تحديات الرياض الخفية في المعادلات السورية… “النار تحت الرماد”
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
أدى سقوط بشار الأسد وظهور جماعة هيئة تحرير الشام كفاعل مهيمن في دمشق إلى تحويل ميدان التنافس بين اللاعبين الإقليميين إلى مساحة تشبه لعبة الشطرنج الجيوسياسية، وفي ظل هذه الظروف، تحاول المملكة العربية السعودية، باعتبارها أحد الركائز التقليدية في العالم العربي، التنقل بين قطبين متناقضين: فمن ناحية، تتعامل بحذر مع النظام الجديد في دمشق، لأن استراتيجياته وتوجهاته لا تزال محاطة بالغموض، ومن ناحية أخرى، تخشى السعودية أن يؤدي صمتها أو تقاعسها إلى خلق فراغ في السلطة، وسوف تملأه بسرعة دول منافسة مثل تركيا وإيران وقطر و”إسرائيل”.
ويشكل هذا التناقض جوهر التحديات التي تواجه الرياض في سوريا ما بعد الأسد، وفي هذا السياق، تحاول المملكة العربية السعودية البقاء في قلب التطورات السورية، وجس نبض التغييرات، وتثبيت نفسها كلاعب لا مفر منه في معادلات مستقبل سوريا، لكن السؤال الرئيسي هو: هل تستطيع الرياض تجنب تعزيز منافسيها بشكل غير مباشر وفي الوقت نفسه التعامل مع نظام دمشق؟ يتطلب هذا عبور حقل حيث يتم استخراج كل خطوة منه.
المسابقات الاستراتيجية… من الوكلاء إلى القوى العابرة للحدود
إن المنافسة في سوريا اليوم هي مشهد متعدد الطبقات، حيث يحاول كل طرف، باستخدام أدواته الخاصة، الاستيلاء على حصة من السلطة، وفي هذا المجال، تجد المملكة العربية السعودية نفسها مضطرة للتعامل مع عدة جبهات في آن واحد، أولا، من خلال دعمها المتواصل للجيش الوطني السوري والسيطرة على مناطق حيوية في شمال سوريا، بما في ذلك عفرين وحلب ودرع الفرات، لم تنشئ أنقرة منطقة عازلة على حدودها فحسب، بل وسعت نفوذها أيضا، من خلال هؤلاء الوكلاء، إلى قلب الجغرافيا السورية، وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى تغيير ميزان القوى في الشمال لمصلحة تركيا، وألقت بظلالها على الوجود السعودي في شرق سوريا ــ وخاصة في المناطق ذات الأغلبية العربية في دير الزور والرقة، وتعلم الرياض جيداً أن كل شبر مربع من الأراضي السورية يقع تحت العلم التركي يقلل من دائرة نفوذ السعودية التقليدي في العالم العربي.
وتعتبر “إسرائيل” وجود النظم الأمنية التوسعية أيضًا من بين مخاوف النظام الملكي السعودي، إن الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على المواقع السورية ــ والتي دمرت ما يقدر بنحو 70 إلى 80 في المئة من دفاعات دمشق ــ ليست سوى جزء من معادلة القوة.
إن احتلال الجولان ومحاولة مضاعفة أعداد المستوطنين الصهاينة في المنطقة يظهر أن تل أبيب تنوي استخدام سوريا الضعيفة كنقطة انطلاق لتحقيق أهدافها الأمنية والتوسعية، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية فإن هذه التحركات تعني زيادة خطر الصراعات التآكلية على الحدود السورية وتعزيز خطاب المقاومة، وتعتبر إيران وقطر أيضًا منافستين للرياض بأدوات غير متكافئة.
