أوروبا في مواجهة قرارات ترامب: كارثة أم آفاق؟
تاريخ النشر: 20th, April 2025 GMT
يعيش الأوروبيون هذه الأيام مرحلة قلق غير عادية، غير مسبوقة بالنسبة إليهم منذ نهايات الحرب العالمية الثانية؛ بل منذ أيام الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى التي كانت (أزمة الخميس الأسود – أزمة الكساد الكبير) في خريف عام 1929 التي حدثت في الولايات المتحدة وأثرت في الاقتصاد العالمي برمته، بل في السياسات والاصطفافات العالمية أيضاً.
فأوروبا الغربية، التي وجدت نفسها أمام تحديات جديدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت تعول كثيرا على مد الجسور مع جناحها الشرقي، لتتمكن من تشكيل قطب عالمي وازن يتناسب مع حجم القارة ودورها، وإمكانياتها واحتياجاتها. ولكنها لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف لأسباب كثيرة منها داخلية وأخرى خارجية، فاعتمدت أسلوب الاستثمار في المصالح الاقتصادية بغية التخفيف من التوترات السياسية على المستوى العالمي. هذا في حين أنها واظبت في اعتمادها على الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في سياساتها الدفاعية.
ورغم التحالف الوثيق بين القوى الأوروبية الغربية الأساسية (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا وغيرها) والولايات المتحدة، ظلت المواقف متباينة على صعيد التعامل مع القوى الدولية الأخرى خارج التحالف الغربي. ويُشار هنا إلى روسيا والصين بصورة أساسية، إلى جانب الدول الطموحة الأخرى خاصة آسيا.
فبينما وجد الأوروبيون في العولمة وقواعد النظام التجاري العالمي، والمصالح المتبادلة، والتخفيف من حدة الهواجس عبر المشاريع الاقتصادية المشتركة الأداة الأفضل لبناء العلاقات الدولية على مقومات استقرار مستدامة، استمرت الولايات المتحدة في نهجها الرامي إلى الاحتفاظ بموقعها الريادي على مختلف المستويات عبر التمسك بالقوة العسكرية الرادعة، ومحاولات توسيع نطاق حلف الناتو، وقطع، وعرقلة الطريق أمام امكانية نشوء قوة عسكرية أوروبية دفاعية خاصة من شأنها ضمان مصالح واستقلالية الدول الأوروبية من دون أن تصل الأمور إلى حد القطيعة أو المنافسة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك تمكن الطرفان الأوروبي والأمريكي من الحفاظ على أوثق العلاقات في مختلف الميادين، وأفلحا في تنسيق المواقف، رغم تباين المصالح والرؤى والحسابات الاستراتيجية، وأساليب التعامل والتقنيات وإمكانيات الذكاء الاصطناعي، والقدرة على مراقبة أدق التفاصيل في حياة الأفراد.
وتمكن الطرفان من بلوغ درجة مقبولة من التكاملية فيما بينهما على أساس المصالح الاقتصادية الكبرى المشتركة، وما ساعدهما في هذا المجال تمثل في المرجعية الديمقراطية لدى الجانبين، وهي المرجعية التي كانت تتمكن، رغم كل نقاط الضعف، من تجاوز الأخطاء والعثرات، واستعادة الحيوية والمبادرة استناداً إلى الشرعية الشعبية التي كانت، وتظل، في جميع الأحوال الأكثر طمأنينة واستقراراً من أنماط أخرى من الشرعيات المفروضة سواء بصورة مباشرة صارخة، أو خفية عبر ثورة الاتصالات. ومن خلال تشجيع بعض النزعات، وتحوير الحقائق، وتسويق المرغوب اعتماداً على تقنيات وإمكانيات الذكاء الاصطناعي، والقدرة على التحكم بأمزجة وسلوكيات الأفراد، وتكوين النزعات، والتأثير في المواقف عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي وأجهزة الإعلام.
مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى موقعه في البيت الأبيض للمرة الثانية، شعر الأوروبيون بأن عليهم الاستعداد لكل السيناريوهات السيئة؛ وذلك بناء على المواقف السابقة لترامب، وتصريحاته؛ بالإضافة إلى علاقاته الجيدة مع بوتين، وتوجهاته الاقتصادية السياسية التي لا يمكن التكهن بها.
واليوم يشعر الأوروبيون بصورة عامة، والغربيون منهم بصورة خاصة، والاسكندنافيون والفنلنديون على وجه أخص، أنهم أمام تحديات كبرى، منها أمنية دفاعية، ومنها اقتصادية؛ هذا إلى جانب التحديات المستقبلية سواء البيئية منها أم التكنولوجية؛ وحتى على مستوى استمرارية الأنظمة الاجتماعية والسياسية والمالية في صيغتها المستقرة الراهنة.
فبعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام من الحرب القاسية شبه المباشرة بين الدول الأوروبية وروسيا على الأراضي الأوكرانية نتيجة الغزو الذي أعلن عنه بوتين ضد الأخيرة بذريعة منعها من الانضمام إلى الناتو، وبحجة إبعاد مخاطر الحصار الغربي على بلاده؛ تعاني الدول الأوروبية بصورة عامة من استنزاف اقتصادي خطير، أثر في ميزانياتها ومشاريعها التنموية ومستوى معيشة مواطنيها. كما ألزمها برفع سقف ميزانياتها الدفاعية، بل دفع ببعضها مثل السويد وفنلندا، إلى إحداث تغييرات جذرية في عقيدتها الحيادية، ودفع بها إلى أحضان الحلف الأطلسي، الأمر الذي وضعها في عين العاصفة حيث تواجه مباشرة مخاطر جدية أمنية ومستقبلية من حدوث مجابهات تصادمية بينها وبين روسيا.
ومع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى موقعه في البيت الأبيض للمرة الثانية، شعر الأوروبيون بأن عليهم الاستعداد لكل السيناريوهات السيئة؛ وذلك بناء على المواقف السابقة لترامب، وتصريحاته؛ بالإضافة إلى علاقاته الجيدة مع بوتين، وتوجهاته الاقتصادية السياسية التي لا يمكن التكهن بها. ولا يمكن ان توحي بما إذا كانت هناك خطة متكاملة توجهها، أم أنها مجرد مواقف مزاجية تتوافق مع التوجه الشعبوي السائد اليوم في العديد من الأنظمة الديمقراطية في العالم، سواء في الولايات المتحدة أو في غيرها، وهي الدول التي عُرفت بديمقراطياتها المستقرة نسبياً، أو بتوجهاته الرئيسية الديمقراطية على الأقل.
أما بالنسبة إلى الدول الاسكندنافية، خاصة السويد، فهي تعيش وضعية قلقة للغاية، تستوجب اتخاذ الخطوات المدروسة في مختلف الاتجاهات بحذر شديد. فهي دولة قريبة من روسيا التي كانت لها أطماع دائمة، وما زالت، في التوسع شمالاً وغرباً، ولديها تاريخ أسود مفعم بالصراعات والحروب مع السويد أيام كانت فيها هذه الأخيرة من القوى الإقليمية الكبرى. واليوم هناك مشاريع روسية وأمريكية واسكندنافية للتوسع شمالاً باتجاه منطقة القطب بعد التغييرات المناخية التي شكلت تحدياً بيئياً ينذر بالكثير من المخاطر من جهة، ويفسح المجال في الوقت ذاته أمام استغلال المستجدات المترتبة على ذلك من ناحية الاستثمار في الموارد والاستفادة من الممرات الجديدة من جهة ثانية.
وبناء على ما تقدم، تستعد السويد، رغم ظروفها الدقيقة الحرجة، لصراعات قادمة، وتحركات روسية استخباراتية وعسكرية وحتى سيبرانية وغيرها، تهدد أمنها الداخلي، وأمن دول البلطيق التي تعتبرها الدول الاسكندنافية جزءأً من منطقتها الحيوية على مختلف المستويات.
