عزيزي القارئ، في رأيك، لماذا يستطيع بعض الناس تجاوز أقسى المحن بينما ينهار آخرون عند أول عقبة؟
«الحياة التي لها معنى أسعد من الحياة التي لا معنى لها». كنت أشاهد حلقة الألم من برنامج «سين 3»، وحين استمعت إلى أحمد الشقيري يقول هذه الجملة، شعرت وكأنني وجدت مفتاحًا لفهم الكثير من التحديات التي تواجهنا في الحياة.
هذا ما يقودنا نحو ما قاله آينشتاين: «ستبدو حياة الإنسان جوفاء إذا كانت دون معنى، فلن يكون شقيًا فحسب، لكنه سيصبح غير قادر على أن يعيش أيضًا».
الإنسان هو من يمنح الأشياء من حوله معناها: فالأم التي ترى التربية عبئا ثقيلًا ستشعر بالإرهاق، بينما الأم التي تعطيها معنى أسمى، كالاستثمار في أبنائها والتقرب إلى الله، ستبذل جهدًا أكبر وتجد السعادة في أمومتها.
والشخص الذي يعتبر عمله مجرد وسيلة لكسب المال سيشعر بالملل، أما من يرى فيه وسيلة لخدمة الآخرين أو تطوير الذات، فسيجد فيه متعة ودافعًا للاستمرار.
حتى في الأمور البسيطة، إذا لم يكن للعبة كرة القدم أي معنى عند شخص، فستبدو له مجرد ميدان أخضر بخطوط بيضاء يتصارع فيه فريقان على كرة من الجلد، بينما يهتف لهم جمهور متحمس.
يقول نيتشه: «من كان يعرف لماذا يعيش، يستطيع أن يتحمل كيف ستكون حياته؟».
إن وجود معنى لحياتك ليس أمرًا ثانويًا، بل هو جوهر السعادة والصمود. فيكتور فرانكل، الطبيب النفسي الذي عانى في معسكرات النازية، أدرك أن من يجد معنى لحياته يستطيع أن يتحمل أقسى الظروف. واليوم، نجد مثالا حيًا لهذه الفكرة في أهل غزة، الذين يجسدون معنى الصمود والإيمان في وجه المحن. رباطة جأشهم في الحرب الشنيعة التي نرى أهوالها خلف الشاشات، وثباتهم، أدهش العالم أجمع وألهم الكثيرين للبحث عن الإسلام واعتناقه. الأم في غزة تربي أطفالها على قيم الإسلام التي تقتضي أن هذه الحياة دار عبور، والشاب فيها يطلب الشهادة لمعناها السامي. فلولا هذه المعاني، لما وجدت أما فقدت فلذات كبدها ثم تقول: «الحمد لله».
وجود المعنى في حياتنا، متمثلًا في قيم الصبر، والحب، والعائلة، والإيمان، والجمال، والعطاء، وغيرها من القيم، يمنحنا القوة لمواجهة تحديات الحياة ويهون علينا مصاعبها.
في عشرينيات القرن العشرين، كان التدخين في الولايات المتحدة تصرفًا غير لائق للنساء، بل كان محظورًا اجتماعيًا عليهن. استعانت شركة التبغ بإدوارد بيرنيز لإقناع النساء بالتدخين. وبدلاً من أن يروج للسجائر كمنتج استهلاكي، قام بربط التدخين بفكرة تحرر المرأة، حيث جعل التدخين يبدو كعمل من أعمال الاستقلال والتمرد على الأعراف الذكورية. وقد نجح في رفع معدلات التدخين بين النساء بشكل ملحوظ!.
وهذا مثال واضح على كيف يمكن للمعاني أن تُستخدم، ليس فقط لمنح الحياة هدفًا أسمى، ولكن أيضًا للتأثير على سلوك الأفراد وتوجيه المجتمعات بأكملها، سواء بطرق إيجابية أو سلبية.
لا يمكن للإنسان أن يمنح حياته معنى دون أن يفهم ذاته أولا. وأن يعرف ما هي القيم الحاكمة في حياته، التي تحركه، وتروي روحه كلما فعلها. العائلة، والمال، والصحة، وغيرها من القيم التي يختلف ترتيبها من شخص لآخر. وبعد ذلك، انظر إلى هذه الفترة من حياتك بعين المراقب. هل الأقوال والأفعال تحقق قيمك؟ فإن كانت كذلك، فقد ظفرت بوجود المعاني السامية في حياتك، التي حتما ستحيي روحك.