استراتيجية المملكة العربية السعودية.. الجمع بين الاقتصاد والدبلوماسية
وللتغلب على هذه الدوامة الخطيرة، اعتمدت الرياض استراتيجية ثلاثية الأبعاد ترتكز على المحاور الاقتصادية والقبلية والأمنية، تحاول المملكة العربية السعودية استخدام الاقتصاد كسلاح ناعم، لقد أدت الدمار الذي خلفته 12 عاماً من الحرب الأهلية إلى تحويل سوريا إلى دولة في حاجة إلى حقنة مالية ضخمة، واستغلت الرياض هذا الضعف وحولت الوعود السخية بالمشاركة في إعادة الإعمار إلى أداة لكسب تعاون الحكومة الانتقالية في دمشق، وتتمتع هذه الاستراتيجية بميزتين رئيسيتين: أولا، تجعل الرياض لاعبا لا مفر منه في عملية إعادة الإعمار، وثانيا، من خلال النفوذ الاقتصادي، تجعل الشرعية الدولية للنظام في سوريا مشروطة بتوافقه مع مصالحها.
ومن ناحية أخرى، في المناطق الشرقية من سوريا ــ وخاصة دير الزور والحسكة والرقة ــ أصبحت القبائل العربية لاعباً أساسياً في المعادلات المحورية، ومن خلال إقامة اتصال مباشر مع زعماء هذه القبائل وتقديم الدعم المالي واللوجستي، تحاول المملكة العربية السعودية إنشاء قواعد نفوذ غير رسمية ولكنها قوية.
وتسير الدبلوماسية الأمنية في المملكة العربية السعودية على حبل مشدود، فمن ناحية، تدعم الرياض تشكيل حكومة وطنية انتقالية شاملة في سوريا تحل القضية الكردية عبر الحوار السلمي، ومن ناحية أخرى، تدعم بشكل غير مباشر مجموعات معارضة للنفوذ التركي والإيراني، وتعكس هذه الدبلوماسية المزدوجة جهود الرياض الرامية إلى خلق “توازن قوى متحكم به” في سوريا، التوازن الذي لا يسمح لأي منافس بتحقيق التفوق الكامل.
التحديات الهيكلية.. أسوار عالية لتقدم الرياض
ورغم تعدد الأدوات المتاحة، تواجه المملكة العربية السعودية عقبات هيكلية في طريقها، إن التعامل قصير الأمد مع الحكومة الانتقالية السورية قد يخلق مجالاً للمناورة الدبلوماسية، ولكن تعزيز هذه الحكومة على المدى الطويل قد يصبح كابوساً بالنسبة للرياض في المستقبل، وتعتبر المنافسة مع قطر أيضًا بمثابة نوع من الحرب بالوكالة بالنسبة للرياض في وسائل الإعلام وجماعات الضغط، ورغم أن الرياض تتمتع بدعم سياسي واقتصادي أكبر في مجلس التعاون الخليجي، فإن قطر تحاول أن تجعل روايتها للتطورات في سوريا هي المهيمنة من خلال استخدام وسائل الإعلام الدولية مثل الجزيرة والاستثمار في مؤسسات المجتمع المدني.
نهاية الكلام
إن المملكة العربية السعودية في سوريا ما بعد الأسد تشبه اللاعب الذي أجبر على التحرك على عدة لوحات شطرنج في الوقت نفسه، ومن ناحية أخرى، يتعين عليها أن تتعاون مع النظام الجديد في دمشق لتعزيز مكانتها كداعم لا غنى عنه لإعادة إعمار سوريا، ومن ناحية أخرى، لا يمكن لتركيا أن تغض الطرف عن مساعي تركيا للسيطرة على الشمال، وتوسع “إسرائيل” في الجولان، والدور المحتمل لقطر، وتبدو استراتيجية الرياض الحالية القائمة على النفوذ القبلي والدبلوماسية الأمنية هشة بسبب التشرذم المتأصل في الأزمة السورية.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی سوریا من خلال فی دمشق
إقرأ أيضاً:
يد على الزناد وأخرى على الكاميرا.. تحقيق يكشف أسلوب تنفيذ الإعدامات في جنوب سوريا
استخدمت "رويترز" معالم ظاهرة في المقاطع، بالإضافة إلى مقابلات مع سبعة من أقارب وأصدقاء الضحايا، لتحديد مواقع التصوير والتحقق من تسلسل الأحداث. اعلان
تحققت وكالة "رويترز" من ثلاثة مقاطع فيديو صادمة تُظهر مسلحين يرتدون زياً عسكرياً وهم ينفذون "إعدامات ميدانية" بحق 12 مدنيًا أعزل من الطائفة الدرزية في جنوب سوريا، في وقت سابق من الشهر الجاري. وقد تم تصوير هذه المشاهد إما من قبل المنفذين أنفسهم أو من قبل مرافقين لهم.
