إبراهيم شقلاوي يكتب: تكنيك منى أبو زيد وخطاب الكراهية
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
تعجبني الطريقة التي تستهل بها الزميلة الصحفية المتميزة “منى أبو زيد” مقالاتها، حيث تبني فكرتها على اقتباس فلسفي أو تراثي مستمد من تجارب الحياة وتحدياتها، وذلك لإحكام السياق وتوصيل الفكرة بعمق. لذا أستأذنها اليوم في استعارة هذا التكنيك في كتابة مقالي، والسبب الثاني هو أن دراستي للفلسفة في بواكير العمر منحتني إدراكًا لقيمتها في تحليل الأفكار وإيصال الرسائل المطلوبة بوعي وانتباه.
يقول الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور : “الكراهية تنبع من ضعف العقل أكثر مما تنبع من شدة العاطفة.” تتجلى هذه الحقيقة بوضوح في المجتمعات التي تعاني من الاضطرابات والحروب، حيث يصبح خطاب الكراهية ملاذًا لمن لم يدركوا بعد أن الكلمات قد تكون أخطر من الرصاص، وأن الشعوب لا تنهض عبر تأجيج الصراعات، بل من خلال إعلاء قيم التسامح والتفاهم.
لقد فرضت الحرب نفسها على بلادنا بفعل أطماع دولية و إقليمية متجددة توافقت مع اطماع النخب في سلطة بلا تفويض، مخلفة شروخًا عميقة في النسيج الاجتماعي، واستغل البعض منابر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لبث خطابات الكراهية معبرا عن الصراع الصفري ، مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة ويعطل أي فرصة لتحقيق سلام حقيقي ومستدام.
لذلك تبرز الحاجة إلى مواجهة هذا الخطاب المدمر، الذي بات يغذي النزاعات ويؤخر فرص السلام. فخطاب الكراهية الذي يتبناه البعض بوعي أو دون وعي، ليس مجرد كلمات تُلقى في فضاء الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي، بل هو أداة قد تؤسس لانقسامات تمتد لعقود إن لم تتم مواجهتها بحزم القانون ووعي القائمين على الخطاب الإعلامي والسياسي.
علينا جميعًا مقاومة خطاب الكراهية لأن التجارب الإقليمية والعالمية أثبتت أن هذا النوع من الخطاب لا يقود إلا إلى مزيد من الدمار وتشظي المجتمعات وتفككها. رواندا مثلًا : التي عانت من إبادة جماعية أودت بحياة أكثر من 800 ألف شخص، كانت نتيجة مباشرة لتحريض إعلامي ممنهج. ومع ذلك تعيش رواندا اليوم نهضة تنموية لأنها اختارت طريق المصالحة الوطنية بعد أن تم احتواء خطاب الكراهية من خلال تشريعات قوية وبرامج توعوية قادتها النخب السياسية والإعلام الوطني، مما أعاد بناء المجتمع.
أما في لبنان : فقد اندلعت الحرب الأهلية عام 1975 واستمرت حتى 1990، وكانت إحدى أبرز الحروب التي غذّاها خطاب الكراهية الطائفي والسياسي. لعبت الخطابات التحريضية دورًا رئيسيًا في تقسيم المجتمع اللبناني بين طوائفه المختلفة، مما أدى إلى اندلاع صراعات مسلحة بين الميليشيات، ثم تدخل قوى إقليمية ودولية زاد من تعقيد المشهد وإذكاء الصراع.
السودان اليوم ليس استثناءً، بل هو بحاجة إلى مشروع وطني نهضوي شامل يُكرّس لمواجهة خطاب الكراهية، سواء من خلال الإعلام الواعي أو المؤسسات التعليمية أو القوانين الرادعة. كما أن على القوى السياسية والاجتماعية أن تعي خطورة الانجراف وراء هذا الخطاب المخزي، الذي قد يؤخر تعافي البلاد لعقود.
