كاتب أميركي: هكذا يمكن لقوة عظمى مارقة أن تعيد تشكيل النظام العالمي
تاريخ النشر: 17th, April 2025 GMT
منذ نهاية الحرب الباردة، كان من المتوقع إلى حد كبير أن تتبع الولايات المتحدة أحد مسارين في السياسة الخارجية؛ إما الحفاظ على مكانة البلاد رائدة للنظام الدولي الليبرالي وإما الانسحاب والتكيف مع عالم ما بعد الولايات المتحدة متعدد الأقطاب، وفق مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية.
لكن الأكاديمي والباحث الأميركي مايكل بيكلي كتب في مقاله هذا أن الولايات المتحدة ربما اختارت، على الأرجح، أن تسلك مسارا ثالثا، وهو أن تصبح قوة عظمى مارقة، لا هي دولية ولا انعزالية، بل عدوانية وقوية وتسعى دوما إلى تحقيق مصالحها وتتصرف باستقلالية في الشؤون العالمية.
وقال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدّم تعريفا فظا لهذه الرؤية برفع التعريفات الجمركية وخفض المساعدات الخارجية، وازدراء الحلفاء، واقتراح الاستيلاء على أراضٍ أجنبية، بما فيها غرينلاند وقناة بنما.
الولايات المتحدة ربما اختارت أن تصبح قوة عظمى مارقة، لا هي دولية ولا انعزالية، بل عدوانية وقوية وتسعى دوما إلى تحقيق مصالحها وتتصرف باستقلالية في الشؤون العالمية
وأضاف أن أحد الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تتصرف بمفردها هو أنها تستطيع ذلك. فعلى الرغم من عقود من التحذيرات من التراجع، إلا أنها لا تزال تمتلك قوة عالمية هائلة، عسكرية واقتصادية وتكنولوجية.
وأوضح أن للولايات المتحدة سوقا محلية استهلاكية ضخمة تنافس حجم الأسواق في الصين ومنطقة اليورو مجتمعة، وهيمنة مالية عالمية، ونفوذا عسكريا لا مثيل له ولا تضاهيها فيه دولة أخرى. كما أنها أقل اعتمادا على التجارة الدولية والعمالة الأجنبية، على عكس معظم الدول.
إعلانوفي عالم يعتمد على جيش الولايات المتحدة وأسواقها إلى حد كبير، تتمتع واشنطن بنفوذ هائل يمنحها القدرة على مراجعة القواعد أو التخلي عنها تماما، كما يدعي بيكلي الذي يعمل أستاذا مشاركا في العلوم السياسية في جامعة تافتس.
ويشرح الكاتب في مقال الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تجنح إلى أن تصبح دولة "مارقة"، حيث يرى أن النظام الليبرالي الذي بنته أصبح الآن عبئا عليها لأنه يقوّي خصومها مثل روسيا والصين، بينما يسبب ألما اقتصاديا في الداخل.
ولقد أصبح حلفاؤها يعولون عليها مفرطين لأنهم ربما غير راغبين أو عاجزون عن تحمل وطأة الحفاظ على الأمن الدولي. ثم إن رد الفعل العنيف داخل الولايات المتحدة على العولمة دفعها إلى تأجيج النزعة الحمائية والقومية، وفق المقال.
ويعتقد بيكلي -الذي يعمل أيضا باحثا غير مقيم في معهد "أميركان إنتربرايز" في واشنطن– أن الاتجاهات العالمية تعزز التحول في السياسة الأميركية. ومن الأمثلة على ذلك، أن التغير الديمغرافي السريع يضعف القوى العظمى، خاصة في منطقة أوراسيا، ويزعزع الاستقرار في مناطق واسعة من العالم النامي.
