التحديات التي تواجه اللاجئين السودانيين في مصر
تاريخ النشر: 3rd, May 2025 GMT
خاص سودانايل: تصدر السودان أزمات النزوح واللجوء بعد إندلاع حرب أبريل 2023 ، وتعتبر الجارة مصر من أكثر الدول إحتضانا لللاجئين السودانيين ، إذ يقارب عددهم بعد الحرب حسب آخر إحصائية لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 686672 لاجئ وملتمس لجوء. بينما كان عددهم قبل الحرب - مارس 2023 (59896). وبناء على تقديرات الحكومة المصرية تقول أن عدد السودانيين مليون ونصف.
بسبب العنف والقتل والاضطهاد بكل أنواعه تدافع السودانيون في القدوم إلى مصر مهجرين هجرة قسرية ونسبة لمحدودية التأشيرات التي تصدرها القنصلية المصرية في بورتسودان وحلفا اتجه أغلب الهاربين من جحيم الحرب وفضلوا الدخول إلى مصر بالتهربب عبر الطرق البرية التي تربط بين البلدين.
توفيق الأوضاع في البلد المضيف:
ومن أهم المشاكل التي تواجه القادمين إلى مصر بطرق غير قانونية هي عملية توفيق الأوضاع في البلد المضيف ، وما من سبيل إلى ذلك إلا التسجيل في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين .. وهذة بدورها فيها صعوبة من ناحية إيجاد فرصة التسجيل نسبة لكثرة عدد طالبي اللجوء ، إذ تمنح المفوضية مواعيد بعيدة للتسجيل تتراوح ما بين 6 شهور إلى 12 وقيل أكثر .. مما يضع طالب اللجوء أمام تحديات يجابهها وأولى هذة التحديات إجراءات التسجيل نفسها.
والإجراءات المتبعة في عملية التسجيل ، على الشخص أن يتعامل مع رابط المفوضية الالكتروني ويبدأ في ملأ البيانات المطلوبة وإرسالها وبعد ذلك ينتظر من المفوضية رد بمواعيد التسجيل في شكل رسالة نصية أو إيميل.
وهذا الإجراء يجد صعوبة بالنسبة للذين لا يجيدون فن التعامل مع التكنولوجيا .. وعليه إذا كان الحال كذلك ، سيضطر ملتمس اللجوء التعامل مع قدامى اللاجئين الذين يجلسون أمام المفوضية بهدف مساعدة اللاجئين .. وفي هذة الحالة يقع ملتمس اللجوء فريسة نتيجة الابتزاز مقابل الخدمة المقدمة من الشخص الذي يقوم له بملأ البيانات عبر الرابط الالكتروني.. وغالبا المقابل مبلغ مادي يمكن وصفه بالكبير لأنه يفوق حجم المجهود الذي قام به الشخص الذي يدعي المساعدة.
ومن لم يستطع دفع المبلغ المطلوب يضطر إلى المبيت أمام المفوضية مفترشا الأرض وملتحفا السماء بهدف اللحاق بطابور فيه زحام لا يطاق من أجل حجز دور لمقابلة الموظف المختص في الحصول على الميعاد.
وهذة الخطوة فيها مردودات صحية بسبب تقلبات الجو والطقس في شتاء هذا العام الذي كان قاسيا.
ورقة المواعيد هذة لا تشفع لملتمس اللجوء في مسائل إثبات الهوية لدى السلطات .. وعليه طول فترة إنتظار حلول ميعاد التسجيل سيظل الشخص خائفا متخفيا من عيون السلطات والبعض من الناس آثروا الجلوس داخل الشقق إلى حين حلول ميعاد التسجيل ..
بعض اللاجئين السودانيين تم ترحيلهم إلى السودان بواسطة السلطات نتيجة لدخولهم البلاد بطرق غير قانونية ولم تكن في حوزتهم المستندات المطلوبة لإثبات الهوية.
وأفاد أحد ملتمسي اللجوء فضل عدم ذكر إسمه لـــ(سودانايل) بأنه صادف حملة من السلطات في حي فيصل وتم إعتقاله مع آخرين حيث تم ترحيلهم إلى مدينة حلفا في السودان بعد أن قضوا في الحبس مدة أسبوعين .. لكنه عاد إلى مصر للمرة الثانية بالتهربب والآن يحمل بطاقة ملتمس لجوء.
