تحقيق للجزيرة عن معادن أفغانستان النادرة وتحديات تعوق استغلالها
تاريخ النشر: 2nd, May 2025 GMT
اشتهرت أفغانستان منذ قرون بثروات باطنية تستطيع من خلالها التخلص من الفقر، والتقدم بين الدول اقتصاديا، لكن البلاد تواجه منذ 4 عقود تحديات أمنية وسياسية كبيرة في التنقيب وصناعات التعدين.
وتابعت الجزيرة -عبر تحقيق خاص أعده الصحفي عمر حلبي- مسار من نقّبوا عن هذه الثروات، وواقع البلاد اليوم في ظل تنافس دولي محتدم على المعادن النادرة.
وتعد ولاية غزني واحدة من أفقر الولايات الأفغانية رغم ما في جبالها وأراضيها من ثروات هائلة، وينطبق الحال على ولايات أخرى مثل هلمند وهيرات ونيمروز ولوغر وبدخشان ونورستان وبنجشير وبغلان وكونار.
وحرمت الصراعات والحروب أهل هذه المناطق مما تختزنه أراضيهم من ثروات، في وقت يرى فيه الأهالي ثرواتهم الدفنية آمالا بعيدة المنال.
وبذل الجيش البريطاني في القرن الـ19 جهودا لتقييم الموارد المعدنية بالمنطقة، في حين أجرى الاتحاد السوفياتي -خلال سبعينيات القرن الـ20- مسوحات واسعة النطاق للموارد المعدنية في البلاد.
وعثر الأميركيون على مجموعة من السجلات السوفياتية في مكتبة المسح الجيولوجي الأفغاني بالعاصمة كابل، لتبدأ هيئة المسح الجيولوجي الأميركية ونظيرتها الأفغانية عام 2006 المسح الجيولوجي الأكثر شمولية للبلاد.
إعلانيقول داود هدف، وهو مهندس جيولوجي أفغاني ونائب رئيس دائرة المناجم في غزني، إن الولاية غنية بالمناجم، خصوصا بالذهب والليثيوم، كاشفا أن الدراسات بدأها الروس وتابعهم خبراء أميركيون، وشدد على ضرورة إجراء دراسات معمقة وتوفّر أموال وفنيين.
وأشار داود إلى أن الحكومة الماضية لم تكن متفرغة للمناجم بل للحرب، مؤكدا أن استتباب الأمن الآن وضع حدا للتصرفات التي أضرت بالمناجم بعد أن كانت عرضة للنهب.
معادن دفينة
وتشير البيانات الأميركية والأفغانية إلى وجود تنوع مذهل من المعادن الدفينة وعناصر التربة النادرة في أفغانستان، سواء من حيث عدد المناجم أو ما تحتويه.
وقد يكون مخزون الليثيوم جنوبي البلاد ثاني أكبر احتياطي في العالم، في حين تحتوي أفغانستان على كميات هائلة من الذهب، وأيضا من الحديد والرخام والأحجار الكريمة وخليط من المعادن النادرة كاليورانيوم.
ولا تقل أهمية النحاس عن الذهب في أفغانستان، إذ يعد مخزونه في ولاية لوغر وحدها ثاني أكبر احتياطي في العالم.
يقول خليل أحمدزي، وهو مهندس جيولوجي مشرف حكومي على منجم النحاس في لوغر، إن هناك عددا كبيرا من المناجم في المنطقة وأهمها النحاس، مشيرا إلى أن الخبراء السوفيات بدؤوا العمل، لكنه توقف بسبب الاجتياح السوفياتي ثم انسحابه.
وأكد أحمدزي أن أفغانستان إذا استغلت المناجم لن تحقق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل سيتغير وجه البلاد، مشيرا إلى أن "لمناجمنا قيمة فائقة في السوق العالمي كونها لم تستغل بعد".
حضور الصين
ويبقى حضور الصين أكبر في مجال التنقيب بأفغانستان رغم جهود الأميركيين، إذ وقعت شركة صينية عام 2007 اتفاق تنقيب لمدة 30 عاما في منجم عينك، ثاني أكبر مناجم النحاس في العالم.
