ناصر قنديل
لم يكن بنيامين نتنياهو في وضع أسوأ من وضعه الحالي، فكل شيء في المنطقة يجري عكس ما يشتهي نتنياهو، ولا يوجد ما يشير إلى أنه سوف يستطيع استعادة زمام المبادرة، بعدما كان الانخراط الأمريكي المباشر في الحرب الذي حصل عليه في صيف العام الماضي وتعزّز بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد أنقذه من مأزق محتوم كان واضحاً أن حرب الطوفان والإسناد قد وضعته فيها حتى تموز 2024م، قبل زيارة واشنطن، حيث كان القتال في غزة يسجل إنجازات للمقاومة، بينما كان الشمال يشتعل بصواريخ المقاومة، وكان عدد المتظاهرين طلباً لوقف الحرب قد بلغ نصف مليون متظاهر، وقد انقلب المشهد كلياً بعدما استردّ نتنياهو زمام المبادرة عبر عمليات اغتيالات طالت قادة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وتفجيرات البيجر واللا سلكي وكلها تبدو البصمات الأمريكية واضحة عليها، وقد تتابعت بسرعة خلال شهرين ما بين اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية أواخر تموز، واغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أواخر أيلول، بعد عودة نتنياهو من واشنطن، هذه المرّة تبدو واشنطن من جهة عالقة في البحر الأحمر ولا ينقذها إلا وقف الحرب على غزة وفق اتفاق تقبله المقاومة، ويعتبر اليمن أن سبب إقفال الممر المائي الاستراتيجي أمام السفن المتجهة نحو موانئ كيان الاحتلال قد زال، وتعتبر واشنطن أن مبرر حربها قد زال بالمقابل، وتبدو واشنطن من جهة ثانية منخرطة في مفاوضات جدّية مع إيران، قبلت واشنطن خلالها تجاوز شروط مسبقة شكّلت عناوين احتجاج الرئيس الأمريكي على الاتفاق السابق ومبررات الانسحاب منه، وفي طليعتها البرنامج الصاروخي الإيراني ودور إيران في الإقليم ودعمها لحركات المقاومة، وبالرغم من التجاذبات المتوقعة في المفاوضات التقنية يتحدّث الرئيس دونالد ترامب عن تفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق دون الأخذ بطلبات نتنياهو، ولا بصيحات الحرب التي يطلقها، بعدما كشفت الحرب الأمريكية على اليمن محدودية القدرة العسكرية الأمريكية في تغيير المشهد السياسي في المنطقة، وتحولت إلى رسالة لأمريكا حول ما ينتظرها في الحرب على إيران بدلاً من أن تكون رسالة أمريكية لإيران حول ما ينتظرها إن رفضت شروط واشنطن التفاوضية، وأمريكا مستعجلة للتخفف من ملفات تعيق تفرغها لمعركة مفتوحة تجارياً مع الصين حتى لو تمّ التوصل إلى اتفاق تفاوضي ينهي أزمة الرسوم الجمركية، حيث تعود الأولوية الأمريكية للاقتصاد، في السياق ذاته الذي تجري فيه الحركة الأمريكية نحو روسيا، خصوصاً أن واشنطن ضمنت بتدخلها رفع التهديد عن “إسرائيل”، بينما انتقل ضغط الملف الإنساني في غزة وضغط قضية الأسرى الى البيت الأبيض، بينما تبدو حرب نتنياهو قفزة في المجهول بلا أفق، بالتوازي مع التبدل في اتجاه المشهد الأمريكي، تغيّر في اتجاه المشهد العسكري، حيث القتل والتدمير بوحشية استنفد اختبارات التأثير على الرأي العام وظهرت الحركات التي يمكن إطلاقها بوجه المقاومة، رغم المساهمات العربية والفلسطينية، هشة وضعيفة وهامشية، بينما بدت المقاومة أكثر تشدداً في مطالبها، خصوصاً مع الإعلان عن تمسك المقاومة بصفقة شاملة ورفض السير مجدداً باتفاق على مراحل، ما جعل العمل العسكري البرّي ضرورة لا غنى عنها.
في الداخل الإسرائيلي هناك مزيد من الاتساع في دائرة الاحتجاج، وتصاعد في الملفات القضائية التي تلاحق نتنياهو وحكومته، خصوصاً أمام المحكمة العليا، وانضمام الرئيس السابق للشاباك رونين بار إلى صفوف شهود الخمسة نجوم المستعدين للذهاب إلى النهاية في مطاردة نتنياهو بملفات محكمة، بينما تشير استطلاعات الرأي العام الى تراجع مريع في شعبية الحرب التي صارت هي نفسها شعبية نتنياهو، وقد كان لافتاً ما نقلته القناة 13 عن أن “25,1 % فقط من الإسرائيليين يؤيّدون استمرار الحرب على قطاع غزة، و63,7% من الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب وإعادة جميع الأسرى”، وهي نسبة غير مسبوقة، حيث بقيت نسبة مؤيدي نتنياهو والحرب عند عتبة 38% في أسوأ المراحل السابقة بالنسبة لنتنياهو.. دوائر التأثير الثلاث تتحرّك على إيقاع عناصر ثابتة تزيدها زخماً، حيث يخسر نتنياهو مزيداً من الاستعداد الأمريكي لتغطية حربه التي تريد توظيف القدرة الأمريكية لتحقيق انتصار وليس لرفع تهديد كما كان الحال من قبل، كما سوف يظهر مزيد من نزيف جيش الاحتلال وتراجعه مقابل تصاعد ما تظهره المقاومة من فعالية وحضور، بينما الوضع الداخلي يشهد وسوف يشهد مزيداً من الحصار لخيارات نتنياهو في ضوء الأفق المسدود أمام حربه في تحقيق إنجازات من جهة، والكلفة العالية المترتبة عليها من جهة مقابلة.
*رئيس تحرير جريدة البناء اللبنانية
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: من جهة
إقرأ أيضاً:
نتنياهو إلى المأزق
قبل 13 حزيران/ يونيو 2025 كان نتنياهو مأزوما مذموما معزولا، يقف على شفا هاوية السقوط، وذلك بسبب هزيمته العسكرية، طوال عشرين شهرا، أمام المقاومة في غزة، حيث فشل في القضاء عليها والسيطرة عسكريا، وحيث تردّت سمعة الكيان الصهيوني في الوحول، أمام الرأي العام العالمي، بسبب ما ارتكب من مجازر، وقتل جماعي للأطفال والمدنيين، الأمر الذي جعله يواجه موقفا ضدّ عودته إلى الحرب من قِبَل كل دول العالم، بما في ذلك أزمة في العلاقة مع ترامب، ومع الدول الأوروبية.
على أن انقلاب موقف ترامب، لتأييده في شنّ حرب ضد إيران، أخرجه من المأزق، من خلال التفاف الداخل المعارض له لتأييده في الحرب، كما انحياز ترامب له في هذه الحرب، وتأييد الدول الأوروبية له، تحت شعار مقلوب على رأسه، وهو "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وذلك بالرغم من كونها المُعتدِية على إيران.
أصبح مسار الحرب، في حالة توقفه الآن، مكرِّسا لقوّة إيران ومنَعَتِها سياسيا وعسكريا، الأمر الذي نقل الكرة إلى ملعب ترامب وملعب الدول الأوروبية لإنقاذ نتنياهو، من خلال المشاركة في الحرب
ففي فجر الثالث عشر من حزيران/ يونيو 2025، أعلن نتنياهو الحرب على إيران، وقد استهلها بغارات غادِرة، اغتالت العشرات من العلماء والقادة العسكريين، وعمدت إلى تدمير المئات من المواقع العسكرية والمدنية.
ولكن مع مضيّ نهار ذلك اليوم، غامضا حالكا، وإذ بليلة 13/14 تنقذ الموقف، من خلال القصف الذي شنّته إيران ردا على العدوان، بقرار من السيد الإمام علي الخامنئي، بعد تضميد الجراح، واستعادة ترتيب الهيكلية العسكرية والسياسية، والانتقال إلى امتلاك زمام المبادرة. وهو ما تصاعد في الأيام الستة التالية، الأمر الذي جعل الأسبوع، من الجمعة إلى الجمعة، يسفر عن ميزان قوى في غير مصلحة الكيان الصهيوني، بما أعاد نتنياهو إلى مأزق لا يقلّ عن سابقه.
لقد أصبح مسار الحرب، في حالة توقفه الآن، مكرِّسا لقوّة إيران ومنَعَتِها سياسيا وعسكريا، الأمر الذي نقل الكرة إلى ملعب ترامب وملعب الدول الأوروبية لإنقاذ نتنياهو، من خلال المشاركة في الحرب. وهذا يفسّر تتالي لقاءات ترامب بمجلس الأمن القومي، حيث لم يستطع، بعد أيام، أخذ قرار بين الخيارين، إما المشاركة في الحرب وإما إطالة أمدها، لوقفها.
يرجع هذا التردّد من جانب ترامب إلى دراسة المحاذير والمخاطر، في حالة المشاركة في الحرب، واستعداد إيران للردّ على الحرب بالحرب. كما أن الذهاب إلى خيار الحل التفاوضي يقود إلى وقف الحرب، مما يؤدي إلى خروج إيران منتصرة، كما إلى هزيمة نتنياهو، وهو ما يصعب على ترامب وأوروبا ابتلاعه.
المحصلة التي انتهت إليها الحرب التي شنّها نتنياهو والجيش الصهيوني في 13 حزيران/ يونيو 2025، وخلال الأسبوع التالي حتى 20 حزيران/ يونيو 2025، ليست في مصلحة الكيان الصهيوني
وبهذا يمكن القول، إن المحصلة التي انتهت إليها الحرب التي شنّها نتنياهو والجيش الصهيوني في 13 حزيران/ يونيو 2025، وخلال الأسبوع التالي حتى 20 حزيران/ يونيو 2025، ليست في مصلحة الكيان الصهيوني.
فقد بدأت الصواريخ، وفي مقدمّها "الفرط صوتية"، تترك آثارا سلبية جدا على الداخل الصهيوني، سواء أكان بسبب مأزق نتنياهو الجديد، بعدم إخضاع إيران كما توهّم هو وترامب، أم كان بسبب الردّ الإيراني وحجم الخسائر التي نجمت عنه؛ ويمكن أن تنجم عنه أكثر في الداخل الصهيوني.
وهنا يجب أن يُلحظ بأن التدخل الأمريكي العسكري لن ينجح بدوره، سواء بسبب إرادة المقاومة لدى قيادة إيران، ووحدة شعبها، أم كان بسبب عدم قدرته على الانتصار أو إخضاع إيران، ذلك لأن الانتصار في مثل هذه الحالة لا يتحقق إلا بالغزو البرّي، والاحتلال العسكري المباشر، وليس بالقصف الجوّي، أو الاغتيالات، أو الحرب النفسية فحسب.
أما من جهة أخرى، فإن المحصلة العامة لهذه الحرب، والحرب الأمريكية إن وقعت، فستكون في مصلحة المقاومة والشعب في قطاع غزة، كما القضية الفلسطينية بعامة.