التكنولوجيات الجديدة ومنها الذكاء الاصطناعي، تقلل من حاجة الولايات المتحدة إلى العمالة الأجنبية والطاقة والقواعد العسكرية الكبيرة
وفي الوقت نفسه، تقلل التكنولوجيات الجديدة والذكاء الاصطناعي من حاجة الولايات المتحدة إلى العمالة الأجنبية والطاقة والقواعد العسكرية الكبيرة، طبقا لبيكلي الذي يضيف أن الجيش الأميركي يتحول من الردع بالحضور عسكريا إلى القدرة على توجيه ضربات دقيقة من بُعد.
لكن النزعة الأحادية "المنفلتة" -على حد تعبير المقال- تنطوي على مخاطر إذ قد تفضي إلى تدمير التحالفات وزعزعة استقرار النظام العالمي، وقد تتسبب الرسوم الجمركية والسياسة الاقتصادية العسكرية في استفزاز منافسين مثل الصين وتؤدي إلى صراع مفتوح.
إضافة إلى ذلك، فإن تنازل الولايات المتحدة عن مناطق النفوذ لروسيا والصين قد يؤدي إلى توسعهما وليس احتواءهما.
إعلانوالنتيجة -برأي كاتب المقال- هي عدم تناسق متزايد يتمثل في فوضى متصاعدة وحلفاء ضعفاء من جانب، واكتفاء ذاتي أميركي متعاظم من جانب آخر. ومع اتساع هذه الفجوة، ستواجه واشنطن إغراءات أقوى للتصرف بمفردها.
واشنطن يمكنها أن تختار القومية المتهورة، أو أن تعيد تشكيل النظام العالمي بإرساء تحالف محكم من الشركاء القادرين، والاستفادة من نقاط قوتها لبناء عالم حر عامل
والبديل الذي يقترحه الكاتب هو إنشاء تكتل إستراتيجي للعالم الحر يتضمن نواة اقتصادية لدول أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا والمكسيك)، وتحالفا عسكريا يركز على الدفاع الأمامي مع مشاركة قوية للأسلحة والتكنولوجيا، وتكتلا اقتصاديا منسقا مع قواعد مشتركة وإمكانية الوصول إلى الأسواق.
ويخلص المقال إلى أن الولايات المتحدة تقف على مفترق طرق، ليس حول ما إذا كان عليها أن تمضي في طريقها بمفردها، بل بشأن كيفية القيام بذلك. ويمكنها أن تختار القومية المتهورة، أو أن تعيد تشكيل النظام العالمي بإرساء تحالف محكم من الشركاء القادرين، والاستفادة من نقاط قوتها لبناء عالم حر يعمل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات الولایات المتحدة النظام العالمی
إقرأ أيضاً:
كاتب نرويجي: 3 إجراءات على أوروبا اتخاذها لتقليل تبعيتها لأميركا
يرى الكاتب النرويجي مارتن ساندبو أن على أوروبا العمل على "فك ارتباطها" الإستراتيجي والاقتصادي والسياسي عن الولايات المتحدة، وذلك بسبب سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الابتزازية اتجاه القارة.
وأكد -في مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية- أن أوروبا تواجه خيارا مصيريا، فإما الحفاظ على استقلالها أو الاستمرار في شراكة تجعلها معرضة لتقلبات واشنطن المزاجية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ذا هيل: 5 نقاط خلاف جوهرية بين ترامب والجمهوريين في الكونغرسlist 2 of 2عمروف.. تتاري مسلم يقود وفد المفاوضات الأوكرانيend of listوأشار إلى 3 مجالات رئيسية وحساسة أكد أن على أوروبا العمل عليها لتقليل "الضرر الأميركي".
أولا: التجارةاعتبر الكاتب أن الاعتماد على السوق الأميركية أصبح عبئا أكثر من كونه ميزة، ووجّه الاتحاد الأوروبي لتقليل دعم التصدير إليها وتشجيع الشركات على البحث عن أسواق بديلة.
كما نصح قادة أوروبا بعدم الدخول في معارك طويلة غير مجدية مع ترامب في حال فرضه رسوما جديدة، مشيرا إلى أن الخيار الأفضل هو الردّ بإجراءات مضادة تستهدف أنشطة أميركية حساسة داخل أوروبا، مثل بعض الخدمات الرقمية الكبرى.
