سودانايل:
2025-08-01@12:40:45 GMT

حرب السودان لم تضع أوزارها بعد

تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT

1

في المقال السابق، وفي محاولتي الإجابة على سؤال ما العمل بعد أن استعادت القوات المسلحة السودانية سيطرتها على المناطق التي احتلتها قوات الدعم السريع وطردها منها، وخاصة عاصمة البلاد وما بها من مواقع ورموز السيادة الوطنية، أشرت إلى أن هذه التطورات العسكرية، لا تعني أن الحرب انتهت ووضعت أوزارها.
فالمؤشر الرئيسي لانتهاء هذه الحرب، أو هذه الجولة من جولات حروب السودان، هو استسلام قوات الدعم السريع وتسليم أسلحتها، وهو ما لم يحدث.

بل إن هذه القوات مازالت موجودة، وعتادها غربا في دارفور وفي كردفان وفي مناطق متاخمة للعاصمة، حيث جاء في الأخبار أنها تواصل عملياتها الانتقامية ضد السكان المدنيين في قرى الجموعية جنوب أمدرمان.
كما أنها لا تزال تحاصر مدينة الفاشر، عاصمة إقليم دارفور، وتهدد بضرب مناطق في ولاية نهر النيل والولاية الشمالية، خاصة بعد سيطرتها على منطقة المالحة الاستراتيجية، والتي تقع عند تقاطع الطرق الذي يربط ما بين شمال السودان وغربه، ويُعد مركزاً رئيسياً للإمداد والتموين استأثرت به قوات الدعم السريع لصالح إمدادها وتموينها عبر الطريق القادم من ليبيا. وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه القوات تعتبر مكونا رئيسيا في تحالف «تأسيس» السياسي العسكري والذي يضم أيضا قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمركزة في جنوب كردفان، والتي ظلت لعدة عقود في نزاعات دامية مع حكومات الخرطوم، كما يضم بعض حركات دارفور المسلحة التي أيضا ظلت في نزاعات دامية مع حكومات الخرطوم منذ العام 2002 وحتى توقيع اتفاق سلام جوبا 2020، وأخذنا في الاعتبار أيضا أن هذا التحالف الجديد أعلن أنه سيشكل حكومة موازية لحكومة بورتسودان في البلاد، لبات واضحا أن حروب الهامش والمركز المشبعة بسفك دماء المواطن السوداني منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، دارفور وجنوب كردفان نموذجا، إضافة إلى أنها ستستمر أكثر عنفا وشراسة، ستدفع بالبلاد إلى منعطف أشد خطورة ومأساوية ويهدد وحدتها. وهناك ملاحظة لها دلالتها الهامة والمؤثرة في مجرى الصراع في دارفور، وهي أن قوات الدعم السريع كانت تقاتل إلى جانب حكومة الإنقاذ في دارفور، أو أن الإنقاذ أنشأت هذه القوات خصيصا للتصدي للحركات المسلحة في دارفور آنذاك، بينما هي الآن تقاتل من الضفة الأخرى. وإذا كان تحالف الدعم السريع والحكومة آنذاك لم يستطع حسم الحرب في دارفور عسكريا، فليس هناك ما يشير إلى إمكانية حسمها اليوم عسكريا والدعم السريع انتقل من ذاك التحالف إلى الاتجاه المعاكس، بل سيتواصل تجلي أزمة السودان العامة ودوران حلقتها الشريرة حربا في دارفور كما كانت من قبل. وفي كل الأحوال، فإن الانتصارات العسكرية، مهما كانت حاسمة، لن تنهي حرب السودان الراهنة، بل الأمر يتطلب حلا سياسيا تفاوضيا يخاطب مطالب كل الأطراف، ولكن ليس على حساب المصلحة العامة ومطالب الوطن، وفي إطار التصدي للأزمة الوطنية العامة التي تسكن البلاد منذ فجر الاستقلال، وتمتد جذورها عميقا في تربة التهميش واختلالات التنمية غير المتوازنة والتوزيع غير العادل للموارد والمشاركة غير العادلة في السلطة.

