خبير هولوكوست إسرائيلي: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ممنهجة في غزة بدعم أمريكي
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
في حوار مع صحيفة "إل موندو" الإسبانية، حذّر الأكاديمي البارز راز سيغال، المتخصص في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية، من المنعطف الخطير الذي تشهده كلٌّ من "إسرائيل" والولايات المتحدة، مؤكدًا أنه يخشى على سلامته الشخصية بسبب مواقفه العلنية من الحرب على غزة.
ويشغل سيغال، الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية، منصب أستاذ دراسات الإبادة الجماعية الحديثة في جامعة ستوكتون بولاية نيوجيرسي، وكان من أوائل من وصفوا ما يجري في غزة بأنه "إبادة جماعية وفق التعريف الكلاسيكي"، وذلك في مقال نشره بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بعد أيام فقط من هجوم حماس في السابع من نفس الشهر.
وقال سيغال للصحيفة: "نعم، أخشى أن يأتوا من أجلي. قد يبدو هذا التصريح من زمن آخر، لكنه يعكس الواقع الراهن. إذا بدأ النظام يستهدف أشخاصًا مثلي، فسنكون قد دخلنا مرحلة جديدة وخطيرة. نحن نشهد انزلاقًا نحو استيلاء فاشي على السلطة".
ورغم إدراكه لحساسية الظرف السياسي، شدد سيغال على تمسكه بمواقفه، تمامًا كما فعل حين أعرب مبكرًا عن إدانته لما وصفه بجريمة جماعية ترتكبها "إسرائيل" في غزة، متقدمًا بذلك على الاتهامات الرسمية التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية، والتي اعتبرت في ثلاث مناسبات العام الماضي أن هناك "احتمالًا معقولًا" لارتكاب إبادة جماعية، بالإضافة إلى تقارير مماثلة صادرة عن خبراء أمميين، من بينهم المقررة الخاصة فرانشيسكا ألبانيزي.
ويذكّر سيغال بأن خلفيته العائلية، كحفيدٍ لناجين من الهولوكوست، هي ما يدفعه إلى رفع صوته: "التاريخ لا يغفر، ومن واجبنا ألا نكرره، لا كضحايا ولا كصامتين".
وحين سُئل عن المؤشرات التي دفعته إلى التحذير المبكر من إبادة جماعية في غزة، قدّم البروفيسور راز سيغال إجابة حاسمة مستندة إلى خبرة تمتد لأكثر من عشرين سنة في دراسة الإبادة والهولوكوست.
قال سيغال: "من واجبنا التعرّف على علامات الإبادة مبكرًا وأخذ شعار لن يتكرر أبدًا على محمل الجد. الاعتراف المتأخر لا يكفي، فالاتفاقية الدولية تهدف إلى المنع لا التوثيق بعد فوات الأوان".
وأشار إلى أن نزع الإنسانية من أبرز المؤشرات، واستشهد بتصريحات وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، حين وصف الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية"، ثم كررها في اليوم التالي الجنرال غسان عليان دون تمييز بين مدني ومقاتل.
ويضيف أن الخطاب الإبادي اجتاح الإعلام، وترافق مع فرض حصار كامل على غزة، وتنفيذ حرفي للوعيد، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت.
ويؤكد أن "النية عنصر جوهري"، وغالبًا ما تكون مستترة، "لكن في الحالة الإسرائيلية، التصريحات واضحة ومتكررة". ويشير لتصريح إسرائيل كاتس، في 19 آذار/ مارس، حين هدد سكان غزة بدمار شامل.
ويضيف أن الأهم من التصريحات هو تنفيذها، ولدينا آلاف الفيديوهات لجنود يوثّقون جرائمهم بفخر، ما يعكس الوعي الكامل بنوايا القيادة.
وعن أهمية استخدام مصطلح "إبادة جماعية" رغم صدور مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت بتهم جرائم حرب، أوضح البروفيسور راز سيغال أن الفرق جوهري، لأن الإبادة جريمة منفصلة بتعريف قانوني خاص، والأدلة على وقوعها باتت قوية.
