عندما تفقد الحروب جلالها ووقارها
تاريخ النشر: 16th, April 2025 GMT
د. فراج الشيخ الفزاري
=========
عندما نقرأ عن حروب اليونان القديمة...
وعن أساطير آلهتهم الكثيرة ومنهم إله الحرب أريس وألهة السلام التي تجسدها باكس في الديانة الرومانية اللاحقة..والصراعات بين آلهة الخير وآلهة الشر..وحروب طروادة ثم الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية..يشطح بك الخيال ...ويسمو بك التفكير وكيف كانت البطولات التي تطفو وتتلألأ علي السطح رغم ظلامات وغبارات الحرب.
فالفعل والأسم البطولي أكثر تخليدا من غبار المعركة...فللحرب وقارها وجلالها في كل الأحوال.
كانت الحروب هيبة وجلال وسلوك أخلاقي عند الهزيمة والانتصار..ومهما طالت المجالس والاماكن ودك الحصون والقلاع ...ومهما خلفت من الضحايا والخراب..تأتي لحظة الصدق مع النفس والمسؤولية..فيفضي ذلك الي طاولة المفاوضات..فإذا تحاوروا كانوا في ذلك بنية الاتفاق وليس المزيد من الانشقاق.. واذا تصالحوا اوفوا العهد والميثاق وبقوا رجالا وابطالا رغم الجراح والصراخ والنواح لتجار الحرب ونافخي الكير
وابواق النفاق.
يقول الشاعر السوداني علي عبدالقيوم في قصيدته الرائعة التي تغني بها الفنان خالد الذكر محمد وردي..في هذا المقطع القصير ، المشبع بالمعاني:
أي المشاتق لم نزلزل
بالثبات وقارها..
فالمشانق كالحروب تماما ...لها هيبتها ووقارها... كلاهما يرتبط بالعدم والزوال..وكلاهما يرتبط بالأخلاق والثبات حتي آخر لحظة..فتمضي المخاطر وترحل ...وتبقي لحظات القوة والثبات لتخلد أصحابها..
تري لأي مدي يمكن أن تحافظ به حربنا الأهلية الحالية علي ثباتها ووقارها بغض النظر عن الرابح أو الخاسر؟
د.فراج الشيخ الفزاري
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هل تفقد إسرائيل مكانتها المطلقة في واشنطن؟
ناصر بن جمعة بن محمد الزدجالي
قبل شهور بسيطة، كان طرح مثل هذا السؤال ضربًا من الخيال، ومناقشة احتمالية كهذه من المستحيلات لأي باحث مطّلع على العلاقات الدولية، وبثوابت السياسة الأمريكية ودهاليزها. لم يجتمع الحزبان الديمقراطي والجمهوري على سياسة، مثلما اتفقا على أولوية إسرائيل، ولم تغلب مصلحة دولة على أمريكا ذاتها إلا إسرائيل.
