السودان الجديد يتخلق و لكن؛ برؤية من؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
يخطيء من يعتقد أن السودان بعد الحرب هو نفس السودان قبلها، و الحرب سوف تدفع بالعديد من الأجيال الجديدة إلي الواجهات السياسية، إذا كان ذلك بسبب إعادة تأهيل و إصلاح البناءات السياسية القديمة، أو تأسيس أحزاب جديدة تتماشى مع المرحلة الجديدة، فالصراع السياسي الذي قاد إلي الحرب، و جعل الدولة نفسها في حالة تحدي للبقاء موحدة و مستقلة، أو يؤدي إلي تقسيمها و إحتلالها من قبل الدول الطامعة في ثروتها، هذه الحرب و ما فرضته من تحديات أيضا قسمت المواطنين خاصة الشباب إلي ثلاث فئات.
القضية الأخرى أحتكار مصطلح المدنيين في قضية الصراع على السلطة، هناك البعض يعتقد أن الصراع الدائر في البلاد؛ يتمحور في قضية واحدة هي صراع بين المدنيين و العسكريين، و هؤلاء يعتقدون أن التحالف الذي ينتسبون إليه هو وحده الذي يشكل البناء المدني، و هذا فهم قاصر؛ و دلالة على ذلك أن الانقلابات العسكرية التي حدثت تاريخيا، و غوضت النظم الديمقراطية كلها كانت وراءها أحزاب سياسية، في نوفمبر 1958م كان وراءها حزب الأمة، و انقلاب مايو 1969م كان وراءه الحزب الشيوعي و مجموعة من القوميين، و انقلاب يونيو 1989م كان وراءه الجبهة الإسلامية القومية و انقلاب 28 رمضان 1990م الفاشل كان وراءه حزب البعث العربي الاشتراكي، تصبح قضية المدنية بأنها وحدها الحريصة على عملية التحول الديمقراطي مسألة فيها نظر، و تحتاج إلي إعادة قراءة جديدة وفقا لمعطيات تاريخ الحركة السياسية السودانية و دورها في التخطيط على النظم الديمقراطية.. إذا أضفنا لذلك أيضا دور المؤسسة العسكرية الداعم لنضال الحركة المدنية في التغيير السياسي في أكتوبر 1964م، و في إبريل 1985م، و في 11 إبريل 2019م، تصبح المراجعة الفكرية السياسية للعلاقة بين المدنيين و العسكريين في السودان ضروة لعملية التحول الديمقراطي.. و ليس مراجعة بهدف تغيير الشعارات مع الإبقاء على ذات الأهداف.. أنما مراجعة لكي تتلاءم أطروحاتهم مع الطريق الذي يقود للأهداف..
أن عملية التحول الديمقراطية هي صراع سياسي يتحكم فيه الوعي السياسي و الاجتماعي، و قيادة تقدم أفكار، باعتبار أن الأفكار هي الأدوات الجوهرية لعمية التغيير، و ليس قيادات لا تملك غير الشعارات، و التحول الديمقراطي يأتي عبر الحوار الجامع للوصول لتوافق وطني، فالذين يقدمون في أجندتهم المصالح الشخصية و يحاولون تغليفها بشعارات زائفة هؤلاء لن يستطيعوا أن يقودوا عملية تحول ديمقراطي في المجتمع... و إذا كان هناك قناعة عند البعض أن الديمقراطية تؤسسها القوى المدنية التي يريدون تفصيلها حسب مقتضى مصالحهم.. هؤلاء يشكلون أكبر عقبة في عملية التحول الديمقراطية، رغم أنهم يرفعون شعاراتها لكنهم ينشرون وعيا زائفا في المجتمع.. مثل الذين ينتظرون أن تنتهي الحرب لكي يبدأون مسيرة الثورية، ناسين أن الشعب بكل فئاته قد انهكته الحرب نفسيا و صحيا و اقتصاديا، و لا يمكن أن ينتهي من حرب ليدخل في أعمال ثورية.. بالفعل أن الذين يقرأون من كتب اليسار الصفراء التي تجاوزتها البشرية في مسيرة المتغيرات السياسية التاريخية للشعوب لا يستطيعون القراءة الجيدة للواقع المتغير و معرفة الميكانزمات المؤثرة فيه..
