرئيسية في جنوب السودان بالتهميش في التمثيل السياسي لصالح قبيلة الدينكا كبرى قبائل جنوب السودان، الأمر الذي دفع الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري إلى تقسيم جنوب السودان إلى ثلاث ولايات. هذا التقسيم ساهم في تجذير الشعور بالتهميش الداخلي في جنوب السودان بعد انهيار اتفاقية أديس أبابا التي أبرمت عام 1972 بين شمال وجنوب السودان وعودة قبيلة الدينكا- أكبر القبائل جنوب السودان- إلى ممارسة هيمنتها، على أن التحالف القبلي والعرقي الذي أنجزه جون جارانج في إطار الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي تبلورت عام 1983ضد الحكومة المركزية في الخرطوم قد ساهم على نحو ما في صياغة تقارب قبلي على خلفية وحدة الهدف، ولكن هذا التحالف لم يستمر طويلاً، إذ انقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1991 بين جون جارانج المنتمي إلى قبيلة الدينكا ورياك مشار المنتمي إلى قبيلة النوير، وهو ما أبرز الصراع القبلي من جديد في جنوب السودان، حيث اتخذ العنف الاجتماعي منذ هذا التاريخ أبعاداً قبلية وعرقية.
عوامل تطور الصراع
ساهمت حرب السودان التي اندلعت في أبريل 2023 في تصاعد حدة التوتر في جنوب السودان، حيث فرضت ضغوطاً متزايدة على حكومة الرئيس سلفا كير لسببين: الأول، خسارة ثلثى الإيرادات الحكومية بعد انفجار خط أنابيب تصدير النفط الرئيسي قرب العاصمة السودانية الخرطوم وسط القتال عام 2024. وقد أعاق الصراع العسكري إصلاح الأنبوب، الأمر الذي ساهم في اندلاع أزمة مالية مستحكمة.
والثاني، حالة التوازن الحرج المطلوبة من الرئيس سلفا كير إزاء كل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان (حميدتي) للحفاظ على علاقاته مع كليهما، إذ أن أنبوب النفط ينتهي في بورتسودان حيث الإقامة المؤقتة لحكومة السودان، بينما كانت تسيطر قوات الدعم السريع على بعض مناطق مرور الأنبوب، وهو ما فرض على كير التفاعل مع حميدتي لفترة مؤقتة، حيث أن قوات الدعم السريع سمحت عمداً بتدمير خط الأنابيب، نظراً لأن رسوم العبور كانت تذهب إلى منافسيها في بورتسودان، مما أجبر كير على إجراء مفاوضات عالية المخاطر مع قوات الدعم السريع لاستئناف تدفق النفط.
على صعيد موازٍ، تبرز تحديات قادمة من جنوب السودان للجيش السوداني في شمال السودان. إذ أن التحالف بين حميدتي وعبد العزيز الحلو - الذي يسيطر على مناطق جبال النوبة في جنوب كردفان - يسمح بامتداد الفاعلية العسكرية من دافور في غرب السودان إلى جنوب السودان وصولاً إلى مناطق أعالي النيل في جنوب السودان، حيث تعد الأعمال العدائية في أعالي النيل أول امتداد كبير للعنف من حرب السودان إلى جنوب السودان. وإذا كان التحالف يشكل ضغطاً سياسياً وعسكرياً على كل من كير والبرهان، فإنه يوفر فرصة لرياك مشار المتمرد على الرئيس كير لدعم قدراته العسكرية وأوراق ضغطه السياسي.
أما على المستوى السياسي، فإن الرئيس سلفا كير قد أقصى شركاءه في الحكومة الانتقالية التي تم تأسيسها عبر اتفاقية السلام المنشط عام 2018، وهى الحكومة التي تأخرت في إعلانها لعدة شهور عن الجدول الزمني المتضمن في اتفاق السلام، كما أقال الرئيس كير منذ عام 2020 وزيرة الدفاع من منصبها (زوجة رياك مشار)، وأقال أيضاً حاكم البنك المركزي، ومؤخراً أقال وزير النفط كانج شول، ونائب قائد الجيش جابرييل دوب لام، بينما وضع مسئولين عسكريين كبار متحالفين مع نائبه مشار رهن الإقامة الجبرية، وتم اعتقال الوزير المسئول عن جهود إحلال السلام في جنوب السودان ستيفن بار كول، لفترة محدودة، وهو من السياسيين المشاركين في مفاوضات اتفاق السلام عام 2018.
