مناقشة تأثيرات الذكاء الاصطناعي على مستقبل العمل في "مؤتمر أوشرم"
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
مسقط- الرؤية
تواصلت أمس فعاليات اليوم الثاني من المؤتمر الثامن للجمعية العُمانية لإدارة الموارد البشرية "أوشرم"؛ بمشاركة واسعة من قادة الفكر والخبراء في مجالات القيادة والموارد البشرية والتعليم، وسط أجواء حوارية ومعرفية ثرية عكست تنوّع الموضوعات وعمق الطروحات.
وبدأ برنامج اليوم الثاني بمراجعة موجزة لأبرز ما طُرح في اليوم الأول، تلاها عرض قدّمته الدكتورة كيت باركر مستشارة تنفيذية لمجلس الإدارة والمديرة التنفيذية المستقبلية في "نيوم"، بعنوان "قيادة المستقبل: ما الذي يتوقعه الرؤساء التنفيذيون من رؤساء الموارد البشرية في عصر الذكاء الاصطناعي".
وفي جلسة أخرى، استعرض الدكتور روي كاساغراندا أستاذ الحكومة في كلية أوستن المجتمعية دروسًا قيادية مستلهمة من التاريخ الإسلامي، سلط فيها الضوء على نماذج ريادية تاريخية يمكن استحضارها في بيئة العمل المعاصرة، ودعا إلى إعلاء الإنسانية في القيادة.
وقدّمت فاطمة اللوغاني المالكة والمديرة العامة لشركة "Born2localize" للاستشارات والتدريب، جلسة بعنوان "فك الشيفرة: اكتشف أسرار التوطين الناجح"، ناقشت خلالها مفاتيح التوطين الفعال في المؤسسات الدولية وسُبل مراعاة الفروقات الثقافية. كما أشادت بتجربة سلطنة عمان في التعمين، مؤكدة أن توطين المواهب يجب أن يدمج ضمن أجندة الشمول العالمية.
بعد ذلك، أقيمت جلسة حوارية تحت عنوان "الفرق الجريئة: بناء ثقافات أداء عالية من خلال السلامة النفسية"، أدارها جوليان ترويان وشارك فيها الدكتورة كيت باركر، والمهندس سالم بن علي الشنفري الرئيس التنفيذي لمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، وحسين بن علي اللواتي الرئيس التنفيذي لبنك التنمية، وساهر سيدهم المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "Hackmasters".
وألقت سعادة الدكتورة جوخة بنت عبد الله الشكيلية الرئيسة التنفيذية لهيئة الاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم في سلطنة عُمان كلمة بعنوان "دور أنشطة ضمان الجودة في تعزيز القيادة الفعّالة في التعليم"، شددت فيها على أهمية تعزيز ثقافة التقييم المستمر في المؤسسات التعليمية.
وفي جلسة بعنوان "من أخذ موهبتي؟ التنقل الوظيفي في بيئة العمل الحديثة"، ناقش عبدالملك البلوشي الرئيس التنفيذي للموارد البشرية في مجموعة أسياد التحديات التي تواجه المؤسسات في الاحتفاظ بالكوادر الموهوبة، واستعرض حلولًا إبداعية لضمان الاستقرار الوظيفي.
أما جون دي جاجر الرئيس التنفيذي لمجموعة CT Group، فقد تحدث عن "القيادة القائمة على القيم"، مؤكدًا ضرورة مواءمة الأهداف المؤسسية مع قيم الأفراد لبناء منظمات مرنة وذات تأثير مجتمعي.
وفي الفترة الثانية من اليوم، قدّمت ابتسام الخايفية المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لشركة سمات للتنمية البشرية جلسة بعنوان "من الجذور المحلية إلى التأثير العالمي"، ناقشت خلالها آليات تطوير المواهب والقيادة انطلاقًا من الخصوصيات المحلية.
وفي ختام اليوم الثاني، أقيمت جلسة حوارية بعنوان "قيادة الثورة الخضراء: تحويل الأعمال نحو مستقبل مستدام".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الكادحون الجدد في مزارع الذكاء الاصطناعي
هل يساعدك الذكاء الاصطناعي على إنجاز مهامك في العمل؟ إذا كانت إجابتك نعم، فهذا يعني أن مديرك سيتوقعُ منك ما هو أكثر من اليوم فصاعدًا، أكثر مما كنت تقوم به في الأيام الخوالي يا عزيزي الكادح. مع الأسف، إنجازك السريع للتكليفات بمساعدة تشات جي بي تي لن يمنحك الرخصة للعودة إلى البيت قبل نهاية الدوام الرسمي، بل سيغري الشركة بزيادة كم التكليفات الملقاة على عاتقك، لم لا وقد أصبحت تنجزها في وقت أقل، بل وتتباهى بذلك؟! وربما سترسلك إدارة الشركة إلى دورات وورش تدريبية كي تتعلم أشغالًا جديدة لم تكن في يوم من الأيام ضمن المهام التقليدية لتعريفك الوظيفي. سيتسعُ نطاق تعريفك الوظيفي ليشمل وظائف أخرى مع تغير المعنى التقليدي للوظائف في كل القطاعات. كل ذلك لأنك أصبحت إنسانًا مُطوَرًا بنظر أرباب العمل، إنسانًا «أذكى» مما كنت عليه، ولذلك صار عليك أن تنتج أكثر مما كنت تنتجه خلال ساعات العمل المنصوص عليها في العقد.