أن الشباب الذين قادوا ثورة سلمية قد لفتت انتباه كل شعوب العالم إليها، و جعلتهم يتعاطفون معها، هم أنفسهم الذين يحملون السلاح الآن لكي يدافعوا عن الوطن، و من أجل وحدته و استقلاله من كيد المتأمرين عليه، من أبناء جلدتهم و دول أقليمية و دولية قد جاءوا بعشرات الآلاف من المرتزقة لتدمير السودان ثم السيطرة عليه.. فالمدنية في التوصيف السياسي في السودان تختلف عن الطبقة الوسطى التي قادت عملية الديمقراطية في أوروبا في عهد سيطرة الكنيسة على كل شيء، لآن التحولات الاجتماعية في أوروبا و ظهور المجتمع الصناعي و الطبقة الوسطى هؤلاء هم الذين أسسوا بعد ذلك المؤسسات المدنية حسب الحوجة إليها لخدمة التحول الديمقراطي.. في السودان لابد من التوافق الوطني بكل مؤسساته ذات القوى التي يمكن لها حماية الديمقراطية، و لكن لا تستطيع أن تبني ديمقراطية في مجتمع ميزان القوة فيه مختلا... الآن ميزان القوى يتحكم فيه الجيش و القوى المدنية المستنفرة..
أن الشباب الذين يحملون السلاح إذا كانوا مستنفرين أو مقاومة شعبية، و هؤلاء هم الذين دخلوا مناطقهم الآن محاربين، و طردوا منها عناصر الميليشيا التي أذاقت أهلهم ويلات التشريد و الاغتصاب و النزوح و السلب و القتل، دخلوها و هم يحملون أرواحهم على أكفهم، و انتصروا مع الجيش و بسطوا الأمن و الطمأنينة في مناطقهم، و يقدمون الخدمات للناس، نقول هؤلاء ليس من المدنيين لآن الظروف اقتضت أن يحملوا السلاح دفاعا عن الوطن.. و الذين توظفهم الدول المتأمرة و ساعين إلي التدخل الدولي و حظر الطيران و يعتقدون هم وحدهم المدنيين، عليهم أن يفيقوا من غفوتهم.. و الذي يسعى إلي السلطة يجب عليه أن يعرف أن طريقها صراعا و تحديات مستمرة، و يفرض شروط اللعبة فيها الذي يرجح ميزان القوى في المجتمع لصالح مشروعه، و ليس حاملي الشعارات.. نسأل الله حسن البصيرة..
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
هل يتكرر السيناريو الليبي الكارثي في السودان؟
بينما يمضي السودان في حربه الطاحنة، تظهر تطورات تنذر بتجاوز حالة الاحتراب التقليدي إلى ما هو أخطر: تقسيم فعلي للدولة وظيفيا (functional partition).
إعلان مجموعة (تأسيس) عن تشكيل حكومة موازية، والتصعيد العسكري الكثيف في مدينة نيالا وحول الفاشر، بالتزامن مع لقاء كان مرتقبا جرى إلغاؤه للرباعية الدولية في واشنطن، يضعان المشهد السوداني في تقاطع طرق حاسم: فإما المضي في مسار السلام وفق خارطة الرباعية الحالمة، أو الانزلاق نحو نسخة سودانية من التجربة الليبية، بكل ما تحمله من فوضى وصراع مزمن وشرعية منقسمة، أو هكذا يُراد.
ما يجري ليس مجرد تمرد وحرب مفروضة بين مكونات عسكرية وسياسية، بل هو صراع جذري على شكل الدولة السودانية، وحدودها السياسية والاجتماعية، ومن يحكمها، ومن يملك قرارها السيادي.
والمؤشرات المتزايدة على نية المليشيا وما أعلنته من خارطة جديدة للسودان تشي بترسيخ سلطتها في إقليم دارفور ومحيطه، عبر أدوات مدنية ظاهرها "تحالف مدني"، وباطنها "سلطة أمر واقع"، تُنذر بمرحلة جديدة أكثر تعقيدا وخطورة، قد تُدخل السودان في نفق النموذج الليبي طويل الأمد.