ثمَّة تغيّرات جذرية طرأت على مستوى الداخل الأمريكي وعلى المستوى الدولي، ساهمت في جعل السؤال يبدو أمرًا مَنطِقيًا وطبيعيًا إلى حد ما. بدأنا أخيرا نرى من يتجرّأ، ويناقش هذا السؤال المحرّم عادةً، على الملأ، ويتحدث عنه وهو غير خائف من فقدان وظيفته، أو انهيار شعبيته، أو حتى محاكمته علنًا بتهمة معاداة السامية. كيف حدث هذا بين يوم وليلة؟ ومن سمح لهؤلاء بالحديث علنًا عن ما كانوا يكبتونه لسنوات، دون أن تتاح لهم القدرة على الحديث؟ وهل يمكن أن تسمح إسرائيل بخسارة نفوذها المطلق وتفقد مكانة "الحليف المميّز" لدى واشنطن؟
لطالما اعتمدت إسرائيل على دعم أمريكا المطلق لها، فهي بمثابة الضامن الأول والأخير لأمنها، والمُمَوّل الأكبر لخزينتها وإنفاقها العسكري، والمدافع الشرس عنها في المحافل الدولية. وهي من مَنّحَها الحرية والغطاء لمهاجمة من تشاء، ومتى تشاء، وكيفما تشاء، وما لأمريكا إلا غضّ النظر عن مغامراتها وتبرير شيطنتها، وعليها أن تضع مبادئها جانبًا، وتتخلى عن التزاماتها ومصالحها، وتعمل بلا كلل لتوظيف دبلوماسيتها وأسـلحتها وتشرّع قوانينها للدفاع المستميت عن إسرائيل وأفعالها، مع التأكد من ضمان عدم تمكين أي دولة، أو منظمة دولية، أو محكمة للقانون الدولي، أو الإنساني، من الاقتراب من إسرائيل، أو محاولة التأثير على مصالحها. لسنوات طويلة، مثّل موضوع إسرائيل، سياسة داخلية لا خارجية، وكان على كل سياسي طامح للوصول إلى السلطة أن يقدم القرابين ليحظى بمباركة ودعم جماعات الضغط الأمريكية الإسرائيلية، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة بـ"آيباك AIPAC"، التي كانت تستخدم تبرعاتها وإعلامها وشبكات نفوذها المالي لضمان سياسات مؤيدة بشكل مطلق لإسرائيل.
ماذا تغيّر إذن لتفقد أمريكا ذلك الحماس؟ وما المستجدات التي طرأت لتتحدى إسرائيل وتحوّلها إلى موقع دفاع وتفقدها تدريجيًا شيئًا من نفوذها؟ لقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة انخفاضًا في دعم الأمريكيين لإسرائيل من 69% إلى 43% خلال عامين فقط من حرب غزة، كما أظهر استطلاع مؤسسة جالوب البحثية في يوليو الماضي، أن 9% فقط من الأمريكيين بين 18 و34 عامًا يدعمون العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
من وجهة نظري، هناك 3 متغيرات وأحداث ساهمت، أكثر من غيرها، في هذا الانعطاف؛ في مقدمتها التحول الكبير في التفكير لدى الشباب الأمريكي، خاصة في الجامعات، ومن ينتمي منهم إلى أقصى اليمين واليسار. كما لوحظ بشكلٍ متزايد أن الشباب الأمريكي لا يكترث بعقدة الضمير الخاصة بالهولوكوست، وكثيرون منهم لا يؤمنون بالمحرقة أصلًا. كما شهدت الجامعات تجمعات ومظاهرات تندد بالحروب شارك فيها فئات من اليهود أنفسهم. وبفضل الزخم، أصبح هذا الحراك الشبابي بين يوم وليلة القوة المحركـة للسياسات. ولقد شهدنا جميعًا كيف استفادت حملة زُهران ممداني عمدة نيويورك المنتخب من هذا التحول المثير.
من هذه المتغيرات أيضًا، حركة "أمريكا أولًا"- والمعروفة اختصارًا بـ"MAGA"- التي روّج لها الرئيس ترامب ومثلت قاعدته الانتخابية الأبرز. وكان لهذه الحركة الناشئة الفضل في صعود الرئيس ترامب إلى السلطة عام 2016 والعودة إليها مجددًا في عام 2025.