وتوقف العمل في هذا المنجم عام 2013 لأسباب عديدة، لكن بعد وصول طالبان إلى السلطة، استؤنفت عمليات التنقيب.
إعلانووفق مستشار نائب رئيس الوزراء الأفغاني للشؤون الاقتصادية عبد الله عزام، فإن السبب الرئيسي لتوقف عمل الصينيين في منجم النحاس هو وجود الآثار هناك، مؤكدا أن الحكومة وضعت آلية شاملة لنقل الآثار إلى مكان آمن.
وقد قدمت الشركة الصينية عهودا ببدء العمل في أقرب فرصة، في حين لن تسمح الحكومة الأفغانية بمماطلة العمل في المنجم، كما يقول عزام.
عراقيل جمة
ورغم استتباب الأمن، يعتري طريق صناعات التعدين في أفغانستان عراقيل جمة، أولها دمار البنية التحتية، وليس آخرها عزلة أفغانستان الدولية، إذ لم تنل طالبان اعترافا دوليا بعد.
ووجدت الحكومة الأفغانية في الصين سبيلا لنيل الدعم وتطوير الاقتصاد في ظل الشروط التي تضعها واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون لدمجها في المجتمع الدولي.
وتبدو بكين حريصة على التعاون مع كابل سواء لتأمين حدودها أو محاولة التحكم بالثروات المعدنية الثمينة، لكن التنافس يبقى قائما مع شركات أجنبية خاصة أخرى (أميركية وغربية وأوروبية شرقية وآسيوية).
يقول عزام إن الحكومة الحالية تعمل على إصلاح البنية التحتية، "وتلقينا عروضا كثيرة من شركات أجنبية خصوصا مناجم الليثيوم"، كاشفا توقيع عقود تعدين في 7 مناجم رئيسية.
وبعيدا عن المعادن الثمينة، ينشغل الأفغان حاليا بما يقدرون عليه من ثروات بلادهم كالفحم الحجري، إذ غدا الإقبال العالمي عليه واسعا بعد أزمة الطاقة العالمية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
تفاصيل مجزرة المساعدات يرويها غزيون للجزيرة نت
غزة- تتنقل سيدة مكلومة بين جثامين الضحايا في مشرحة مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب غربي غزة، باحثة عن بقية أفراد عائلتها الذين فرقتهم قذائف جيش الاحتلال أثناء محاولتهم الحصول على طرد غذائي في مركز لتوزيع المساعدات الإنسانية غرب مدينة رفح.
السيدة التي بالكاد كانت تلتقط أنفاسها من هول الصدمة، قالت للجزيرة نت إنها انتظرت منذ ساعات الليل، مع آلاف الفلسطينيين في منطقة "مواصي رفح"، إلى أن سمحت الشركة الأميركية المشرفة على توزيع المساعدات لهم بالتوجه إلى نقطة التسليم عند الساعة الخامسة والنصف فجر اليوم الأحد.
لكن ما إن تقدم الحشد المتلهف إلى المكان، حتى فتحت طائرات الاحتلال المُسيّرة نيرانها، تبعتها نيران القناصة والقذائف التي أطلقتها الدبابات، في مشهد دموي أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة، في واحدة من أبشع المجازر التي تُرتكب تحت غطاء ما يُسمى "المساعدات الإنسانية".
مجزرة المساعداتالشاب فارس عبد الغني، الذي قطع أكثر من 25 كيلومترا من مدينة غزة باتجاه رفح بحثا عن الطعام، يروي للجزيرة نت تفاصيل ما جرى قائلا: "بعد ساعات من الانتظار، تحركنا في الطريق الذي حددته لنا الشركة الأميركية، وكان آلاف الجوعى محصورين في شارع واحد، ثم باغتتنا نيران الاحتلال من كل الاتجاهات".
إعلانوأضاف عبد الغني أنه سمع عبر مكبر صوت مثبت على رافعة تابعة لقوات الاحتلال صوت جندي يصرخ بالعبرية "غزاوي جعان.. برّا!"، قبل أن تطلق النيران بكثافة عليهم من الطائرات المروحية والدبابات والقناصة المنتشرين في مواقع محصنة.
ووصف ما جرى بـ"الكمين"، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى الموقع، مما اضطر الناجين إلى استخدام العربات التي تجرها الحيوانات، أو مركبات صغيرة أحضرها المواطنون لنقل المساعدات، في إخلاء الجثامين والمصابين.
ويقول أحد المسنين، وقد غلبته الدموع وهو يروي اللحظات العصيبة "ذهبنا لنحصل على لقمة العيش فوجدنا الموت.. هذه ليست مساعدات إنسانية، أميركا تدفعنا للموت بدل أن تطعمنا".
في مجمع ناصر الطبي، تملأ عشرات الإصابات أرضية المستشفى بعد أن امتلأت غرف العمليات بالحالات الحرجة، في وقت ناشد فيه المستشفى المواطنين في خان يونس التبرع بالدم، لإنقاذ الجرحى الذين أصيبوا في "مجازر المساعدات".
وفي صباح اليوم نفسه، فتحت قوات الاحتلال نيران رشاشاتها تجاه حشود فلسطينية تجمعت قرب جسر وادي غزة عند نقطة توزيع تُعرف بـ"نتساريم"، مما أسفر عن استشهاد مواطن وإصابة 30 آخرين.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، إن ما يحدث هو "ابتزاز جماعي منظم"، حيث تُستخدم المساعدات كأداة للحرب، وتُشرف عليها شركة أميركية-إسرائيلية بتنسيق كامل مع جيش الاحتلال، الذي ينصب كمائن القتل تحت غطاء "المناطق العازلة".
وأضاف الثوابتة أن هذا النموذج القاتل يحول نقاط توزيع الغذاء إلى مصائد موت جماعي، مشيرا إلى أنه منذ بدء توزيع المساعدات عبر تلك الشركة في 27 مايو/أيار، استشهد أكثر من 49 فلسطينيا وأصيب أكثر من 305، مما يدل على أن الغرض منها ليس الإغاثة بل فرض سيطرة أمنية عبر القتل الجماعي.
إعلان هندسة التجويعوتفرض إسرائيل حصارا شاملا على قطاع غزة منذ مطلع مارس/آذار الماضي، مانعة دخول المساعدات والمواد الغذائية لأكثر من مليوني فلسطيني، ولم تسمح بدخول بعض الشاحنات إلا بعد ضغوط أميركية في أعقاب إطلاق سراح الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر.
وفي 27 مايو/أيار الجاري، بدأت مؤسسة "غزة الإنسانية" الأميركية توزيع طرود غذائية بكميات محدودة من مركز أقامته غرب مدينة رفح، وأعلنت أنها ستقيم 4 مراكز أخرى وسط وجنوب القطاع. لكن المؤسسة لا تملك قواعد بيانات خاصة بالسكان، ولا تنسق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) أو أي من المنظمات الدولية المعتمدة، مما تسبب في فوضى كبيرة بمواقع التوزيع.
وقال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، إن المجازر المرتكبة بحق الجوعى تؤكد أن إسرائيل تطبق "منظومة هندسة التجويع" عمليا، مستخدمة المساعدات كمصيدة لقتل الفلسطينيين، وليس لإطعامهم.
وأضاف عبده في حديثه للجزيرة نت "إسرائيل أرادت إيصال رسالة للفلسطينيين بأن رفضهم لمقترح ستيفن ويتكوف لا يعني فقط حجب المساعدات عنهم، بل قتل كل من يقترب من نقاط التوزيع".
واتهم عبده المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية بـ"الاستسلام المعيب" للإرادة الإسرائيلية، محذرا من التعامل مع المجازر على أنها مجرد خلل إداري في آلية التوزيع.
وشدد على أن تولي جيش الاحتلال ملف المساعدات الإنسانية هو من أبرز مظاهر الفشل الإنساني الدولي، مؤكدا أن من يرتكب إبادة جماعية لا يمكن أن يكون مؤتمنا على تحسين أوضاع من يُفترض أنهم ضحاياه.