وقال إن محكمة العدل الدولية أصدرت ثلاثة قرارات – في كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس وأيار/ مايو – تفيد بأن من "المعقول" أن تكون هناك إبادة جارية.
وأضاف أن هناك إجماعًا متزايدًا بين باحثي الهولوكوست وخبراء القانون، بمن فيهم أكاديميون إسرائيليون مثل عمر بارتوف وعاموس غولدبرغ، وكذلك وليم شاباس، الذي يرى أن الحالة تمثل إبادة واضحة.
وأشار إلى أن استمرار تراكم الأدلة سيجبر القضاة في نهاية المطاف على الاعتراف بذلك، ما سيحدث هزة كبرى في بنية القانون الدولي.
وعن سبب اعتبار توصيف الإبادة مفصليًا، قال سيغال إن تعريفها بعد الحرب العالمية الثانية صيغ لخدمة المنتصرين، وتجاهل جرائم الاستعمار. وأضاف أن "إسرائيل" تأسست على فكرة "فرادة" الهولوكوست، ما منحها حصانة قانونية دولية، واستخدام مصطلح "إبادة" اليوم يهدد تلك الحصانة.
وبشأن 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وصف سيغال ما جرى بأنه جريمة حرب ومجزرة لا تُبرر، لكنه دعا لفهم السياقات. وقال: "إذا وُضع شعب تحت نظام قمعي وحصار طويل، فستظهر تمردات عنيفة. هكذا علّمنا التاريخ".
وأكد أن أحداث غزة تمثل منطق "إسرائيل الكبرى" والمشروع الاستعماري. "بعد خطة ترامب، أيد 70 بالمئة من الإسرائيليين – ومعظمهم يهود – التطهير العرقي، وهذا يشمل الضفة أيضًا".
ويرى أن ما يحدث ليس انتقامًا فقط، بل نتيجة إيديولوجيا استعمارية، وأن "إسرائيل" ليست استثناء، بل تكرر أنماطًا استعمارية سابقة.
وأشار إلى أن المجتمع الإسرائيلي بدأ ينهار: اضطرابات ما بعد الصدمة، وعنف متزايد، وتفكك أسري، ونزوح أطباء، وانهيار النظام الصحي، مع تقديرات بهجرة 100 ألف يهودي إسرائيلي لا ينوون العودة. "لا يمكن لدولة أن تبقى إذا كان بقاؤها قائمًا على العنف المستمر".
تصريحات سيغال تتقاطع مع تحذيرات سابقة أطلقتها شخصيات إسرائيلية بارزة، حتى قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، من بينها الرئيس إسحاق هرتسوغ الذي قال في آذار/ مارس 2023 إن البلاد 'على شفا هاوية' وإن خطر 'الحرب الأهلية' بات ملموسًا.
وقد تصاعدت التحذيرات بعد بدء العدوان على غزة، مع تفاقم الاستقطاب بين التيارات الدينية المتطرفة التي تؤمن بمشروع "إسرائيل الكبرى" وبين التيارات العلمانية. وعبّر رؤساء وزراء سابقون مثل إيهود أولمرت وإيهود باراك عن هذه المخاوف، والتي أيدها مؤخرًا 60 بالمئة من الإسرائيليين، وفق استطلاع حديث أصدره معهد سياسة الشعب اليهودي.
ويقول سيغال: "أسأل عائلتي دومًا: هل تشعرون الآن بالأمان أكثر؟ والجواب دائمًا: لا. فكرة أن الحل الوحيد لأمن اليهود هو العيش في دولة يهودية لم تعد صالحة. لا يمكن أن تنعم بالأمان إذا كنت تضطهد ملايين البشر، وتصادر أراضيهم، وتخضعهم للاحتلال".