وهذا ما يفسر حالة الإحباط والقهر التي تخيم على توجهات السياسيين الاسكندنافيين، خاصة السويديين، وذلك بفعل تراجع الإدارة الأمريكية في عهد ترامب عن التزاماتها بشأن دعم أوكرانيا والحليولة دون خضوعها للهيمنة الروسية مجدداً. بل أن التصريحات العلنية لترامب، وضغوطه بشأن غرينلاند قد أدت إلى تنامي أزمة ثقة كبيرة بين الحكومات الأوروبية في الشمال بصورة عامة، والإدارة الأمريكية الجديدة؛ وهناك خشية حقيقية من أن تؤدي إجراءات ترامب الخاصة بالتعرفة الجمركية؛ ورغم ظهور مؤشرات وبوادر لامكانية التوصل إلى حلول وسط تقطع الطريق على الحرب التجارية المفتوحة بين الطرفين، خاصة بعد تسرب معلومات بخصوص جهود تبذل بين كل من الصين والولايات المتحدة من أجل الموضوع ذاته، وبعد الاتصالات الصينية مع الدول الآسيوية الفاعلة في هذا المجال.
وبالعودة إلى السويد، يلاحظ أنها دولة صغيرة الحجم مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى المركزية، ولكنها الركن الأساس في الشمال الأوروبي؛ وهي تحظى بتقدير خاص لسجلها الثري في ميادين الاختراعات والأبحاث والتكنولوجيا المستقبلية، إلى جانب امكانياتها الكبرى الاقتصادية والبحثية. وهي تعتمد بصورة أساسية على تصدير السلع النوعية إلى السوق الأمريكية تحديداً، وهناك شراكات بحثية وتجارية كثيرة مع مؤسسات وجامعات أمريكية عريقة. كما أن نظامها الديمقراطي رغم نقاط الضعف التي تبلورت في السنوات الأخيرة، لا سيما من جهة تنامي التيارات الشعبوية، وظهور شريحة بيروقراطية باتت العملية الديمقراطية بالنسبة إليها مجرد وسيلة للتحكم، وذلك بفعل ما تمتلكه من خبرات ومعلومات نتيجة استمراريتها سنوات طوال في مفاصل الدولة على المستوى المحلي والمركزي.
وكل ذلك من شأنه التأثير السلبي في مستقبل نظام الرفاه الاجتماعي المعتمد في السويد، وهو النظام الذي يضمن مقومات العيش الكريم لسائر المواطنين والمقيمين، ويعتبر أساس الاستقرار المجتمعي والسياسي الذي يعاني راهناً من مخاطر متعددة المصادر، لا سيما من جهة تنامي شعبية القوى اليمينية الشعبوية المتطرفة التي تدعو صراحة إلى وضع قيود صارمة تحد من قبول المزيد من المهاجرين. هذا فضلاً عن ارتفاع نسب البطالة والجريمة والتضخم، إلى جانب الصعوبات المعيشية الكبرى التي يعاني منها السويديون حالياً. وما يزيد من عمق الأزمة يتمثل في ظاهرة القلق وعدم الاستقرار التي تعاني منها الأحزاب الصغيرة التي تبحث عن مصالح حزبية انتهازية في المقام الأول، ومن دون مراعاة الحسابات الاستراتيجية التي ينبغي أن تكون لها الأولوية في مثل هذه الظروف.
وفي هذا السياق، يُعتقد أن التفاهم بين الحزبين الاشتراكي/الاجتماعي الديمقراطي زعيم المعارضة؛ وحزب المحافظين الذي يقود الحكومة الحالية، هو أفضل حل لضمان الاستقرار الداخلي، وطمأنة المستثمرين والشركات؛ واتخاذ المواقف الحاسمة الموحدة للتعامل الحكيم مع التحديات المفصلية. فالحزبان يمتلكان كفاءات خبيرة، ونضجا في التوجهات، وقدرة على وضع استراتيجية وطنية عامة تستوعب التحديات النوعية في هذه المرحلة المعقدة بكل المقاييس والمفتوحة على مختلف الاحتمالات.