يُظهر أحد المقاطع، التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي وراجعتها الوكالة، ثلاثة رجال بملابس عسكرية يوجهون بنادقهم إلى ثلاثة رجال دروز عُزّل، ويأمرونهم بالصعود إلى شرفة مشمسة، ثم يتوقفون للحظة ليسأل أحد المهاجمين رفيقه: "بدك تصوّر؟". وبينما كان أحد المسلحين يصوّر باستخدام هاتفه، بدأ آخر التصوير من زاوية ثانية قبل تنفيذ الإعدام.
ثم يُسمع صوت المهاجمين وهم يصرخون: "يلّا! ارمي حالك!"، قبل أن يُطلق اثنان منهم النار على الرجال الثلاثة واحداً تلو الآخر أثناء محاولتهم القفز فوق سياج معدني أسود، لتتهاوى جثثهم إلى الشارع.
وبحسب أفراد من العائلة، فإن الضحايا هم معاذ عرنوس، وشقيقه براء، وابن عمهما أسامة عرنوس، وقد تم قتلهم في منزلهم بمدينة السويداء يوم 16 يوليو.
في مقطع آخر، يُظهر الفيديو رجلاً يُدعى منير الرجمة (60 عامًا)، حارس بئر مياه محلي، يُقتل على يد مسلحَين شابين بعد أن سألاه عن طائفته. وبحسب ابنه، وئام الرجمة، أُطلقت عليه النار فور تأكيده أنه "درزي".
أما الفيديو الثالث، فيُظهر مجموعة من المقاتلين المسلحين يُجبرون ثمانية رجال على الركوع عند دوّار في مدينة السويداء، قبل أن يُطلقوا النار عليهم من مسافة قريبة، بحسب شهادات أصدقاء وأقارب لبعض الضحايا.
تحقيق ميداني وتحديد المواقع
استخدمت "رويترز" معالم ظاهرة في المقاطع، بالإضافة إلى مقابلات مع سبعة من أقارب وأصدقاء الضحايا، لتحديد مواقع التصوير والتحقق من تسلسل الأحداث. وأفاد جميع الشهود أن من نفذ عمليات القتل هم عناصر من القوات الحكومية السورية، رغم أن هوية المهاجمين لم تُحدَّد بدقة، والمقاطع لم تحمل طوابع زمنية.
Related "جئناكم بالذبح".. جولة في السويداء توثق حال المدينة عقب وقف إطلاق النار السويداء تعود للهدوء بعد اشتباكات دامية خلفت مئات القتلى و130 ألف نازحبعد هدوء المعارك.. برنامج الأغذية العالمي يوزع مساعدات بالسويداء ودعوات لفك الحصارووفقًا للوكالة، بدأت المقاطع بالظهور على الإنترنت بعد 18 يوليو، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، فيما لم ترد وزارة الدفاع أو الداخلية السورية على استفسارات "رويترز" بشأن المقاطع المصورة.
في بيان صادر بتاريخ 22 يوليو، قالت وزارة الدفاع السورية إنها "تتابع تقارير حول انتهاكات فظيعة ارتكبتها مجموعة مجهولة الهوية ترتدي زياً عسكرياً في السويداء"، متعهدة بالتحقيق وتقديم المسؤولين للعدالة "حتى وإن كانوا من المنتسبين للوزارة". أما وزارة الداخلية، فقد أدانت "بأشد العبارات" المقاطع التي تُظهر "إعدامات ميدانية نفذها مجهولون".