ارتفاع سوق العقار والتأمين وبعض الشقق وصل ايجارها الشهري 60 ألف جنيه
والمشكلة الثانية هي السكن ، نسبة لكثرة الوافدين إلى مصر وخاصة السودانيين إرتفع سوق العقار إرتفاعا جنونيا في أسعار إيجارات الشقق حيث يقع ملتمس اللجوء أمام شبكة من السماسرة وتتراوح إيجارات الشقة المفروشة في الأحياء الشعبية المكتظة مثل حي فيصل وأرض اللواء من 12000 إلى 15000 جنيه مصري للشهر الواحد. هذا بالإضافة إلى مبلغ التأمين وعمولة السمسرة التي تضاهي إيجار شهر .. وفي بعض الأحيان المؤجر يطلب مبلغ التأمين الذي يساوي إيجار شهرين .. أي بمعنى ، لكي يتم توقيع عقد الإيجار ويستلم المستأجر العين المؤجرة يحتاج إلى 45000 إلى 60000 جنيه مصري وهذة المبالغ لا تتوفر لدى معظم اللاجئين.
أما الشقة الفاضية خالي أثاث وتسمى إيجار على بلاط يترواح سعرها بالتقريب من 5000 إلى 8000 وتتفاوت الأسعار من حي إلى آخر ولكن بصفة عامة الأسعار عالية في كل مكان وغير المألوف.
وعلاوة على ذلك هنالك مصروفات أخرى مثل فواتير الكهرباء والمياه والغاز والإنترنت وخدمات أخرى لها علاقة بالعمارة مثل صيانة المصاعد ومواتير المياه ونظافة العقار.
أوضاع إنسانية بالغة التعقيد:
الكثير من اللاجئين السودانيين وخاصة القادمين الجدد يعيشون أوضاع إنسانية بالغة التعقيد .. بعض الأسر التي لا تمتلك المال المناسب يفضلون الاشتراك في السكن وأحيانا تجد أسرتين أو ثلاثة يتشاركون في إيجار شقة محدودة الغرف لا تسع عدد أفراد الأسر المتشاركة.
ونتيجة لارتفاع أسعار إيجار الشقق يضطر البعض إيجار شقة فاضية خالية من الأثاث وتجدهم داخل الشقة ينامون على الأرض في طقس بارد جدا حيث ترتفع نسبة الرطوبة والبرودة والتي تسبب أمراض الصدر مثل الربو والأزمة.
وفيما يتعلق بالسكن يشترط المؤجر على المستأجر توقيع العقد بنفسه ولا يقبل أن ينوب شخص آخر عن الساكن ، وفي هذة الحالة عندما يكتشف المؤجر أن المستأجر دخل البلاد بطريقة غير قانونية وعدم وجود ختم الدخول على جواز سفره أو عدم وجود مستند يثبت شرعية أو قانونية دخولة .. فيكون ضحية الاستغلال والمغالاة والزيادة في القيمة الإيجارية ومصروفات السمسرة والتأمين.
المفوضية السامية لشؤون اللاجئين
المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عبر شركائها تحاول حل بعض المشاكل وتساهم في دعم بعض الأسر المحتاجة وليس كل الأسر بمبالغ مالية زهيدة لا تكفي حوائج اللاجئ .. وهي عادة تكون في شكل إعانات متقطعة ، أو مستمرة لذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون من الأمراض المزمنة المانعة من العمل.
ولكي يستفيد اللاجئ أو ملتمس اللجوء من هذا الدعم المالي تشترط المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وشركاؤها أن يكون المستفيد مسجلا ويحمل بطاقة المفوضية.
وبالنسبة للأشخاص الغير مسجلين لدى سجلات الأمم المتحدة ويطلق عليهم "المهاجرين" وهؤلاء تتولى إعانتهم المنظمة الدولية للهجرة IOM
وبعض المنظمات الوطنية وهم المهاجرين الذين تنطبق فيهم معايير المساعدة ، ثم تقوم بمساعدتهم وتقريبا المساعدة تكون مرة واحدة فقط باستثناء ذوي الاحتياجات الخاصة والعاهات والأمراض الخبيثة.
