المقدمة
في خضم الحرب الأهلية التي تمزق السودان، تبرز تنسيقيات مدنية جامعة للقوى المدنية السودانية الساعية لوقف الحرب وإعادة بناء الدولة. لكن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو كيفية توحيد الجهود مع الكفاءات المهنية المستقلة خارج نطاقها، خاصة تلك غير المنتمية لأحزاب سياسية، ولكنها تمتلك خبرات علمية وعملية كبيرة يمكن أن تساهم في إنقاذ البلاد.



فكيف يمكن لها أن تنسق مع هذه القوى وتوظف إمكانياتها لتحقيق السلام والاستقرار؟

1. إشراك الخبراء في صنع القرار: من التهميش إلى التمكين
تزخر السودان بالعديد من الكفاءات الأكاديمية والإدارية والفنية التي ظلت لعقود خارج دوائر صنع القرار بسبب هيمنة العسكر والأحزاب التقليدية. اليوم، يمكن للتنسيقية المدنية أن تعوض هذا الإقصاء عبر:
- تشكيل مجالس استشارية تضم خبراء في الاقتصاد، الصحة، الإدارة، والعدالة الانتقالية.
- إشراكهم في وضع خطط إنقاذ سريعة لإعادة الخدمات الأساسية في المناطق الخارجة من الحرب.
- الاستعانة بهم في صياغة سياسات طويلة الأمد لإعادة الإعمار.

لكن من المهم التنبيه إلى نقطة أساسية: إشراك الخبراء لا يعني أن الحلول تأتي من طرفهم منفردين، بل الأهم هو توفير مناخ صحي يقبل الاختلاف في وجهات النظر، ويسمح بتفاعل مثمر بين الخبراء والسياسيين، بما يؤدي إلى حلول ذكية ومستدامة لا مجرد وضع "ضمادات على جرح الوطن المعتل".

الذكاء الجمعي القائم على الاختلاف الخلّاق وتعدد الزوايا في النظر إلى القضايا هو ما نفتقده في العمل العام، وهو ما يجب أن تسعى التنسيقيات المدنية إلى تبنيه كأساس لأي شراكة مع الكفاءات المستقلة.

لا يمكن بناء سودان جديد بمنظومة قرار قديمة.. إشراف الخبراء المستقلين ضرورة وليس رفاهية.

2. النقابات المهنية: قوة ضغط ودعم ميداني
تمتلك النقابات المهنية (كالأطباء والمهندسين والمحامين) تاريخاً نضالياً وتنظيمياً يمكن أن يكون عوناً للتنسيقيات المدنية في:
- تنظيم قوافل إغاثية للمناطق المتضررة.
- توثيق انتهاكات الحرب عبر شبكات المهنيين من المحامين والأطباء وغيرهم من المستقلين.
- تقديم الدعم الفني في إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة.

مثال حي:
في بداية الحرب، لعبت نقابة الأطباء دوراً محورياً في إنشاء خدمات ميدانية. فلماذا لا يتم تعميم هذه التجربة عبر تنسيق أوثق مع التنسيقيات المدنية؟

3. الأكاديميون والباحثون: عقول تُهمَّش بينما الأزمة تحتاجها
الجامعات ومراكز الأبحاث السودانية تضم كفاءات قادرة على تحليل الأزمات وطرح الحلول، لكنها غالباً ما تُستبعد من عملية صنع القرار. هنا يأتي دور التنسيقيات المدنية في:
- توظيف الباحثين لرصد آثار الحرب (النزوح، الجوع، انهيار التعليم).
- الاستفادة من الدراسات الأكاديمية في وضع خطط التنمية.
- إشراك الأساتذة في تصميم برامج التوعية المجتمعية.

---

4. منصات تنسيقية جامعة: تجمع الجهود بدلاً من تشتيتها
إحدى مشكلات العمل المدني السوداني هي التشرذم، ولتجاوز ذلك يمكن:
- إنشاء منصة رقمية تجمع كل المبادرات المستقلة تحت مظلة تنسيقية واحدة.
- عقد مؤتمرات دورية تجمع التنسيقيات المدنية مع الكيانات المهنية لتوحيد الرؤى.

