السودانيون في إثيوبيا يكتوون بنيران البقاء و معيقات الرجوع
تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT
بعد عامين على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يعيش آلاف النازحين السودانيين في إثيوبيا أوضاعًا معقدة، تجمع بين آمال العودة ومخاوف المستقبل.
التغيير ــ وكالات
يُقدّر عدد السودانيين الذين عبروا الحدود إلى إثيوبيا منذ اندلاع الحرب بعشرات الآلاف، توزعوا على إقليمي بني شنقول-غومز وأمهرة، إضافة إلى العاصمة أديس أبابا.
ويواجه النازحون نقصا حادا في الموارد اللازمة للعودة، كتكاليف النقل، والقدرة على إعادة إعمار منازلهم التي تهدَّمت أو نُهبت، كما أن غياب برامج دعم مالي مباشر يجعل من العودة حلما مؤجلاً.
تحديات العودة
ويقول المختص بالشؤون السودانية، الدكتور هاشم علي حامد للجزيرة نت، إن النازحين في دول الجوار السوداني يواجهون العديد من التحديات، أبرزها؛ السكن وتكاليف المعيشة والإقامة، إضافة إلى صعوبة الاندماج بسبب عدم معرفتهم اللغة وثقافات تلك الدول.
ويضيف علي حامد، أن النازحين السودانيين في إثيوبيا، صرفوا كل مدخراتهم من أجل السكن والمعيشة، ورسوم التأشيرة التي تجدد شهريا، ما جعل فكرة العودة إلى المناطق المحررة من السودان صعبة للغاية.
ويشكو نازحون غياب آلية واضحة للعودة، إذ تصطدم محاولاتهم بإجراءات حدودية معقَّدة، أو متطلبات قانونية صارمة تتعلق بالإقامة والمخالفات الإدارية خلال فترة نزوحهم.
وتمنَّى النازح من الخرطوم-الحلة الجديدة، محمد هاشم كمبال، وبعد انتصار القوات المسلحة السودانية، العودة إلى بلاده، وقال للجزيرة نت: إنه ومنذ فراره من الحرب إلى إثيوبيا واجه معاناة كبيرة، وقضى أياما في المساجد والطرقات، لافتا إلى أن تعاضد السودانيين مع بعضهم بعضا ساعده كثيرا في توفير الاحتياجات.
أما النازح من أم درمان، أحمد محمد ياسين، فهو ينتظر تحرير “كل شبر بالسودان” حسب قوله، ليعود ويعيش بأمان. ويقول للجزيرة نت: إنه يتكلف كثيرا بدفعه 100 دولار كل شهر رسومَ تأشيرة وإقامة للسلطات الإثيوبية، إضافة إلى الضروريات الأخرى.
ويضيف إنه وبالرغم من أن المجتمع الإثيوبي “منفتح ويحترم الجميع”، إلا أن تكاليف العيش عالية بالنسبة لهم كنازحي حرب، تركوا خلفهم كل شيء وهاجروا.
دور المنظماتوفي ظل هذه التحديات، يضع النازحون السودانيون آمالهم في جهود المنظمات الإنسانية والهيئات الطوعية التي تسعى إلى تأمين احتياجاتهم الأساسية، أو تسهيل عودتهم بتوفير الدعم اللوجستي والمالي.
كما تتجه الأنظار إلى إمكانية تنسيق مباشر وفعَّال بين الحكومتين الإثيوبية والسودانية، لتطوير خطة عودة طوعية منظمة، تضمن كرامة وأمان العائدين.
وعن إمكانية أي دعم يمكن أن يحظى به النازحون السودانيون من المنظمات الدولية والإقليمية لتسهيل عودة طوعية، قال المختص علي حامد، إن بعضهم بدأ يطرق أبواب المنظمات والسفارات أملا في من يهتم بهم ويعمل لإعادتهم طواعية.
لكن ذلك -حسب علي حامد- يتطلب تنسيقا بين البلدين، لتنظيم عودة آمنة لهم، برا، خاصة في ظل الاشتباكات بين “مليشيا الفانو” والقوات الحكومية بإقليم أمهرة الحدودي مع السودان.
ويقول النازح من محلية نيرتتي في ولاية شمال دافور، صابر آدم، إن الوضع “مؤلم” للسودانيين في كل مكان نزحوا إليه، وأشار إلى أنه يعاني كثيرا، وطالب المنظمات الدولية للمساهمة في إعادة السودانيين إلى بلادهم، خاصة أنهم فقدوا كل شيء، ولم يعودوا يمتلكون ما يمكّنهم من العودة إلى السودان، وهو يكلف كثيرا.