المساعدات المالية التي يتلقاها اللاجئون السودانيون هي غير كافية
وخلاصة القول ان المساعدات المالية التي يتلقاها اللاجئون السودانيون هي غير كافية ولكن المغلوب على أمره دائما يردد مقولة شيئ خير من لا شيئ.
هذا .. وننوه على أن هنالك منظمة وطنية إسمها الرسالة تساعد من يستوفي المعايير من اللاجئين في توفير الأثاث المنزلي وبعض أساسيات الحياة.
وعلى العموم عملية السكن يمكن وصفها بأنها من ضمن التحديات التي تواجه اللاجئين السودانيين ونلاحظ أن البعض من الشباب والأسر مضطرون إلى السكن في الأماكن النائية وفي المدن الصناعية هروبا من غلاء الأسعار التي باتت تثقل كاهل اللاجئين ذوي الدخل المحدود.
الظروف المعيشية من ناحية الغذاء أيضا فيها مشقة لأنه في الآونة الأخيرة شهدت مصر إرتفاع في أسعار السلع الغذائية ولذلك نجد بعض أسر اللاجئين السودانيين يتناولون وجبات فقيرة وربما تكون وجبة واحدة في اليوم لذلك أصيب البعض بأمراض سوء التغذية والدرن ، وعدد مقدر من الأطفال والكبار يعانون من مرض "الأنيميا" الحادة.
الأطفال يعانون من مشاكل الاكتئاب النفسي
وبسبب ضيق السكن وقضاء أوقات طويلة في الشقة خوفا من الشارع ، وعدم توفر الميادين الفسيحة المجانية لأغراض الترفيه ولعب الأطفال ، كثير من الأطفال أضحوا يعانون من مشاكل الاكتئاب النفسي مما إنعكس سلبا على التحصيل الأكاديمي.
العوز والمرض وعدم توفر فرص العمل اضطر البعض لطلب المساعدة في المساجد والطرقات
وفي إحدى اللقاءات بعينات عشوائية من اللاجئين إفادة إمرأة تبلغ من العمر ستون عاما وفضلت حجب إسمها لــ(سودانايل) حيث أفادت:
بأنها تعاني ظروف إنسانية سيئة ولا مأوى لها وأصبحت مشردة هي وطفليها لمدة شهرين نتيجة عجزها عن سداد إيجار الشقة وقرر مالك العقار طردها من الشقة.
واستطردت في الحديث قائلة بأنها مسجلة في المفوضية وبحوزتها بطاقة المفوضية لأكثر من سنة ونصف وأن المفوضية ساعدتها ماليا مرة واحدة فقط بمبلغ 1200 جنيه بواقع 400 جنيه للفرد لأسرة مكونة من ثلاثة أشخاص.
طرقت ابواب العمل مثل نظافة المنازل إلا أن أرباب العمل يرفضونها نسبة لكبر سنها وأنها تعاني من مرض السكر وضغط الدم المزمن ...
وهذه الأحوال الحياتية الصعبة جعلتها تتوسل للمصليين في المساجد لمساعدتها بقليل من المال للأكل وشراء بعض الأدوية المنقذة للحياة.
وأحيانا بعض الخيرين والمنظمات الخيرية يجودون لها بشنطة مواد غذائية مكونة من مكرونة وأرز وزجاجة زيت وكيلو سكر.
كذلك أحد الشباب في سن الثلاثين يستند على عصا بسبب بتر ساقه الأيمن نتيجة سقوط دانة على منزلهم أثناء الحرب في جنوب الخرطوم.
وفي إفادته قال أنه يمشي على ساق واحد ولا يستطيع العمل و المفوضية تساعده ب 800 جنيه مصري فقط كل شهر وهذة المساعدة المالية يشارك بها في السكن مع زملائه الذين عفوه من ما تبقى من مساهمته في الإيجار البالغة 1000 جنيه للفرد ، ويتناول وجبة واحدة فقط في اليوم بشكل جماعي مع شركاؤه في السكن والوجبة فقيرة مكونة من رغيف وفول مصري أو عدس.
وهذا الأكل الفقير حسب إفادته سبب له ضعف في الدم وربما يصل به الحال إلى الأنيميا إن استمرت الأوضاع هكذا.
وأحيانا بعض المعارف يساعدونه بشكل متقطع ببضعة جنيهات لتوفير الأكل المغذي وشراء بعض الفيتامينات التي يحتاجها الجسم.
وهذا الشاب سألناه في رسالة أخيرة موجه للمنظمات الإنسانية بما فيهم المفوضية حيث قال:
الحمدلله أنني حي أرزق ولكني محتاج إلى طرف صناعي يساعدني في المشي والعمل وأتمنى أن تقف الحرب في بلادنا وأرجع إلى وطني وأعيش عزيزا مكرما بدلا من الاعتماد على المنظمات التي تسمى نفسها إنسانية ولكنها لا تفي بحاجة الإنسان.
هذة نماذج على سبيل المثال لا الحصر تعكس الوضع الإنساني ومعاناة اللاجئين السودانيين في مصر.
ونواصل ...
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: اللاجئین السودانیین لشؤون اللاجئین یعانون من إلى مصر
إقرأ أيضاً:
أزمة إسكان خانقة في سوريا تحد من عودة اللاجئين
لم يكن عبد الغني الأحمد يملك ترف الانتظار. فقد كان سعيدا للغاية وهو يحث الخُطا لمغادرة معبر "جيلوة غوزو" الحدودي التركي (مقابل باب الهوى السوري)، بعد 13 عاما من اللجوء، عائدا مع عائلته إلى مخيم اليرموك (على بعد 8 كيلومترات من مركز العاصمة دمشق).
في أوائل عام 2012، ترك الأحمد منزله وفر إلى لبنان، ثم انتقل لاحقا إلى تركيا عبر ميناء بيروت. وبعد أشهر قليلة من استقراره في مدينة إسطنبول، أخبره أحد أقاربه أن المنزل الذي اجتهد لتأمين قيمته سنوات طوال، تضررت أجزاء كبيرة منه، بعد أن قررت القوات الجوية التابعة للنظام السوري قصف الحي أواخر عام 2012.
وأضاف الأحمد في حديثه للجزيرة نت: "توقعت أنه بإمكاني ترميمه وإصلاحه، لكني فوجئت عندما زرت الحي بما تعرضت له المنطقة، فقد تحولت مبانيها إلى خرائب غير صالحة للحياة".
16 مدينة تعرضت فيها المساكن لأضرار بالغةوفي سياق متصل، ذكرت بيانات البنك الدولي أن الحرب التي شنها النظام السوري ألحقت دمارا بالوحدات السكنية داخل مناطق الصراع، تتراوح نسبته بين 27-33%. في حين كشف تحليل لصور أقمار صناعية أجراه معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب "يونيتار" (UNITAR) عن دمار كبير في المباني داخل 16 مدينة سورية.
وبحسب التحليل، فإن مجمل عدد الأبنية التي دُمرت كليا أو تعرضت لأضرار متفاوتة، كان على النحو التالي:
355 ألفا و722 مبنى في حلب. 1415 في إدلب. 12 ألفا و781 في الرقة. 6405 في دير الزور. 10 آلاف و529 في حماة. 13 ألفا و778 في حمص. 34 ألفا و136 في الغوطة الشرقية. 5489 في مخيم اليرموك والحجر الأسود. 3364 في الزبداني. 1503 في درعا.ويرى خبراء في الشأن العقاري أن الأرقام المذكورة تمثل حصيلة أولية فقط للأضرار التي لحقت بالقطاع السكني في سوريا، نظرا لإصدارها في وقت مبكر، أي قبل انتهاء العمليات العسكرية، بالإضافة إلى أنه أُغفلت آلاف المنازل المتضررة في المناطق الريفية، لأسباب بعضها لوجستي.