---

5. الضغط الدولي: صوت موحد أقوى
الكفاءات المستقلة تتمتع بمصداقية دولية عالية، ويمكن للتنسيقيات المدنية أن تستفيد منها في:
- إصدار تقارير مشتركة تعرض معاناة السودان للعالم.
- تنظيم حملات ضغط على المنظمات الدولية بخطاب مهني غير حزبي.

---

الخاتمة: شراكة وطنية لا استقطاب سياسي
السودان لا ينقصه الكفاءات، بل ينقصه الإطار الذي يتيح لها العمل المشترك في بيئة تُقدّر التنوع وتُرحّب بالاختلاف.

التنسيقيات المدنية أمام فرصة تاريخية لقيادة تحالف مدني حقيقي، لا يقوم على استقطاب سياسي ضيق، بل على الذكاء الجمعي وروح الشراكة الوطنية. المطلوب هو فضاء مشترك يتفاعل فيه السياسي مع الخبير، والأكاديمي مع الميداني، على قاعدة واحدة.

الخروج من الأزمة لن يكون بقرارات فردية، بل بشراكة وطنية تضع مصلحة السودان فوق كل اعتبار.

كلمة أخيرة:
الوقت ليس في صالح السودان.. كل يوم حرب يُفقد البلاد جزءاً من مستقبله.
التعاون بين التنسيقات المدنية والقوى المهنية المستقلة ليس خياراً، بل هو ضرورة للنجاة.

dr.elmugamar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

جامعة أم البواقي تستفيد من ملحقة للمدرسة العليا للأساتذة

تطبيقًا لقرارات وزير التعليم العالي والبحث العلمي “البروفيسور كمال بداري” بأم البواقي، أشرف صباح اليوم، مدير المدرسة العليا للأساتذة مسعود زغار -سطيف- البروفيسور “علي بوقرورة”، على توقيع اتفاقيات بين المدرسة وخمس مؤسسات جامعية لإنشاء ملحقات ونقاط تكوين تابعة للمدرسة.

ويتعلق الأمر بكلٍّ من جامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس، جامعة عبد الرحمن ميرة ببجاية، جامعة محمد لمين دباغين سطيف 2، جامعة مصطفى بن بو العيد باتنة 2، جامعة العربي بن مهيدي أم البواقي.
هذا، وقد أ كد مدير المدرسة البروفيسور “علي بوقرورة”، في كلمة ألقاها بالمناسبة، بأن هذه الاتفاقيات تهدف لتوسيع شبكات التكوين بالمدارس العليا للاستجابة النوعية لطلب قطاع التربية الوطنية.

مضيفًا بأن المدرسة ستعمل على مرافقة هذه الملحقات في عمليات التكوين التي ستنطلق بداية من الموسم الجامعي المقبل.

مقالات مشابهة

  • الجواهري يشكو مغادرة أطر بنك المغرب إلى الخارج و يدعو إلى وقف “نهب الكفاءات”
  • نحن (السودانيين) لنا قيمة و فائدة لهذا العالم
  • جامعة أم البواقي تستفيد من ملحقة للمدرسة العليا للأساتذة
  • المليشيا لن تنتصر كقوة غازية يتم تجهيزها في ليبيا أو أي دولة أخرى لغزو السودان
  • مساعد وزير الخارجية المصري السابق : الدخول في المثلث الحدودي محاولة لجر مصر للحرب في السودان
  • السودان: حرب بلا معنى (2)
  • وزارة الخارجية بالحكومة الليبية: لم ننخرط في الصراع السوداني بأي شكل من الأشكال
  • سموتريتش: لا يمكن الاستمرار في الحرب إلى الأبد
  • السودان على حافة الانهيار الاقتصادي والفقر يهدد غالبية السكان (تقرير)
  • الجيش السوداني يتهم قوات خليفة حفتر بمهاجمة مواقع حدودية