صحيح أن الحكومة التزمت بإجراء المسح السكاني عام 2022 المؤسس للإجراءات السياسية المتضمنة في اتفاقية السلام المنشط، فضلاً عن شروط التنمية المتوازنة، ولكنها تجاهلت التشاور مع الأحزاب بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية، ولم يتم وضع دستور دائم للبلاد، كما لم يتم وضع التشريعات اللازمة لتشكيل المحاكم المختلطة، حيث تقع مسئولية إنشاء المحكمة المختلطة على عاتق مفوضية الاتحاد الإفريقي، ونظراً لمعارضة الحكومة المستمرة، فقد ترددت المفوضية في إنشاء المحكمة المختلطة من جانب واحد. وفي الوقت نفسه، تم عرقلة إنشاء هيئة تسوية النزاعات.
وفي عام 2024، ونظراً لتصاعد مؤشرات التوتر السياسي والقبلي وأيضاً الأمني، تم نشر قوات حفظ سلام إضافية وقوات عاجلة في النقاط الساخنة في جنوب السودان التي عانت من خطف للمدنيين، ونزوح نتيجة التغير المناخي والمجاعات.
وهكذا تبلورت عوامل التوتر السياسي، الأمر الذي أسفر عن تأجيل الانتخابات الرئاسية أكثر من مرة لتكون سنوات حكم سلفا كير ١٤ عاماً متصلة، حيث من المقرر أن يتم إجرائها نهاية عام 2026.
تطويق الصراع
التفاعلات المرتبطة بحرب السودان من المنتظر أن تدفع الجيش السوداني إلى تأمين منطقة أعالي النيل في جنوب السودان، عبر قطع الطريق على ممر يوفره التحالف بين قطاع الشمال في حركة تحرير السودان في جبال النوبة وبين قوات الدعم السريع، وهو الممر الذي يتيح لها منطقة عمليات آمنة تمتد من دارفور غرباً عبر جنوب كردفان جنوباً عبر أعالي النيل في جنوب السودان إلى ولاية النيل الأزرق السودانية وإثيوبيا شرقاً.
هذه الأوضاع الميدانية قد تفرض تفاعلاً بين الجيش السوداني وقبائل النوير المتواجدة في هذه المناطق بينما هم أعداء لحليف الفريق البرهان، سلفا كير الذي يدعمه حالياً الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بقوات موجودة بجنوب السودان شنت قصفاً ضد "الجيش الأبيض" أكثر من مرة.
وتكمن المخاطر الحقيقية في اندلاع قتال في مدنية ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل، نظراً لكونها مدينة متعددة الأعراق، وقد تؤدي أعمال العنف فيها إلى نتائج مرعبة على الصعيد الإنساني، خصوصاً وأن مقتل الجنرال ماجور داك قائد منطقة الناصر العسكرية على يد النوير رغم جهود الأمم المتحدة لإنقاذه عبر محاولة إخلاء جوي، ساهم في تصعيد التوتر السياسي والعسكري بين كير ومشار وبالتالي اتخاذ قرار اعتقاله، فضلاً عن احتجاز الرئيس كير حالياً قادة عسكريين مرموقين تابعين لمشار.
وطبقاً لتوقعات الخبراء، فإن تطويق سيناريو اندلاع صراع مسلح في جنوب السودان مطلوب من الاتحاد الإفريقي، فضلاً أنه مطلوب من القاهرة الانتباه لاندلاع هذا الصراع، ومحاولة تطويقه عبر الجهود الدبلوماسية المباشرة بالتعاون مع كل من الاتحاد الإفريقي والسودان وإرتيريا والصومال، إذ أن تفعيل التحالفات المصرية في شرق إفريقيا يتطلب الانخراط الفعال في جهود إحلال السلام في هذه المنطقة المهمة استراتيجياً لمصر.