المعروف أن سياسات وتوجهات الحملة بنيت على أفكار يمينية تحاول انصاف الأمريكيين البيض، تناقش سياسات الهوية، وتناهض الهجرة، وتدعو إلى إعطاء الأولوية المطلقة لأمريكا، وتدعو لاحترام مبادئها، وعدم الزّج بها في حروب غير معنية بها أصلًا. ومع أن إسرائيل ساندت بعض هذه الأفكار في مرحلة ما، إلا أنها سرعان ما اكتشفت أنها أتت عليها بنتائج عكسية. لقد ساهمت هذه الأفكار في صعود حراك شبابي حفّز على البحث عن الحقيقة. أدركوا أنه أريد لهم فهم نصف الحقيقة، وأنه، بفعل فاعل، تم تغييب أذهانهم عن الصورة الكلية. ولذلك كان السعي الدؤوب لمعرفة من هي الاستثناء الوحيد؟ ومن هو الكيان الذي يأتي فوق القانون؟ وما الدولة التي تسبق مصلحتها الولايات المتحدة؟ ولماذا لم يتحقق في كل الحالات مبدأ "أمريكا أولًا"؟ وكانت إسرائيل هي الجواب لكل هذه الأسئلة الحائرة! الأمر الذي جعل هذه الفئة تتساءل لماذا إسرائيل؟ ولماذا يسمح لها بالقفز على المصالح؟ ولماذا يُصرّح لليهود الأمريكيين بازدواجية الجنسية؟ والأهم، أين يكمن الولاء؟ وكيف يمكنهم الانتساب لجيش دولة أخرى والقتال في صفوفها؟ ولماذا تقوم الولايات المتحدة بخوض الحروب نيابة عن إسرائيل؟
وعلى عكس العادة، سرعان ما أضحت هذه الأسئلة منطقية، وبات يردّدها كثيرون، كان آخرهم اليمين المتدين أو ما يطلق عليهم "القوميين البيض" أو أجنحة "اليمين المتطرف". ولعل خير دليل على ذلك ما قدمته مقابلة الشاب الصاعد نيك كونتيز مع الإعلامي المعروف تكر كارلسون من شعبية وانتشار، والتي حصدت أكثر من ستة ملايين ونصف المليون مشاهدة في فترة وجيزة، وتسببت في نقاش لم يهدأ بعد.
وأخيرًا، هناك تداعيات ومآسي حرب غزة وتعنّت السياسة الإسرائيلية والسيطرة المطلقة عليها من قبل حكومة يمينية متطرفة. لقد وجد المجتمع الدولي نفسه في حالة عدم قبول لهذه الممارسات الرعناء، خاصة الشباب منهم، وبدء التنديد يزداد لغطرسة هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، ورفض سياسات التطهير العرقي، والاستيطان والاستبداد، والتصدي لنكران حل الدولتين التي تنتهجها هذه الحكومة. كل ذلك ادى إلى رفض المجتمع الدولي لهذه الممارسات الهمجية.
ومع أن هذا التراجع يعد غير مسبوق بالنسبة للتحالف التاريخي بين إسرائيل والأمريكيين، يذكرنا التاريخ أنه لا يجوز لنا أن نغرق في التفاؤل. فلا تزال يد إسرائيل طويلة بما يكفي، ولا يزال نفوذها قائمًا بفضل سطوة ونفوذ المال والإعلام المؤيد لإسرائيل. إضافة إلى دعم الإنجيليين، والقوانين والتشريعات الصارمة التي سُنّت لصالح إسرائيل تحت غطاء "مُعاداة السامية". ناهيك، عن متانة دعم الحزب الجمهوري وتضامن قياداته معها.
لقد استشعرت إسرائيل الخطر، وباتت تجاهد على أكثر من صعيد لاسترداد مكانتها المسلوبة. فهي تقوم بتنظيم حملات مركّزة في مجال "الدبلوماسية العامة" داخل الولايات المتحدة وبدول اوربية كبرى، وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام الأميركي. وباشرت اسرائيل حملات مركّزة تستهدف على وجه الخصوص جيل الشباب المعروف بـ"الجيل زد" (Gen Z)، ويُعد الاستثمار اليهودي في منصة تيك توك أحد الأدوات لتحقيق ذلك.
لم تنجح إسرائيل، ومعها اليهود والصهاينة، في صد موجة التسونامي التي تسببها زُهران ممداني. فهل تستمر في فقدان النقاط، وتخسر أمريكا الحليف المخلص لها، أم إنها نزوة وتنتهي؟ وجولة وتتوقف؟ حدسي يقول إنها بدأت لتستمر؛ فلقد باتت الاختراقات واضحة، خاصة في صفوف الديمقراطيين، الذين كانوا في السابق الداعم الأكبر لإسرائيل. والأهم، لقد بدأ سقوط الجدران، وكسرت قيود الخوف، وأصبح التوافق المطلق على مبدأ "إسرائيل أولًا" شيئًا من الماضي.
** باحث ومحلل استراتيجي