زائر غير مرغوب فيه.. الجراد الصحراوي خطر يهدد المحاصيل | ما القصة؟
تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT
حشرة تلتهم المحاصيل والنباتات بسرعة مقلقة هو الجراد الصحراوي التي تعاني منه جنوب ليبيا حيث يهدد غزو الجراد الصحراوي المحاصيل والنباتات في الواحات والمزارع في المنطقة التي تحاول إنقاذ محاصيلها من خلال الرش المكثف، فما القصة؟.
أسراب الجراد تغزو المحاصيلتشهد مناطق جنوب ليبيا، ولا سيما الواحات والمزارع في تراغن ومرزق، اجتياحًا واسعًا لأسراب الجراد الصحراوي، في تهديد خطير وغير مسبوق للمحاصيل الزراعية وسبل عيش المزارعين.
فى واحة نائية في أقصى الجنوب، وبعد مرور أول أسراب الجراد الصحراوي، إحدى أكثر الحشرات تسببا للضرر في العالم، عبّر المزارعون وفقا ليورو نيوز عن معاناتهم وعجزهم.
هذه الحشرة المصنفة ضمن أكثر الآفات تدميرًا على مستوى العالم، بدأت بالتهام المحاصيل والنباتات بسرعة مقلقة، ما دفع السكان إلى إطلاق حملات رش مكثفة في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
انتشار الآفة يتسعوامتد الضرر ليشمل العديد من المزارعين في تراجن ومرزق، الواقعة على بعد حوالي 900 كيلومتر جنوب العاصمة طرابلس. وتؤكد السلطات الليبية أنها شرعت في تنفيذ "حملة وطنية" لمكافحة الجراد الصحراوي، تستهدف تتبع الأطوار الحديثة لهذه الحشرة، خاصة اليرقات التي تتكاثر بسرعة.
من جهته، قال المهدي محمد التارجي، المتحدث الرسمي باسم الحملة الوطنية لمكافحة الجراد الصحراوي: "نقوم اليوم بزيارة ثانية لعدد من المواقع الزراعية المصابة، بهدف تتبع الأطوار الحديثة لتكاثر هذه الحشرة، خصوصا اليرقات، وذلك استنادا إلى المعلومات التي تزودنا بها الفرق الميدانية المنتشرة في المناطق المتضررة".
وأضاف التارجي: "نشهد انتشارا كثيفا للأطوار الحديثة من الجراد، وهي مرحلة حرجة تتسم بفقس البيض والانتشار السريع لليرقات"، محذرا من أن "الرقعة الجغرافية المتأثرة تتسع بشكل مقلق، ما يستدعي تدخلا عاجلا لاحتواء الوضع قبل خروجه عن السيطرة".
ويعد هذا الغزو ليس الأول من نوعه الذي يشهده الجنوب الليبي، فقد سبق أن تعرضت المنطقة، في عام 2012، لاجتياح مماثل من أسراب الجراد الصحراوي، اجتاحت خلاله تجمعات كثيفة من الجراد مدنا جنوبية مما شكل آنذاك تهديدا كبيرا للإنتاج الزراعي.
وتعيد الموجة الجديدة إلى الواجهة المخاوف ذاتها، في ظل ما قد تسببه من تداعيات خطيرة على الأمن الغذائي والاقتصاد الزراعي في البلاد.
كارثة بيئية واقتصاديةوسط هذه التحديات، يبدو أن المزارعين والسلطات المحلية أمام اختبار صعب يتطلب استجابة سريعة ومتكاملة لاحتواء هذه الكارثة البيئية والاقتصادية.
ويُعد غزو الجراد الصحراوي، الذي يمكن أن يلتهم كميات ضخمة من المزروعات في وقت قصير، تهديدًا حقيقيًا للمحاصيل الزراعية في جنوب ليبيا.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الجراد الصحراوي جنوب ليبيا ليبيا غزو الجراد الصحراوي الجراد المزيد الجراد الصحراوی
إقرأ أيضاً:
الجزية الحديثة.. حين كانت مصر تُدار من الخارج وتدفع ثمن غياب الدولة
يحدث في دهاليز التاريخ ما يتجاوز الخيال، حين تُجبَر أمةٌ بحجم مصر على دفع ضريبةٍ لإمبراطورية فقدت سلطانها، بينما تحتلّها قوة أخرى تنهب مواردها علنًا. يحدث أن يتحول الوطن إلى بند مالي في ميزانية من لا يملك عليه سيادة، وأن يتحوّل التاريخ نفسه إلى مظلّة لابتزاز سياسي واقتصادي متوارث، يتقاسم ثماره المستعمر والوريث معًا.
قبل ثورة يوليو 1952، كانت مصر - بثقلها الحضاري وثرواتها وأهلها - تدفع ما وصفه المؤرخون بـ "الجزية الحديثة" لتركيا، أربعة ملايين جنيه إسترليني سنويًا، رغم وقوعها تحت الاحتلال البريطاني. مشهدٌ عبثي يعكس كيف كانت القوى الكبرى تتناوب على استنزاف بلدٍ لم يتوقف يومًا عن دفع الثمن.
ومهمة الباحث اليوم ليست إعادة سرد التاريخ كما كُتب في كتب المدارس، بل إظهار ما غاب عمدًا، وما تم إخفاؤه، وما لم يُقَل بصراحة عن اقتصاد دولة كانت تُدار من وراء الستار.
الجذور.. من محمد علي إلى الباب العاليبدأت القصة حين حصل محمد علي على حكم مصر وراثيًا وفق فرمانات عثمانية تلزمه بدفع مبلغ سنوي ثابت للباب العالي.
لم يكن الأمر "جزية" بالمفهوم التقليدي، بل كان أشبه بـ ضريبة سيادة: ثمن اعتراف إسطنبول بشرعية حكم الأسرة العلوية.
ومع مرور الزمن، تحولت تلك العلاقة إلى التزام مالي ثابت، بقي حتى بعد أن تضخمت قوة مصر عسكريًا واقتصاديًا إلى حدٍّ فاق الدولة العثمانية نفسها.
ومع ذلك ظلّت القاهرة ترسل الأموال، لا طاعةً، بل حفاظًا على شكلٍ سياسي هشّ صُمِّم أصلًا ليرضي السلطنة أكثر مما يخدم المصريين.
مصر تدفع.. والإنجليز يحكمونحين وقع الاحتلال البريطاني عام 1882، حدث ما لم يعرفه العالم من قبل:
دولة تحتل مصر، ودولة أخرى تقبض منها "الخراج"!
لندن أخذت الأرض، وإسطنبول احتفظت بالورق، والمصريون وحدهم دفعوا الفاتورة.
لم يوقف البريطانيون هذا الدفع، لأنهم لم يكونوا يريدون استفزاز السلطنة العثمانية التي كانت تتحكم بطريق مهم نحو الهند.
فتحولت مصر إلى ساحة تتقاطع فيها مصالح قوتين، بينما أهلها يتحملون العبء الاقتصادي وحدهم.
قناة السويس.. دولة داخل الدولةلم يكن هذا وحده. فقبل يوليو 1952، كانت قناة السويس نفسها دولة داخل دولة:
كيان اقتصادي مستقل تمامًا، محكوم باتفاقات دولية تعطي الامتياز لشركة فرنسية- بريطانية، تتعامل مع البنوك مباشرةً، وتُصدّر الأرباح إلى أوروبا، وتقبض الرسوم بعيدًا عن الخزانة المصرية، فيما تحصل مصر على الفتات.
المفارقة أن قناة السويس- التي حُفرت بدماء المصريين- لم تكن تدار من القاهرة، بل من مكاتب باريس ولندن.
كانت شركة القناة تمارس دورًا أشبه بـ مستعمرة اقتصادية:
منفصلة عن الدولة، فوق القانون، ولها نظام مالي مستقل، بل وشبه "حصانة" دولية.
هكذا كان يُدار اقتصاد مصر:
- مدفوعات سنوية لتركيا.
- احتلال بريطاني يسيطر على خيرات البلاد.
- قناة السويس خارج سلطة الحكومة.
- بنوك أجنبية تتحكم في المال العام.
- وطبقة قصر تعتمد على اتفاقات دولية تُقيّد إرادة البلاد.
إن ذكر هذه التفاصيل ليس سردًا تاريخيًا فقط، بل كشفٌ لآلية تفكيك سيادة الدولة قبل أن تولد الدولة الوطنية نفسها.
انهيار الخلافة.. وصعود الجمهورية التركيةمع الحرب العالمية الأولى توقفت المدفوعات اضطرارًا، ثم سقطت الخلافة عام 1924 وجاء كمال أتاتورك بجمهورية علمانية جديدة. ورغم التحول، لم تُلغِ تركيا القديمة التزامات مصر المالية رسميًا، فاستمرت بعض أشكال الدفع في صورة تفاوضية، بحجة إرث الاتفاقات العثمانية.
لم تكن مصر مستقلة تمامًا كي تمزق هذه الأوراق. الاحتلال البريطاني كان ما زال يمسك برقبتها، والملك فؤاد لم يكن يملك قوة سياسية تخوّله الإلغاء الكامل. فاستمر العبء السياسي والمالي بصورة أو بأخرى، حتى زمن الملك فاروق.
ثورة يوليو.. ولحظة القطعحين جاءت ثورة يوليو، كان أول ما فعلته الدولة الجديدة هو تحطيم البنية التي سمحت بتحويل مصر إلى خزينة لآخرين.
انتهت كل الالتزامات القديمة، وتم تأميم قناة السويس، وبدأ مشروع بناء دولة ذات سيادة مالية، لا تدفع أحدًا ولا تنتظر اعترافًا من أحد.
-- كانت تلك اللحظة إعلانًا بأن الزمن الذي كانت مصر فيه تُدار من الخارج قد انتهى، وأن الدولة الوطنية الحديثة لا تدفع فواتير العصور الماضية.
قراءة فلسفية للمشهد من وجهة نظري كباحث:
إن قصة الجزية الحديثة ليست قصة مال، بل قصة غياب مشروع الدولة.
حين تغيب الدولة القوية، تصبح السيادة سلعة، والدستور ورقة، والاقتصاد طريقًا مفتوحًا لكل قوة أجنبية.
وحين تولد الدولة، تُغلق الفجوات، وينتهي زمن الدفع.
إن مهمة الباحث ليست تكرار ما كتبته المناهج، بل كشف ما خُبّئ منها:
كيف دارت أموال البلاد خارج يد أهلها، وكيف كانت القوى تتقاسم مصر كما لو كانت أرضًا بلا صاحب، وكيف استطاع المصريون لاحقًا - بمشروع وطني حقيقي - أن يقطعوا هذه الفواتير كلها دفعة واحدة.
لم تكن الأربعة ملايين جنيه إسترليني مجرد عبء مالي، بل كانت رمزًا لحقبة ضاعت فيها السيادة بين سلطان تلاشى ومستعمر تمدد.
وقناة السويس لم تكن مجرد ممر مائي، بل كانت عنوانًا لاقتصاد تُدار مفاتيحه خارج حدود الدولة.
ولأن التاريخ ليس أرقامًا فقط، بل وعيٌ وحكايةُ أمة، تبقى هذه اللحظات درسًا لا بد أن يُقال كما هو:
أن غياب المشروع الوطني يجعل من الوطن نفسه ضريبة يدفعها، وأن حضور المشروع يجعله سيدًا على ماضيه ومستقبله!!