أما العلاقات مع الولايات المتحدة فهي، رغم الخضات التي تحدث هنا وهناك، ستظل ركناً أساسياً في السياسات الاستراتيجية على مختلف الصعد. هذا مع أهمية ملاحظة أن ذلك لن يمنع السويد من الانفتاح على الدول الأخرى، لا سيما الصين والهند والدول العربية والإسلامية؛ وهو الأمر الذي ربما يؤدي، بالتنسيق مع الجهود الأوروبية والدولية المؤثرة الأخرى وبدعم ضروري منها، للدفع نحو حوار عالمي، يفضي إلى إعادة هيكلة الأنظمة القديمة في المؤسسات الدولية، خاصة الأمم المتحدة، والهيئات التابعة لها، لتصبح الأخيرة قادرة على مجاراة العصر وتحدياته في ظل التطورات والمتغيرات النوعية البنيوية المتلاحقة في سائر المجالات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه السويد السويد أوروبا قرارت ترامب سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الدول الأوروبیة التی کانت على مختلف إلى جانب من جهة
إقرأ أيضاً:
محلل أمريكي: اورسولا فون دير لاين حامية التحالف عبر الأطلسي
واشنطن"د. ب. أ": تعد أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، أبرز حماة التحالف عبر الأطلسي هذا العام. فقد جعلت، أكثر من أي قائد آخر، كل تركيزها منصبا على التهديد المتواصل عبر الأجيال الذي تشكله الصين وروسيا على المصالح المشتركة لكل من أمريكا وأوروبا، حسبما يرى المحلل الأمريكي كوش أرها.
وقال آرها، رئيس منتدى المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح، والزميل البارز في معهد بيبرداين للدبلوماسية والأمن والابتكار ومعهد كراتش للدبلوماسية التكنولوجية في جامعة بيرديو،إن فون دير لاين تصرفت بعزيمة قوية وبقدرة كبيرة على التحمل والصبر، ووضوح استراتيجي. لقد خدمت قضية الحرية على نحو أكثر فعالية من معاصريها، وهي تستحق " تقديرنا"العميق.
وأظهرت هذه الطبيبة صاحبة الرأي السديد والحصافة والأم لسبعة أطفال حالة مزاجية متزنة وعزيمة فولاذية في البقاء في مسارها في مواجهة الاضطرابات العالمية وإعادة تنظيم الأوضاع بشكل صحيح.
وأضاف، في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، أن أمريكا تعيد تقييم دورها في العالم. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشن حربا في أوروبا لإعادة تأسيس الإمبراطورية الروسية.
ويعمل الرئيس الصيني شي جين بينج على استبدال العالم القائم على القواعد ليحل محله عالم يناسب الحزب الشيوعي الصيني، بينما يهدد بتقويض الصناعة الأوروبية. وتمزق الحرب والخلافات الشرق الأوسط. وأفريقيا في مهب الريح. ولا تزال أمريكا الجنوبية تقف على الهامش في موقف المتفرج. ويتلخص الهدف التكتيكي الأسمى لبوتين وشي في تقسيم أوروبا وأمريكا لتحقيق أهدافهما الاستراتيجية.
وأورسولا شخصية واقعية عندما تكون الواقعية نادرة، وهي امرأة صاحبة رأي وقناعات في عصر يعتبر كثيرون ذلك عيبا ونقيصة. وتدرك بوضوح أن الأمن الأوروبي لا يمكن فصله عن التضامن عبر الأطلسي. وتبعا لذلك، جعلت الحفاظ على العلاقة عبر الأطلسي هدفها الأسمى لما يعود بالنفع على أوروبا والولايات المتحدة. وحققت فون ديرلاين خلال الأشهر الستة الماضية، إنجازات مذهلة، حيث أبرمت اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة، تبدو في ظاهرها في صالح الولايات المتحدة، لكنها مهمة للغاية للتضامن عبر الأطلسي، كما أقامت علاقة عمل قوية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وحشدت بلا هوادة أوروبا للتصدى لعدوان بوتين، وهي الزعيمة الكبيرة الوحيدة عبر الأطلسي التي قامت بجولة في دول الجبهة الأمامية الأوروبية من فنلندا إلى بلغاريا. وقد تمسكت بموقف حازم تجاه الحزب الشيوعي الصيني بشأن الإكراه الاقتصادي والسياسي وانتهاكات حقوق الإنسان.
وحققت فون دير لاين كل ذلك وهي تحاول قيادة 27 دولة مستقلة لا تملك أي سلطة مباشرة عليها. وعلى الطرف الآخر، يحاول الاشتراكيون المتشددون والساخطون باستمرار وضع العراقيل أمامها عن طريق طرح اقتراحات بحجب الثقة في البرلمان الأوروبي. وعلى غرار الملكة البريطانية الراحلة العظيمة اليزابيت، تعرف فون دير لاين مهمتها وتنجزها بافضل وسيلة في استطاعتها. وتحتاج الولايات المتحدة إلى أوروبا لتتفوق على الصين في حرب باردة اقتصادية. ويعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة. ولدى واشنطن وبروكسل فقط الثقل الاقتصادي لانتقاد بكين على نحو مباشر. ولاتملك أي دولة أوروبية منفردة نفس هذه القدرة على الانتقاد المباشر.