ومن الضروري هنا التأكيد على أن الحل السياسي التفاوضي الذي نعنيه ينبغي ألا يكون مساومة بمبادئ ثورة ديسمبر/كانون الأول العظيمة، أو يأتي مجرد صفقة لشراكة جديدة واقتسام كراسي السلطة، أو مناورة بهدف عودة نظام الإنقاذ في ثوب جديد. فكل هذا يعني استمرار الأزمة واندلاع الحرب ولو توقفت برهة. فأهداف الحل السياسي التفاوضي يجب أن تكون واضحة ومحددة في أ ـ وقف القتال وتحقيق التحول الديمقراطي وكفالة الحريات وحقوق الإنسان، ورفض أي شكل من أشكال الوصاية العسكرية على النشاط السياسي. ب ـ المحاسبة القضائية لكل من ارتكب جرما ضد الوطن والمواطنين، بما في ذلك الانتهاكات وجرائم الفساد. د ـ فتح الطريق لإطلاق حوار سوداني سوداني يبحث الشروع في إعادة بناء الدولة السودانية على أساس مشروع وطني يحارب التهميش ويحقق التنمية المتوازنة ويعيد بناء مؤسسات الدولة السودانية، المدنية والعسكرية، وكل ذلك وفق أسس جديدة تتضمن المواطنة المتساوية وعدالة المشاركة في السلطة وتوزيع الموارد، وبما يحقق إعادة صياغة الهوية السودانية على أساس الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي وتقنينه، وبما يحقق السلام المستدام ويعيد رتق النسيج الاجتماعي وإصلاح الشروخ والجراحات الغائرة التي خلفتها صراعات وحروب الموارد والسلطة والهوية، وصولا إلى تحقيق إقامة سودان موحد ديمقراطي مستقر بإرادة شعبه الطوعية.
لن يفيد السودان، بل سيضره كثيرا، التصرف وكأن الحرب قد انتهت أو شارفت على الانتهاء بعد استعادة السيطرة على العاصمة. لذلك، وإضافة إلى ما ناقشناه أعلاه، هنالك تدابير عاجلة وضرورية وتتطلب التنفيذ العاجل اليوم ويقع عبء ذلك على قيادة القوات المسلحة باعتبارها السلطة الحاكمة في البلاد. وقبل تنفيذ هذه التدابير، فإن أي حديث عن عملية سياسية أو تكوين حكومة جديدة سيكون مجرد ثرثرة على النيل. وفي مقدمة هذه التدابير:
٭ الإسراع في نشر أفراد الشرطة والأجهزة الأمنية لبسط الأمن واحتكارها إنفاذ القانون، والتصدي لكافة أشكال أخذ القانون باليد. *فتح الممرات الآمنة لضمان انسياب وحماية المساعدات الإنسانية في كل البلاد.
٭ إطلاق مشروع لإصحاح البيئة بمشاركة واسعة من شباب الأحياء ولجان غرف الطوارئ وعضوية الأحزاب السياسية ونشطاء المجتمع المدني.
٭ تهيئة المناخ الملائم لإطلاق أي عملية سياسية أو حوار، عبر تجميد التعديلات الأخيرة في الوثيقة الدستورية، وكفالة الحريات العامة، وإلغاء مذكرات الاعتقال الصادرة من النيابة العامة بحق القيادات السياسية في الخارج.
وللأهمية، أختم بذات خاتمة المقال السابق، محذرا أن تظل القوى السياسية السودانية في وضعية المراقب للأحداث والمنتظر للنتائج، بل يجب أن تبادر، وفورا، للتوافق حول رؤية لكيفية التعامل مع المرحلة الجديدة على ضوء تطوراتها الراهنة، وأن لا تترك الأمر كله للمبادرات الخارجية.

نقلا عن القدس العربي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع فی دارفور

إقرأ أيضاً:

صراع الهامش ضد المركز أم صراع الهامش والمركز من أجل البقاء؟

صراع الهامش ضد المركز أم صراع الهامش والمركز من أجل البقاء؟
حينما نتحدث عن إن جدلية الهامش والمركز هي اطروحة عفى عليها الزمن لتفسير الحروب والصراعات في السودان وخاصة تلك التي المندلعة في دارفور يعتقد محدودي المعرفة اننا نتحرك بعصبية سياسية أو مناطقية ولكننا نحاول الإجابة على سؤال واحد وهو لماذا ومنذ المهدية كان مواطن دارفور الأكثر قابلية للتطويع العسكري و الانخراط في الأعمال العنيفة من القتل والنخب والسلب؟. الإجابة أعمق و اشمل من إن القول بأن الدافع هو عمل ممنهج من اقلية شايقية وجعلية ودنقلاوية تعمل بتناغم ولديها محفل سري لضمان استمرار تفوقها والاقتصادي والإداري.

ان المشكلة الأساسية التي تغذي وترفد الصراع العسكري في دارفور هو التغير المناخي خلال ال200 عاما الماضية والذي ازداد حدة في السنوات العشرين الأخيرة فالتغير المناخي ادى إلى ارتفاع درجات الحرارة وتذبذب الامطار والجفاف في اغلب مناطق دارفور وكردفان. فمنذ ستينيات القرن المنصرم وحتى العقد الأول من الألفية شهد اقليم دارفور انخفاضا حادا في معدلات الامطار مما زاد الصراع بين المزارعين والرعاة وهو السبب الرئيسي اندلاع الصراع في العام ٢٠٠٣. وقد عرفه العلماء وقتها بأنه أول صراع في التاريخ نجم عن التغير المناخي ولن يكون الاخير.