موقع #مركز الاهرام للدراسات
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الرئیس سلفا کیر فی جنوب السودان السودان إلى أعالی النیل الرئیس کیر
إقرأ أيضاً:
FT: خطة إسرائيلية لتهجير سكان غزة تحاكي التطهير العرقي
كشفت صحيفة " فاينانشيال تايمز " إنشاء مستشارو "مجموعة بوسطن الاستشارية BCG" نموذجا لنقل الفلسطينيين إلى الصومال وأرض إقليم الصومال خلال مشروع بشأن غزة ما بعد الحرب , وهو ما أثار موجة من الانتقادات الدولية باعتبارها محاكاة للتطهير العرقي.
ووفقًا لتقرير الصحيفة , تضمن النموذج المعقد تقديرات لنقل مئات الآلاف من سكان غزة إلى دول مثل الصومال وأرض الصومال , مصر، الأردن، والإمارات العربية المتحدة وجهات محتملة ، في خطة وُصفت بأنها "إعادة توطين".
وبحسب العرض الذي أعده رجال الأعمال ، كانت الخطة موجهة للإدارة الأمريكية وجهات إقليمية ، وتوقعت أن تستفيد الدول المستقبِلة للاجئين الفلسطينيين اقتصاديًا بما يصل إلى 4.7 مليار دولار خلال السنوات الأربع الأولى من تنفيذ برنامج الترحيل.
وكانت صحيفة "فاينانشال تايمز" كشفت الشهر الماضي عن مشاركة مجموعة بوسطن الاستشارية في مشروع "النمذجة" لما بعد الحرب، لكن الشركة الاستشارية تنصلت من هذا العمل قائلة إن الشريك المسؤول قد تم إخطاره بعدم القيام بذلك.
وكان العمل على هذا النموذج قد ارتبط بمشروع أوسع تولت فيه مجموعة بوسطن الاستشارية دورًا رئيسيًا، وهو تأسيس "مؤسسة غزة الإنسانية" المرتبطة بأمريكا وإسرائيل والتي طالبت أكثر من 170 منظمة إغاثة دولية بإغلاقها لأنها باتت بمثابة فخ تعرّض المدنيين الفلسطينيين الجوعى لخطر الموت والإصابة برصاص جيش الاحتلال.
لاحقًا ، ومع تصاعد الانتقادات بتهمة المساعدة على تنفيذ عملية تطهير ضد شعب كامل ، حاولت مجموعة بوسطن الاستشارية التملص من الفضيحة , معلنة إيقاف مشاركتها في المشروع في أيار / مايو ، كما أعلنت طردها الشركاء الذين ساهموا في إعداد نموذج "إعادة التوطين" ، مشيرةً إلى أنهم أخفوا طبيعة العمل عن إدارتهم ، وأن المشروع أُجري سرًا ومن دون موافقتها , بحسب قولها.
وذكرت الشركة أمام لجنة برلمانية بريطانية أن الشريك الرئيسي طُلب منه الامتناع عن أي أعمال لا تشمل إشراك السكان المتضررين ، إلا أنه خالف التوجيهات.
وعلى خلفية هذه الفضيحة، علّقت منظمة "إنقاذ الطفولة" شراكتها الطويلة مع مجموعة بوسطن الاستشارية , وصفت الرئيسة التنفيذية للمنظمة، إنغر آشينغ، وفق رسالة داخلية مؤرخة في 8 تموز / يوليو سلوك "BCG" أنه "غير مقبول بتاتًا ومجرد من الإنسانية، ويتجاهل الحقوق والكرامة، ويثير تساؤلات قانونية وأخلاقية جسيمة" ، مستنكرةً حساب تكلفة تهجير الفرد من سكان غزة ومقارنتها بتكاليف إعادة الإعمار.
وفي 4 شباط / فبراير 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض إلى جانب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو , عن خطته بشأن نقل جزء كبير من الشعب الفلسطيني من غزة إلى مصر والأردن ودول أخرى , فيما وافقت إسرائيل على تسليم غزة إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب , وهو ما أطلق سيل من الرفض والاستنكار العربي والدولي لهذا المخطط.
هذا وسيق أن أجرت مجلة "972+" الرقمية العبرية تحقيقا يوثق بالصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو حجم الدمار الهائل في قطاع غزة ، الذي تسببت فيه الغارات الجوية والجرافات الإسرائيلية، ضمن حملة ممنهجة لجعل القطاع مكانا غير صالح للعيش.