ورغم مرور وقت طويل نسبيا على وجودهم في إثيوبيا، فإن أوضاع النازحين القانونية لا تزال هشة، ويعاني كثيرون صعوبات في الحصول على وثائق إقامة أو تصاريح عمل، ما يؤثر على ظروفهم القانونية والاقتصادية.
وبين نار الحرب والعودة إلى الوطن، يقف النازح السوداني في إثيوبيا أمام معادلة صعبة، فالعودة لم تعد مجرد قرار شخصي، بل ترتبط بتشابكات سياسية وأمنية وإنسانية تتطلب استجابة دولية فاعلة وتنسيقًا إقليميا عالي المستوى، وحتى يحدث ذلك، تبقى أحلام العودة معلقة، تنتظر من ينتشلها من واقع التشرد والشتات.
جهود دبلوماسيةوبينما تستمر الأزمة الإنسانية في السودان، يجد آلاف السودانيين أنفسهم عالقين في إثيوبيا، بين نار الحرب في وطنهم، ومأزق التأشيرات والرسوم الشهرية الباهظة التي تثقل كاهلهم.
وتبذل السفارة السودانية في أديس أبابا جهودا دبلوماسية مكثفة لتسهيل عودتهم الطوعية إلى مناطق آمنة، بعد استعادة الجيش السوداني السيطرة على بعض الولايات.
ووفق تصريحات مسؤول الشؤون القنصلية في السفارة السودانية في إثيوبيا، عوض ميرغني محمود، فإن عدد السودانيين العالقين في أديس أبابا يتراوح بين 3 و4 آلاف شخص، دخل معظمهم من مطار “بولي الدولي” بتأشيرات سياحية، لافتا إلى صعوبة تقديم إحصاءات دقيقة للقادمين عبر معابر أخرى، سوى القادمين عبر المطار المذكور.
وقال المسؤول محمود للجزيرة نت: إنهم تباحثوا مكثفا مع السلطات الإثيوبية، وخاصة وزارة الخارجية وإدارة الجوازات والهجرة، للمطالبة بتجديد الإعفاء من رسوم التأشيرة الذي كان سارياً من فبراير إلى سبتمبر من العام الماضي، كما تم التنسيق مع جهات عدة لدعم العودة الطوعية.
وكشف عن اتصالات بالحكومة الإثيوبية لزيارة مرتقبة لوفد سوداني رسمي من الجهات المختصة، للتشاور معها في إعفاء السودانيين من رسوم تجديد التأشيرة الشهرية.
وأوضح أن 1500 مواطن سوداني قد سجلوا أسماءهم في قوائم الراغبين في العودة، خاصة بعد تحسن الأوضاع الأمنية وسيطرة الجيش السوداني على العاصمة والمدن الأخرى، موضحا أن الخطوة وجدت تجاوبا كبيرا من الحكومة الإثيوبية.
وأكد أن السفارة والجالية السودانية تقوم “بجهود كبيرة”، حيث تم حصر الذين يرغبون في العودة الطوعية، وطالب العديد من السودانيين بالعودة إلى بلادهم.
بينما ناشد آخرون رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، تسهيل عودة السودانيين في إثيوبيا إلى بلادهم، وإلغاء رسوم التأشيرات الشهرية.
وحسب السفارة السودانية في أديس أبابا، فإن البعثة الدبلوماسية السودانية، كانت قد عقدت اجتماعات بالسلطات الإثيوبية، وبعثت بمذكرات دعت فيها إلى تجديد الإعفاء من رسوم الإقامة التي كانت مفعّلة حتى سبتمبر/أيلول 2024، وذلك لتمكين ما يقارب 4 آلاف نازح سوداني من العودة إلى ديارهم، ولا تزال الجهود مبذولة من السلطات الإثيوبية لمعالجة الأمر إلا أنه لم يصدر قرار بذلك حتى اللحظة.
المصدر : الجزيرة
الوسومإثيوبيا السودانيون العودة تكاليف باهظة معاناةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إثيوبيا السودانيون العودة تكاليف باهظة معاناة
إقرأ أيضاً:
مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات.. مستقبل حماس في غزة بين البقاء والتلاشي.. إعلان نيويورك يضمن نزع سلاح الحركة
في مشهد سياسي وعسكري متصاعد، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحات نارية، مؤكدًا عزمه على "السيطرة الكاملة على قطاع غزة والقضاء على حماس"، لكنه في الوقت ذاته شدد على أن إسرائيل لا تخطط للبقاء في القطاع كقوة حاكمة. جاءت هذه التصريحات في مقابلة مع قناة "فوكس" الأمريكية، لتفتح بابًا جديدًا في فصول المواجهة الممتدة منذ عقود، بينما تصر حماس على رفض التخلي عن سلاحها إلا بعد قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة.
