صحفيون للجزيرة نت: جرائم الاحتلال لن تخفي الصورة ولن تخرس أصواتنا
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
غزة- "كان جسد الزميل أحمد منصور يذوب من شدة النيران"، يقول الصحفي عبد الرؤوف شعث، الذي انتصر لإنسانيته، واندفع وسط ألسنة اللهب وأعمدة النار والدخان المتصاعدة لإنقاذ زملائه في خيمة للصحفيين استهدفتها غارة جوية إسرائيلية.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة والنصف بعد منتصف الليلة الماضية، عندما صُدم شعث وزملاؤه في "مخيم الصحفيين" أمام مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، من مشهد اشتعال النيران في خيمة تؤوي عددا من الصحفيين.
تعود هذه الخيمة للصحفي حسن اصليح، وهو على "قائمة الصحفيين"، الذين يتعرضون لتحريض إسرائيلي مستمر منذ ظهوره في مقطع فيديو يوثق مشهدا من سيطرة كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) على دبابة إسرائيلية وأسر جنودها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في عملية تطلق عليها المقاومة "طوفان الأقصى".
وتداولت مواقع وحسابات إسرائيلية هذه الغارة، وقالت إنها كانت تستهدف اصليح، الذي وصفته بصديق رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الشهيد يحيى السنوار، ونشرت صورة تجمعهما معا.
مشاهد قاسية
اندفع شعث وسط النيران محاولا سحب الصحفي منصور، الذي بدا عاجزا عن الحركة بينما النيران تلتهم جسده. يقول شعث للجزيرة نت "كان المشهد قاسيا للغاية، لم أتخيل يوما أن أكون في مثل هذا الموقف المؤلم (..) النار تأكل صحفيا وجسده يذوب أمام عيوننا".
إعلانأصيب شعث بحروق في يده، وفي شهادته على الجريمة، يقول "وقع انفجار كبير، واندفعنا خارج الخيام وإذا بالنيران تلتهم الخيمة بكل ما فيها"، متسائلا بحرقة وغضب "إلى متى سنبقى نخسر كل يوم زميل في هذه المحرقة؟، نطالب بالحماية كما كل الصحفيين حول العالم".
واستشهد في استهداف هذه الخيمة الصحفي حلمي الفقعاوي، والعامل في أحد الوكالات الصحفية يوسف الخزندار، ما يرفع عدد الشهداء الصحفيين منذ اندلاع الحرب عقب طوفان الأقصى إلى 210 صحفيين، وفقا لتوثيق نقابة الصحفيين الفلسطينيين.
ولم تكن قد مضت دقيقة واحدة على استهداف الخيمة عندما وصلها الصحفي تامر قشطة، المقيم في خيمة قريبة، واستطاع إجلاء الصحفي حسن اصليح، ونقله على كتفه لقسم الاستقبال والطوارئ في مجمع ناصر الطبي.
يقول قشطة للجزيرة نت "المشهد كان مروعا، ولم أفكر مرتين قبل الاندفاع وسحب الزميل حسن وحمله على كتفي للمستشفى .. الحياة أهم من الصورة".
ووجدت شجاعة شعث وقشطة إشادة واسعة في أوساط الصحفيين، الذين أثنوا على انتصارهم للإنسانية، وتفضيلهم حياة زملائهم الصحفيين والتضحية رغم الخطر على عملهما الصحفي، ويقول قشطة "كلنا هنا قد نكون الضحية التالية".
وبإصرار لا يخلو من حزن، يشدد قشطة على أن "مثل هذه الجرائم المتلاحقة والمتكررة بحقنا كصحفيين في غزة، لن توقفنا عن أداء رسالتنا الإنسانية والمهنية"، ويصف الصحفيين في غزة بأنهم "آخر حراس الحقيقة، ومن يقع على عاتقهم إيصال الصورة المأساوية للعالم وكشف ما يتعرض له الأبرياء".
ومن بين 10 صحفيين أصيبوا في استهداف هذه الخيمة، كان الصحفي عبد الله العطار المتعاون مع وكالات أجنبية، ويقيم في خيمة ملاصقة للخيمة المستهدفة، ويقول للجزيرة نت في شهادته على الجريمة، "كنت والزملاء نتابع استهداف منزل سكني وسط مدينة خان يونس استشهد فيه 8 أطفال ونساء، ومن شدة التعب وضعت رأسي على المخدة لنيل قسط بسيط من الراحة، وما هي إلا لحظات حتى شعرت بزلزال يفجرني من الداخل".
إعلانوإلى جانب العطار واصليح ومنصور، أصيب الصحفيون أحمد الأغا، ومحمد فايق، وإيهاب البرديني، ومحمود عوض، وماجد قديح، وعلي اصليح، وحسام الكردي، وبينهم إصابات بالغة وقد أصيب جلهم بحروق شديدة، بحسب نقابة الصحفيين وأوساط صحفية.