لذلك لا بد من دور رشيد للإعلام والإعلاميين في المعركة ضد الكراهية. فالإعلام ليس فقط ناقلًا للأخبار، بل هو صانع للوعي. ومن هنا تأتي أهمية حملة “المجد نيوز” التي يقودها شباب مستنير استشعروا مسؤولية وأهمية التعافي الوطني ووحدة الصف ونبذ العنصرية والمناطقية. لتجاوز خطاب الكراهية، هذه الخطوة الواعية مهمة في مواجهة هذا الخطر الداهم.. أن مثل هذه المبادرات يجب أن تتوسع لتشمل منصات الإعلام كافة، لتوجيه رسالة واضحة مفادها أن السودان لن يتعافى إلا إذا تجاوز خطاب الكراهية واستعاد قيمه الأصيلة في التسامح والتعايش السلمي .
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن معركة الوعي ضد خطاب الكراهية ليست ترفًا، كما أنها ليست مسؤولية فردية، بل ضرورة وجودية يجب أن ينهض بها الجميع لحماية بلادنا من الوقوع في دوامة الاحتراب الداخلي والانقسام المجتمعي. وحين ندرك بوعي أن الكلمات قد تكون أكثر فتكًا من الرصاص، يصبح واجبنا جميعًا أن نستخدمها لبناء الوطن لا لهدمه. فالمستقبل الذي نحلم به لا يمكن أن يولد من رحم الكراهية، بل من رحم المصالحة الوطنية، والمواقف العقلانية، والاحترام المتبادل.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
السبت 5 أبريل 2025 م
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: خطاب الکراهیة
إقرأ أيضاً:
هذا مايقوم به النظام السعودي في سوريا
وأضاف انعم في تغريدة له وهو اندفاع استخباراتي سعودي وصهيوني وغربي بسبب خوفهم وفزعهم من حالة التقارب العروبية والإسلامية الكبيرة بعد طوفان الأقصى، والذي قسم الأمة إلى أنظمة عربية مطبعة معزولة ومكروهة، وجماعات إسلامية سنية وشيعية وحركات قومية ويسارية متحالفة للتصدي للصهيونية.
وتابع للأسف يتواطأ المحور التركي القطري في هذه اللعبة الخطيرة في سوريا، رغم أنه محور له علاقة إيجابية عامة بحركات المقاومة السنية والشيعية..كما أن القيادات السورية الإسلامية الجديدة تقدم نفسها كانتهازية تغرق في هذا الخطاب المنحاز لدول التطبيع العربية المحاربة للإسلام السياسي في بلادها وللمقاومة الإسلامية في الخارج.
وأوضح مستشار المجلس السياسي للأسف فقد ساهم الخطاب الانفعالي لبعض الأطراف الأخرى -وقبله الدعم السلبي للنظام العنيف والإقصائي السوري المخلوع- في مزيد من القطيعة مع الجماعات السورية التي كانت معارضة ووصلت للسلطة..سوريا دولة مهمة موقعا وتاريخا وتأثيرا، ولا ينبغي تركها للسعوديين بجعلها نموذجا طائفيا جديدا وخطيرا.
واكد الدكتور محمد طاهر انعم لا شك أن هناك قيادات سورية -إسلامية وقومية ويسارية داخل القيادة الجديدة وخارجها- تبغض إسرائيل وجرائمها -التي تظهر بوضوح في الإعلام القطري والتركي- وليست راضية بهذا الانحدار الانتهازي للقيادة السورية -وخاصة الرئيس ووزير خارجيته- ويجب العمل على هذا الأمر وعدم الانجراف مع خطاب الانقسام الطائفي اليائس، الذي لا يصب إلا في مصلحة إسرائيل والأنظمة المطبعة.
وقال " الكرة الان في ملعب القيادة الإيرانية والإخوة المقاومين في لبنان وفلسطين للتواصل مع عقلاء السوريين لتهدئة النفوس وبداية صفحة جديدة، وعدم ترك سوريا للمشروع السعودي القذر والخطير".
وأضاف الشعب السوري تشرب بغض إسرائيل منذ عقود، وتغيير قناعاته لن يتم بهذه البساطة، رغم كل مظاهر تصوير بعض الحجاج السوريين -وبعض العامة- وهم يقلدون حركة ابن سلمان على صدره كدليل على انحيازهم لمشروعه بسذاجة.