وأخيراً، المعنى ليس رفاهية، بل ضرورة. هو الفارق بين الحياة العشوائية والحياة المليئة بالقوة والإنجاز. فماذا عنك؟ وما هي المعاني التي تعطي حياتك قيمتها؟
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مراهق أردني يصاب بـ«الفشار القاتل» بسبب التدخين الإلكتروني
في حادثة صادمة تُسلّط الضوء على المخاطر المتزايدة لتدخين السجائر الإلكترونية بين المراهقين، أُصيب فتى أردني يبلغ من العمر 16 عامًا بحالة صحية نادرة وخطيرة تُعرف بـ”رئة الفشار” (Popcorn Lung)، نتيجة تدخينه “الفيب” سرًا لمدة عام دون علم أسرته، ما تسبب له بتلف رئوي مزمن يستدعي الاعتماد على الأوكسجين مدى الحياة.
كان من المفترض أن يعيش هذا الشاب حياة مليئة بالنشاط والحركة كغيره من أقرانه، لكن عاداته السرية في تدخين السجائر الإلكترونية غيّرت مجرى حياته، وبعد عام من الاستخدام المستمر، بدأ يعاني من ضيق حاد في التنفس، ما استدعى نقله إلى المستشفى في حالة طارئة.
وأظهرت الفحوصات الطبية إصابته بفشل رئوي حاد ناتج عن التهاب القصيبات الانسدادي، وهو مرض يُعرف شعبياً بـ”رئة الفشار”، ما استوجب تزويده بالأوكسجين بشكل دائم، حتى أثناء ذهابه إلى المدرسة.
الدكتور همام الشققي، استشاري طب الرئة، أوضح في حديث لـ”سكاي نيوز عربية” أن “رئة الفشار” هي حالة طبية خطيرة ناتجة عن التعرض لمادة كيميائية تُعرف باسم “دي أستايل” (Diacetyl)، والتي تُستخدم في نكهات بعض أنواع الفيب، وقد ارتبطت سابقًا بإصابة عمال مصانع الفشار بهذا المرض.
“ما يجعل الأمر خطيرًا هو أن هذه المادة تدخل مباشرة إلى الرئتين وتسبب التهابات شديدة وتلفًا دائمًا في الشعب الهوائية”، أضاف الدكتور الشققي.
ورغم الترويج للفيب كبديل “أكثر أمانًا” عن السجائر التقليدية، شدد الدكتور الشققي على أن الأبحاث الحديثة أثبتت أنه يُسبب ضررًا مشابهًا، بل وقد يكون أشد سرعة وخطورة في بعض الحالات.
وقال: “كنا نعتقد قبل 15 عامًا أن الفيب قد يكون خيارًا أقل ضررًا، لكن اليوم نواجه حالات حادة مثل الفتى الأردني، وهو أمر يدعو للقلق”.
وأشار الشققي إلى أن سهولة الحصول على منتجات الفيب من الأسواق، وانتشارها على وسائل التواصل الاجتماعي بنكهاتها الجذابة مثل الفواكه والعلكة والكابتشينو، زاد من إقبال المراهقين عليها.
وأكد أن هناك انطباعًا خاطئًا يُروَّج بأن الفيب “عصري” و”غير ضار”، وهو ما يُغري المراهقين ويشجعهم على تجربته بدافع التقليد.
ونبّه الشققي إلى ضرورة عدم التهاون بأعراض مثل السعال المزمن، أو ضيق التنفس، أو آلام الصدر، لأنها قد تكون مؤشرات مبكرة على أضرار كبيرة في الجهاز التنفسي.
كما حذر من ظواهر صحية أخرى ظهرت مؤخرًا بين مستخدمي الفيب مثل “لسان الفيب”، الذي يؤدي إلى فقدان حاسة التذوق والتهابات الفم.
واختتم الشققي حديثه بدعوة إلى تكثيف الحملات التوعوية، وفرض رقابة صارمة على بيع وترويج منتجات الفيب، خصوصًا بين فئة الشباب.
“جيل اليوم أكثر عرضة للتأثر بما يشاهده على الإنترنت، وعلينا كأطباء وأهالٍ أن نتكاتف لمواجهة هذا الخطر المتصاعد”، قال الشققي.
وأكد أن “الوقاية والتوعية هما الوسيلتان الوحيدتان لتفادي مأساة صحية قد تلازم الفرد مدى حياته”.