أيضا فيضانات 2020،2022 و2024 في شمال وجنوب دارفور أدت إلى نزوح حوالي 100 الف مواطن
كما ادى التغير المناخي لانعدام الامن الغذائي والمجاعة وذلك لتسببه في فشل المحاصيل ونفوق الماشية ففي العام 2023 انخفض إنتاج الحبوب في دارفور وكردفان بنسبة 80٪ عن المتوسط مما فاقم من سوء التغذية في هذين الاقليمين.

حتى كتابة هذا المقال نزح أكثر من 2.5 مليون شخص من دارفور ليعيشوا في مخيمات في دول مجاورة أو داخل السودان مثال معسكر زمزم الذي أعلنت فيه المجاعة منتصف 2024.
إن استمرار تبسيط أزمة السودان من المجموعات الحاكمة والمعارضة المسلحة في إنها ازمات عرقية مناطقية وصراع مركز وهامش وتحول ديمقراطي وغيرها هو تبسيط مخل عواقبه كارثية. السودان وبقية إفريقيا سيكونون الأكثر تأثرا بالتغير المناخي في العالم بين عامي 2050 و2100 ستختفي مدن وستجف انهار موسمية وستخرج أراضي كثيرة من النطاق الزراعي وسترتفع درجات الحرارة في مناطق بما يستحيل معها العيش البشري وستنتشر المجاعة وتحتدم الصراعات وحاليا الصراع الخفي وراء حرب ال دقلو عل الحكومة هو الذهب والموارد المتبقية في الشمال ولذلك لا ينامون الانفصال لأنو دارفور ببساطة لم يعد بها شيء.

ولذلك كان هجوم الجنجويد شرسا وبشعا وجشعا وتم افراغ نصف السودان من كل رأسماله في مشهد هوليودي مرعب لأن الغزاة من كل غرب إفريقيا اندفعوا بدوافع الجوع والفاقة التي يرزخون تحتها منذ عقود وحين استقروا في البيوت ماتت عزيمة القتال لديهم فقد شبعت البطون وارتوت العروق وتمدنت النفس.

ولذلك أيضا تسلح الشمال في تحول جذري في هذا الصراع البيئي فقد اختبرت فيه هذة الاجيال بشاعة القادمين من الجحيم وخطورتهم على مناطقهم واراضيهم ولن يتوقف هذا التسلح فهو بداية مرحلة جديدة في الصراع من أجل البقاء.
العالم كله يتحرك لمحاولة إنقاذ ما يمكن انقاذه، فمصر تبني ١٦ مدينة في الصحراء لأنها تعلم إن الدلتا والإسكندرية ودمياط وغيرها ستختفي. وسيتم ترحيل من 80 إلى 90٪ من المصريين لهذة المدن الجديدة لأنهم يستعدون لنتائج التغير المناخي الحتمية .

ومازلنا نحن نحوض والصراعات المبنية على الجهل وندور في حلقة مفرغة من الانفاق على الحروب التي يغذيها ويفاقمها التحول المناخي كما ننفق على حكومات تتكون على طرفي الصراع واحدة في بورتسودان التي قد تختفي يوما بفعل ارتفاع مياه البحر دارفور التي تجاوزت الخطوط الحمراء في التغير المناخي منذ عقود وأصبحت جل اراضيها لا تصلح للعيش البشري فعلى ماذا يتصارعون.

واود ان الفت الانتباه هنا إلى أن السيد الصادق المهدي قد اشار في خطابه الاخير (اعتقد في صلاة عيد الأضحى) إلى قضية التغير المناخي ورغم كبر سن الرجل وقتها إلا إنه كان أكثر وعيا من كل من سخروا منه واعتبروا ان افراد فقرة في حديثه للتنبيه لخطورة التحول المناخي هي من باب الرفاهية الثقافية ولكنه كان يعلم إنه التحدي الاكبر والوجودي للسودان وهو المحرك الخفي لكل ما نعيشه من صراعات دامية
رحم الله الامام.
د. سبنا امام

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • السودان.. الجنائية الدولية تتسلم ملف جرائم الدعم السريع في دارفور
  • “الجنائية” تتسلم ملف جرائم “الدعم السريع” في السودان
  • حرب دارفور وكردفان غير شكل !
  • “الديمقراطية” تدين المجزرة الصهيونية البشعة في منطقة السودانية
  • عناوين الصحف السودانية الخميس 31 يوليو 2025
  • ماذا تعني تلميحات مناوي بإمكانية تواصله مع الدعم السريع؟
  • صراع الهامش ضد المركز أم صراع الهامش والمركز من أجل البقاء؟
  • عناوين الصحف السودانية اليوم الأربعاء 30 يوليو 2025
  • “الدعم السريع” تنهب قافلة مساعدات “أممية” خاصة بدارفور
  • حريق جزئي بمركز كونترول “الشهادة السودانية”.. و”التربية” توضح