التصريحات الإسرائيلية، إلى جانب التحركات الدبلوماسية الإقليمية والدولية، تضع الحركة أمام ضغوط غير مسبوقة، في وقت تتناقص فيه خياراتها العسكرية والسياسية وسط واقع إنساني مأساوي يعيشه سكان القطاع.
ضغط إقليمي ودولي لخنق حماستصريحات نتنياهو جاءت في سياق يتزامن مع حراك دبلوماسي مكثف، أبرز ملامحه مؤتمر دولي عُقد في يوليو الماضي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، برعاية السعودية وفرنسا، وانتهى بإعلان مشترك حمل توقيع 17 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية.
الإعلان، الذي ضم 42 مادة، لم يكتفِ بالتأكيد على ضرورة التوصل إلى حل الدولتين، بل خصص المادة 11 منه لدعوة حماس إلى التخلي عن حكم غزة وتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، باعتبار أن "الحكم الرشيد وإنفاذ القانون يجب أن يكون من اختصاص السلطة وحدها".
ولعل اللافت أن دولًا اعتادت لعب دور الوسيط بين حماس وإسرائيل، مثل مصر وقطر، وقّعت على الإعلان، بينما غابت إسرائيل والولايات المتحدة عن المشاركة والتوقيع، ما يترك مساحة من الغموض حول فرص تطبيقه الفعلي.
السلاح هو القضيةعلى الجانب الآخر، جاءت ردود حماس حاسمة. ففي مقابلة مع قناة "الجزيرة مباشر"، قال القيادي غازي حمد إن الحركة لن تتخلى "حتى عن الطلقات الفارغة"، معتبرًا أن السلاح هو جوهر القضية الفلسطينية وأداة الدفاع عن الحقوق الوطنية.
ويعكس هذا الموقف تمسك الحركة بخيار المقاومة المسلحة، في مواجهة الضغوط التي تطالبها بالتحول إلى العمل السياسي تحت سقف السلطة الفلسطينية.
يرى الأكاديمي حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، أن التركيز الإعلامي على المادة 11 من إعلان نيويورك يتجاهل وجود مواد أخرى تدعو لإقامة دولة فلسطينية وضمان الأمن والتعايش. ويقول: "إذا طُبّقت المواد الأخرى، فالمادة 11 ستكون تحصيل حاصل".
لكن على الأرض، تبدو هذه النصوص أقرب إلى الأمنيات، في ظل تصلب الموقف الإسرائيلي وغياب أي مؤشرات على قرب التوصل إلى اتفاق شامل.
منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من حملة عسكرية إسرائيلية واسعة، تراجعت قوة حماس بشكل ملحوظ، رغم استمرارها في إدارة شؤون غزة عبر هياكلها الإدارية ووحدتها الأمنية الجديدة "سهم"، التي تقول إنها تعمل على حفظ النظام ومنع نهب المساعدات.
ومع ذلك، تفيد مصادر محلية بأن مخزون الحركة من الذخيرة يتناقص، وأن مقاتليها يعيدون استخدام بقايا القنابل غير المنفجرة لاستخراج المتفجرات منها.
إلى جانب الضغوط العسكرية، تواجه حماس انتقادات من داخل غزة. ففي مايو الماضي، نددت منظمة العفو الدولية بما وصفته بـ"القمع والترهيب" الذي مارسته الحركة ضد متظاهرين خرجوا احتجاجًا على الأوضاع المعيشية.
ويعكس ذلك تراجعًا في الشعبية التي لطالما شكلت أحد أهم ركائز قوة الحركة منذ سيطرتها على القطاع عام 2007.
الموقف العربي أيضًا يشهد تحولًا لافتًا. فجامعة الدول العربية، التي تضم في عضويتها دولًا داعمة تقليديًا لحماس مثل قطر، وقعت على إعلان نيويورك الداعي لنزع سلاح الحركة.
ويعتقد البروفيسور يوسي ميكلبيرغ أن الضغوط الإقليمية قد تترك حماس "معزولة تمامًا"، خاصة في ظل تراجع قدرة حلفائها مثل إيران وحزب الله على تقديم الدعم السابق، نتيجة الحروب والخسائر البشرية والقيادية التي تعرضوا لها.