وعن أهمية مفهوم "مجتمع المتفرجين" في دراسات الإبادة الجماعية، وسؤال حول ما إذا كان يمكن تصنيف موقف الحكومات الغربية من الحرب على غزة ضمن هذا الإطار، قدّم سيغال إجابة حاسمة:
"في حالة الولايات المتحدة، لا يمكننا الحديث عن مجرد متفرج. نحن أمام شريك في الجريمة. ما يجري هو إبادة جماعية تُرتكب بشكل مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة. لولا الدعم الأمريكي – سواء من حيث تزويد الأسلحة أو توفير الغطاء الدبلوماسي – لما تمكنت إسرائيل من تنفيذ هذا المستوى من العنف".
ويضيف سيغال، في ختام الحوار، أن المسؤولية لا تقع على واشنطن وحدها، بل تشمل أيضًا دولًا أوروبية بارزة: "ألمانيا، على سبيل المثال، تُعد أيضًا شريكًا في الجريمة. فبحسب القانون الدولي، كل من يزود دولة ترتكب إبادة جماعية بالسلاح، هو طرف مشارك في ارتكاب الجريمة. هذه ليست مسألة أخلاقية فقط، بل مسألة قانونية واضحة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الهولوكوست غزة غزة الاحتلال هولوكوست ابادة صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إبادة جماعیة تشرین الأول على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
مؤرخ في جحيم غزة.. خبير فرنسي يكتب عن القطاع الذي اختفى
أصدر المؤرخ الفرنسي جان بيير فيليو قبل أقل من أسبوع كتابا بعنوان "مؤرخ في غزة"، يعرض فيه مشاهداته وتفاصيل إقامته طيلة 32 يوما و33 ليلة (من 19 ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى 21 يناير/كانون الثاني 2025) في القطاع الذي تحول إلى جحيم وأنقاض بعدما كان في الماضي البعيد واحة مشهورة بثراء غطائه النباتي ومناخه المعتدل.
ويكتسب هذا الكتاب (الوثيقة/الشهادة) أهمية خاصة، أولا لكونه يحمل توقيع أكاديمي فرنسي مشهود له بالنزاهة الفكرية والمصداقية العلمية، ويعتبر من أبرز المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط، وثانيا لكونه شهادة نادرة في وقت يمنع فيه الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين الأجانب من دخول القطاع، باستثناء الذين قبلوا الزيارة على متن دباباته.
وقبل صدور الكتاب في 28 مايو/أيار، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقتطفات تعطي فكرة عن مضمونه، الذي يراوح بين المشاهدات العينية للمؤرخ فيليو الذي زار القطاع ضمن وفد من منظمة "أطباء بلا حدود"، وتحليله لخلفيات هذه المأساة في إطار الصراع العربي الإسرائيلي، إضافة إلى بعدها الكوني، لأنها في نهاية المطاف قصة إنسانية في جوهرها.
وقبل هذه الزيارة الخاصة، كان فيليو يقيم بشكل منتظم في قطاع غزة وفي إسرائيل منذ عام 1980. وقد نشر أكثر من 20 كتابا عن قضايا الشرق الأوسط، ومنذ عام 2015 يحظى عموده الأسبوعي في صحيفة "لوموند" بعنوان "مثل هذا الشرق الأدنى" بإقبال ملايين القراء.
إعلان يوميات غزة المفقودةوقرر الكاتب، وهو أستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس ودبلوماسي سابق بين عامي 1988 و2006، سبق له أن عين في الأردن وتونس والولايات المتحدة، أن يتبرع بجميع العائدات من هذا الكتاب لمنظمة "أطباء بلا حدود" لدعم عملها في قطاع غزة.
وخلافا للكتب السابقة ذات النفس الأكاديمي والعلمي، وأحدثها "كيف ضاعت فلسطين: ولماذا لم تنتصر إسرائيل؟"، فإن كتاب "مؤرخ في غزة" (224 صفحة) يتخذ شكل يوميات أو تحقيق صحفي طويل، معزز بتحليلات وتأملات وإضاءات وإدانات للصمت الإقليمي والدولي تجاه ما يجري في القطاع.