وكان الاتحاد الأوروبي، أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، قد وقع على اتفاق تجاري مثير للجدل مع الإدارة الأميركية، أوقف مؤقتا حربا جمركية وشيكة، لكنه في الوقت ذاته فتح الباب لموجة انتقادات داخلية حادّة لم تهدأ حتى الآن.
ونص الاتفاق على فرض رسوم أميركية بـ15% على صادرات أوروبية محددة، أبرزها السيارات والآلات الدقيقة، مقابل تخفيض الرسوم الأوروبية على السيارات الأميركية إلى 2.5%.
ورغم أن الاتفاق جنّب أوروبا رسوما كانت مهددة بأن تصل إلى 30 أو حتى 50%، وفق ما لوّح به ترامب في حملته الانتخابية، فإن كثيرين اعتبروا أنه يمثل خضوعا للإكراه الاقتصادي، لا صفقة تجارية متكافئة.
ثانيا: الصادراتأشار ساندبو إلى أن تصدير أوروبا لرؤوس أموالها ومدخراتها إلى الولايات المتحدة يقلل التمويل المحلي ويدفع الشركات والمواهب الأوروبية للبحث عن فرص في أميركا.
إعلانواقترح الكاتب تعديل القواعد التنظيمية لتشجيع توجيه المدخرات نحو الاستثمار داخل الاتحاد الأوروبي، بهدف سد الفجوة المالية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي للقارة، وتقليل تأثير أي ضغوط أميركية مستقبلية على الاقتصادات الأوروبية.
تبعية أوروبا للولايات المتحدة لم تكن يوما قدرا محتوما، بل هي "عجز مكتسَب تشرّبته القارة على مدى ثمانين عاما، وما ينبغي الآن هو التخلص منه"
وبدورها شددت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، على ضرورة أن تعيد أوروبا النظر في خريطة شراكاتها التجارية.
وقالت -في كلمة ألقتها خلال جلسة في المنتدى الاقتصادي العالمي بجنيف في أغسطس/آب الماضي- إن الولايات المتحدة ستظل شريكا تجاريا مهما، إلا أن على أوروبا أيضا أن تسعى لتعميق علاقاتها التجارية مع شركاء آخرين، مستفيدة من قوة اقتصادها الموجه نحو التصدير.
ثالثا: الدفاعوأوضح المقال أن أوروبا بحاجة إلى تطوير بديل محلي للقدرات العسكرية الإستراتيجية التي تعتمد، حاليا، على الولايات المتحدة لتوفيرها.
ولفت إلى إطار تمويل مشترك اقترحه اقتصاديون أوروبيون بين الدول القادرة والراغبة، بهدف تطوير قدرات عسكرية محلية تحقق الاكتفاء الدفاعي. ويجري تداول المخطط حاليا على أعلى المستويات في فرنسا وألمانيا.
يذكر أن المفوضية الأوروبية أطلقت الشهر الماضي "خريطة الطريق الدفاعية الأوروبية" لعام 2030 لتعزيز القدرات الدفاعية والاستعداد لمواجهة أي عدوان محتمل، بالتكامل مع حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتنص الخطة على امتلاك أوروبا قوة ردع لحماية أراضيها، وعلى مشروع لحماية المجال الجوي الأوروبي من الصواريخ والطائرات المسيّرة.
كما أعادت بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا، إحياء الخدمة العسكرية، وسط زيادة مناقشات زعماء الاتحاد الأوروبي حول سبل النهوض بالصناعة العسكرية وزيادة الإنفاق في قطاع الدفاع.
وخلص الكاتب إلى أن تبعية أوروبا للولايات المتحدة لم تكن يوما قدرا محتوما، بل هي "عجز مكتسَب تشرّبته القارة على مدى 80 عاما، وما ينبغي الآن هو التخلص منه".