رغم تراجع قوتها، لا تزال حماس تحتفظ بورقة الأسرى الإسرائيليين الذين اختطفتهم خلال هجمات 7 أكتوبر 2023، حين أسرت 251 شخصًا. وتشير التقديرات الأمريكية إلى أن 20 أسيرًا على الأقل لا يزالون على قيد الحياة في غزة.
وفي مطلع أغسطس، بثت الحركة مقطع فيديو لأحد الأسرى في حالة صحية سيئة، في رسالة واضحة بأن ملف الأسرى سيظل ورقة تفاوضية حتى اللحظة الأخيرة.
منذ أكتوبر 2023، شنت إسرائيل سلسلة اغتيالات استهدفت كبار قادة حماس، من بينهم إسماعيل هنية في طهران ويحيى السنوار في غزة، مما شكل ضربة قوية للبنية القيادية للحركة.
ويرى مراقبون أن هذه الخسائر دفعت القيادة المتبقية في غزة إلى البحث عن مخرج يحفظ ما تبقى من نفوذها، وسط إدراك بأن خياراتها تتضاءل يومًا بعد يوم.
يرى محللون أن حماس قد تجد في المستقبل فرصة لإعادة تشكيل نفسها كقوة سياسية، حتى إذا اضطرت للتخلي عن السلاح، لكن ذلك يتوقف على عاملين رئيسيين.. الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية، وقدرة الحركة على استعادة ثقة الشارع الغزي بعد المعاناة التي خلفتها الحرب.
النفوذ الراسخ رغم العواصف
يرى اللواء نبيل السيد، الخبير الاستراتيجي، أن حماس، منذ سيطرتها على القطاع عام 2007، استطاعت بناء شبكة متينة من التحالفات الداخلية وإحكام السيطرة الأمنية، مما مكنها من الصمود في وجه أزمات متتالية. لكن هذا الصمود له ثمن؛ فالحصار الإسرائيلي الممتد، والانكماش الاقتصادي، قلصا من مساحة المناورة أمام قيادة الحركة.
بوصلتها الإقليمية والتحالفات الخارجيةبحسب السيد، فإن مستقبل حماس لا يتحدد فقط بقدرتها العسكرية أو الشعبية، بل أيضًا بمدى صلابة علاقاتها مع القوى الإقليمية الداعمة. فأي تغير في مواقف هذه الأطراف سواء كان بدافع الضغط الدولي أو تبدل الأولويات قد يقلب موازين القوى في غزة، ويفتح الباب أمام ترتيبات جديدة قد تضعف قبضة الحركة على القطاع.
شارع متقلب بين الولاء والسخطرغم شدة التحديات، لا تزال حماس تحظى بقاعدة جماهيرية معتبرة، مستندة إلى خطاب المقاومة وبرامج الدعم الاجتماعي. لكن هذه الشعبية ليست محصنة؛ إذ تضعف مع تردي الظروف المعيشية، وارتفاع نسب البطالة والفقر، مما يخلق موجات من السخط قد تتحول إلى ضغط داخلي متزايد على قيادة الحركة.
البقاء رهن التكيفيختتم السيد إلى أن حماس ستظل لاعبًا أساسيًا في غزة على المدى القريب، مدعومة بقدراتها العسكرية وعلاقاتها الإقليمية. لكن البقاء على المدى البعيد يتطلب مراجعة استراتيجية عميقة، توازن بين مشروع المقاومة ومتطلبات حياة الناس. وحتى إن تخلت الحركة عن السلاح، فإن تاريخها ومخزونها الشعبي قد يتيحان لها العودة كلاعب سياسي قوي، لكن ذلك يبقى رهين تغيّر المعادلة الإسرائيلية وهو أمر يبدو بعيدًا في ظل سياسات حكومة نتنياهو.
حماس بين المطرقة والسنداناليوم، تبدو حماس في مواجهة أشد اختبار منذ نشأتها.. ضغوط عسكرية إسرائيلية، عزلة إقليمية متزايدة، وأزمة إنسانية خانقة في غزة. ورغم امتلاكها أوراقًا مثل ملف الأسرى وشبكة تحالفات ممتدة، إلا أن بقائها لاعبًا رئيسيًا على المدى البعيد مرهون بقدرتها على التكيف مع متغيرات الداخل والخارج.
وفي حين يرفع نتنياهو شعار "السيطرة الكاملة على غزة"، ترد حماس بشعار "السلاح هو القضية"، لتظل المواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات، من التصعيد الشامل إلى التسوية السياسية، مرورًا بسنوات طويلة من الاستنزاف المتبادل.