"أزمة دولة"
تأتي هذه الوقائع في ظل حالة من الفوضى التي تعصف بسوريا عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد نهاية العام الماضي، بعد 14 عاماً من الحرب. الحكومة الانتقالية الحالية، ذات الجذور الإسلامية السنّية، حلت الجيش السابق وسعت إلى دمج فصائل مسلحة معارضة ضمن "جيش وطني".
وتُعد محافظة السويداء معقلًا رئيسيًا للطائفة الدرزية، التي تمثل نحو 3% من سكان سوريا قبل الحرب. وتفجرت الاشتباكات هناك في 13 يوليو بسبب نزاعات على الأراضي والموارد بين دروز محليين ومقاتلين بدو من الطائفة السنّية. لكن التوترات تصاعدت بشكل حاد بعد دخول قوات الحكومة الإنتقالية إلى المدينة في 15 يوليو.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، قُتل ما لا يقل عن 1,013 شخصًا منذ اندلاع العنف، بينهم 47 امرأة و26 طفلًا وستة من العاملين الطبيين، مشيرة إلى أن معظم الضحايا من الطائفة الدرزية، وأن أعداد المقاتلين والمدنيين لم تُحدّد بدقة.
رئيس الشبكة، فضل عبد الغني، قال لـ "رويترز" إن منظمته وثّقت "إعدامات ميدانية نفذتها قوات تابعة للنظام، إضافة إلى مقاتلين من البدو والدروز".
"تفاصيل صادمة"
قال أحد الأطباء الشرعيين في مستشفى السويداء الوطني، رفض كشف هويته، إنه عاين 502 جثة خلال فترة التصعيد، بينها جثث قُطعت رؤوسها أو ذُبحت، ومن بينها فتاة مراهقة. وأضاف أن أغلب الجثث كانت مصابة بطلقات نارية من مسافة قريبة.
وفي أحد المقاطع، يظهر منير الرجمة جالسًا أمام مدرسة في بلدة "الثعلة"، بينما يصرخ عليه عدد من المسلحين: "أنت مسلم ولا درزي؟". وعندما يردّ: "أنا سوري"، يُصرّ أحدهم على الجواب: "شو يعني سوري؟ مسلم ولا درزي؟". وعندما قال: "أنا درزي"، أطلق عليه ثلاثة منهم النار مباشرة.
مقطع آخر يُظهر ثمانية رجال يسيرون في صف واحد، أيديهم على أكتاف من أمامهم، يُقتادون في شارع رئيسي في السويداء، حدّدته "رويترز" على أنه يقع غرب ساحة تشرين. يحمل أحد المسلحين كاميرا هاتفه ويوجهها إلى وجهه؛ يظهر بلحية وبندقية.
وبحسب صديق للعائلة، فإن الضحايا شملوا المواطن الأميركي السوري حسام سرايا (35 عامًا)، ووالده وشقيقه كريم، وجميعهم من نفس العائلة. وقالت ديمة سرايا، زوجة علي سرايا (أحد الضحايا الآخرين)، إن المسلحين حاصروا المبنى الذي تقيم فيه العائلة في 16 يوليو، وأمروا الرجال بتسليم أنفسهم، زاعمين أن الأمر "مجرد استجواب لبضع ساعات".
مقطع ثالث يُظهر الرجال الثمانية أنفسهم وهم راكعون في ساحة تشرين قبل أن يتم إطلاق النار عليهم من قبل اثنين من المهاجمين، لمدة سبع ثوانٍ تقريبًا. وبعد إطلاق النار، سقط الضحايا أرضًا بينما يصرخ أحد المسلحين "الله أكبر".
وأكّد السيناتور الأميركي جيمس لانكفورد أن حسام سرايا، المقيم سابقًا في أوكلاهوما، "قُتل في سوريا إلى جانب أفراد من عائلته"، دون الإدلاء بتفاصيل إضافية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة