واشنطن- كانت أول 100 يوم من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية بمثابة خروج حاد عن عقود من الإجماع على أسس ومبادئ السياسة الخارجية الأميركية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتي لم يختلف حولها أي من 13 رئيسا تناوبوا الحكم في واشنطن منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

لم يتوقع أحد أن يتعامل ترامب مع الشؤون والقضايا العالمية في فترة حكمه الثانية والأخيرة مثل أسلافه من الجمهوريين أو الديمقراطيين، ولا السرعة والحدة التي يتحرك بها لإعادة توجيه سياسة بلاده الخارجية بعيدا عن المسارات المستقرة منذ عقود طويلة.

وخلال الـ100 يوم، عكس ترامب طموحات واسعة، وتبنّى سياسات حاسمة أضاف إليها المزيد من الإثارة بتعبيره عن رغبته في توسيع بلاده لتشمل أراضي دول وأقاليم جديدة يهدف معها لتغيير خريطة الحدود الأميركية المستقرة منذ أمد بعيد.

نقاط أساسية

ودخل ترامب على خط أزمات دولية معقدة كحرب أوكرانيا والعدوان على غزة والملف النووي الإيراني، في الوقت الذي كرر فيه ودائرته من مستشاري السياسة الخارجية أن الصين هي القضية الأكثر تهديدا للهيمنة الأميركية.

ومن خلال تحليل مواقفه وتصريحاته على مدى الـ100 يوم الأولى، يمكن تلخيص سياساته الخارجية في 3 نقاط:

إعلان أولا: أميركا الضحية

وصل ترامب للبيت الأبيض متكأ على زعامة تيار أميركي شعبوي يميني جديد لم يعرف له التاريخ الأميركي مثيلا. وأطلق على هذا التيار اختصارا لفظ "ماغا" (لنجعل أميركا عظيمة مجددا) والذي وحد أفكار فئات مختلفة في توجهاتها وأهدافها، ومتناقضة في خلفياتها الاقتصادية والتعليمية.

وتفهم حركة ماغا أن التعاون الدولي التقليدي على أنه تهديد لحرياتهم الشخصية وسيادة دولهم، ويعارضون الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة التجارة العالمية باعتبارها تنتهك سيادة ومصالح الولايات المتحدة. من جانبه لا يخفي ترامب استهتاره وسخريته من "النظام الدولي القائم على القواعد".

وفي خطاب تنصيبه يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025، تحدث ترامب عن القومية الأميركية الجريحة والخيانة ورؤية أكثر راديكالية. وكرس جزءا من خطابه الافتتاحي لفكرة "المصير الواضح"، وأن "التوسع الأميركي هو حقنا الإلهي".

من الممكن أن يكون كل هذا الحديث الإمبريالي صخبا. ولكن من الممكن أيضا أن يشعر ترامب بالتحرر في ولايته الثانية لتغيير عقيدته "أميركا أولا" التي استفاد منها لتحقيق مكاسب سياسية لسنوات، وجعل توسع الولايات المتحدة عنصرا أساسيا في إرثه.

وهكذا يبدو أن ترامب يتبنى سياسة خارجية قومية يراها أكثر إنصافا للمصالح الأميركية المادية التي تجاهلتها الإدارات السابقة. ولا يريد أن تنفق واشنطن على تكلفة وجود قواعد عسكرية لحماية بعض الدول خاصة الغنية منها.

ولا يُنتظر أن تغير الإدارات القادمة في عصر ما بعد ترامب من هذا النهج الذي يلقى دعما من الجمهوريين والديمقراطيين. وربما تدشن قومية السياسات الخارجية في عهده مبدأ أو عقيدة سياسية جديدة ينتهجها حكام البيت الأبيض في المستقبل.

 

ثانيا: الرغبة في تحقيق إرث ومجد شخصي

يسعى ترامب لتحقيق إرث شخصي توسعي لبلاده والظفر بجائزة نوبل للسلام. من هنا استدعى عظمة أميركا والحاجة لاستعادة كرامتها، وربط ذلك صراحة بالعودة إلى التوسع الإقليمي. ولواشنطن تاريخها الطويل في ذلك.

إعلان

وفي خطاب تنصيبه، قال ترامب "ستعتبر الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى أمة متنامية، دولة تزيد ثروتنا، وتوسع أراضينا، وتبني مدننا، وترفع سقف توقعاتنا، وتحمل علمنا إلى آفاق جديدة وجميلة".

وأعلن عن عدة خطوات توسعية بداية من شراء جزيرة غرينلاند من الدانمارك، مرورا بالسيطرة على قناة بنما، وصولا لضم كندا لتصبح الولاية الأميركية الـ51. وسبق وعرض كذلك فكرة امتلاك بلاده لقطاع غزة وتحويله لريفييرا الشرق الأوسط، إلا أنه تراجع لاحقا عن هذا الطرح.

كما تتجلى رغبة ترامب في نيل جائزة نوبل للسلام، ويمكن تفهم لهفته في التوصل لصفقة توقف القتال بين روسيا وأوكرانيا. وبمجرد وصوله البيت الأبيض، أوقف المساعدات العسكرية لكييف داعيا إلى "سلام تفاوضي" مع موسكو وانتقد الحرب باعتبارها استنزافا للموارد الأميركية.

وضغط على حلفاء الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي أو المخاطرة بخفض التزام واشنطن الأمني تجاههم، في حين يستكشف "صفقة" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتجميد الصراع مقابل الحد من توسع الناتو.

كما يعمل فريق ترامب على التوصل لصفقة توقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بصورة ترضي إسرائيل بالأساس، وأخيرا بدأ الدفع الجاد لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني.

ويقول غريغوري كوجر، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة ميامي بولاية فلوريدا للجزيرة نت، إن ما يكرره ترامب من رغبته في توسع بقعة الأراضي الأميركية يعكس هدفين مشتركين: الأول، طموح شعبوي لتوسيع حدود البلاد، والثاني شخصي لزيادة الأراضي الأميركية كجزء من إرثه الرئاسي.

الحرب التجارية بين الصين وأمريكا تصل إلى مستويات غير مسبوقة.. فما مسارات هذه الحرب بين البلدين؟⁣#الجزيرة_مسارات pic.twitter.com/vg7BZNdQCX

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) April 11, 2025

ثالثا: الصين أولا

يحرّك ترامب بصورة كبيرة إيمانه الصلب بخطر التهديدات الصينية كمصدر وحيد أمام الهيمنة الأميركية العالمية، ففكرة شراء غرينلاند والسيطرة على قناة بنما وضم كندا، كلها أفكار تنبع من زاوية مواجهة بكين المستقبلية.

إعلان

وفي الوقت الذي تنفق فيه الولايات المتحدة 3.4% من ناتجها المحلي الإجمالي على ميزانية الدفاع، أي نحو تريليون دولار، طالب ترامب بأن تزيد دول الناتو إنفاقها العسكري إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي حتى يتمكن البنتاغون من تركيز قوته العسكرية والاقتصادية على احتواء الصين والسيطرة عليها.

ولا يمكن فهم ما يقوم به تجاه فرض تعريفات على بكين إلا من زاوية المواجهة التي يراها حتمية معها، وأنها يجب ألا تكون عسكرية بالأساس.

قوض خطاب ترامب التوسعي الأمن القومي لبلاده من خلال إضعاف تحالفاتها الأمنية حول العالم خاصة مع دول أوروبا الغربية وجنوب وشرق آسيا. ويساهم في تشكيك الدول الحليفة لواشنطن في الاعتماد على دولة لا يستبعد رئيسها والقائد الأعلى لقواتها المسلحة استخدام القوة لغزو أراضي دولة حليفة عضو بحلف الناتو.

وذكر ستيفن سيستانوفيتش، المسؤول السابق بالخارجية والخبير في مجلس العلاقات الخارجية والأستاذ الفخري بجامعة كولومبيا، للجزيرة نت، أنه إذا تمسك ترامب بالادعاءات التوسعية "فستصبح حتما جزءا من أجندة الإدارة، لكن كبار مستشاريه بالسياسة الخارجية لا بد أن يفكروا في هذا على أنه جنون رئاسي مع فرصة محدودة للنجاح".

وتساءل "مع وجود تكاليف عالية، وعمليا لا يوجد مردود حقيقي، هل سيخبرون ترامب بما يفكرون به حقا؟ ربما لا. هل سيعملون بجد لتحقيق أهدافه؟ أيضا مشكوك في ذلك جدا".

ويرى بعض المعلقين أن ترامب يقول هذه الأشياء كتكتيك تفاوضي للاستفادة من التنازلات في ملفات مثل الصفقات التجارية ورفع الإنفاق الدفاعي للناتو والتشدد في مواجهة الصين. إلا أن رؤية دول العالم تختلف عما يراه ودائرة مستشاريه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

لماذا سأل ترامب عن أقوى قنبلة في الترسانة الأميركية؟: البنتاغون يجيب بتحفظ

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (سي إن إن)

في كواليس نقاش عسكري بالغ الحساسية، كشف موقع "أكسيوس" الأميركي أن الرئيس السابق دونالد ترامب فاجأ مستشاريه العسكريين بسؤال غير تقليدي، لكنه بالغ الدلالة: "هل يمكن لقنبلتنا الخارقة للتحصينات تدمير منشأة فوردو النووية؟".

السؤال جاء على خلفية تصاعد التوتر مع إيران، حيث أعرب ترامب عن شكوكه في مدى فعالية القنبلة الأميركية الأضخم من نوعها، GBU-57A/B MOP، والتي تزن نحو 30 ألف رطل، في اختراق منشأة فوردو المدفونة بعمق يقارب 90 متراً تحت جبل صخري قرب مدينة قم.

اقرأ أيضاً ليلة اللهب في تل أبيب: مئات القتلى والجرحى بعد وابل الصواريخ الإيرانية (آخر حصيلة) 19 يونيو، 2025 إيران تقلب الطاولة على ترامب: ما جاء في البيان الأخير أربك الجميع 19 يونيو، 2025

الرد جاء من كبار مسؤولي البنتاغون، الذين أكدوا أن القنبلة "قادرة على اختراق المنشآت شديدة التحصين مثل فوردو"، مضيفين أن القدرة التدميرية ليست موضع شك، بل ما يحتاج إلى مراجعة هو "الخطة الشاملة للهجوم" التي لا يمكن أن تختزل بإسقاط قنبلة واحدة.

لكن رغم هذا الرد، أشارت مصادر مطلعة إلى أن ترامب لم يُظهر اقتناعاً كاملاً بالإجابة، ما فتح الباب أمام تساؤلات أوسع: هل كانت مجرد مداولات عسكرية؟ أم تمهيدًا لقرار كان على وشك أن يُتخذ؟

الخبر، الذي مرّ تحت الرادار، يعيد إلى الواجهة جدية السيناريوهات التي كانت تُدرس داخل البيت الأبيض... والاحتمالات التي لا تزال مفتوحة.

مقالات مشابهة

  • ماذا وراء التحركات العسكرية الأميركية في المنطقة؟
  • الخارجية الأميركية: لا ينبغي للمواطنين الأميركيين السفر إلى العراق لأي سبب
  • تايمز: قمة الناتو ستكون قصيرة وممتعة لتناسب تركيز ترامب
  • من المسؤولة الأميركية التي كذبها ترامب وماذا قالت عن إيران؟
  • وزير الخارجية الإيراني: تصرفات إدارة ترامب خيانة للدبلوماسية
  • سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو: إيران تشكل تهديدًا لأوروبا أيضًا
  • لماذا سأل ترامب عن أقوى قنبلة في الترسانة الأميركية؟: البنتاغون يجيب بتحفظ
  • ترامب وكواليس الحيرة الأميركية في حرب إسرائيل وإيران
  • الصين تعارض "استخدام القوة" بعد تحذير ترامب بشأن إيران
  • ضحايا "حملة ترامب" في اليمن تضاهي 23 عامًا من الضربات الأميركية على البلاد