سورية بعد السقوط.. غياب التذمر لا يعني رضا الناس
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
يمانيون ـ محمد محسن الجوهري*
اعتاد السوريون في ظل حكم نظام الأسد، على التذمر العلني من سوء الخدمات وتدهور الوضع المعيشي، وقد تجلى ذلك في إعلامهم ومسلسلاتهم، والمسرحيات الساخرة، وكافة أشكال الإنتاج الفني والثقافي. كان النقد الشعبي طبيعياً حتى ضمن المساحات الضيقة المتاحة، لأن المواطن كان يؤمن أن له حقاً في حياة أفضل.
لكن منذ ديسمبر 2024، حين فرضت الجماعات التكفيرية سيطرتها الكاملة على سورية، تغيّر المشهد جذرياً. لم يعد التذمر الشعبي موجوداً، لا لأن المشاكل اختفت، بل لأن الخوف عمّ، والصمت أصبح قانوناً غير مكتوب. بات السوري يمرّ على أزمات مضاعفة في الكهرباء، والماء، والدواء، وانهيار العملة، وانعدام فرص العمل، دون أن ينبس ببنت شفة. فالشكوى لم تعد رأيًا شخصيًا، بل “جريمة” تُعرّض صاحبها للاعتقال أو الاختفاء.
وقد وثّقت منظمات حقوق الإنسان، خلال الأشهر التي تلت هذا التحول، الآلاف من حالات الاعتقال والتنكيل بأشخاص لمجرد نشرهم مقطعًا يوثق معاناة الناس في الطوابير أو صعوبة الحصول على الخبز والوقود. في مناطق الجنوب والشمال والشرق، من درعا حتى القامشلي، باتت الحياة خاضعة لحسابات الولاء والسكوت، لا للقانون أو حتى الرحمة.
فقد ألغيت المحاكم المدنية، واستبدلت بمحاكم شرعية تعتمد تفسيرات متطرفة، لا تعترف بالحقوق الفردية. أُغلقت مراكز الفن والموسيقى، وتوقفت الصحف والمجلات، ولم يعد في الأفق صوت ينقل معاناة الناس أو يحاول التعبير عنها، ولو على استحياء.
يُضاف إلى ذلك أن التعليم انهار بالكامل، حيث فرضت الجماعات التكفيرية مناهج دينية صارمة، وألغت المواد العلمية أو خفّضت نسبتها، ما ترك جيلاً كاملاً خارج نطاق العالم الحديث. وبدلاً من الجامعات والبحوث، بات الطلاب يُلقنون العقيدة ومفاهيم الطاعة، تحت أعين رقابة مسلحة.
واليوم، يعيش المواطن السوري في كل شبر من البلاد تحت معادلة واحدة: إن نجوت اليوم، فأنت محظوظ. لم تعد الحياة تتعلق بتحسين المستوى المعيشي، أو المطالبة بحقوق، أو حتى الحلم بمستقبل، بل بالنجاة اليومية من بطش المسلحين، ومن عقوبات متقلبة لا تُعرف أسبابها.
لقد أصبح غياب التذمر نفسه دليلاً على حجم الرعب، لا على الرضا. فمن يرفع صوته، يُقطع رزقه أو يُنتزع من أهله. ومن يكتب رأيًا، قد لا يعود إلى منزله. ومن يحاول النقد، يجد مصيره على أعتاب محاكم لا تعرف الرحمة.
أمام هذه التحولات، لم تعد الحياة اليومية في سورية تُشبه أي شيء مما كان عليه قبل 2024. حتى سنوات الحرب الأولى كانت أقل قسوة على النفس والكرامة. ما نعيشه اليوم هو نموذج قهر شامل، قتل الشخصية السورية التي كانت يومًا ما محبة للحياة، ساخرة، ناقدة، باحثة عن فسحة أمل.
الشارع السوري اليوم صامت. لا لأن الحياة صارت أفضل، بل لأن الصمت صار وسيلة النجاة الوحيدة.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
درّة تاج البنتاغون على وشك السقوط .. كيف أربكت صواريخ صنعاء دفاعات واشنطن؟
يمانيون../
كشفت تقارير أمريكية حديثة عن تصاعد القلق في دوائر صنع القرار العسكري في واشنطن عقب حادثة كادت خلالها الدفاعات الجوية اليمنية أن تسقط مقاتلة أمريكية من طراز إف-35، والتي تُعد جوهرة التاج في سلاح الجو الأمريكي. التقرير، الذي نشره موقع ناشونال إنترست، لم يكتف بعرض تفاصيل الحادثة، بل فتح الباب واسعًا لتساؤلات كبرى حول جدوى العقيدة العسكرية الأمريكية في مواجهة خصوم غير تقليديين، وأبرزهم اليمن.