ويعزز الكاتب شهادته المباشرة عن المعاناة التي سببتها الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بإضاءات تاريخية على الصراع حول قطاع غزة منذ أن سقط في أيدي الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب حرب 1967، وباستشراف سبل إنهاء هذا الصراع الطويل.
ويشير الكاتب في أولى صفحات الكتاب إلى أن غزة التي زارها في أواخر عام 2024 هي شيء مختلف تماما عما ألفه منذ عام 1980، بل إنها اختفت. ويقول فيليو في هذا الصدد: "الأرض التي عرفتها واستكشفتها لم تعد موجودة. ما تبقى منها يعجز اللسان عن وصفه".
غزة بلا ملامحوعن هول الصدمة التي شعر بها لدى وصوله إلى غزة، يقول فيليو: "لا شيء كان يهيئني لما رأيته وعايشته في غزة. لا شيء، لا شيء. لا شيء على الإطلاق". ويستقي الكاتب معجمه من القرون الوسطى ليصف أول ليلة له في غزة تحت القصف، وهو يدخلها مع موكب "أطباء بلا حدود"، ويقول مستعملا تعبيرا يحيل إلى الكاتب الإيطالي دانتي أليغييري إنه "مشهد مرعب لا يمكنك أن تميز فيه سوى الشهب المتناثرة، وسرعان ما يغمره الظلام الكثيف".
ومع اقتراب منتصف الليل، بدأ الكاتب يسمع شهادات مؤثرة عن المأساة المستمرة في بيت لاهيا، في أقصى شمال القطاع، المعزول كليا عن العالم منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2024. ويقول الكاتب: "لا يبدو تعبير التطهير العرقي مبالغا فيه لوصف الطرد المنهجي للسكان، والتدمير المنهجي للمباني، واستهداف المستشفيات باعتبارها آخر الأمكنة التي يمكن أن تضمن سبل الحياة السليمة".
إعلانوعلى الطريق الساحلي من بيت لاهيا جنوبا نحو خان يونس، سيرصد الكاتب على جانب الطريق خياما منصوبة على امتداد عدة كيلومترات، في حين نصب بعض النازحين ملاجئهم العشوائية المؤقتة على الشاطئ، متحدين هبات الرياح والأمواج.
في هذا المكان الذي كان أرضا خلاء قبل الحرب، وأصبح الآن يضج بآلاف اللاجئين، بدأ الكاتب يسمع قصصا عن الموتى، والمفقودين، والمدفونين تحت الأنقاض، والهروب المحموم، ومشاعر الخوف والرعب، وإنقاذ الأطفال، والنزوح مرة، ومرتين، و10 مرات، والألم والخسارة، والحزن والرعب. وهنا يقول: "لقد أدركت منذ وقت طويل أن غزة التي عرفتها وتمشيت فيها لم تعد موجودة".
وعندما تعجز الكلمات عن تصوير المأساة، يستحضر الكاتب تقييمات الأمم المتحدة للكارثة الإنسانية بحلول نهاية عام 2024: تم تدمير 87% من المباني السكنية (411 ألف مبنى) كليا (141 ألف مبنى)، أو بشكل خطير أو جزئي (270 ألف مبنى). أكثر من 80% من الشركات وثلثا شبكة الطرق أصبحت خارج الخدمة. قرابة مليوني امرأة ورجل وطفل أجبروا على النزوح ما بين مرة و10 مرات…
وهنا لا يجد الكاتب بدا من مقارنة مأساة غزة بغيرها، ويقول: "رغم أنني زرت العديد من مسارح الحرب في الماضي، من أوكرانيا إلى أفغانستان، مرورا بسوريا والعراق والصومال، إلا أنني لم أشهد قط أي شيء مثل هذا. (…) وأنا أفهم بشكل أفضل لماذا تمنع إسرائيل الصحافة العالمية من الوصول إلى مثل هذا المشهد الصادم".