وتابع أرها أن من مصلحة أمريكا أن تجد قضية تكون بمثابة أرضية مشتركة مع أوروبا لمواجهة الصين معا، بدلا من تبديد "طاقتنا الجماعية ومواردنا "على النيران الصديقة. وتفهم الرئيسة فون دير لاين أنه يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العمل سويا. و كانت مستعدة للسفر إلى اسكتلندا وتوقيع اتفاقية تجارية مع الرئيس ترامب، رغم الانتقادات في جميع أنحاء القارة. وتبدي فون دير لاين استعدادا ورغبة في العمل مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات المزدوجة من جانب الصين وروسيا، وأن تتحمل أوروبا حصتها العادلة في هذا الصدد. ويتعين على الولايات المتحدة أن تعترف وتقدر هذه اليد المفتوحة للشراكة وأن تدعوها لإلقاء كلمة أمام جلسة مشتركة للكونجرس، وأن تقر بمساهماتها في العلاقات عبر الأطلسي من خلال منحها وسام الحرية الرئاسي، الذي حصل عليه الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (ناتو)ينس ستولتنبرج في عام.2024 وتعد أفضل جائزة لأورسولا فون دير لاين وأوروبا والشعب الأمريكي هي تقوية الروابط الدائمة للشراكة عبر الأطلسي.
وسوف تكون زيارة الرئيسة فون دير لاين خطوة جوهرية في ذلك الاتجاه.
وسوف تكون إحدى الوسائل لترسيخ هذه الشراكة هى إنشاء مجلس استراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي برئاسة رئيس الولايات المتحدة ورئيسة المفوضية الأوروبية لتعزيز المصالح المتبادلة على ثلاث جبهات داعمة.
1- زيادة حجم التجارة والاستثمار عبر الأطلسي من حوالي 1.68تريليون دولار أمريكي إلى 3 تريليونات دولار أمريكي سنويا خلال خمس سنوات، والتعاون عند الضرورة لتأمين الصناعات عبر الأطلسي وتعزيزها عالميا.
2- توفير بيئة عمل على قدم المساواة للشركات الأمريكية والأوروبية للتنافس والتعاون في مجالات التصنيع الدفاعي والتقنيات المتقدمة.
3-ضمان أن تظل القواعد والمعايير عبر الأطلسي في مجال التمويل والتكنولوجيا هى المعيار العالمي، رغم الجهود الصينية لتقويضها واستبدالها. وأشار أرها إلى أن الرئيسة فون دير لاين عرضت في خطابها الأخير عن حالة أوروبا، على زملائها تقييما مباشرا قائلة: "أوروبا في حالة قتال... قتال من أجل مستقبلنا".
وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة. وأضاف ارها أن الولايات المتحدة تخوض، على غرار أوروبا، صراعا داخليا لاستعادة هويتها الوطنية، وتمر بمرحلة إعادة نظر بشأن أفضل السبل لحماية مصالحها وقيمها عالميا. وقالت "يعلمنا التاريخ أن أمريكا وأوروبا أقوى في العمل معا لتعزيز المصالح والقيم الجوهرية المشتركة". وتعد أورسولا فون دير لاين واحدة من أهم القادة الأوروبيين الذين يمكن لأمريكا أن تعمل في شراكة معها لتعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا في التصدى للخصوم المشتركين الذين يسعون إلى "تقسيمنا وإلحاق الضرر بنا".
وتعد فون دير لاين،المرأة الحديدية الأوروبية، أقل غطرسة من رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت تاتشر، لكنها ليست أقل هدوءا. وتستحق فون دير لاين الإعجاب الأمريكي، لكنها أقل شهرة من قادة أوروبيين آخرين.
واختتم أرها تقريره بالقول "إنه يتعين على رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون (جمهوري من ولاية لويزيانا) و زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السيناتور جون ثون (جمهوري من ولاية داكوتا الجنوبية) دعوة المرأة الحديدية الأوروبية لمخاطبة الشعب الأمريكي من دار شعبنا."