"كل شيء تغير"بدأت معاناة الأحمد، الذي يقيم حاليا مع أسرته لدى أحد أقربائه في حي الحجر الأسود المتاخم لحيه، عندما بدأ رحلة البحث عن مأوى يؤويه ويضمد جراحه ويعيد إليه شيئا من أمله المفقود. فقد تخصص بعد الثانوية العامة في مجال إصلاح الحواسيب، وخضع لدورات متعددة، ثم افتتح محلا في الحي لم يختلف مصيره عن مصير منزله.
إعلانويؤكد الأحمد أن تغييرات جذرية طرأت لم يكن يتوقعها، طالت كل شيء من الحي إلى الشوارع، وحتى المقابر والسكان. ويتابع "هذه أمثلة بسيطة عن تداعيات الحرب. حاولت منذ أربعة أشهر، من خلال معظم المكاتب العقارية، استئجار منزل بسيط لعائلتي، لكني لم أجد ما يتناسب مع قدرتي المالية، فقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير. سابقا كنا نتحدث عن إيجار بالآلاف، والآن نتحدث عن مبالغ بملايين الليرات".
ويشاطره الرأي ذاته محمد كجك، لاجئ سوري يقيم في لبنان منذ عام 2013، إذ أكد أن ما يؤخر عودته إلى مدينته حمص هو عدم توفر منزل يمكن أن تأوي إليه أسرته المؤلفة من 5 أشخاص، بعد أن تضرر منزلهم في حي جورة الشياح نتيجة الصراع ولم يعد صالحا للسكن.
وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن إصلاح المنزل يتطلب ما لا يقل عن 50 مليون ليرة (ما يعادل 4545 دولارًا أميركيًا بحسب السعر الرسمي)، وهي تكلفة لا يملك القدرة على تحملها حاليا.
كما ذكر أن حوالي 70% من مباني الحي تعرضت لأضرار جسيمة، وأن "مجموعات موالية للنظام" قامت بإفراغ المنازل من محتوياتها، بما في ذلك أسلاك الكهرباء الممددة داخل الجدران.
وحذر الخبير الاقتصادي وليد القوتلي من التأثيرات السلبية لما يوصف بـ"أزمة ارتفاع إيجارات المنازل"، التي تعاني منها سوريا اليوم، والتي قد تطال آلاف العائلات اللاجئة التي تخطط لإلغاء إقامتها المؤقتة والعودة إلى البلاد، بعد أن فتح سقوط النظام المجال أمامها، وفق تعبيره.
وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن معظم العائلات التي فقدت منازلها خلال الحرب ولا تملك بدائل سكنية، تقف حائرة بين خيار العودة أو الانتظار ريثما تهدأ موجة ارتفاع الإيجارات مع بدء مشاريع إعادة الإعمار.
وشدد القوتلي على ضرورة وجود شركات إسكان وتطوير عقاري متخصصة، تتولى تنفيذ مشاريع متكاملة توفر وحدات سكنية عبر البيع أو الإيجار طويل الأجل، بالشراكة مع المصارف التقليدية أو الإسلامية، للتقليل من حدة الأزمة.
وتقدّر قاعدة بيانات موقع نومبيو، وهي منصة إلكترونية دولية مفتوحة المصدر، متوسط الإيجار الشهري لشقة من 3 غرف نوم في العاصمة دمشق بنحو 650 دولارا، في حين يبلغ إيجار شقة بغرفة نوم واحدة حوالي 310 دولارات.
وتتفاوت الإيجارات، بحسب الوسيط العقاري كمال السالم، بين حي وآخر، وبين مركز المدينة وأطرافها، وبين مدينة وأخرى، وفقا لعدة اعتبارات.
ويعتقد السالم أن صعود الإيجارات إلى 4 أضعاف ما كانت عليه قبل عودة اللاجئين أصبح ظاهرة تشمل معظم المدن، لا سيما دمشق وحلب وحماة وحمص، التي تحولت إلى مقصد رئيسي للعائدين من تركيا ولبنان والأردن.
وأوضح السالم في حديثه للجزيرة نت أن المشرع السوري أخضع عقود الإيجار، وفقا للقانون رقم 20 لعام 2015، لإرادة المتعاقدين، مما يستدعي إعادة تقييم بعض مواده في ضوء الانفلات الحاصل في سوق الإيجارات وارتفاعها إلى مستويات لا تتناسب مع دخول معظم السوريين.
وأكد أن أحد أبرز أسباب الأزمة يعود إلى عدم قدرة السوق على استيعاب الطلب المتزايد، نتيجة التراجع الحاد في حركة البناء خلال فترة الحرب، وانخفاض عدد الوحدات المعروضة حاليا، مقابل تدفق كبير للعائدين.
إعلانولفت السالم إلى أن الأزمة ضاعفت الضغوط على جيل الشباب المقبل على الزواج، إذ وجد كثيرون أنفسهم عاجزين عن تأمين سكن مستقل، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيل الاستقرار الأسري، أو العدول عنه نهائيا في بعض الحالات.
من جهة أخرى، كشفت بيانات المكتب المركزي للإحصاء (وهي مؤسسة حكومية) عن تراجع كبير في حركة البناء خلال السنوات الأخيرة.
وأفاد التقرير الإحصائي لعام 2023 أن نسبة تراجع رخص البناء السكني في عام 2022 بلغت 56% مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث تم منح 2033 رخصة مقابل 4624 رخصة في عام 2021.
كما تراجع عدد الوحدات السكنية في عام 2022 بمعدل 51%، ليبلغ نحو 8633 وحدة، مقارنة بـ17 ألفا و476 وحدة سكنية في عام 2021.
ولطالما شكلت عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم تحديا حقيقيا لخطط ما بعد الحرب. وتشير معظم التقديرات إلى أن أي سلام أو استقرار مستدام ينبغي أن يضع في الحسبان حاجة من فقدوا بيوتهم إلى مساكن بديلة، أو تمكينهم من إعادة الإعمار عبر تسهيلات مصرفية، خصوصا في المناطق غير المشمولة بمشاريع الإعمار الحكومي.
وفي هذا السياق، أعلن محافظ البنك المركزي السوري، عبد القادر حصرية، في يوليو/تموز الجاري، عن تصميم نظام متكامل للتمويل العقاري، يوفر قروضا ميسرة لتمكين المتضررين من إعادة بناء منازلهم، بدعم من مؤسسات دولية مانحة.
وقال حصرية عبر حسابه الرسمي في منصة "إكس" إن النظام الجديد يراعي احتياجات الواقع ويضع أسسا عملية ومستدامة لهذا القطاع الحيوي، موضحا أنه يتضمن تأسيس هيئة للتمويل العقاري، وصندوق ضمان، وتطوير مهنة التقييم العقاري. كما يشمل إطلاق مؤسسة وطنية للتمويل العقاري، وتمكين شركات تمويل خاصة للعمل ضمن ضوابط واضحة.
وأشار حصرية إلى أن النموذج السوري في التمويل العقاري استلهم تجربتين ناجحتين، الأولى دانماركية والثانية كندية، بما يتلاءم مع البيئة المحلية ويوفر فرص تمويل حقيقية تسهم في تحسين معيشة المواطن.
استدامة عودة اللاجئين السوريينمن جهتها، ربطت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نجاح واستدامة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بتوفر المأوى وسبل العيش. وكشفت المتحدثة باسم المفوضية، سيلين شميت، عن عودة أكثر من 1.4 مليون سوري إلى ديارهم، بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخلي.
ووصفت شميت، خلال مؤتمر صحفي عُقد في قصر الأمم بجنيف في أبريل/نيسان الماضي، المرحلة التي تمر بها سوريا بأنها "مرحلة مهمة لعودة اللاجئين بشكل طوعي". وقالت "إن العودة الناجحة والمستدامة تتطلب دعم العائدين في مجالات المأوى وسبل العيش والحماية والمساعدة القانونية."
ورأت أن الوقت قد حان للاستثمار في تسهيل عودة من انتظروا هذه اللحظة منذ سنوات. ولهذا الغرض، أطلقت المفوضية برنامجا عمليا لمساعدة 1.5 مليون لاجئ، ومليوني نازح داخلي، على العودة إلى منازلهم خلال العام الحالي. لكنها حذرت من أن النقص الحاد في تمويل هذا البرنامج قد لا يترك للعائدين سوى خيار مغادرة البلاد مرة أخرى.