ويقول العطار إن زميليه منصور والبرديني هما الأشد خطورة، حيث أصيب الأول بحروق في كافة أنحاء جسده وأدخل العناية الفائقة، فيما أصيب البرديني بشظية اخترقت رأسه وفقأت عينه.
وأصيب العطار نفسه بشظايا في البطن والساقين، ويصف استهداف الخيمة بأنها "جريمة اغتيال مباشرة بهدف كتم الصوت والصورة"، وباللهجة الفلسطينية الدارجة وبتحد كبير يقول "فشروا (هيهات)، سنعالج ونعود للميدان ونكمل رسالتنا، ولن يوقفنا هذا الاحتلال المجرم".
ويتفق معه حسام الكردي ويعمل مهندسا للبث ضمن طاقم قناة الجزيرة في غزة، وأصيب بجروح أثناء وجوده في الخيمة المقابلة للخيمة المستهدفة، ويصف في حديثه للجزيرة نت المشهد بأنه كان مروعا والنيران تلتهم أجساد الزملاء في خيمة من القماش والبلاستيك تحولت إلى كتلة من اللهب.
ونجا الكردي من غارة إسرائيلية سابقة استهدفت ساحة مجمع ناصر الطبي في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب، وأصيب حينها بشظايا في أنحاء جسده، ويقول "الاحتلال حولنا جميعا في غزة إلى أهداف محتملة في كل لحظة".
مسلسل من الجرائم
وفي مجمع ناصر الطبي احتشد صحفيون في وقفة دعت لها نقابة الصحفيين الفلسطينيين، احتجاجا على الجرائم الإسرائيلية المتكررة بحق الصحفيين في غزة.
وعلى هامش الوقفة، قال الدكتور تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين للجزيرة نت، إن "لدى الاحتلال مخططا واضحا ضد الصحفيين، وهذه الجرائم المتكررة تستهدف اغتيال الصحفي الفلسطيني كونه الشاهد على حرب الإبادة الجماعية".
إعلانووضع الأسطل استهداف الصحفيين في السياق ذاته مع الاستهداف الممنهج ضد العاملين في القطاع الإنساني والإغاثي، وبرأيه فإن الاحتلال يريد أن يرتكب جرائمه ومجازره بحق المدنيين بصمت، وبعيدا عن عيون الصحفيين، ويريد أن يقطع كل يد تمتد لهم بالمساعدة.
ويقول نائب نقيب الصحفيين إن "هذه الجريمة ليست حدثا عابرا أو استثناء، بل هي جزء من سياسة ممنهجة يتبعها الاحتلال لتصفية الصحفيين الفلسطينيين الذين باتوا هدفا مباشرا لآلة القتل الإسرائيلية، فقط لأنهم يقومون بواجبهم في نقل الحقيقة".
وأضاف أن 210 صحفيين وصحفية وعاملا بالإعلام استشهدوا برصاص وصواريخ الاحتلال، في أكبر مجزرة دموية ترتكب بحق الإعلاميين في التاريخ الحديث، وسط صمت دولي مريب وتواطؤ مخجل مع جرائم الاحتلال.
وشدد الأسطل على أن النقابة توثق هذه الجرائم ومستمرة في ملاحقة قادة الاحتلال في كافة المحافل القانونية والدولية، لكشف وجهه الإجرامي أمام العالم، "وأن محاولات إسكات الصحافة الفلسطينية لن تنجح، وأن صوت الحقيقة سيظل أعلى من صوت القتل والتنكيل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
"صحفيون في قلب الأزمات" غزو الكويت بعيون صحفية
يطلق المركز القطري للصحافة سلسلة "صحفيون في قلب الأزمات"، يسلط من خلالها الضوء على دور الصحافة العربية والخليجية والعالمية في تغطية الحروب والكوارث والأزمات الإنسانية حول العالم .
ونستعرض في هذه الحلقة كيفية تناول الصحف العربية والمحلية والعالمية خبر غزو صدام حسين للكويت في عام 1990 عبر موضوعات ومانشيتات خالدة في ذاكرة الصحافة العالمية.
ففي فجر الثاني من أغسطس عام 1990، استيقظ العالم على خبر صادم: القوات العراقية اجتاحت دولة الكويت في عملية عسكرية خاطفة نفذها نظام الرئيس صدام حسين، فخلال ساعات أحكمت بغداد سيطرتها على الأراضي الكويتية معلنة ضمها رسمياً إلى العراق، في انتهاك صارخ للسيادة والقانون الدولي.
وبرر العراق الغزو بخلافات اقتصادية حادة زاعماً أن الكويت أغرقت سوق النفط والتسبب في انهيار الأسعار،إلى جانب ادعاءات بسرقة نفط من حقل الرميلة الحدودي.
وتناولت الصحف العالمية والعربية غزو العراق للكويت باهتمام بالغ، وسلطت الضوء على خطورة الحدث وتداعياته الإقليمية والدولية، وتأثيره على المدنيين، بينما تم إيقاف الصحف المحلية عن النشر، واستمر بعضها بالنشر من أماكن أخرى.
صحف عالمية
في الثالث من أغسطس أي اليوم التالي للغزو نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً بعنوان: "الغزو العراقي.. إطلاق نار وخوف.. نصر وهتافات"، تناولت فيه الصحيفة جوانب متعددة مثل أحداث الغزو والمقاومة وحالة الذعر التي أصابت السكان حينها، كما نشرت عددا من التقارير والتحقيقات اليومية بخصوص الوقائع الميدانية والخسائر البشرية والتحليلات السياسية، بالإضافة إلى أثر الغزو على المدنيين والبنى التحتية للدولة.
عرضت صحيفة واشنطن بوست تغطيات شاملة بشكل يومي مدعمة بتقارير ميدانية وتحقيقات عن الغزو وتداعياته، فنشرت في الثاني من أغسطس يوم الغزو تقريراً أولياً عن آلية اجتياح العراق للكويت، وسيطرة القوات العراقية على المناطق الأساسية في الدولة بعنوان:"القوات العراقية تغزو الكويت - الدبابات والقوات تقتحم العاصمة"، بقلم كارل مورفي، وجاء فيه:
غزت القوات العراقية الكويت صباح اليوم، وتوغلت في عمق البلاد، واستولت على أجزاء من عاصمة هذه الإمارة الخليجية.
وسُمع دوي نيران كثيفة من الرشاشات وقذائف الهاون طوال الصباح حول قصر الأمير الحاكم، الشيخ جابر الأحمد الصباح.
وفي غضون ساعات من الغزو، أعلن المجلس الحاكم العراقي أن قواته تحركت لدعم الثوار الكويتيين الذين نفذوا انقلاباً على حكومة الصباح، وفقاًلما أوردته وكالات الأنباء من بغداد.
ووسط القتال الدائر في المدينة صباح اليوم، قاطعت الإذاعة الكويتية برنامجاً للموسيقى العسكرية، معلنةً: "أيها المواطنون، بلدكم يتعرض لغزو همجي... حان وقت الدفاع عنه".
وفي اليوم التالي نشرت تقريراً يوثق تطورات اليوم الثاني للغزو، وبعض الشهادات من مدنيين ودبلوماسيين بعنوان: "قوات الغزو العراقية تسيطر على الكويت"، ومقالاً آخر بعنوان: "مُنعزلٌ عن الأخبار في الكويت - لا كاميرات تلفزيونية، وقلةٌ من المراسلين في موقع الحادث"، يصف الصعوبات التي واجهت الصحفيين في الوصول إلى الكويت خلال الغزو.
أما صحيفة "الجارديان" فقد نشرت في الثالث من أغسطس تقريراً بعنوان: "القوى العظمى تتحد بشأن الغزو العراقي للكويت"، يتناول الغزو، والرد الدولي وتكاتف القوى الكبرى- الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك- لفرض عقوبات وعزل النظام العراقي.
وتغطي المقالة بدء الغزو وردود فعل الأمم المتحدة، واجتماع الطوارئ في جدة؛ لمواجهة التوتر في المنطقة.
صحف عربية:
من الجانب العربي، كانت صحيفة الشرق القطرية من أولى الصحف العربية التي تناولت تفاصيل الغزو العراقي في الساعات الأولى في طبعة مسائية استثنائية تم إصدارها خاصة للغزو تحت عنوان: "جيش العراق يغزو الكويت"، وتناول التقرير تفاصيل الغزو، بالإضافة إلى ردود الفعل الدولية وتبعات الغزو السياسية.
وحملت صحيفة الراية القطرية عنوان "قمة عربية غدًا أو بعد غد لبحث الغزو العراقي للكويت" ..
الشيخ جابر سليم وموجود بالسعودية وسعدالعبدالله يوجه نداء للمقاومة ..
إذاعة الكويت تنفي تشكيل حكومة مؤقتة ..
السعودية تعرب عن قلقها البالغ لما يجري بالكويت ..
200 كويتي سقطوا ما بين قتيل وجريح خلال المعارك.
العواصم العربية تتابع بقلق تطورات النزاع العراقي الكويتي ..
إصابة فهد الأحمد بجروح خطيرة.
أما صحيفة القبس الكويتية فلم تتوقع حدوث الغزو ونشرت تقريراً في الثاني من أغسطس عن مفاوضات سلمية بين العراق والكويت، وفي الوقت الذي نشرت فيه الصحيفة التقرير كان الجيش العراقي دخل الكويت بالفعل.
وبعد الغزو احتل جيش صدام مقر القبس وأنشأ منها صحيفة داعمة للغزو باسم "النداء" ونشر فيها تقارير داعمة للعراق.