حياة بين الركامأمام هذه الفظاعات، يلتقط الكاتب بقايا حياة تطفو من الحطام. فتيات صغيرات يحملن حقائب مدرسية على ظهورهن ويخرجن من أحد الأزقة، حيث يواصلن تلقي تعليمهن في مدرسة تدعمها سلطنة عمان. أحد الناجين يحافظ على كرامة مأواه داخل خيمته العالقة وسط الأنقاض، ويفرغ دلوا من النفايات على عتبة "بابه". عائلة تلجأ إلى الطابق العلوي من مبنى مدمر، وتقوم بتجفيف ملابسها على شرفة متهالكة..
إعلانأمام هذه المشاهد، ينبهنا الكاتب إلى أن "هذا الخراب من شأنه أن يجعلنا ننسى أن غزة كانت منذ آلاف السنين واحة مشهورة بتنوع غطائها النباتي واعتدال مناخها، وأن ثرواتها بدأت تتعرض للاستنزاف منذ عام 1967 تحت وطأة الاحتلال والاستيطان إلى غاية عام 2005، وما تلاهما من حصار كامل منذ عام 2007".
وبالعودة إلى حاضر القطاع، يعرب الكاتب عن قلقه من كون الحرب على غزة دخلت بسرعة دوامة المألوف بسرعة أكبر من الحرب في أوكرانيا، وهنا يوجه اللوم إلى الصحافة الدولية لأنها لم تبذل جهدا كبيرا لممارسة حقها في تغطية حرة ومهنية لما يجري في غزة.
وهنا يخلص الكاتب إلى أن ضحايا غزة يقتلون مرتين، المرة الأولى عندما تصيبهم آلة الحرب الإسرائيلية مباشرة في أجسادهم أو تخنقهم ببطء في خيامهم، والثانية عندما تنكر الدعاية الإسرائيلية شدة معاناتهم وحجم خسائرهم.
غزة وخيانة العالمأمام هذا الوضع، يلاحظ الكاتب أن "أهل غزة يشعرون أن العالم تخلى عنهم. كانوا يعتقدون في البداية أن صور المذبحة سوف تهز الرأي العام الدولي وتجبره على التحرك لوضع حد لها. وعندما تبين لهم أن الأمر ليس كذلك، تفاقم حجم الألم، وانضافت خيبة الأمل إلى جروح الأجساد المصابة. هناك تنصب اللعنة على سلبية الأنظمة العربية، بل تواطؤها، في حين لا أحد يتوقع الكثير من الدول الأوروبية، التي لم يطالب أي ممثل منها بالسماح له بدخول غزة".
مرة أخرى، يأخذ الكاتب بيد القارئ من جحيم الحاضر إلى بدايات القصة، وتحديدا إلى فصول المعاناة الممتدة منذ بدء الحصار الإسرائيلي المطبق والخانق على قطاع غزة عام 2007، وما تلاه من اعتداءات وحروب.
ويتساءل الكاتب: ماذا تغير مقارنة بالحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع قبل عام 2023؟ ويجيب بالقول إن الحروب السابقة كانت محدودة نسبيا من حيث الوقت والدمار، أما الدمار هذه المرة، فهو مستمر بشكل منهجي ومنظم، أسبوعا بعد أسبوع، وشهرا بعد شهر. وما تغير أيضا هو أن عالمنا لم يعد يستطيع أن يتظاهر بتجاهل حجم هذه الكارثة هذه المرة، وأن عالمنا سمح بحدوثها عندما لم يصفق لها".
إعلانويواصل الكاتب صرخته: "غزة لم تتحطم على نساء ورجال وأطفال غزة فحسب، بل تحطمت على بنود القانون الدولي التي تم التوصل إليها لمنع تكرار وحشية الحرب العالمية الثانية. (…) أصبحت غزة الآن تحت رحمة اللاهثين وراء الصفقات، ومحترفي الذكاء الاصطناعي، ومن يصطادون في مياه البؤس البشري".