في قلب هذا الجدل، يظهر التطور النوعي غير المتوقع الذي حققته القوات المسلحة اليمنية، والتي – رغم ما تصفه واشنطن بـ”البدائية” و”التخلف التكنولوجي” – تمكنت من تهديد مقاتلات من الجيل الخامس، باستخدام أنظمة دفاع جوي غير تقليدية، بعضها مرتجل وبعضها الآخر مُعدَّل بقدرات محلية وبدعم من خبرات إقليمية.
الموقع الأمريكي، وفي تقرير وقّعه الباحث الأمني هاريسون كاس، أشار إلى أن نجاح الدفاعات اليمنية في اعتراض وإصابة طائرات أمريكية دون طيار من طراز MQ-9 Reaper، إضافة إلى تعريض طائرات إف-16 وإف-35 للخطر، لا يعكس فقط إخفاقًا ميدانيًا، بل يكشف عن تصدع عميق في مبدأ “السيادة الجوية المطلقة” الذي اعتمدته واشنطن لعقود.
ويأتي هذا القلق وسط اعترافات ضمنية بأن الأنظمة اليمنية الدفاعية – رغم افتقارها للرادارات المتقدمة – تعتمد تكتيكات ميدانية ذكية، مثل الحركية العالية، والاعتماد على مستشعرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ومنصات إطلاق متنقلة، ما يقلص فعالية أنظمة التشويش والكشف المبكر التي تعتمد عليها القوات الأميركية.
الهجوم اليمني، وإن لم يسقط طائرة إف-35 فعليًا، إلا أنه اعتُبر اختراقًا نوعيًا لمصداقية هذه الطائرة الشبحية، التي تعتمد في بقائها على تفوقها التكنولوجي في التخفي والسرعة والقدرة على اختراق أجواء الخصم دون اكتشاف. لكن ما حدث في الأجواء اليمنية يطرح سؤالًا مريرًا: كيف لمقاتلة بميزانية تطوير تجاوزت 1.5 تريليون دولار أن تُرغم على المناورة والفرار من صاروخ أرض-جو لا يتعدى ثمنه بضعة آلاف من الدولارات؟
ويشير التقرير إلى أن تلك اللحظة المفصلية تعني أن تفوق التقنية الغربية لا يعني الحصانة، وأن “المنطق الحربي الأمريكي” لم يعد كافيًا لتفسير أو مواجهة الديناميكيات الجديدة التي فرضتها الحروب غير المتكافئة.
موقع ذا وور زون من جهته قدم تحليلاً أعمق لترسانة الدفاع الجوي اليمنية، موضحًا أنها تعتمد على مزيج من صواريخ “سام” المعدّلة، وصواريخ جو-جو تم تكييفها لتعمل من الأرض، إلى جانب منظومات هجينة تستفيد من تقنيات الاستشعار البصري والكهرضوئي.
هذه الأسلحة، التي قد تبدو للبعض “بدائية”، تستفيد من عامل المفاجأة، ومن مرونة الميدان، وعدم انتظام قواعد الاشتباك، ما يحوّل بساطتها إلى ميزة قتالية تتفوق أحيانًا على الأنظمة الثابتة والمعقدة.
دلالات أبعد من اليمن
الحادث الذي كاد يطيح بـإف-35 لم يكن مجرد واقعة ميدانية، بل تحوّل إلى ناقوس خطر في البنتاغون. فالأسئلة التي طُرحت على خلفيته لا تتعلق باليمن فقط، بل تمتد إلى تساؤلات استراتيجية: إذا كانت طائرة الشبح الأمريكية مهددة من نظام دفاعي يمني غير مكتمل، فكيف سيكون أداؤها أمام منظومات دفاعية متطورة في الصين أو روسيا؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على تفوقها الجوي في حال اندلاع صراع عالمي واسع النطاق؟
والأهم من كل ذلك، كما خلص تقرير ناشونال إنترست، أن التكنولوجيا المتقدمة لا تضمن النجاح العسكري، وأن خصمًا يملك إرادة صلبة ومرونة ميدانية ومعرفة محلية، يستطيع أن يعطّل أعتى الجيوش، حتى تلك التي تقود العالم من الجو.
في العمق… اليمن يصوغ معادلة ردع جديدة
ما بين صواريخ “بدائية” تُسقط طائرات بملايين الدولارات، وتكتيك حرب عصابات جوية يربك غرفة عمليات القيادة المركزية الأمريكية، يتبيّن أن اليمن لا يخوض مجرد معركة دعم لغزة، بل يؤسس لتحول استراتيجي في قواعد الاشتباك الإقليمي. فالرسالة التي وصلت إلى واشنطن بصوت مرتفع: “لن تكونوا بأمان حتى في سمائنا”، وهو ما قد يُعيد رسم خرائط القوة والنفوذ في المنطقة، ويقود واشنطن لمراجعة أدواتها ومفاهيمها، أمام لاعب لم يعد بالإمكان الاستهانة به.