الحكومة الموازية: شرعنة التمرد وتقنين الانقسامفي خضم الانهيار المؤسسي الشامل، خرجت قوات المليشيا بالإعلان عما أسمته "تحالفا مدنيا انتقاليا"، في محاولة مكشوفة لخلق غطاء سياسي لسيطرتها على غرب السودان كخطوة أولى للضغط.
هذا التحالف، الذي رُوّج له إعلاميا كبديل مدني علماني، لا يخفي حقيقة كونه واجهة سياسية لسلطة مليشياوية تفرض حكمها على الأرض بقوة السلاح والدعم الخارجي العابر للحدود، خصوصا من الراعي الإقليمي.
إنها ليست خطوة معزولة، بل تتسق مع إستراتيجية طويلة المدى تهدف إلى خلق "إقليم مستقل فعليا"، يستخدم لاحقا كورقة تفاوض أو نقطة انطلاق لمشروع سياسي أكبر.
ومن هنا، فإن إعلان الحكومة الموازية يجب أن يُقرأ باعتباره أول تجلٍ علني لخيار التقسيم السياسي بأبعاده المعلومة، في سياق متطورات الحرب وفشل مشروع التمرد.
التصعيد في نيالا: السيطرة قبل الاعتراففي موازاة هذا التحرك السياسي، تخوض قوات التمرد معارك ضارية في مدينة نيالا، عاصمة جنوب دارفور، في مسعى لتأمين سيطرتها الكاملة على الإقليم الغربي.
إعلانفنيالا ليست مدينة عادية، بل تُعد مركز الثقل الإداري والعسكري في دارفور، وأي سيطرة عليها تُعد بمثابة إعلان غير مباشر لقيام "سلطة إقليمية بديلة".
التصعيد هنا يتجاوز الأهداف العسكرية إلى أهداف سياسية عميقة: فرض واقع جديد بالقوة قبل أن تبدأ أية تسوية دولية، وجعل المليشيا في موقع تفاوضي أقوى، إن لم يكن موازيا للحكومة المعترف بها دوليا في البلاد، والتي تتخذ بورتسودان عاصمة مؤقتة وتجري ترتيبات العودة إلى الخرطوم.
واشنطن والرباعية: هل تُدرك اللحظة؟في ظل هذه التطورات الميدانية الخطيرة، ظلت الأنظار تتجه إلى لقاء الرباعية الدولية في واشنطن نهاية يوليو/ تموز المنصرم، لكنه أُرجئ. تأتي هذه الخطوة بعد فشل مساري جدة، وأديس أبابا، ومجمل المحاولات السابقة في جنيف، والقاهرة، ولندن في تحقيق اختراق حقيقي.
لكن السؤال الملحّ: هل يمكن لأي لقاء كهذا أن يتجاوز مرحلة "إدارة الأزمة" إلى "حل الأزمة"؟ أم إنه مجرد محطة جديدة في مسلسل التكتيكات والبيانات والتوصيات التي لا تغير شيئا في الواقع؟
المقلق أن الرباعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم تُبدِ حتى الآن إرادة قوية للجم دعم الراعي الإقليمي الواضح لقوات التمرد، ولا لممارسة ضغط فعلي لوقف الحرب وتفكيك المنصات السياسية الموازية.
ويبدو أن الفاعلين الدوليين يكتفون بردود فعل متأخرة على أحداث سبقتهم بأشواط، مما يعزز الانطباع بأن السودان يُترك لمصيره وقدره بازدواجية معايير متعمدة في صفقات السلام التي تجري في المنطقة، وخلط الأوراق والمطامع.
بين الخرطوم وطرابلس: هل نحن أمام نسخة سودانية من ليبيا؟في ضوء ما سبق، تفرض المقارنة مع ليبيا نفسها بقوة. فقد شهدت ليبيا بعد سقوط القذافي انقساما حادا بين سلطتين، واحدة في الغرب والثانية في الشرق، تدعمهما قوى خارجية متباينة.
واليوم، يُراد من وراء الإعلان أن يسير السودان على خطى مشابهة، مع بعض أوجه الشبه والاختلاف.
من حيث الشبه:
كلا البلدين يشهدان سلطتين متنافستين: واحدة تحظى بشرعية دولية كاملة، وأخرى تسعى لفرض سلطتها بالأمر الواقع. كلاهما يعاني من تدخلات خارجية متناقضة، تدعم أطرافا متنازعة وتزيد من تعقيد المشهد. انهيار مؤسسات الدولة، وتفشي اقتصاد الحرب، وتحول الصراع إلى حالة مزمنة، كلها قواسم مشتركة بين النموذجين.لكن السودان يتميز بعوامل تزيد من تعقيد وضعه، وتجعل من خطر الانزلاق أشد وطأة بحكم الاستهداف المستمر:
البنية القبلية والاجتماعية في السودان أكثر تداخلا وتشابكا، ما يجعل أي محاولة للتقسيم محفوفة بصراعات دموية طويلة الأمد. الجيش السوداني لا يزال يتمتع بامتداد شعبي وتاريخي وسند أوسع من نظيره الليبي بعد الثورة، وهو ما يُبقي على إمكانية وحدة الدولة، إن أُحسن توجيه هذا الثقل وقدرته على استكمال النصر ودحر التمرد. الجوار الجغرافي للسودان أكثر هشاشة، بحدود مفتوحة مع سبع دول، مما يُعقّد المشهد الأمني ويُغري قوى إقليمية بالتدخل أو الاستفادة من حالة الهشاشة والفراغ.هذه الخصائص تجعل من التجربة السودانية مرشحة لأن تكون نسخة أكثر فوضوية وتعقيدا من الحالة الليبية، إذا لم يتم تدخل الدولة بحزم لإيقاف هذا المسار، الذي يرمي إلى إعادة سردية (الطرفانية) والشرعية للمشهد لأجل فتح آلية إعادة (تأسيس) إلى كراسي الحكم.
إعلانوالضغوط الدولية التي تتكثف، سواء ما اتصل بلجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، أو اجتماعات واشنطن الملغاة، أو الجنائية، كلها حلقات لأجل غاية واحدة، أريد لها أن تتزامن مع إعلان المليشيا (لحكومتها الافتراضية).
الفرصة تضيق.. والكارثة تقتربالسودان اليوم يمر بمرحلة هي الأخطر في تاريخه الحديث، ليس فقط بسبب شدة الحرب، بل لأن ملامح الدولة ذاتها باتت على المحك.
المقصد من ورائها أن تتحرك القوى الإقليمية والدولية سريعا نحو تسوية سلمية شاملة يراد فرضها لتُنهي الحرب وتعيد بناء الدولة على أسس مدنية وديمقراطية جامعة في صيغة اتفاق (إطاري جديد)، أو أن يستمر الضغط الخارجي ويُترك السودان لينزلق إلى هاوية الانقسام والتشظي، كما حدث في ليبيا، وربما بشكل أكثر دموية وتعقيدا لتباين الأوضاع بين البلدين.
إن تشكيل حكومتين، أو هكذا رمت الخطوة، وتحول العاصمة إلى مدينة منكوبة، وغياب أي أفق واضح للسلام رغم اكتمال الجهاز المدني الجديد من بورتسودان، كلها مؤشرات على أن الوقت لم يعد في صالح الحلول التدريجية أو المناورات السياسية، وقوى نافذة في المنطقة تقف وراء المخطط في سياق الخطط البديلة بعد أن فشل التمرد في تحقيق أهداف الحرب.
فكل يوم يمر دون بلوغ التسوية الوطنية بإرادة داخلية تنشدها القوى المسندة للجيش، يُقرب السودان خطوة أخرى من نموذج دولة فاشلة متعددة الرؤوس التي يسعى خصومه لتجسيدها، ويراد لها أن تكون بلا مركز ولا مستقبل، أو استمرار حالة الهشاشة والانقسام واستدامة الحرب. فهل من معتبر؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline