الأحلام الإمبراطورية: كيف تُشجّع أميركا القوى العظمى على مزيد من الاندفاع؟
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
منذ أن قَدِم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض والعالم في حالة من القلق، ففي أيامه الأولى أعلن رغبته بضمّ كندا، وجزيرة غرينلاند، وقناة بنما إلى الولايات المتحدة الأميركيّة.
انسحب من منظمة الصحة العالميّة، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واتفاقية باريس للمناخ، وقلّص دعمه لحلف شمال الأطلسي، وبرامج المساعدات الخارجية، وتمويل العديد من المنظمات الدولية.
أعلن حربًا تجارية عالمية على كل الدول الصديقة والمنافسة، ثم تراجع عن فرض الرسوم الجمركية العالية، باستثناء الصين بعد أن تسبّب في خسارات اقتصادية فلكية للشركات الأميركية والدولية.
سعى لوقف الحرب على غزة، وبعد أن نجح بعقد اتفاق وقف إطلاق النار، انقلبَ على الاتفاق، وأعلن عن رؤيته بتهجير الشعب الفلسطيني، وامتلاك القطاع بقوّة السلطة الأميركية، ليجعل منه ريفيرا الشرق الأوسط، مع إعطاء نتنياهو ضوءًا أخضرَ لقتل وتجويع الفلسطينيين.
تعهّد بوقف الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة، فاشتبك وتلاسن مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في البيت الأبيض، وتواصل مع موسكو لوقف الحرب بدون مشاركة كييف في البداية.
وفي يوم الجمعة 18 نيسان/ أبريل، وبطريقة مفاجئة أعلن وزير خارجيته ماركو روبيو من باريس أن الرئيس ترامب سيتخلّى عن محاولة التوسّط لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا خلال أيام، إلا إذا ظهرت إشارات واضحة على إمكانية تحقيق ذلك، وفي نفس اليوم علّق الرئيس ترامب: "إذا صعّب أحد الطرفين إنهاء الحرب في أوكرانيا، فسنقول لهم أنتم أغبياء وسيّئون".
إعلان مستقبل غامضهذا السلوك لزعيم أكبر دولة في العالم، يأخذنا إلى غموض بشأن المستقبل، ومصير المنظومة الدوليّة، وشكل العالم الذي يمكن أن ينشأ إذا استمرّ هذا السلوك لأكبر دولة في العالم.
غياب أو تغييب معايير العلاقات الدولية المبنية على القانون الدولي، والمعايير الأخلاقية وحقوق الإنسان، ومن ثمّ التنكّر لدور الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصّصة، وتقزيم العدالة الدولية، ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، يكشف كل ذلك سقف الكرة الأرضية ورؤوس البشرية، ويجعل من القوّة، بغض النظر عن عدالتها أو أخلاقيتها، معيارَ العلاقات الدولية، ما يدخل البشرية في حالة من الفوضى.
إذا بقيت القوّة المجرّدة هي المقدّس، ربّما يؤدّي ذلك إلى انهيار فكرة السيادة والدولة القومية، واندثار الدول الصغيرة أو ضعيفة البنية السياسية والمادية، لصالح توسّع الدول الكبيرة في الجغرافيا السياسية؛ بحثًا عن تأمين مصالحها الحيوية في السيطرة على المعادن، والمياه، والأراضي الزراعيّة، والممرّات المائية، وهذا ما يُفسّر سلوك الرئيس ترامب وإعلانه عن رغبته بضمّ كندا، وجزيرة غرينلاند، وقناة بنما.
حتى عندما أعلن ترامب عن نيّته تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وتملّكه، فهو يُدرك أن لغزّة ميزات اقتصادية استثنائية؛ فشواطئ غزة غنية بالغاز، كما أن غزة هي جزء أساس من المخطط الإسرائيلي لإنشاء قناة "بن غوريون" المنافسة لقناة السويس، وهي قناة مائية بطول 250-300 كيلومتر، تمتد من أم الرشراش (إيلات) على البحر الأحمر، إلى غزة على البحر الأبيض المتوسّط.
فتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، واحتلاله يعدّان نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه العالم في المستقبل، فالخطط الأميركية الإسرائيلية في غزة، تتناقض شكلًا ومضمونًا مع حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في هذه الأرض، ومع حقّه في تقرير مصيره، وتتناقض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان، ومع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الضفة وغزة والقدس الصادر عام 2024، والتي تعتبرها مناطق محتلة ويجب على إسرائيل الخروج منها.
إعلانإذن السلوك الأميركي في العالم، والسلوك الإسرائيلي في المنطقة، ونموذج قطاع غزة، ليست حالة منعزلة عن تغيّرات قد يشهدها العالم وتشهدها الجغرافيا السياسية، فعندما سُئل الرئيس ترامب بأي حق ستمتلك قطاع غزة، قال سأمتلكه بالسلطة الأميركية، أي عبر قوّة الولايات المتحدة.
وهذا قد ينسحب لاحقًا على توسّع إسرائيل في سوريا، ولبنان، والأردن، وسيناء، وغيرها، بذريعة حماية إسرائيل وتوسيعها جغرافيًا بالقوّة أيضًا وبدعم من الرئيس ترامب الذي قال إن إسرائيل دولة صغيرة على الخارطة، في إشارة إلى تعاطفه معها وتطلعه لتوسيعها على حساب الدول العربية المجاورة.
وفي كلمة لنتنياهو، في 19 أبريل/ نيسان الجاري، موجّهة للرأي العام الإسرائيلي، أكّد على بقائه في لبنان، وسوريا بذريعة حماية سكّان إسرائيل، في ترجمة فورية لإمكانية التغيّر المنظور في جغرافيا المنطقة، وهو تغيّر قابل للتطوّر والاستدامة بالقوّة.
وهذا ما يفسّر سلوك إسرائيل القائم على ضرب كافة المكوّنات العسكرية التي يمكن أن تشكّل نواة الجيش السوري الجديد، لتبقى سوريا ضعيفة عسكريًا لصالح تمدّد إسرائيل وسيطرتها واقعيًا.
روسيا والصين والشرق الأوسطالسلوك الأميركي يُشجّع أيضًا الدول الكبرى مثل الصين، وروسيا على الاندفاع لتحقيق أحلامهما الإمبراطورية أو التوسّعية، فروسيا كما هو معلوم يمكن أن تتكئ على التاريخ لضم المزيد من الأراضي لها، فقد ضمّت شبه جزيرة القرم عام 2014، وتتطلع لضم الأقاليم الشرقية في أوكرانيا. فهل يتطور المشهد بتطلع روسيا مستقبلًا لضم العاصمة كييف التي كانت تاريخيًا عاصمة لروسيا بدلًا من موسكو الحالية؟
هذا يجعل الأوروبيين يتحسّسون رؤوسهم خشية التمدّد والسيطرة الروسية عبر شرق أوروبا.
في ذات السياق، يمكن للصين أيضًا أن تأخذ خطوة عملية- وفي لحظة فارقة- بضمّ تايوان، التي قامت كدولة في أعقاب الحرب الأهلية الصينية عام 1949.
إعلانسلوك إدارة الرئيس ترامب، يشجّع بدوره اليمين الصهيوني اللاهوتي المتطرّف في إسرائيل، لتحقيق نبوءاته التوراتيّة في فلسطين من خلال ضمّ الضفة واحتلال غزّة، وتهويد القدس، وهدم المسجد الأقصى لبناء هيكلهم المزعوم، في غفلة من الرأي العام العربي والإسلامي، وضعف الرسمية العربية.
في ذات السياق، فإن التمدُّد الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، ربما يشعل مواجهة مع سوريا في قادم الأيام، ويخلق اضطرابًا متزايدًا في العلاقة مع تركيا، التي تنظر إلى سوريا كحليف وعمق إستراتيجي لحدودها الجنوبية، ولذلك تركيا تريد استقرارًا لسوريا ووحدةً لأراضيها كجزء من أمنها القومي ومحيطها الحيوي، بعكس إسرائيل التي تجد في ضعف سوريا وتقسيمها مصلحةً حيوية لها، ومدخلًا لتوسيع حدودها خارج فلسطين.
الصعود التركي، والجنوح الإسرائيلي، يقابلهما تراجع مطرد في نفوذ إيران بفقدانها سوريا وقوّة حزب الله في لبنان، في وقت يغيب فيه دور الدول العربية بفقدانِها المشروع السياسي والريادة الإقليمية، وبقائِها تسعى بين حماية الذات، وإرضاء واشنطن التي لا تزهد في امتصاص خيرات المنطقة والهيمنة عليها بالشراكة مع إسرائيل المحتلة.
فوضى التوازنالتنافس بين الدول الكبرى على الجغرافيا السياسية الغنية، يُطلق سباقًا ورغبة جامحة للسيطرة على الموارد الطبيعية بالقوّة العسكرية، وبالتالي يقوّض شرعية القانون الدولي، ويضعف المنظومة الدولية القائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة الدول.
التعارض في المصالح، والاحتكام للقوّة، يُنذران بمزيد الاضطراب والصدام بين الدول على حساب دول أخرى، ويُدخلان العالم في حالة من السيولة والرخاوة التي تعيد رسم الجغرافيا السياسية ومناطق النفوذ، قبل الوصول إلى حالة من الاستقرار المبني على توازن القوى.
الوصول إلى حالةِ التّوازن بين القوى، يحتاج لفترة انتقالية ربّما تشهد صدامات عسكريّة واقتصاديّة، وبروز محاور جديدة تدور حول الصّين وروسيا في مواجهة الولايات المتّحدة الأميركيّة، مع سعي الاتحاد الأوروبي لإبراز هُويّته القاريّة وقوّته في ظلّ الشكّ بشأن مستقبل الحلف الأطلسي.
إعلانالرئيس ترامب أطلقَ شرارة السباق، ودخل الحلبة بلا قفّازات وبلا دبلوماسية، حتى إن العالم بات يموج بمتغيّرات لا تستثني أحدًا، وهذا يحتاج من بقيّة باقية في الدول العربية لأن تعيد النظر في سياساتها الداخلية والخارجية بما يتلاءم مع ما هو قادم من متغيّرات.
فالعالم العربي المستهدف، غني بالموارد والممرّات التجارية الدولية، ويمتلك طاقات بشرية شابّة وطامحة، ينقصها الحرية والريادة وأنظمة تحمي شعوبها وتدافع عنها، حتى لا يطمرها تسونامي التغيير القادم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجغرافیا السیاسیة الرئیس ترامب قطاع غزة حالة من یمکن أن
إقرأ أيضاً:
الصين تؤكد التوصل لاتفاق تجاري مع أميركا
أكدت الصين اليوم الخميس ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه تم التوصل لاتفاق تجاري بين البلدين، وقالت إن على الجانبين الالتزام به، وإن بكين تحترم دائما تعهداتها.
ويوفر الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بعد اتصال هاتفي بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ الأسبوع الماضي، هدنة هشة للغاية في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية لين جيان في مؤتمر صحفي دوري "لطالما أوفت الصين بالتزامها وحققت نتائج.. الآن وقد تم التوصل إلى توافق في الآراء، يجب على الجانبين الالتزام به".
من جهتها، حثت وزارة التجارة الصينية واشنطن على الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، والعمل المشترك على تعزيز التنمية.
وأنهى الاتصال الهاتفي بين الرئيسين أزمة اندلعت بعد أسابيع فقط من التوصل إلى اتفاق مبدئي في جنيف. وسرعان ما أعقب الاتصال المزيد من المحادثات في لندن، والتي قالت واشنطن إنها أكملت اتفاق جنيف لتخفيف الرسوم الجمركية المتبادلة.
وكان اتفاق جنيف قد تعثر بسبب استمرار الصين في فرض قيود على صادرات المعادن، مما دفع إدارة ترامب إلى الرد بفرض قيود على الصادرات.
تصريحات ترامبقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء أمس إن الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين "قد أُبرم"، وهو يزيل القيود التي تفرضها الصين على صادراتها من المعادن الأرضية النادرة وغيرها من المكونات الصناعية المهمة، ويسمح أيضا للطلاب الصينيين بالالتحاق بالجامعات الأميركية.
إعلانوتحدث ترامب على منصته "تروث سوشيال" عن التفاصيل الأولى التي خرجت من محادثات ماراثونية عقدت على مدى يومين في لندن ووصفها وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك بأنها "أكملت بنود" اتفاق تسنى التوصل إليه الشهر الماضي في جنيف لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة والتي وصلت إلى مستويات ساحقة من ثلاثة أرقام.
وقال ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي "أُبرم اتفاقنا مع الصين، وهو رهن الموافقة النهائية من الرئيس (الصيني) شي (جين بينغ) ومني".
وتابع "ستُورد الصين مقدما المواد المغناطيسية الكاملة وأي معادن أرضية نادرة ضرورية، وبالمثل سنزود الصين بالمتفق عليه بما في ذلك الطلاب الصينيون الذين يدرسون في جامعاتنا (وهو أمر لطالما كان مرضيا لي!)".
وأضاف "سنحصل على رسوم جمركية إجمالية بنسبة 55%، وستحصل الصين على 10%".
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن نسبة 55% تمثل مجموع الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضها ترامب بنسبة 10% على السلع المستوردة من كل شركاء الولايات المتحدة التجاريين تقريبا، وبنسبة 20% عقابية على كل الواردات من الصين والمكسيك وكندا بعدما اتهم الدول الثلاث بتسهيل تدفق مخدر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، وأخيرا بنسبة 25% وهي رسوم جمركية سابقة فرضها ترامب خلال ولايته الأولى على الواردات من الصين.