تذكَّر، هناك من يربح أكثر لأنك تستخدم الذكاء الاصطناعي، عزيزي الكادح. أنت منذ الآن إنسان مُلحق بأدوات مساعدة، إنسان معدَّل بالآلة لصالح هذه الخدمة. سيرتفع من معدل إنتاجيتك الفردية خلال ساعات العمل بما يؤدي لرفع معدل إنتاجية الشركة في المحصلة، لكنك لن تعود إلى البيت قبل الخامسة مساءً في الغالب، يؤسفني تعكير المسرات.
باعتمادك واعتمادهم على مساعدة الذكاء الاصطناعي، والذي بات مسألة منتهيةً لا مفرَّ منها، يُقدم الكادحون الجدد حول العالم أدلة يومية من واقع العمل على أنهم أرقام زائدة يمكن الاستغناء عنها ما دام الذكاء الاصطناعي يعمل بهذا القدر من السرعة والكفاءة. ما الذي يمنع ذلك ما دام المنطقُ الرأسمالي الذي تعمل به الشركات يرى الذكاء الاصطناعي أكثر طاعة ومطواعية بخلاف البشر، فإنهم مماطلون وعنيدون، ومجبولون على حب السجال دائمًا حول كل صغيرة وكبيرة، كما أنهم يبدون استعدادًا فطريًا للمقاومة، وهذا أكثر ما يرهق العقلية السلطوية التي تُدار بها المؤسسات.
الأدلة تتزايد كل يوم على الطريقة التي يعمق بها الذكاء الاصطناعي غياب العدالة والمساواة في بيئات العمل. ننسى أحيانًا ونحن نمدح دوره في مساعدتنا على إنجاز مهام لا نتقنها، أن هناك شخصًا سهر وكابد لسنوات من أجل تعلم تلك المهارات اللازمة التي لا نملكها. بهذا المعنى فإن الذكاء الاصطناعي يضع المؤهل وغير المؤهل متساويين على خط السباق، ويعزز من إمكانية نجاح المواهب المزيفة على حساب المواهب الحقيقية المصقولة بتعب الزمن. نرى ذلك عيانًا ونعايشه في معسكرات الإنتاج الرأسمالي، المريضة من قبل بحمى التنافسية غير العادلة، وقد أصبحت اليوم بيئات أكثر عدوانية لا فرصَ فيها إلا للانتهازيين الشطَّار الذين يُفضلون الطرق المختصرة على مشقة التعليم المضني والممل.
في سياق هذا التحول المخيف تدخل الرأسمالية عصرها الجديد مع ثورة الذكاء الاصطناعي، حيث تغدو الشركات الكبرى نموذجًا للدكتاتوريات العصرية في صورة تتجاوز وتقهر حتى دكتاتورية الدولة التقليدية. لا تتوانى هذه الدكتاتوريات الرأسمالية عن تطبيق المقولة الاستعمارية المجرَّبة «فرّق تسد»، وذلك عبر إحلال الذكاء الاصطناعي محل العامل البشري، أو من خلال تسليطه رقيبًا عتيدًا على سلوك الموظفين، فيتتبع بياناتهم الخاصة ويراقب ويحلل طبيعة التواصل فيما بينهم كي يمنع أي حالة من التكتل أو الفعل الجماعي المقاوم. ففي بيئات الإنتاج المراقبة بالحسَّاسات والكاميرات الذكية يُطور الذكاء الاصطناعي آليات الرقابة على السلوك والأجساد، والتي بلغت تطبيقاتها في كبريات الشركات العالمية إلى حد تثبيت أنظمة لمراقبة الوقت خارج المهمة (Time off task) فأي شرود أو سهو عن المهمة قد يُعرض الموظف لعقوبة الخصم.
بات واضحًا أن التاريخ ينساق لصدامٍ حتمي بين الإنسان ووحش الآلة. فهل يُنذر هذا التحول بثورة عمَّالية على استبداد الذكاء الاصطناعي يمكن أن نشهدها في المستقبل؟ إعجاب الأفراد اللاواعي بمساهمة الذكاء الاصطناعي في تسهيل وتسريع أنشطتهم الوظيفية يشي بإذعانٍ متمادٍ، ويجعل من التنبؤ بثورة عمَّالية على هذا الاستبداد فرضية مكبرة. ولكن هل يمكن التفكير بأساليب مقاومة بطيئة إلى ذلك الحين؟ في بيئة سلطوية مطلقة تقوم على تفكيك العلاقات وبتر الصلات الحميمة، وعلى تفتيت الجماعة البشرية إلى أفراد معزولين ومراقبين كل على حدة، لا أرى سوى «المماطلة» خيارًا أخيرًا للمقاومة الفردية بالنسبة للكادحين الجدد.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني